يحكى كتاب Currency Wars 2) حروب العملات 2) وهو كتاب صينى صدر أخيرا ويُعد الأكثر مبيعا حاليا عن مجموعة من المصرفيين والسياسيين من دول مختلفة، يتآمرون من أجل فرض عملة كونية على العالم. أما فى الصين، فلا تقتصر الدعوة إلى إقامة نظام نقدى جديد على منظرى المؤامر. فقد أحدث زهاو جياتشوان، محافظ بنك الصين الشعبى (البنك المركزى الصينى) هزة فى الأسواق قبل نحو ستة أشهر، حين أوصى بإصلاح النظام النقدى العالمى، من أجل إنهاء دور الدولار كعملة الاحتياط العالمى. فقد قال السيد زهاو، فى خطابه الذى كان بمثابة أطروحة فكرية أكثر من كونه سياسة رسمية: إن جميع الدول سوف تستفيد إذا جرى استبدال الدولار بعملية احتياط عالمى جديدة. واقترح أن تكون هذه العملة هى حقوق السحب الخاصة (وهى سلة من العملات يستخدمها صندوق النقد الدولى كوحدة قياس للاحتياطات الرأسمالية الخاصة به). وقد كرر مسئولون صينيون رفيعو المستوى تلميحات السيد زهاو بشأن مساعى الصين للحد من الاعتماد على الدولار. وعبر رئيس وزراء الصين ون جيا باو عن قلقه بشأن تدهور المالية العامة الأمريكية، وطالب الولاياتالمتحدة ب«الحفاظ على رصيدها الجيد واحترام تعهداتها وضمان سلامة الأصول الصينية». غير أن الصين ليست مستعدة على الأرجح لإحداث قطيعة راديكالية مع الممارسات الحالية. ويتمثل أحد أسباب ذلك فى أنها إذا أرادت أن تجعل حقوق السحب الخاصة عمله الاحتياط لديها، فإنها ستقوم بذلك منفردة، بالنظر إلى العديد من الاعتبارات العملية. ذلك أن حقوق السحب الخاصة ليست عملة مستقلة بذاتها، بل إنها أوزان نسبية محسوبة من الدولار والإسترلينى واليورو والين. وإذا أراد بنك مركزى فى دولة ما أن تكون عملة الاحتياط لديه هى حقوق السحب الخاصة، فما عليه إلا امتلاك هذه العملات بنفس النسب الموجودة لدى صندوق النقد الدولى. وسوف يؤدى ذلك إلى تنويع المخاطر، حيث إن التذبذبات فى أسعار العملات سوف تلغى آثار بعضها البعض إلى حد ما. وإذا أرادت الصين الحفاظ على القوة الشرائية لاحتياطاتها لتغطية الواردات فبإمكانها الاحتفاظ بالمزيد من اليورو والين، بالنظر إلى أن اليابان والاتحاد الأوروبى هما الموردان الرئيسيان للصين. لا عبر امتلاك محفظة تشبه حقوق السحب الخاصة. غير أن بكين لا تبدو راغبة فى اتخاذ مثل هذه الخطوات. ويبدو أنه لا يوجد معنى لإجراء تغير مفاجئ فى السياسة النقدية الصينية فى ضوء العلاقة التكافلية بين واشنطنوبكين. ويُعتقد أن الصين لديها ما قيمته أكثر من 1500 مليار دولار، معظمها فى صورة سندات حكومية أمريكية نتيجة تضخم الفائض التجارى لديها خلال العقد الماضى. وتعتمد واشنطن التى ليس من المتوقع أن يتقلص عجزها المالى فى المستقبل القريب على استعداد الصين المتجدد لشراء الديون الأمريكية. لكن الصين ليس لديها خيار فى حقيقة الأمر. ذلك أن تخليها عن كميات كبيرة من الدولار يمكن أن يؤدى إلى انخفاض حاد فى هذه العملة يجذب معه إلى أسفل مخزون الثروة المقيمة بالدولار. وقال جو شوكينج، رئيس بنك التعمير الصينى والرئيس السابق لإدارة النقد الأجنبى، للفايننشيال تايمز فى يونيو الماضى إنه «فى الأجل القصير، لا أعتقد أننا يمكن أن نجد عملة أخرى كى تحل محل الدولار». وفى واشنطن أيضا، يتجاهل المسئولون التصريحات الصينية بشأن استخدام عملة احتياط بديلة للدولار. وصرح أحد كبار صانعى السياسة الاقتصادية بأن «هذا الكلام لا يصدر عن أشخاص راشدين»، مشيرا إلى أن تصريحات السيد زهاو موجهة للسياسات المحلية. ومع ذلك، تلقى الفكرة بعض القبول، حيث أعرب الرئيس الروسى ديمترى ميدفيديف عن اهتمامه بها. غير أن المقترحات الأكثر راديكالية