تحذير "عالي المستوى"، الخارجية الأمريكية تدعو مواطنيها لمغادرة فنزويلا "فورا"    الجيش الأمريكي: مقتل 4 أشخاص في غارة على سفينة يشتبه أنها تنقل المخدرات    مجانًا.. بالبث المباشر عبر موقع الفجر القنوات الناقلة المفتوحة لمباراة المغرب × ضد عمان اليوم في كأس العرب والتشكيل المتوقع وموعد اللقاء    نجوم العالم يتألقون في افتتاح مهرجان البحر الأحمر.. ومايكل كين يخطف القلوب على السجادة الحمراء    دنيا سمير غانم تتصدر تريند جوجل بعد نفيها القاطع لشائعة انفصالها... وتعليق منة شلبي يشعل الجدل    فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان    مصادرة كميات من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك الآدمي بحي الطالبية    إعلام فلسطيني: زوارق وطائرات جيش الاحتلال تطلق نيرانها على ساحل خان يونس    الحصر العددي لأصوات الناخبين في اللجنة 57 بمدينة وبندر قنا    استمرار عمليات تجميع الأصوات داخل اللجان العامة في سوهاج.. فيديو    البابا تواضروس الثاني يشهد تخريج دفعة جديدة من معهد المشورة بالمعادي    صفر صوت ل 20 مرشحًا.. أغرب لجنتي تصويت بنتائج الفرز الأولية للأصوات بانتخابات النواب بقنا    وزير العدل يلتقي وفداً من ممثلي مصلحة الخبراء    الدفاعات الأوكرانية تتصدى لهجوم روسي بالمسيرات على العاصمة كييف    محمد موسى: الاحتلال يثبت أقدامه في الجولان... والتاريخ لن يرحم الصامتين    أكسيوس: مجلس السلام الذي يرأسه ترامب سيتولى رئاسة الهيكل الحاكم في غزة    تفوق للمستقلين، إعلان نتائج الحصر العددي للأصوات في الدائرة الثانية بالفيوم    قفزة عشرينية ل الحضري، منتخب مصر يخوض مرانه الأساسي استعدادا لمواجهة الإمارات في كأس العرب (صور)    كأس العرب - يوسف أيمن: كان يمكننا لوم أنفسنا في مباراة فلسطين    محطة شرق قنا تدخل الخدمة بجهد 500 ك.ف    وزير الكهرباء: رفع كفاءة الطاقة مفتاح تسريع مسار الاستدامة ودعم الاقتصاد الوطني    بالأسماء.. إصابة 9 أشخاص بتسمم في المحلة الكبرى إثر تناولهم وجبة كشري    ضبط شخص هدد مرشحين زاعما وعده بمبالغ مالية وعدم الوفاء بها    سبحان الله.. عدسة تليفزيون اليوم السابع ترصد القمر العملاق فى سماء القاهرة.. فيديو    إعلان القاهرة الوزاري 2025.. خريطة طريق متوسطية لحماية البيئة وتعزيز الاقتصاد الأزرق    غرفة التطوير العقاري: الملكية الجزئية استثمار جديد يخدم محدودي ومتوسطي الدخل    صاحبة فيديو «البشعة» تكشف تفاصيل لجوئها للنار لإثبات براءتها: "كنت مظلومة ومش قادرة أمشي في الشارع"    د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!    الأوقاف تكشف تفاصيل إعادة النظر في عدالة القيم الإيجارية للممتلكات التابعة لها    محمد إبراهيم: مشوفتش لاعيبة بتشرب شيشة فى الزمالك.. والمحترفون دون المستوى    مصدر بمجلس الزمالك: لا نية للاستقالة ومن يستطيع تحمل المسئولية يتفضل    كرة سلة - سيدات الأهلي في المجموعة الأولى بقرعة بطولة إفريقيا للاندية    أخبار × 24 ساعة.. وزارة العمل تعلن عن 360 فرصة عمل جديدة فى الجيزة    رئيس مصلحة الجمارك: ننفذ أكبر عملية تطوير شاملة للجمارك المصرية    انقطاع المياه عن مركز ومدينة فوه اليوم لمدة 12 ساعة    "لا أمان لخائن" .. احتفاءفلسطيني بمقتل عميل