بالطبع لا أعلم شيئا عما إذا كان رئيس الوزراء جوردان براون سبق وأن تلقى علاجا طبيا من مرض ما، لكنى أعتقد أن قضية مرض رئيس الدولة أو رئيس الحكومة مهمة جدا. وتتمحور الأطروحة المركزية لكتابى الأخير فى أنه خلال المائة عام الماضية كان التردد والقرارات الخاطئة نتيجة لمرض القادة هو واحد من العوامل التى خلقت الحكومات الضعيفة. ومع ذلك ليس هناك الكثير من البحوث التى ترصد العلاقة بين مرض القادة وضعف القرارات. وجدت مقالة نشرت فى 2006 أن 29% من رؤساء الولاياتالمتحدة عانوا من أمراض نفسية أثناء توليهم السلطة، وأن 49% عانوا من هذه الأمراض خلال فترة ما من حياتهم. هذه نسب أعلى مما كنا نتوقع خاصة عند مقارنتها مع نسب الإصابة بهذه الأمراض بين أفراد الشعب. وبين 1906 و2006 واجه سبعة رؤساء أمريكيين تحقيقات حول إصابتهم بأمراض عقلية أثناء توليهم مناصبهم، وهم ثيودور روزفلت المصاب بالهوس الاكتئابى، ووليم هاورد تافت المصاب باضطراب فى النوم، وكل من دوور ويلسون، وكيلفن كوليدج، وهربرت هوفر المصابون باكتئاب حاد، وليندون جونسون مصاب بالهوس الاكتئابى، وأخيرا رديتشارد نيكسون وهو مصاب بالإدمان على الكحول. كما أن عددا من القادة فى دول أخرى أصيبوا أيضا بأمراض عقلية أو نفسية، بعضهم استطاع أن يخفى مرضه عن المقربين منه، وعن عامة الشعب، لكن يجب أن يكون من اللازم أن يعترف القادة بحالتهم الصحية. حيث إنه من الضرورى معرفة ما يعانيه القادة من أمراض من الممكن أن تضعف قدراتهم على القيادة. وإذا عرف الناخبون بصورة مستقلة حقيقة صحة المرشحين، سيكون عليهم عند ذلك أن يقرروا ما إذا كان مرض القادة سيؤثر سلبا على عملهم. ليس هناك من شك على أن التعامل مع المرض يمكن أن يغير من شخصية الإنسان، لكن هذا التغير يمكن أن يكون للأحسن، فها هو فرانكلين روزفلت المصاب بشلل الأطفال مثال على أن المرض يمكن أن يصنع إنسانا مختلفا، كما أن إصابة جون كينيدى بمرض أندرسون يبرز كيف علينا ألا نضع المرض عاملا معيقا للوصول إلى أعلى المناصب فى الدولة، فرجال الدولة الذين تغلبوا على آثار أمراضهم، كانوا أكثر انضباطا وحكمة خلال مدة حكمهم. فعندما تولى كل من ثيودور روزفلت وونستون تشرشل رئاسة الحكومة كانت معاناتهم أقل والتعامل معهم أسهل، ربما بسبب أن مسئولياتهم الضخمة التى تحملوها كانت سببا فى خروجهم من مشاكلهم الخاصة. ومع ذلك، فإن العلاقة بين المرض والقدرة على القيادة ليست دائما مباشرة، فهى علاقة يجب أن تدركها المجتمعات الديمقراطية أكثر، فلم يكن القادة الديمقراطيون أمثال ويلسون وفرانكلين روزفلت وتشرشل وكينيدى وجونسون ونيكسون وجورج بومبيدو وفرانسوا ميتران وتونى بلير على قدر ثقة ناخبيهم وإعلامهم بحقيقة مرضهم. عندما التقى جون كينيدى الزعيم السوفييتى نيكيتا خورشوف فى فيينا عام 1961، كان أداء كينيدى الرئاسى تراجع بشكل خطير، حيث ساهم مزيج من آلام الظهر والحقن غير المنتظم من الأمفيتامينات لمعالجه الدكتور ماكس جاكوبسون (المعروف بدكتور فيل جود) كانت قد تفاعلت مع أدوية مرض أديسون لتتسبب فى حالة من الإرهاق والأرق وتقلبات فى المزاج والتى قللت بشكل حاد من قدرات الرئيس. لكن لحسن الحظ تم تصوير الصواريخ السوفييتية فى كوبا فى 16 أكتوبر 1962، التى أثبت فيه الرئيس قدرة على القيادة، على الرغم من استمرار تعاطيه العلاج. من البداية عرف كينيدى أن قادة جيشه يريدون القيام بغارة جوية قوية وفورية إضافة إلى اجتياح كوبا، لكنه قرر أن يأخذ وقته وألا يسمح