قد جاءت من أطراف أخرى. ففى سبتمبر، دعت منظمة الأممالمتحدة للتجارة التنمية (أونكتاد) فى تقرير التجارة والتنمية الذى أصدرته إلى إصلاح النظام النقدى العالمى. وقبل ذلك، فى يناير الماضى، قدمت لجنة ترأسها الحائز جائزة نوبل فى الاقتصاد، جوزيف ستيجليتز، توصيات بهذا الشأن إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأشارت هذه التوصيات إلى النقائص العديدة فى النظام الراهن، مثل الافتقار إلى الحوكمة النقدية على المستوى العالمى لأجل منع حدوث اختلالات يعتقد الكثيرون الآن أن سببها هو فقاعة الائتمان التى لم تكن قابلة للصمود. حيث يجعل تضخم العجز الدول المدينة عرضة لحدوث انقطاع مفاجئ فى التدفقات النقدية الدولية، مما يؤدى بدوره إلى حدوث ارتباك فى اقتصادات بلدان مثل دول البلطيق. من ناحية أخرى، فإن دول الفائض التى لديها احتياطات دولارية تصبح عرضة للأضرار الناجمة من انخفاض سعر الدولار وهو يظل احتمالا كبيرا فى ضوء تزايد العجز الأمريكى، وحالة التراخى الشديد التى تكتنف السياسة النقدية الأمريكية. ويوجَه انتقاد آخر للنظام النقدى الحالى فى أنه يعطى الولاياتالمتحدة ميزة لا تستحقها. ذلك أن الاحتياطات المستثمرة فى أذون الخزانة الأمريكية تعطى عائدا منخفضا. وفى واقع الأمر، فإن التراكم الضخم من الاحتياط الدولارى لدى الدول الصاعدة مثل الصين يمثل دعما لدافعى الضرائب الأمريكيين. غير أن التعامل مع هذه الانتقادات يتطلب القيام بأشياء تتجاوز الأفكار التى أطلقها الصينيون. ولن يؤدى التحول من الدولار إلى حقوق السحب الخاصة إلى القضاء على الدعم الضمنى الذى تقدمه البنوك المركزية فى الدول الفقيرة لقروض الدول الغنية بل إنه فقط سيجعل الولاياتالمتحدة تتشارك مع الدول الأخرى التى تُشكل عملاتها حقوق السحب الخاصة فى الحصول على هذا الدعم. كما أنه لا يتعامل مع الدوافع وراء الاحتفاظ باحتياطات كبيرة. وهذه ترتبط بالخوف من الهروب المفاجئ لرأس المال قصير الأجل، كما حدث فى ظل الأزمة المالية الآسيوية عام 1997. وتحرص دول آسيوية عديدة على تجنب تكرار هذا الهروب. وقد اقترح السيد زهاو توسيع سلة العملات التى تشكل حقوق السحب الخاصة لتشمل عملات دول صاعدة مثل العملة الصينية رينمينبى التى تسعى الصين لتوسيع نطاق استخدامها كوحدة الحساب فى صفقات التجارة الثنائية. وإلى أن تسمح الصين للرينمينبى بأن تصبح عملة قابلة للتحويل مئة فى المئة وهو ما سوف يعرضها لاحتمال هروب التدفقات النقدية فإن القليل من البنوك المركزية وربما لا أحد منها على الإطلاق سوف يجد نفسه مدفوعا لاستخدام هذه العملة كاحتياط.. وكى تقع حقوق السحب الخاصة فى مصيدة التحول إلى عملة بالمعنى الكامل للكلمة، فإن على صندوق النقد الدولى أو أى هيئة دولية أخرى أن يلعب دور البنك المركزى، بما فى ذلك اتخاذ قرار بشأن عدد حقوق السحب الخاصة التى سيجرى إصدارها استجابة لحالة السيولة العالمية والطلب على الاحتياط، وكيفية تخصيص وحدات السحب الخاصة للدول المختلفة (وهى حاليا تتناسب مع حصص الدول فى صندوق النقد الدولى الذى تتمتع الدول الأغنى بحصص أكبر فيه). تهدف كل من الأونكتاد ومجموعة ستيجليتز إلى إرساء قواعد عقابية من شأنها الحد من الفوائض الكبيرة وتراكم الاحتياطات. كما أن الأونكتاد تدعو أيضا إلى تثبيت أسعار الصرف. غير أن هذه المقترحات تتجاوز كثيرا ما اقترحته أى دول كبرى. وحيث إن وضع هذه الاقتراحات موضع التنفيذ سوف يتطلب من الدول التنازل عن جزء كبير من سيادتها كما فعلت الدول الأوروبية عندما أنشأت اليورو، فإن احتمال أن تقدم الصين ودول صاعدة أخرى على القيام بمثل هذه الإصلاحات يظل ضعيفا.