حديد عز يسجل ارتفاعًا جديدًا.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    تفاصيل مران الزمالك استعدادًا لمواجهة دريمز الغاني    برلماني: ما يتم في سيناء من تعمير وتنمية هو رد الجميل لتضحيات أبناءها    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    نائب رئيس جامعة حلوان يقابل الطالبة سارة هشام لبحث مشكلتها    ساعة زيادة لمواعيد غلق المحال التجارية بسبب التوقيت الصيفي.. لهذا السبب    مشروعات سيناء.. عبور إلى الجمهورية الجديدة    مزاد علني لبيع عدد من المحال التجارية بالمنصورة الجديدة    رئيس COP28: على جميع الدول تعزيز طموحاتها واتخاذ إجراءات فعالة لإعداد خطط العمل المناخي الوطنية    نادر غازي يكتب: الصمود الفلسطيني.. و"الصخرة" المصرية    خبير علاقات دولية: مواقف مصر قوية وواضحة تجاه القضية الفلسطينية منذ بداية العدوان    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    تعرف على أهداف الحوار الوطني بعد مرور عامين على انطلاقه    كلوب: سأكون الأكثر ثراء في العالم إذا تمكنت من حل مشكلة صلاح ونونيز    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    النصر يتعادل مع اتحاد كلباء في الدوري الإماراتي    بسبب سوء الأحوال الجوية.. حريق 5 منازل بالكرنك    بالإنفوجراف والفيديو| التضامن الاجتماعي في أسبوع    كانت جنب أمها أثناء غسيل المواعين.. غرق طفلة داخل ترعة الباجورية في المنوفية    السينما العربية يكشف عن ترشيحات النسخة 8 من جوائز النقاد للأفلام    ملخص فعاليات ماستر كلاس بتكريم سيد رجب في «الإسكندرية للفيلم القصير» | صور    وسائل إعلام إسرائيلية: سقوط صاروخ داخل منزل بمستوطنة أفيفيم    حياتى أنت    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    صحة دمياط تطلق قافلة طبية مجانية بقرية الكاشف الجديد    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    نائبة تطالب العالم بإنقاذ 1.5 مليون فلسطيني من مجزرة حال اجتياح رفح    تعرف على أعلى خمسة عشر سلعة تصديراً خلال عام 2023    وكيل وزارة الصحة بأسيوط يفاجئ المستشفيات متابعاً حالات المرضى    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    «مياه دمياط»: انقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة 8 ساعات غدًا    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كم من المؤامرة.. وكم من المغامرة؟!
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 03 - 2018

من أعجب الذرائع المصطنعة لمقاومة التحول الديمقراطى فى المنطقة العربية أن الديكتاتورية أو القبضة الحديدية ضرورة لا مفر منها، للحفاظ على الأوطان فى مواجهة المؤامرات الأجنبية المستمرة علينا، لهدم دولنا الوطنية، أو تقسيمها، كما يقولون، دون أن يتوقف أحد منهم ليتساءل: كم يبلغ نصيب كل حاكم أو نظام عربى من المسئولية عن نجاح المؤامرة ضد بلده، وضد الأمة؟!
ومع أنها ذريعة مقبولة لدى قطاعات كبيرة من الجماهير العربية عموما، وفى مصر خصوصا، منذ عقود طويلة، فلا يوجد اتفاق فى الروايات بين كل مجموعة من الأقطار العربية وبين المجموعة الأخرى على مصدر أو مصادر هذه المؤامرات، والأدهى من ذلك تناقض الرواية الشعبية وتلك الشعبوية مع الرواية الرسمية، أو على الأقل مع الموقف الرسمى فى كثير من الحالات.
على سبيل الإيضاح فإن الدول الخليجية بقيادة السعودية لا ترى سوى إيران مصدرا للتآمر والأخطار عليها، وعلى سائر المشرق العربى، ويستدعون الولايات المتحدة الأمريكية، ويدفعون لها الأموال الطائلة، كما يجاهرون بالرهان على اسرائيل، لمواجهة أو موازنة النفوذ الإيرانى، بينما تركز مصر الرسمية أو شبه الرسمية على تركيا وقطر، والامتدادات الدولية لتنظيمات الاسلام السياسى والمؤسسات الحقوقية الدولية، بما فى ذلك وكالات تابعة للأمم المتحدة نفسها كمصادر وأدوات للتآمر عليها، ولا مانع من التلميح أحيانا إلى دوائر حكومية فى دول عظمى بالوقوف وراء المؤامرات، من خلال ما سُمى بحروب الجيل الرابع، فى حين أن مصر الشعبية تكاد تجمع على أن المصدر الدائم للخطر والمخططات السرية هو اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وأن تركيا وقطر والجماعات السياسية الدينية ليسوا إلا تابعين أو شركاء لواشنطن وتل أبيب، وذلك على الرغم من الدفء المؤكد فى العلاقات المصرية الأمريكية والمصرية الاسرائيلية، وأما الشعبويون – وما أكثرهم – فيتحدثون عن استراتيجية كونية تشارك فيها كل الدول الأوروبية مع الولايات المتحدة واسرائيل وقطر وتركيا لاستخدام الاسلاميين والحقوقيين والمطالبين بالحكم الرشيد فى تفتيت مجتمعاتنا ودولنا، ويعتبرون كل ملاحظة أو تحفظ على هذا القرار الداخلى أو ذاك، أو هذه السياسة أو تلك جزءا لا يتجزأ من ذات الاستراتيجية الكونية، إما بوعى وتمول، أو بانقياد أعمى!! ويخترعون وقائع ومصطلحات لإثبات نظريتهم، فسمعنا منهم عن مجلس إدارة العالم، وعن أسر ضباط مخابرات من جميع تلك الدول (المتآمرة).