للقادة بأن يكونوا المصدر الوحيدة للمشورة السياسية والعسكرية، لقد صار الآن شخصا مختلفا عن ذلك الذى بكى وانفعل عاطفيا عند فشل عملية خليج الخنازير فى أبريل 1961، أو ذلك الشخص المهزوز والمحطم العائد من فيينا فى يونيو من نفس العام. تدفع الأمراض النفسية السياسيين ليكونوا أكثر تكتما وذلك بسبب الرأى العام الشعبى الذى يرى المرض النفسى أخطر من المرض العضوى، وهو ما يدفع بعض الأطباء إلى القول أن نشر معلومات عن الحالة النفسية للسياسيين يتطلب إجراءات استثنائية، مع إخفاء بعض المعلومات الأكثر حساسية. لكن انتقاء ما يتم الكشف عنه ليس مقبولا، وعليه يجب على السياسيين أن يساهموا فى توعية الجمهور وأن يثقوا فى حكمهم. فالسياسيون يخشون أن يؤدى الكشف عن مرضهم النفسى إلى تدمير فرص ترشحهم، فهم يذكرون تجربة السيناتور توماس إيجلتون، الذى أجبر على الاستقالة قبل الانتخابات الرئاسية فى العام 1972، عند تسريب معلومات عن أنه أصيب بثلاث نوبات اكتئاب. فى أغسطس 1998، عانى كجيل ماجنى بوندفيك، رئيس وزراء النرويج من الاكتئاب الشديد. وقرر الاستقالة، وناقش الأمر مع وزير الخارجية، وأعلنوا عن معاناته من الاكتئاب. وبعد أربعة أسابيع من العلاج عاد الى العمل. وكانت صراحته محل إعجاب الشعب النرويجى، وساهمت صراحته فى محاربة وصمة العار التى يحملها المرض العقلى. فعلى رؤساء الحكومة أن يعلنوا عن حالتهم الصحية، وعلى الإعلام واجب كشفهم عند إخفاء الحقيقة. على ألا تكون تغطية مبالغا فيها مثل التغطية التى كانت بحق توماس وودرو ويلسون الرئيس الثامن والعشرون للولايات المتحدة ولا متواطئة مثلما حدث أثناء تغطية مرض كينيدى. ولكن ما يؤخذ على محمل الجدية أن الرئيس الفرنسى ميتران استطاع التستر على مرضه بسرطان البروستاتا لأكثر من 11 عاما. وذلك بالرغم من تعلم درس من الماضى بعد وفاة الرئيس الفرنسى الأسبق جورج بومبيدو فى مكتبه عام 1974 والذى أخفى مرضه عن الشعب الفرنسى. كنت أعتقد أن الانفتاح الذى تعامل به الرئيس بوش الأب مع مرضه بالنشاط الزائد للغدة الدرقية، وإعلانه مرضه بالقلب فى 1991 يعنى أننا نستطيع توقع الصدق فى القرن الحادى والعشرين، ولكن هذا لا يعنى أن يكون الصدق دوما فى حالات مثل بلير، وجورج بوش، وجاك شيراك، وأريل شارون الذين تستروا على مرضهم. هل يجب على المجتمعات الديمقراطية أن تضمن أن لديها المعلومات التى تحتاجها عن صحة زعمائها؟ كانت الجماهير فى الماضى تعتمد على البيانات التى يلقيها الأطباء الشخصيون لرؤساء الحكومات والدول. ولكن وضع المسئولية الأولى على الطبيب الشخصى يعنى أنهم لا يمكن أن نتوقع منهم الموازنة ما بين مصلحة مرضاهم ومصلحة الدولة. فالطبيب الشخصى غير متوقع منه الجمع بين الأمرين، وعندما يقومون بالجمع بينهما، عادة ما يفشل الأمر. وحاول اللورد موران، الطبيب الشخصى لتشرشل، الخلط بين الدورين، واللورد مورين هو أحد الأطباء البارزين فى بريطانيا، ورئيس الكلية الملكية للأطباء. ولكن باءت محاولته بالفشل. وانتقده المجتمع البريطانى بشكل حاد تحديدا فى عام 1953، لأنه كان مضللا لبياناته العامة عن صحة تشرشل. وكان الأمر سيكون محسوما إذا أسست مهنة الطب ميثاقا أخلاقيا يتناول تنظيم النشرات الطبية العامة للشخصيات البارزة. وأحد أهم الإرشادات فى رأيى أن تكون «النصيحة الشخصية للطبيب تظل شخصية». من كتاب (مرضى فى السلطة: المرض فى حياة رؤساء الحكومات لأكثر من 100 عاما) للورد ديفيد أوين، الناشر: ميتهوين جارديان الإخبارية