تشق رؤوس التنين المصنوعة بكل مهارة طريقها وسط المياه المضطربة، وتزين بألوانها الزاهية مقدمات القوارب الرفيعة التي تقطع طريقها وسط سفن الحاويات على سواحل هونج كونج. ويجلس 18 رياضيا في كل واحد من قوارب التنين، يحركون مجاديفهم على وقع أصوات الطبول وصيحات المرشدين. ومرة تلو الأخرى، تضرب المجاديف المياه حتى تصل القوارب إلى خط النهاية على بعد مئات الأمتار. ولولا ارتداء الرياضيين ملابس رياضية براقة، ولولا وجود ناطحات السحاب في الخلفية، لكان المشاهدون اعتقدوا أنهم عادوا للوراء لمئات السنين، للزمان الذي انطلقت فيه أولى سباقات قوارب التنين. وفي هونج كونج، تم قبل عقود قليلة إعادة إحياء جديّة لهذا التقليد الصيني الذي يعود لقرون مضت. وفي عام 1976، أبحرت 9 قوارب على متنها رياضيون من هونج كونج وفريق ياباني زائر عبر ميناء فيكتوريا. ومنذ ذلك الحين، يتم إجراء سباق لقوارب التنين سنويا في اليوم الخامس من الشهر الخامس من التقويم القمري. وسرعان ما تحول الحدث الصغير إلى واحد من أكبر وأشهر الفعاليات في المدينة. وتتنافس فرق تمثل مختلف مناطق هونج كونج وشركاتها المحلية. وإضافة إلى ذلك، تزايدت أعداد الرياضيين الدوليين الذين يحصلون على تصاريح للمشاركة في المسابقة. وبلغ عدد المشاركين في سباق عام 2018، والذي أقيم أواخر يونيو الماضي، 5 آلاف. وتعد السباقات بالنسبة للمقيمين في هونج كونج اختبارا حقيقيا للقوة، وليس فقط استعراضا فلكلوريا يتم تنظيمه لجذب السياح. ويقول ماركو فرونز، وهو سويسري يعيش حاليا في هونج كونج: "قارب التنين ليس حدثا لمرة واحدة، فبالنسبة لنا هو رياضة كبيرة". ويشارك نحو 15 مليون شخص حول العالم في رياضة التجديف. ويتدرب فريق فرونز على مدار السنة ويشارك بصورة منتظمة في سباقات للتأهل لسباق ميناء فيكتوريا الكبير. ويوضح فرونز: "تقريبا لدى كل شركة فريقها الخاص. يتم أخذ الأمر على محمل الجد، وهو شرف كبير". وبالنسبة لكل من المقيمين والزوار، يمثل سباق قوارب التنين الذي يستمر على مدار 3 أيام أيضا فرصة للاحتفال. وتتحول الواجهة المركزية للميناء لتعكس أجواء احتفالية، حيث تنتشر أكشاك الطعام والألعاب الصاخبة والمائية وسط صيحات مئات الآلاف من المتفرجين الذين يشجعون فرقهم. وتكفي جولة قصيرة في أرض المهرجان ليشعر المرء بالجوع، مع انتشار أطعمة الشوارع وكذلك الأطباق الصينية. ويوضح المرشد السياحي زيلو داي، أنه يتم تقديم لفائف ال"تسونج تسي" بصورة تقليدية حصريا خلال السباقات، فهذه اللفائف، المحشوة بالمكسرات والعنب الكشمشي والمطهية على البخار أو المسلوقة في أوراق الخيزران، تعد جزءًا من تاريخهم. ووفقا للأسطورة، انتحر الشاعر الصيني تشو يوان غرقا بعدما تمكن أحد الجنرالات من السيطرة على مدينته. ومن أجل إبعاد الأسماك عن جثته، تم إلقاء عبوات من الأرز في الماء. ويهدف طبق ال"تسونج تسي" إلى إحياء ذكرى انتحار الشاعر. ولدى هونج كونج بالطبع ما هو أكثر بكثير من مجرد مهرجان للمتعة لتقدمه. فالمدينة، التي تتجاوز مساحتها ال110 كيلومترات مربعة تتمتع بخضرة ساحرة. ويمكن تقسيمها بصورة عامة إلى 3 أجزاء: جزيرة هونج كونج، وشبه جزيرة "كولون" و"الأقاليم الجديدة". وتجدر الإشارة إلى أن ثلثي المدينة، التي تتألف من 262 جزيرة، غير مطورة، و40% منها محمي بشكل طبيعي. ويقدم سوق شارع "بي هو" في حي "شام شوي بو" صورة لما كانت عليه هونج كونج قبل أن تقام بها ناطحات السحاب. فبدلا من المتاجر الفخمة المتأنقة والمطاعم الكبيرة، تنتشر المتاجر الصغيرة وتتراص المطاعم في الشوارع. وهناك الكثير من الأشياء المغرية التي يمكن رؤيتها وزيارتها على غرار Kung Wo Beancurd Factory، حيث يقول المرشد السياحي زيلو داي: "هذا المكان موجود هناك منذ ستينيات القرن الماضي، وهو بالفعل مميز. ولكني دائما أعاني حتى أصل إليه". إلا أن ما يقدم هنا من وجبات محلية خاصة يستحق مثل هذا العناء. ويتحدث السويسري المغترب فرونز بإعجاب عن وطنه الذي اختاره، ويقول إنه لا توجد مدينة أخرى يمكن أن تقدم له ما تقدمه هونج كونج. إنها الحماسة، التي يبدو أنها تجعل كل شيء ممكنا، وهي التي تبقيه هنا. ويوجز بالقول: "هنا: تسير كل الأشياء بوتيرة سريعة".