وزير الخارجية: التعاون الاقتصادي بين مصر ودول التعاون الخليجي ركيزة لتعزيز الأمن القومي العربي    رويترز: من المقرر أن يغادر الرئيس الفرنسي الأسبق السجن في وقت لاحق من اليوم    لقاء الشرع بأشد الداعمين للكيان الإسرائيلي في واشنطن يثير الجدل، والنشطاء: بداية تنفيذ مطالب أمريكا    انطلاق معسكر منتخب مصر الثاني لمواجهتي الجزائر استعدادا لكأس العرب    أيمن يونس يطالب بعودة اللجنة الفنية في الزمالك    بسبب الإصابة.. رينارد يستبعد مدافع المنتخب السعودي    الأمن يكشف ملابسات فيديو عامل يصفع سيدة فى الشرقية بعد مشادة بين والدته والمجنى عليها    «غير مستقرة».. آخر تطورات الحالة الصحية ل محمد صبحي بعد نقله للعناية المركزة    بلاغ للنائب العام ضد ياسر جلال بسبب تصريحات مهرجان وهران    احذرى، النوم بعد 1 منتصف الليل هو القاتل الصامت    رئيس جامعة قناة السويس يواصل أعمال تطوير سور الحرم الجامعي تمهيدًا للانتهاء نهاية الشهر الجاري    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    بعد 40 يوما.. تصويت حاسم بمجلس الشيوخ الأمريكي لإنهاء أطول إغلاق حكومي (تقرير)    تليجراف: دعوات لBBC بالاعتراف بالتحيز المؤسسى بعد تلاعبها بخطاب ترامب    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    انقطاع التيار الكهربائي عن 19 قرية و 7 مراكز بكفر الشيخ    سعر الذهب اليوم الإثنين 10 نوفمبر 2025.. عيار 24 ب6194 جنيها    انطلاق برنامج «مشواري» لتنمية مهارات الشباب في الشرقية    مصدر من اتحاد اليد ل في الجول: تأجيل السوبر المصري في الإمارات    «تطوير التعليم» يطلق مبادرة «شتاء رقمي» لمضاعفة فرص الحصول على الرخص الدولية لطلاب المدارس    تشييع جثماني شقيقين توفيا في حادث تصادم سيارتين بطريق خط 12 بالقناطر الخيرية    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    مصابان وتحطيم محل.. ماذا حدث في سموحة؟| فيديو    سحب 837 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    رغم مزاعم حكومة الانقلاب حول التعافى الاقتصادى..ارتفاع معدل التضخم الشهري 1.3%    البنك المركزي المصري يطرح عطاء أذون خزانة بقيمة 1.5 مليار دولار    تحت شعار «مصر تتحدث عن نفسها».. تفاصيل مشاركة الأوبرا في احتفالات اليوم العالمي للطفولة    طرح تريلر وبوستر فيلم صف تاني المشارك فى مهرجان القاهرة السينمائى    المتحف المصري الكبير يعلن القواعد المنظمة لزيارات المدارس الحكومية والخاصة    من المتحف الكبير لمعرض فى روما.. كنوز الفراعنة تهيمن على العالم    المفتي: الشائعة زلزال يهز الثقة وواجبنا بناء وعي راسخ يحصن المجتمع من الاضطراب    فى أول أيام الاقتراع ..عزوف الناخبين وعمليات تزوير وتصويت بالوكالة بانتخابات مجلس نواب السيسي    وزير الصحة يلتقي وزيرة الشؤون المدنية في البوسنة والهرسك    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وينفذون جولات استفزازية    حالة الطقس اليوم الاثنين 10-11-2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    تأجيل محاكمة «المتهمان» بقتل تاجر ذهب برشيد لجلسة 16 ديسمبر    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    ماذا يحتاج منتخب مصر للناشئين للتأهل إلى الدور القادم من كأس العالم    الزمالك يترقب القرار الرسمي من فيفا لإيقاف القيد بسبب قضية ساسي    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    التعليم: تغيير موعد امتحانات شهر نوفمبر في 13 محافظة بسبب انتخابات مجلس النواب    لماذا استعان محمد رمضان بكرفان في عزاء والده؟ اعرف التفاصيل .. فيديو وصور    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    وزير الزراعة: بدء الموسم الشتوى وإجراءات مشددة لوصول الأسمدة لمستحقيها    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    تعزيز الشراكة الاستراتيجية تتصدر المباحثات المصرية الروسية اليوم بالقاهرة    مشاركة نسائية ب«لجان 6 أكتوبر» مع انطلاق انتخابات مجلس النواب 2025    السكة الحديد تعلن متوسط تأخيرات القطارات على الوجهين القبلي والبحري    انطلاق أعمال التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمهندسين    رئيس الوزراء يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمدرسة اليابانية بالجيزة    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره المالي    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    «أنا مش بخاف ومش هسكت على الغلط».. رسائل نارية من مصطفى يونس بعد انتهاء إيقافه    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تحدثنا عن النمو بل كلمنا عن التنمية البشرية
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 10 - 2009

كم مرة خرج علينا رئيس الوزراء الحالى والسابق والأسبق لكى يقسم أن معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى يزيد، وبالتالى الاقتصاد يتحسن. وكم مرة صرخ البعض مشككا فى أرقام الحكومة ومؤكدا أن الحالة الاقتصادية «زفت».
