تتغير الأمور فى كوبا، حتى ولو كان على نحو بطئ. ويجدر على الولاياتالمتحدة المساهمة فى صياغة اتجاه هذا التغيير. هناك علامات على أن كوبا ربما تعرف التغيير أخيرا بعد خمسين عاما على الثورة التى أتت بفيدل كاسترو إلى السلطة. وفى تغيير كبير حدث الأسبوع الماضى، طرد راءول كاسترو أخو فيدل عديدا من المسئولين رفيعى المستوى. وفى حين فعل راءول كثيرا ليرفع التوقعات المتعلقة بمستويات المعيشة فى سنوات رئاسته الأولى، فهو الآن يعمل على توجيه الحكومة إلى متابعة الإصلاحات التجريبية التى أدخلها حتى الآن. ولكن قد يكون ما يحدث أيضا مجرد تعيين لموالين له يشاركونه رؤيته حول ضرورة احتفاظ النظام بقبضة محكمة على المجتمع. وتتمثل هذه النقطة الأساسية فى الحاجة إلى لتغيير فى كوبا. فقد كلفت أعاصير العام الماضى شعب الجزيرة الفقير بالفعل ما يوازى عشرة بلايين من الدولارات، أو عشرين بالمائة من الناتج المحلى للبلاد. كما قلل التباطؤ الاقتصادى العالمى دخل السياحة. وتقلص التعداد البالغ أحد عشر مليونا، جزئيا بسبب النقص فى المساكن الذى أدى بعديد من الأسر إلى الحد من الإنجاب. ويواجه الشعب الكوبى الذى وُلِد القسم الأعظم منه بعد عام 1959، مستقبلا لا يبشر بالكثير سواء فيما يتعلق بالرخاء الاقتصادى أم الحرية. يتمسك بعض المحافظون الأمريكيون باعتقادهم فى أن هذا يمثل سببا كافيا لإصرار الولاياتالمتحدة على سياستها المتجاهلة لكوبا دبلوماسيا ومعاقبتها اقتصاديا. وفى النهاية يمكن القول من حيث المبدأ إن الثورة توشك على الانتهاء، وأصبح تغيير النظام من الداخل بالإمكان. وتكمن المشكلة فى أن هذه الرؤية قائمة على الجهل بالواقع فى كوبا. فالبلاد لا توشك على مواجهة انهيار مفجع. على العكس، يمسك الحزب المتضافر مع الحكومة والجيش بالأمور على نحو جيد. ولم يعد الشعب المطمئن على حاجاته الأساسية إلى جانب فرص التعليم والرعاية الصحية، ميالا إلى التغيير الجذرى، ولا إلى الشخص الساعى إليه. وقد فشلت السياسة الأمريكية التى تعمل على عزل كوبا. ويتباهى المسئولون باستضافة هافانا الآن لعدد أكبر من البعثات الدبلوماسية أكثر من أى دولة أخرى فى الإقليم باستثناء البرازيل. ولم ينجح أيضا الحظر الاقتصادى. والأسوأ من ذلك أنه بينما لا يزال الحظر قائما، فهناك بلدان مثل كندا وكوريا الجنوبية وعشرات غيرها، يسعدها فقط تقديم العون لكوبا بتوفير الغذاء والمولدات ومواد البناء. ويجب أن يلاحظ الشاكون فى الكونجرس من ضياع فرص عمل الأمريكيين، أن الحظر يحرم آلافا من العمال الأمريكيين من العمل. وتعمل السياسة التى تحاول عزل كوبا أيضا على نحو سيئ إلى حد كبير لمساندة النظام الكوبى. إذ يوفر حظر الولاياتالمتحدة للقادة الكوبيين فرصة للتملص فيرجعون معاناة البلاد الاقتصادية إلى العقوبات التى تفرضها الولاياتالمتحدة، ويزعمون أن سياساتهم الفاشلة بريئة من ذلك. ويساعد نقص الزوار والمستثمرين الأمريكيين الحكومة فى الحفاظ على سيطرتها السياسية أيضا. هناك سبب آخر للشك فى مدى حكمة مواصلة عزل كوبا. فالبلاد تتغير، حتى ولو حدث ذلك على نحو بطئ. والقضية هنا تتمثل فى إذا ما كان بإمكان الولاياتالمتحدة التأثير على اتجاه التغيير وسرعته. ولا نريد أن نرى فى كوبا الإخفاق الذى يخلى المكان لنظام قمعى من طراز مختلف ليحل محل النظام القائم، أو الذى يؤدى إلى فوضى تتفشى فيها المخدرات والجرائم والإرهاب، أو أزمة إنسانية تحض مئات من الكوبيين على الفرار من بلادهم إلى الولاياتالمتحدة. والأجدى، أن تعمل واشنطن على صياغة سلوك وسياسة قيادة كوبا، حتى تصير البلاد أكثر انفتاحا من الناحية السياسية والاقتصادية. لا يمكن تجاهل خمسين عاما من العداء بضربة واحدة، ولكن وقت تحرك واشنطن قد حان. ويقع جزء كبير من مسئولية المبادرة على الرئيس الجديد. ويحسن الرئيس أوباما صنعا بالشروع فى حملة تعد بإتاحة حرية تحويل الأموال من الكوبيين الأمريكيين إلى أقاربهم فى كوبا وزياراتهم بصورة منتظمة، وأن تخفف من القيود السفر على الآخرين أيضا (يمكن ملاحظة بعض هذه الإجراءات فى صورة تشريعات تجد طريقها الآن خلال الكونجرس). ويستطيع أوباما أيضا البدء فى ارتباطات متعلقة بالمسائل الفنية. ويحتفظ كل من البلدين بالفعل «بقسم لرعاية المصالح»، وهو سفارة صغيرة تحت مسمى آخر فى عاصمة البلد الآخر. وهما يتشاركان أيضا فى المعلومات حول الطقس. ولكن بمقدورهما استعادة التعاون المتبادل فيما يتعلق بالتحديات المشتركة مثل منع الهجرة والمخدرات، وبداية التعاون فى شئون الأمن الداخلى ومكافحة الإرهاب. ومن المرجح أن يتطلب تجاوز الأمر والتعامل مع جوهر الحظر، أو شطب كوبا من قوائم الدول الراعية للإرهاب تصديقا من الكونجرس. ومع ذلك يجعل القانون الحالى مثل تلك الخطوات من الأمور المستحيلة. فيتطلب أن تطبق كوبا الديمقراطية قبل أن ترفع عنها العقوبات. ويرتبط ذلك بدرجة كبيرة بالإصلاح فى كوبا. فى حين تمثل الشروط المسبقة عقبات أمام سياسة خارجية فعالة. إن أمام إدارة أوباما فرصة كبيرة للبدء فى تعديل سياسة الولاياتالمتحدة قبل قمة أمريكا المزمع عقدها فى أبريل فى ترينيداد أو أثنائها. ولن تزيد أى سياسة جديدة من تأثير الولاياتالمتحدة فى كوبا فقط، ولكنها ربما تكون أيضا الطريق الوحيد الذى يمكن لأوباما من خلاله تحسين موقف الولاياتالمتحدة عبر العالم الغربى. ويمكن أن ترتبط الولاياتالمتحدة فى عملها مع الصين وروسيا، ناهيك عن كوريا الشمالية وسوريا أو حتى إيران. وبالتأكيد ينبغى أن تكون قادرة على فعل ذلك مع كوبا.