الحركة الوطنية المصرية لم تتسع لقيام السودانيين بدور فيها السودان كان أعقد المشاكل التي واجهت الحركة الوطنية المصرية خلال النصف الأول من القرن العشرين الحركة الوطنية المصرية لم تتسع لقيام السودانيين بدور فيها تواصل «الشروق» على مدار شهر مارس عرض مجموعة من الكتب، الحديثة والقديمة، التي تروي جوانب مختلفة لتأريخ وتوثيق أحداث ثورة 1919 من الأسباب إلى المآلات. ثالث كتاب نتجول بين صفحاته هو «سعد زغلول يفاوض الاستعمار..دراسة في المفاوضات المصرية البريطانية 1920- 1924» للمفكر والمؤرخ الكبير المستشار طارق البشري، يصحبنا فيه ليستدعي أمامنا صورة واضحة لما كانت عليه مصر في هذه السنوات المهمة، 1920 إلى 1942، نجح في العودة إلى جذورها وتأصيلها، وحرص على أن يسلط الضوء على معالمها، واتبع منهجا يثير الانتباه؛ فهو يطرح التساؤلات ويتولى الإجابة عنها؛ لما في ذلك من تشويق وإقصاء للتقليدية. كما يضع لنا شخصية سعد زغلول تحت المنظار، ويبين كيف أثر فيه التكوين القانوني من حيث المناورات والإصرار أمام التعنت البريطاني على أن استقلال مصر لا يتجزأ. اعتمد البشري في استقاء معلوماته على مصادر ومراجع متنوعة: الوثائق الإنجليزية غير المنشور والمحفوظة بوزارة الخارجية البريطانية، والوثائق المصرية المنشورة، والتقارير والمذكرات والخطب والدوريات، وما كتبه المصريون والإنجليز المعارصرون للأحداث وأيضا المحدوثون. ولمزيد من الاستفادة ألحق البشري مؤلفه بملاحق اختصت بوثائق عام 1924 بشأن مفاوضات سعد زغلول- ماكدونالد وما يتعلق بها. الكتاب صدرت طبعته الأولى في 1977 والثانية في 1998، وصدرت طبعته الثالثة عن دار الشروق في 2012، ويقع الكتاب في 215 صفحة، من القطع المتوسط، وكتبت مقدمته الدكتورة لطيفة سالم، مقرر اللجنة العلمية لمركز الدراسات التاريخية بدار الشروق. ••••••
مثلت قضية السودان أعقد المشاكل التي واجهت الحركة الوطنية المصرية في النصف الأول للقرن العشرين الإدارة الإنجليزية أصدرت مجموعة قوانين بهدف فصل البناء التشريعي للسودان عن مصر السودان لم يكن فحسب من أصعب ما واجه الحركة الوطنية المصرية من مسائل، بل كان أعقد تلك المشاكل خلال النصف الأول من القرن العشرين، فرفض الانجليز العنيد الاستجابة لمطالب مصر في الاستقلال كان أكثر عندا وشراسة في الاستجابة لما تطالب به بشأن السودان. وجه التعقيد أن الحركة الوطنية المصرية لم تستطع أن تتفادى المأزق المتعلق بكونها حركة وطنية لا يشترك فيها السودانيون، مع مطالبتها في نفس الوقت باستقلال السودان عن بريطانيا ووحدته مع مصر. ويستعرض البشري توحد السودان مع مصر في عهد محمد علي بطريق الضم العسكري، والامتزاج الذي جرى على مدار السنين بين البلدين، وتشابه الطباع والتقاليد والاشتراك في اللغة والدين (الإسلام والمسيحية). ويعود البشري لرصد تفاصيل "المسألة السودانية في السياسة المصرية" باتفاقية 19 يناير 1899 التي عقدها المعتمد البريطاني كرومر مع وزير خارجية بطرس غالي، وبها نشأ الحكم الثنائي للسودان وبها سيطر الانجليز منفردين. في بدايات السنوات الأولى لاحتلال السودان، أدخلت الإدارة الإنجليزية مجموعة من القوانين على نسق القوانين الانجليزية بالهند، بهدف فصل البناء التشريعي بالسودان عن مصر.
السودان في الحركة الوطنية : الملاحظ أنه بالنسبة لموقف الحركة الوطنية الحزبية المصرية من مسألة السودان في الفترة السابقة على ثورة 1919 أن الحزب الوطني كان تقريبا هو الحزب الوحي الذي أولى هذه المسألة جزءا من عنايته، بالاحتجاج المتكرر والدوري في المناسبات على بطلان اتفاقية 1899. حصرت الحركة الوطنية المصرية مطالبا ببطلان اتفاقية 1899 في إطار العلاقات الثنائية بين مصر وبريطانيا وهي نظرة لم تكن تتسع لقيام السودانيين بدور فيها ولا لحساب دورهم، ولم تنظر الحركة الوطنية المصرية للسودان في إطار علاقة بين بلد هي مصر وأرض هي السودان، وهو أخطر ما عانت منه الحركة الوطنية في تناولها لهذه المسألة.
السودان وثورة 1919 : لم تطرح الحركة الوطنية السودان ولم تظهر إليه إشارة في أحاديث سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي مع وينجت، المندوب السامي البريطاني، ثم في حركة التوكيلات المشهورة، لم ترد إشارة إلى السودان، ثم جاءت لائحة حزب هيئة الوفد خالية أيضا من الإشارة إلى السودان، وحتى في 6 ديمسبر حدد الوفد مطالبه في المذكرة التي وجهها إلى معتمدي الدول الأجنبية، دون إشارة إلى السودان. ويستعيد البشري ما ذكره محمود سليمان غنام في كتابه "المعاهدة المصرية الانجليزية ودراستها من الوجهة العلمية" بأن خطة سعد زغلول كانت أن يترك موضوع السودان لاتفاق خاص يعقد بعد انتهاء موضوع مصر، لأن مصر القوية تستطيع الحصول على حقوقها كاملة في السودان، ولم يطرح في مفاوضاته مع ملنر حتى الجولة الأولى، إلا في الجلسة الأخيرة قائلا " إننا لم نتكلم في مسألة السودان، والسودان ومصر قطر واحد وكلاهما مكمل للآخر" قبل أن يجيبه ملنر "لنرجيء الكلام إلى فرصة أخرى".
السودان في الرؤية البريطانية : تعرض تقرير لجنة ملنر لموضوع السودان، فطع في البداية باستحالة تسويته على أسس تسوية المسألة المصرية، وذلك للمفارقة بين التجانس والتوحد المصري، وبين الكثرة السودانية وعدم توحدها، وأن الروابط بين البلدين واهية وإذا كان الدين واللغة يربطان مصر بعرب السودان، فإن زنوج السودان بمنأى عن هذا الرباط.