بعد ثمانية أشهر من تولى باراك أوباما الرئاسة، متعهدا بإعطاء دفعة عاجلة لعملية السلام الفلسطينى الإسرائيلى، توقف هذا الجهد على نحو سىء. وهناك الآن مخاوف متنامية من أن فريق أوباما للسلام تمزقه الخلافات الداخلية التى ربما تقوض جهود السلام بالكامل. وظهرت بعض هذه المشكلات خلال لقاءين رفيعى المستوى أجراهما أوباما فى نيويورك فى الأسبوع الماضى. فبينما كان الرئيس يتحدث إلى وسائل الإعلام، عقب الاجتماع الثلاثى الذى عقده مع الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين، تجنب التطرق إلى فشل الحملة الواسعة التى شنها مع مبعوثه الرئيسى للسلام، جورج ميتشل، من أجل «إقناع» الحكومة الإسرائيلية بوقف بناء المستوطنات فى الضفة الغربية. وبدلا من ذلك، أعلن أوباما مشروعا جديدا: استئناف المباحثات التى توقفت طويلا بين الطرفين، على أساس شروط السلام النهائى بينهما. واعتبر معظم المراقبين ما حدث ذلك اليوم تسجيلا لانتصارين مميزين حققهما بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى. فقد اضطر أوباما فعليا للتخلى عن حملته لتجميد المستوطنات. واضطر محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية المؤقتة، للالتقاء بنتنياهو على الرغم من تعهده السابق بأنه لن يتباحث معه قبل تجميد المستوطنات. وبالنسبة لبعض الأمريكيين المؤيدين للسلام، فمن بين النقاط المضيئة فى ذلك اللقاء، إعلان أوباما أمام وسائل الإعلام أن السلام يمثل مصلحة أساسية ليس للأطراف المعنية مباشرة فحسب، وإنما للولايات المتحدة أيضا. وفى اليوم الذى تلاه، أعلن أوباما فى خطابه المهم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التزامه العلنى بالسعى من أجل تحقيق «سلام عادل ودائم بين إسرائيل وفلسطين والعالم العربى»، وإن كان من الواضح أن ذلك ليس على أجندة الإنجاز السريع. وقال أيضا: «نحن نواصل التأكيد على أن أمريكا ترفض مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية». وعلى الرغم من أن عددا كبيرا من المعلقين فى كل من العالم العربى وفى «معسكر السلام» الإسرائيلى الذى تضاءل كثيرا، رأوا أنه نظرا لأن أوباما لم يتجاوز مرحلة القول فى مساعيه لتجميد بناء المستوطنات، يبدو أنه لا يكاد يكون هناك سبب للأمل فى أنه سوف يتجاوز هذه المرحلة فى مساعيه من أجل تسوية سلمية أوسع نطاقا. وفى نفس الوقت، كانت هناك دلائل مثيرة للقلق على الشقاق بين الفريق الذى يتألف من أوباما وكبار أعضاء فريق السلام. ويرى مراقب عربى وثيق الصلة أن تحول تركيز أوباما من تجميد الاستيطان إلى قضية الوضع النهائى، دليلا على خيبة أمل الرئيس فى النهج الذى استخدمه ميتشل حتى الآن. وقال هذا المراقب إنه يعتقد أن ميتشل أولى اهتماما أكثر من اللازم للضغط من أجل تجميد الاستيطان، الذى كان يعتبر مجرد خطوة مؤقتة فحسب. بينما اعتبره ميتشل وآخرون جزءا من صفقة تضم بعض التنازلات من الدول العربية تساعد فى بناء ثقة أولية بين الأطراف. ولكن كلا من نتنياهو والدول العربية الأقوى نفوذا يحجمون عن تقديم ما يطلبه نتنياهو. وفى نفس الوقت، تم إهدار العديد من الشهور الثمينة وهى الشهور التى استمر فيها بناء المستوطنات مع القليل من فترات التوقف. وأوضح المراقب العربى فهمه لنهج ميتشيل كما أوضحت وساطته الناجحة فى أيرلندا الشمالية إبان التسعينيات على أنه ينطوى على مشاركة مفاوضين من الأطراف المتحاربة، فى مباحثات وجها لوجه يمكن من خلالها أن تذوب