معظمنا يتشكك فى الكثير من الإحصاءات الرسمية. ونحن هنا معذورون فى شكنا، فكفاءة الأجهزة الإحصائية فى بلادنا محدودة، كما أن طبيعة نظمنا التسلطية بما تتيحه من احتكار حكومى للمعلومات تزيد من إمكانات تزوير المؤشرات. لكن هل المشكلة تنحصر فى خلاف حول نزاهة قياس الحكومة للمؤشرات أم فى قدرة المؤشرات ذاتها على ترجمة رفاهية الناس؟
ماذا لو تحلت الحكومة المصرية بالصدق؟ ماذا لو استطعنا الخلاص من التسلط السياسى وانتخبنا بإرادتنا الحرة حكومة ديمقراطية؟ هل يعفينا ذلك من مفارقة أن تؤكد الحكومة أن معدل النمو فى أحسن حال، بينما يقسم الناس أن الحالة الاقتصادية تسوء؟ الإجابة لا. لأن هذه المفارقة موجودة أيضا فى بلاد رأسمالية متقدمة. وهو الأمر الذى يثير جدلا اليوم حول جدوى مؤشرات النمو الاقتصادى فى فرنسا بل فى الولايات المتحدة ذاتها، الذى عبر باراك أوباما فى حملته الانتخابية عن ضعف كفاءتها.
فى هذا السياق تحرك الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى منذ أكثر من عام، وقام بتشكيل لجنة «قياس الأداء الاقتصادى والتقدم الاجتماعى»، ووضعها على عاتق نخبة من أبرز علماء الاقتصاد فى العالم الخارجين على التيار السائد. فاللجنة يترأسها الأمريكى جوزيف ستيجليتز الحاصل على جائزة نوبل فى الاقتصادى والمستشار الحالى للبيت الأبيض فى عهد باراك أوباما والناقد الشديد لليبرالية. كما تضم اللجنة عالما آخر لا يقل بروزا عن ستيجلتز، وهو الهندى أمارتيا سين الحاصل هو الآخر على جائزة نوبل والذائع صيته بفضل نظرياته فى التنمية البشرية، التى صاغها بالاشتراك مع الباكستانى محبوب الحق. كما تضم اللجنة عشرات من الأساتذة العاملين فى جامعات تعد الأفضل فى أوروبا وأمريكا مثل الفرنسى جان بول فيتوسى الأستاذ فى معهد العلوم السياسية فى باريس. المهمة التى كلفت بها اللجنة كانت العمل على بناء مؤشرات جديدة.
وقد كانت حصيلة هذه اللجنة تقريرا أوليا صدر منذ نحو سنة وتقريرا نهائيا قدمه جوزيف ستيجلتز إلى الرئيس الفرنسى يوم 14 سبتمبر الماضى، الذى يوافق الذكرى الأولى لانهيار بنك ليمان برازرز، الذى كان بمثابة بداية الأزمة الاقتصادية، التى وصفت بأنها الأعنف منذ الكساد الاقتصادى الكبير فى ثلاثينيات القرن الماضى. التقرير الأولى أفرج عنه، أما التقرير النهائى فلا يزال حبيس حقيبة الرئيس الفرنسى، الذى قال إنه سيذهب به إلى قمة الدول العشرين، ويعرض نتائجه على نظرائه. إلا أن البيان الختامى لرؤساء الدول المشاركين لم يحتو على أى إشارة بخصوص مؤشرات النمو الاقتصادى. وهو الأمر الذى يذكرنا بما تعلنه أوساط المعارضة اليسارية الفرنسية أن تحركات ساركوزى فيها الكثير من الدعاية وقليل من الجدية.
فما أهم نتائج التقرير الأولى؟ أكد التقرير أن مؤشر الناتج المحلى الإجمالى وهو حصيلة جمع السلع والخدمات، التى ينتجها بلد ما خلال سنة غير كافٍ لقياس رفاهية الاقتصاد.. فهو أولا مقياس للناتج وليس لرفاهية الناس. هل يختلف اثنان على أن حوادث الطرق تعد من المآسى، التى تصيب الناس يوميا؟ إذا زادت حوادث الطرق زاد على الفور معدل النمو فى الناتج المحلى الإجمالى. فهذه الحوادث تخلق وظائف إصلاح وصيانة السيارات وإنتاج قطع الغيار أو إنتاج سيارات بديلة، وعلاج المصابين ودفن الموتى. هذا مجرد مثل بسيط يوضح أن الكثير من الظواهر السلبية تنعكس على الناتج المحلى الإجمالى بالزيادة، وبالتالى تعطى انطباعا مزيفا بالرفاهية.