الصهاينة "أبو شباب"    ترامب يستضيف توقيع اتفاقية سلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    الأمن يكشف ملابسات فيديو تهديد مرشحى الانتخابات لتهربهم من دفع رشاوى للناخبين    بعد إحالته للمحاكمة.. القصة الكاملة لقضية التيك توكر شاكر محظور دلوقتي    كاميرات المراقبة كلمة السر في إنقاذ فتاة من الخطف بالجيزة وفريق بحث يلاحق المتهم الرئيسي    اختتام البرنامج التدريبي الوطني لإعداد الدليل الرقابي لتقرير تحليل الأمان بالمنشآت الإشعاعية    ضبط شخص أثناء محاولة شراء أصوات الناخبين بسوهاج    فرز الأصوات في سيلا وسط تشديدات أمنية مكثفة بالفيوم.. صور    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    مراسل اكسترا نيوز بالفيوم: هناك اهتمام كبيرة بالمشاركة في هذه الجولة من الانتخابات    مراسل "اكسترا": الأجهزة الأمنية تعاملت بحسم وسرعة مع بعض الخروقات الانتخابية    أحمد سالم: مصر تشهد الانتخابات البرلمانية "الأطول" في تاريخها    انسحاب 4 دول من مسابقة «يوروفيجن 2026» وسط خلاف بشأن مشاركة إسرائيل    محمد موسى يكشف أخطر تداعيات أزمة فسخ عقد صلاح مصدق داخل الزمالك    دار الإفتاء تحذر من البشعة: ممارسة محرمة شرعا وتعرض الإنسان للأذى    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    سلطات للتخسيس غنية بالبروتين، وصفات مشبعة لخسارة الوزن    وزير الصحة: أمراض الجهاز التنفسي تتطلب مجهودا كبيرا والقيادة السياسية تضع الملف على رأس الأولويات الوطنية    ما الحكمة من تناثر القصص القرآني داخل السور وعدم جمعها في موضع واحد؟.. خالد الجندي يوضح    صحة مطروح: إحالة عاملين بإدارتي الضبعة والعلمين إلى التحقيق لتغيبهم عن العمل    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    الأزهر للفتوى يوضح: اللجوء إلى البشعة لإثبات الاتهام أو نفيه ممارسة جاهلية    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل الأمومة رحم؟ هل الأبوة شهادة ميلاد؟
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 12 - 2018

أرهقنى البحث عن كلمة تعبر عن فعل العطاء والرعاية الذى تمثله الأمومة والأبوة، هذا الفعل الذى يعبر عنه فى اللغة الإنجليزية بكلمة Parenting. كلمة تجمع بين العطاء والحكمة والرابط الذى لا مثيل له بين «بعض» الأمهات/ الآباء وأبنائهم. وهى تختلف عن Parenthood والذى هو الوضع الاجتماعى الناتج عن الإنجاب فيصبح الشخص «أب» أو «أم» نتيجة لمساهمته البيولوجية فى الإنجاب وعلاقته الجينية بالطفل.
الفارق بين الاثنين يفسر لنا الكثير من الألغاز فى المجتمع. ف«فعل الأمومة والأبوة» مختلف تماما عن حالة «الأبوة والأمومة»، صحيح أن هورمونات الحمل والرضاعة تعطى المرأة فرصة أكبر للارتباط بالطفل، هى أيضا تضمن للغالبية العظمى من الأطفال أم تحتضن وترعى وتحمى طفلها استكمالا لدائرة الحياة وبقاء النوع البشرى، فتجعل هذه الأم جاهزة لتحمل الضغط العصبى والجسدى الذى يأتى مع رعاية طفل رضيع بكل ما تعنيه هذه الرعاية من تضحيات فى حياتها اليومية والعملية وأولوياتها وجسدها. هذا الجزء مرتبط بكونها حملت هذا الطفل فى رحمها، لكنه تبين أنه جزيئة مهمة لكنها ليست الأكبر ولا الوحيدة فى بناء الرابط ولا فى ضمان أدائها كأم ولا سعادة وصحة طفلها.