تدريجيا مخاوفهم وانعدام الثقة بينهم. ولاحظت محللة أخرى من واشنطن أن ذلك النهج ربما يكون مفيدا فى أيرلندا الشمالية، أو جنوب أفريقيا، حيث كان الهدف هو مساعدة الأطراف المتحاربة على العثور على طريقة للتعايش معا لمدة طويلة داخل دولة واحدة. وقالت: «ولكن فى حالة إسرائيل وفلسطين، نحن نتحدث عن طلاق»، وأضافت: «هذان الطرفان لا يريدان الحديث إلا عن شروط ذلك الطلاق، وكيفية إجرائه بصورة ناجحة». وهناك دليل آخر على وجود شقاق داخل البيت الأبيض، ظهر فى مقابلة أجراها رام إيمانويل كبير معاونى أوباما مع المذيع التليفزيونى شارلى روز، وكرر مرتين أن الولاياتالمتحدة «لا تريد السلام بأكثر مما يريده (الأطراف)». وكانت تلك صيغة تستخدم كثيرا فى عهد إدارتى كلينتون وبوش الثانى، للدلالة على أنه إذا نشأ خلاف بين واشنطن وإسرائيل بشأن دبلوماسية السلام، فإن واشنطن سوف تتراجع عن موقفها. وفيما يتعلق بالخطوات التالية فى الدبلوماسية التى تقودها الولاياتالمتحدة، قال أوباما يوما إنه طلب من نتنياهو وعباس إرسال مفوضيهما إلى واشنطن «الأسبوع المقبل»، وطلب من وزيرة خارجيته هيلارى كلينتون أن ترفع إليه فى منتصف أكتوبر تقريرا عن حالة هذه المفاوضات. وبثت وكالة «معا» الإخبارية من بيت لحم الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلى أن صائب عريقات سوف يشارك فى المحادثات المقرر بدؤها أول أكتوبر. وفى واشنطن، حذرت المفاوضة الفلسطينية المحنكة حنان عشراوى من أن فشل أوباما فى تجميد الاستيطان، وما أظهره من تردد بالغ إزاء محاسبة إسرائيل على تحديها، لم يضعف مركزه فحسب بين الفلسطينيين والعرب الآخرين، وإنما أضعف مركز محمود عباس أيضا. وقالت، مستخدمة الاسم الذى يطلقه الفلسطينيون على عباس: «أدت العملية التى خاضها أوباما حتى الآن برمتها، إلى فقدان أبومازن الكثير من المصداقية لدى الشعب الفلسطينى». وأضافت: «بالنسبة للفلسطينيين، من المهم للغاية ألا يكون زعيمنا هو الذى يقدم التنازلات دائما». وأوضحت عشراوى، والتى كانت عضوا فى الوفد الفلسطينى خلال محادثات مدريد1991، إنها ترى أن خطاب أوباما أمام الجمعية العامة ربما «أنقذ» سياسته على نحو ما. واستطردت: «لقد قال الشىء الصحيح هناك. ولكننا نريد أن نرى ما إذا كان يستطيع أن يتخذ التحركات الصحيحة». ورأت أن التطورات الأخيرة فى الدبلوماسية، أضعفت عباس بشكل كبير بين جميع قطاعات الشعب الفلسطينى بما فى ذلك العناصر القاعدية فى حركة «فتح». ومن جانبهم، أصدر قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس بيانا، يطالبون فيه عباس وفتح «التوقف عن خداع وتضليل الشعب الفلسطينى عبر تعليق المزيد من الآمال على المفاوضات العقيمة مع الإسرائيليين»، وانتقد بيان حماس بشدة تحيز أوباما «الواضح» تجاه الإسرائيليين. وأعلنت كل من فتح وحماس إرسال مبعوثين رفيعى المستوى إلى القاهرة للمشاركة فى حلقة جديدة من مسلسل المصالحة التى يجرونها على مدى الشهور الأخيرة. ولا تكاد توجد دلائل حتى الآن على أن الجولة المقبلة من المحادثات سوف تكلل بالنجاح، بينما فشل العديد غيرها. ومع استمرار الخلاف بين الحركتين الفلسطينيتين الكبيرتين، تبدو إدارة أوباما منقسمة، وهى غير مستعدة على أى حال لمواجهة إسرائيل فى القضايا الرئيسية، ولم تعد حركة السلام الإسرائيلية الآن سوى مجرد ظل لما كانت تتمتع به من حيوية فى السابق، وتبدو احتمالات تحقيق نجاح سريع فى المجال الدبلوماسى قاتمة للغاية.