ودون إنكار لوجود المؤامرة وفاعليتها كأداة من أدوات العلاقات الدولية، والسياسات الداخلية طوال التاريخ، فإنه كان يكفى ما ذكرناه توا من تناقضات داخلية فى منطق القائلين بالمؤامرة كسبب وجيه لتعطيل التحول الديمقراطى فى الدول العربية لإثبات المغالطة والافتعال فى هذه المقولة، ومع ذلك فإن أقوى ما يثبت تهافت هذا المنطق، ويدحض كل ذرائعه هو الإجابة عن السؤال التالى: هل نجحت الديكتاتوريات العربية – ولو مرة واحدة على سبيل الاستثناء – فى حماية أى دولة من دولها من الأخطار الخارجية؟!
إن جميع دولنا وبلا استثناء واحد أيضا لم تحكم ديمقراطيا منذ خمسينيات القرن الماضى، ومع ذلك فكلها تعرضت تحت الحكم الديكتاتورى لهزائم عسكرية ساحقة، أو فشل سياسى حولها إلى أشلاء، أو تدهور اقتصادى واجتماعى وثقافى، نزل بها إلى أدنى المراتب فى كل التصنيفات الدولية.
لنتذكر أن السبب الرئيسى والمباشر لاستيلاء الضباط على السلطة فى مصر، وإقامة نظام حكم شمولى أو ديكتاتورى كان هو الهزيمة العسكرية فى حرب فلسطين عام 1948، فهل نجح هذا الحكم حقا فى الثأر للهزيمة، أم تلقَّى هزيمة أفدح فى عام 1967، أدت إلى احتلال سيناء المصرية، والجولان السورية، واحتلال كامل فلسطين، والى تحول اسرائيل من شريط ساحلى ضيق بامتداد صحراوى، يعيش فيها أقل من مليون يهودى إلى دولة كبيرة، تستوعب ستة ملايين يهودى.. فى انتظار المزيد؟ فضلا عن تعاظم معادلة القوة الشاملة لديها من اقتصاد وبحث علمى، وتسلح.. إلخ، علما بأن اسرئيل التزمت منذ قيامها، ومن قبل قيامها بنظام حكم ديمقراطى.
ومثلما كانت هزيمة 1948 سببا فى قيام نظام شمولى فى مصر، فقد أدت أيضا إلى قيام سلسلة من النظم المماثلة فى كل من سوريا والعراق تحديدا، ثم امتدت العدوى إلى السودان والجزائر وليبيا واليمن.. وغيرها، والسؤال مرة ثانية هو أى من هذه الدول حمتها الديكتاتورية من المؤامرات الأجنبية؟
إن القول بأن مغامرات صدام حسين العسكرية فى حرب السنوات الثمانى ضد إيران، ثم غزوه الكويت كانت بتحريض سافر، أو بغواية من الولايات المتحدة لا يعفى الرئيس العراقى الراحل من النصيب الأكبر من المسئولية عن كارثية النتائج المترتبة على استجابته للتحريض، أو لوقوعة فى الغواية، ولا يجعل المؤامرة الأجنبية هى السبب الرئيسى لهذه الكوارث، بل إنه يثبت كم هى الديكتاتورية خطر على الأوطان، والشعوب.. لسهولة وقوعها فى «الأفخاخ»، ولإدمانها استراتيجيات إلهاء شعبها وجيشها فى مغامرات من ذلك النوع، طلبا للأمن السياسى، وقفزا فوق صراعات السلطة، ولذا يجب أن يكون المواطن العربى واعيا وصريحا مع نفسه، فيتساءل كم نسبة المؤامرة، وكم نسبة المغامرة فى القرارات الديكتاتورية التى جلبت كوارث لا حصر لها على بلداتنا العربية؟ ألم يعترف الأستاذ محمد حسنين هيكل فى كتابه عن حرب يونيو عام 1967 بعنوان الانفجار، بأن جمال عبدالناصر مشى بنفسه إلى الفخ المنصوب له، ودعك من مسئوليته عن سلسلة المغامرات التمهيدية للكارثة من إشعال أزمة تؤدى إلى الحرب مع اسرائيل فى وجود نصف الجيش فى اليمن، ومن سوء اختياره للقيادات العسكرية بدءا من نائبه وصفيّه وموضع ثقته عبدالحكيم عامر، حرصا على أمنه الشخصى، وأمن نظامه، وهذه وسيلة للتأمين لا تحتاجها النظم الديمقراطية.