الأيام والليالى والشهور والسنوات التالية للولادة تحمل معها لحظات تقارب إنسانى ناتجة عن وضع هذا الطفل أولوية فى الاهتمام والوقت والمجهود والالتزام الكامل لرعايته النفسية والجسدية، ينتج عنها إفراز نفس هورمونات الحب والترابط التى تفرز مع الحمل والرضاعة لدى الأم وبناء نفس الرابط عند الأشخاص المسئولين عن رعاية هذا الطفل، وهى تفرز لدى الطفل أيضا تجاه هؤلاء الأشخاص. وطول مدة هذه الرعاية فى الإنسان وهى 18 عاما للطفولة قد يكون دورها فى الرابط أقوى وأمتن من معجزة الحمل والولادة بالرغم من عمق تأثيرها وقد تفسر لنا ارتباط الإنسان بأسرته حتى آخر العمر فى حين أن معظم الكائنات تنتهى علاقتها بأسرها بعد فترة الطفولة وهو أمر لا يحدث بالضرورة فى كل الأسر والعلاقات لأن له شروطا. الإنسان مميز فى هذا الرابط والمتع الناتجة عنه والثمانية عشر أشهر الأولى أهم هذه السنوات لكن السنوات التالية كلها فرص لمد الحبل السرى كاسرا لحواجز الرحم والجينات.
***
فهو رابط لا علاقة له بكونك أبا أو أما، ففى بعض البلدان مثل السويد التى تعطى عاما ونصف العام إجازة ل«الأسرة» لرعاية الطفل الرضيع مدفوعة الأجر تشترط أن يأخذ الأب منها 3 أشهر إجازة من عمله وألا تسقط شهور إجازته المدفوعة من حصة الأسرة ككل. هذا جعل المفاهيم تتغير لدى المجتمع والذى كان مثل مجتمعنا يقرن فعل رعاية الطفل ب«الأنوثة» ويسخر من رؤية أب يتجول بعربة أطفال فى الحديقة أو يدخل حماما عاما ليغير الحفاضة لطفلته أو يلتقطها ليطعمها. مع مرور السنوات بدأت الدراسات الاجتماعية والطبية تبين التأثير الإيجابى الذى أحدثه هذا التقارب على المجتمع والطفل والأب نفسه. لوحظ أن الأطفال اهدأ عندما يتبادل الأمهات والآباء الأدوار التربوية بشكل أفضل لأن الأب أصبح أكثر تفهما لصعوبة الدور الذى كانت الأم تلعبه وحدها، ولأن الأم أصبحت تقتسم المسئولية اليومية فأصبحت أقل توترا وإرهاقا. التأثير الإيجابى على شخصية الرجل بدأ يظهر مع زيادة متعته بفعل الأبوة، فلم تعد الأبوة تعنى مزيدا من الأعباء المادية والتقييد فى الحرية الشخصية لكن أصبح يثمن لحظات تقاربه مع ابنته والتى تفاجئنا فى مواقف لا نتوقعها مثل أن تقع الطفلة وتبكى فتختار أن تجرى علينا لنحتضنها، هذه اللحظة التى كانت حكرا على الأم بحكم أنها «استحقتها» بفعل الأمومة اليومى، أصبح الأب أيضا يستحقها ويستمتع بها. والأمثلة لا نهاية لها عبر سنوات نمو الطفل وأوقات مرضه وإخفاقاته مع أصدقائه وفى دراسته، كلما لجأ لنا الطفل اطمأن قلبنا للرابط، شعرنا بالفخر أنه اختارنا ليلجأ إلينا، واستمتعنا بالحب والحضن العفوى لهذا الكائن الذى لم تلوثه بعد الأيام.
نفس هذا التأثير «لفعل الأمومة والأبوة» لوحظ فى الأسر التى تبنت طفل، أو الأسر التى تقوم فيها الجدة أو الخالة مثلا بدور الأمومة، ففعل الأمومة والأبوة وتأثيره على الرابط مع الطفل كان قويا خاصة بعد أن أصبح المجتمع أكثر قبولا لفكرة التبنى «الكفالة فى المجتمع الإسلامى». لم تعد الأسرة تخفى عن الطفل حقيقة أن له أبوين بيولوجيين آخرين لم يستطيعا لسبب خارج عن إرادتهما رعايته وأن اختلاف جيناته عن أمه وأبوه اللذين ربياه لا علاقة له بحبهما له أو كونهما أسرة بالمعنى العميق، والقوانين حتى فى الدول غير المعنية لأسباب دينية بالنسب أصبحت تضمن للطفل حق معرفة أصله البيولوجى عندما يكبر. ومع تعود المجتمع سقطت الوصمة التى كانت تلاحق الطفل المتبنى وقلت المشكلات، وأصبحت الأسر المحرومة بيولوجيا من الإنجاب مستمتعة بالجوائز الثمينة التى تأتى مع الأبوة، وأصبح الطفل المحروم من أسرته البيولوجية يتربى فى ظروف أسرية أقرب كثيرا من الطبيعة عن تربيته داخل مؤسسة إيوائية.
