تواصل «الشروق» على مدار شهر مارس، عرض يوميات ثورة 1919، التي اندلعت أولى مظاهراتها في 9 مارس بالتحديد، وذلك لإطلاع الأجيال الشابة على أحداث هذه الثورة التي تعتبر أول حراك شعبي سياسي واجتماعي في تاريخ مصر الحديث، شاركت فيه كل فئات وطوائف المجتمع. الكتاب الذي نعتمد عليه لاسترجاع هذه الأحداث هو «تاريخ مصر القومي 1914 -1921» للمؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعي، الذي يروي في قسم كبير منه يوما بيوم حالة مصر بعاصمتها وأقاليمها وشوارعها وجامعتها في فترة الثورة. ••••• امتدت الثورة من القاهرة إلى الأقاليم، فكانت العاصمة مركزا لها، فأنباء الثورة لم تكد تصل إليها حتى ضاعفت من روح الحماسة والتضحية في نفوس أهلها، فاتسع مداها وقويت شوكتها، وتعددت مظاهرها، وهكذا تنافس الريف والحضر في رفع لواء الثورة والجهاد، وقد اقترن استمرار الثورة في القاهرة بإمعان السلطة العسكرية البريطانية في العسف والتنكيل.
دور الجامع الأزهر في الثورة: كان للأزهر دور في الثورة يجب ألا نغفل عنه، فكان الأزهريون في مقدمة صفوف المتظاهرين، وكانوا من أكثر الطلبة جرأة وحماسة وتضحية، ومن أشد العاملين على بث روح الثورة والإضراب في طبقات الشعب المختلفة، وكثيرا ما كانت المظاهرات تبدأ من الأزهر، فيتعاقب على منبرة الأزهريون وطلبة المدارس وبعض العلماء والقسس والمحامين والصحفيين والعمال وغيرهم من مختلف الطبقات، وتؤمه الجموع فيضيق بهم فناء المسجد. فكان يمتلئ كل مساء بالألوف لسماع الخطب والقصائد الحماسية التي تلقى ضد الحماية والاحتلال، وتعقد فيه الاجتماعات العامة، وتدبر المظاهرات وترسم الخطط.
تشابه الأدوار: فكان دور جامع الأزهر في ثورة 1919 شبيها بالدور الذي قام به في أول ثورة شبت في عهد الحملة الفرنسية (أكتوبر 1798)، فكان الأزهر معقل الثورة، فقد ذكر نابليون في تقريره إلى الحكومة أن (لجنة الثورة)، كانت تعقد بالأزهر.
حصار وقتل على أبواب جامع الجامع الأزهر: رأت السلطة العسكرية البريطانية أن الأزهر أصبح معقلا للثورة، فأصدرت الدوريات والقوات الإنجليزية أمام أبوابه؛ لقمع المظاهرات ومنع خروجها، فرابطت أمام أبوابه محملين بالأسلحة والمدافع الرشاشة، لكنها لم ترهب طلابه، بل اقتحموا جماعات الجند، وأقاموا التظاهرات بالقرب منهم. أثار المشهد أحد الطلبة وهجم على أحد المدافع الرشاشة واختطفه من أيدي أحد الجنود وسار به نحو زملائه عند أبواب المسجد، فألهب الحماسة في نفوسهم، لكن الجند استردوا منه الرشاش وقتلوه رميا بالرصاص. واتخذت الجماهير المتظاهرة مسالك أخرى يجهلها الجنود؛ للوصول إلى المسجد، فأخذوا يسلكون مخارم بشارع الشنواني لا يعرفها سوى الأزهريين، ومنها سطوح المنازل المجاورة ينتقلون عليها من سطح إلى أخر، كما هدموا جدارا بأحد المنازل المجاورة له لكي يصل الناس منه إلى المسجد. وغدا حلقة جديدة.....