عند هذه النقطة لا حاجة بنا إلى تفاصيل تثبت أن هذا كله أو بعضه حدث فى السودان التى تجزأت بالفعل تحت الحكم العسكرى الديكتاتورى، وفى ليبيا التى انطلقت منها مغامرات معمر القذافى إلى كل مكان فى العالم، بما فى ذلك الحرب فى تشاد، وإنشاء الفيلق الأفريقى.. إلخ، وكذلك فى سوريا التى تشهد أعنف حرب أهلية عربية، وأوسع تدخل أجنبى بعد عقود من الانقلابات والتصفيات والمزايدات والمغامرات، التى حولت «قلب العروبة النابض» إلى واحد من أقسى وأبغض نماذج الحكم الطائفى، وكذا اليمن الذى يشهد بدوره نسخته الخاصة من الحرب الأهلية، كما يشهد تدخلا مسلحا من جيرانه العرب والإيرانيين.. وكل ذلك بسبب «القرارات» والسياسات المغامرة لحكامه الديكتاتوريين، الذين كانوا قد قضوا، أو لم يسمحوا أصلا بقيام مؤسسات تراجع السياسات، وترشد القرارات، وتتقبل المعارضة.
ولكن الأسى من النمط العربى للحكم الديكتاتورى لا يتوقف هنا، ذلك أن العالم عرف أنماطا أخرى من الديكتاتوريات لم ترتكب ما ارتكبه الديكتاتور العربى من الموبقات المهلكة للأوطان والشعوب، ولنتأمل مثلا سياسات ماوتس تونج وخلفائه فى الصين فى قضايا مكاو وهونج كونج و تايوان، أو سياسة الجنرال فرانكو فى قضية جبل طارق، وحتى موقف فيدل كاسترو فى كوبا من قاعدة جوانتانامو، أو سياسة الجنرال عصمت إينونو فى تركيا خلال الحرب العالمية الثانية.
كل هؤلاء كانوا حكاما ديكتاتوريين، ولكن أحدا منهم لم يقع فى فخ مغامرة أو مؤامرة تورطه فى حرب غير متكافئة، تهزم جيشه، وتدمر وطنه.
فقد التزم الصينيون بسياسة النفس الطويل حتى عادت اليهم السيادة على مكاو من البرتغاليين، وعلى هونج كونج من البريطانيين، فى موعد انتهاء مدة الاتفاقيات القديمة حول الاقليمين، ولا يزالون يتذرعون بالصبر حول مشكلة انفصال تايوان عن الوطن الأم.
أما فرانكو فلم يحاول استرداد جبل طارق من بريطانيا، بل إنه لم يثر أى نزاع حولها.. وكذلك فعل كاسترو مع القاعدة الأمريكية فى جوانتانامو الكوبية، أما إينونو فقد قاوم بمثابرة عجيبة كل إغراءات وفخاخ رئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرشل لاقحام تركيا فى الحرب العالمية الثانية، خوفا من استدراجه لتقديم تنازلات للاتحاد السوفيتى جار تركيا الشمالى، وحليف بريطانيا فى تلك الحرب.
بالطبع لا يستطيع أحد أن ينكر أن الصين وكوبا مثلا كانتا دائما هدفا للمؤامرات الأمريكية، بل وللعدائيات المعلنة دون مواربة، وكذلك لم يكن فرانكو مرحبا به فى عموم أوروبا، إذ كان حليفا لهتلر وموسولينى.
لنقارن إذن بين حكمة هؤلاء «الديكتاتوريين»، وبين مغامرات الديكتاتوريين العرب التى ذكرنا طرفا منها، لنكتشف أن المتآمرين لا ينجحون إلا ضد القادة المغامرين، ولنكتشف أيضا أن نمط الديكتاتورية العربية لا يحمى، ولكنه يهدد، ولا يصون ولكنه يبدد، ومع ذلك لا يزال فينا من يغالط، ويدعى أن الديكتاتور هو وحده القادر على إحباط المؤامرات الأجنبية، التى لا يتفقون حتى على مصدرها. بقى أن نتلمس الفارق بين نمط الديكتاتورية العربية، وبين نمط أو أنماط الديكتاتورية فى الأمثلة السابقة، وقد يكون هذا الفارق هو أن الديكتاتوريات العربية هى ديكتاتورية فرد، فى حين أن الديكتاتوريات الأخرى هى ديكتاتورية حزب أو طبقة أو نخبة، وشتان ما بين النمطين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.