فإذا نظرنا إلى فعل رعاية الطفل الذى يتطلب حبا غير مشروط والتزاما وإحساسا بالمسئولية وجهدا ووقتا وتفكيرا وأحيانا حيرة تدفعنا إلى مذاكرة أساليب التربية وسؤال من سبقونا فى التجربة، كل هذه الاستثمارات التى تجعل منا آباء وأمهات ناجحين ومستمتعين، غير مرتبطة بكوننا رجالا أو نساء ولا بكوننا حاملين لجينات الطفل أو لا، فليست كل أم بيولوجية تحمل هذه الصفات ولا هى مهتمة أن تتعلمها، هذه الصفات والمهارات نتعلمها وننميها سواء كنا رجالا أو نساء وقد نمارسها مع أبناء أصدقائنا أو إخوتنا وهى فى الآخر تعتمد على رغبتنا فى العطاء وإحساسنا الصادق بالطفل، ومع الوقت يقوى رابطنا مع الطفل وقد يتخطى الحبل السرى فى قوته وامتداده عبر الأيام.
***
«فعل الأمومة والأبوة» لا يأتى بالإنجاب (رأينا أمهات يتركن الطفل لمربية، وآباء تجبرهم الظروف على الحياة فى الغربة بعيدا عن أبنائهم فتنحصر علاقة الاثنين بالأبناء فى تنظيم حياتهم وليس مشاركتهم فيها). هذا الفعل يأتى معه لذات ومتع إنسانية تستحق أن نرفع أصواتنا بإعادة تفكير هذا المجتمع فى وضع الأب وفى فكرة التبنى أو الكفالة الكاملة (مع الالتزام بما يوفره القانون من ضوابط تمنع خلط الأنساب). فمن خلال أبنائنا نرى العالم مرة أخرى بأعين الطفل، أبناؤنا يأخذوننا أماكن ليتنزهوا فنتنزه معهم، نتابع دراستهم فنكتشف أن زمنهم تغير فيه التعليم والعلم، نشاركهم ألعابهم فيطلعونا على عوالم من الألعاب الجديدة، نرتب رحلاتنا لتناسب أعمارهم فنزور أماكن سياحية وتاريخية لم نزرها منذ طفولتنا، نشاهد معهم أفلام ونقرأ كتب تمتعنا لكننا لم نكن لنطلع عليها لولاهم، نكتشف أن زمنهم به تحديات ومصاعب مختلفة عن زمننا فنتعلم. كل هذه اللحظات وأكثر تقربنا منهم لكنها أيضا تقربنا كزوجين، فالأب أو الأم إذا اشتركا فى فعل الرعاية تحولت كثير من الأعباء والواجبات إلى لحظات حميمة، فالمشاركة فى رعاية طفل ورؤيته يكبر أمامنا بلحظات الفرح والانتصار ولحظات الخوف والقلق والحزن إذا ما عشناها معا تعمق العلاقة بين الزوجين بشكل لا تماثله علاقة أخرى، وإذا لم نتشارك فهى تضمن للطفل ملء وعائه العاطفى ودفة تربوية على الأقل من أحد الأبوين.
كل ما سبق من تجارب ثرية ومتع لا يحدث إلا بالنية والجهد الصادق والانغماس فى التفاصيل اليومية لحياة الطفل سواء كنت أما أو أبا، حاملا لجينات الطفل أو لا. التجربة تتطلب أن يكون لدينا اشتياق ورغبة لخوضها وتقدير لقيمتها أبعد من مجرد بناء كيان اجتماعى. الأبوة ليست شرطا لاكتمال السعادة وتحقيق الذات فأبواب السعادة والرضا فى الدنيا كثيرة وتجربة الأبوة أحد أثمنها لكنه ليس الأوحد. مثل كل ما هو ثمين فالحصول عليه ليس سهلا وليس مسلما به لمجرد الإنجاب لكن عمق التجربة وعائدها الإنسانى كبير. فلماذا يحرم منه الرجل؟ ولماذا يحرم منه زوجان يتمناه؟ والأهم: لماذا يحرم منه أطفالنا؟
هنا أبو الغار
أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.