مثال آخر: الفورة العقارية التى حدثت فى الولايات المتحدة، والتى ساهمت فى وقوع الأزمة الاقتصادية العالمية فيما بعد كانت تنعكس بالزيادة على الناتج الإجمالى، وهو الأمر الذى أعطى أيضا انطباعا خاطئا بأن الاقتصاد فى تقدم، بينما هو يشارف على السقوط. وهو ثانيا مؤشر لا يأخذ فى اعتباره إهلاك الأصول والثروات الطبيعية وتدمير البيئة.
ففى مصر مثلا يزيد الناتج المحلى الإجمالى بمعدلات تفخر بها الحكومة. بينما فى الحقيقة جزء من تلك الزيادة مجرد ناتج عن استنزاف ثروات مصر من البترول والغاز الطبيعى اللذين أوشكا على النضوب. وهو ثالثا مؤشر يقيس المنتجات والخدمات المطروحة للبيع والشراء فى السوق، ويغفل تماما كل الأنشطة غير المدفوعة مثل تلك التى نقوم بها فى منازلنا من أول رعاية الأطفال إلى النظافة، إلى الطهى وخلافه. وهو كلها أنشطة حيوية لرفاهية المجتمع. افترض مثلا أنك قررت فى هذا العام طلاء منزلك بنفسك بخلاف العام الماضى، الذى استعنت فيه بعمال طلاء؟ فى هذه الحالة سينخفض الناتج المحلى الإجمالى مع أن العمل قد تم إنجازه.
افترض أيضا أنك قد قررت أن تستعين بمربية لأطفالك فى مقابل أجر بدلا من أن تقوم بذلك بنفسك. هنا أيضا الناتج سيزيد لأنك فى الماضى كنت تقوم بذلك دون أجر، وبالتالى لم تكن حسابات الناتج المحلى تدخل عملك هذا فى الحساب. مؤشر الناتج المحلى لا يدخل فى حساباته أيضا كل الأعمال التطوعية فى المجتمع المدنى غير المدفوعة، وهى التى تقدر فى فرنسا بما يساوى مليون وظيفة سنويا. وهو رابعا مؤشر لا يفصح عن توزيع عوائد الناتج الإجمالى. افترض أن معدل النمو فى مصر تخطى حاجز 10% سنويا. فهل هذا يعنى تحسن أحوال الناس؟ إطلاقا. لأنه من الممكن أن تتركز عوائد النمو تلك فى جيوب أقلية محدودة من المصريين، بينما ترزح الأغلبية تحت وطأة البؤس.
للقارئ الكريم الذى درس الاقتصاد أو الذى تعرف على الفكر الاقتصادى النقدى أو اليسارى أن يحتج قائلا إن هذه اللجنة لم تأت بجديد. فبعض ما قيل سلفا درسه كاتب هذه السطور فى سنواته الأولى بكلية الاقتصاد. وبعضه الآخر قام بتدريسه فى أول محاضرة له هذا العام فى مادة «مقدمة فى التنمية الاقتصادية». وقد لا يخلو امتحان المادة من السؤال الآتى: لماذا لا تعد الزيادة فى الناتج المحلى بالضرورة دليلا على التنمية الاقتصادية ولا على المواطنين؟ وبعض هذه الانتقادات وأشد منها موجود على مواقع نشطاء اليسار الفرنسى. بل إن هناك موقعا متخصصا فى هذه القضية اسمه «لا للناتج المحلى» (NoPIB).
ما أهمية التقرير إذن؟ هل اقترح مؤشرات بديلة لقياس الرفاهية؟ التقرير الأولى لم يقدم إلا اقتراحات بالعودة إلى مؤشرات معروفة لدارسى الاقتصاد مثل الناتج المحلى الصافى، الذى يأخذ فى اعتباره الأصول المهلكة.
كما اقترح أن يتم تضمين فى المؤشر تقييم الناس أنفسهم لأوضاعهم الاقتصادية، كما طالب بالتركيز على دخل الأسر عوضا عن الناتج. أما المؤتمر الصحفى الذى عقده ستيجليتز فى جامعة السوربون منذ حوالى ثلاثة أسابيع لعرض نتائج التقرير النهائى، فهو يكاد يقتصر على الخلاصة الآتية: مؤشر الناتج المحلى الإجمالى ضرورى، ولكنه ليس كافيا. حسنا. أو ليس هذا ما تعلمناه من أمارتيا سين زميل ستيجليتز فى اللجنة المذكورة، والذى يشجعنا أن نقول فى وجه أى سياسى يستعرض معدلات النمو السريعة: لا تحدثنا عن النمو، بل كلمنا عن التنمية البشرية.
الحقيقة أن أهمية التقرير لا تكمن فى نتائجه وإنما فى الجهة التى تقف وراءه، وهو الرئيس الفرنسى اليمينى. هذا التقرير يؤذن بنهاية حقبة من تاريخ العالم تسيد فيها اليمين الفكر الاقتصادى. والدليل على ذلك أن اليمين يلجأ إلى اقتصاديين من نقاد الليبرالية وأنه يستعير من اليسار بعض مفردات خطابه. يبدو أن المرحلة الراهنة ستعيد إلى الصدارة أفكارا ونظريات قيمة أهيل عليها التراب بسبب صعود اليمين المحافظ فى العالم. فليراجع كل منا كتبه «الصفراء».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.