«الذبح مجانا».. انتظام العمل بمجازر البحر الأحمر في أول أيام عيد الأضحى    رفع درجة الاستعداد القصوى ومتابعة محطات المياه خلال أيام العيد فى سوهاج    البنك المركزي وضرورة تطوير منظومة إدارة الاحتياطي النقدي    رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني: مقترح ويتكوف منحاز بشكل فاضح ضد حماس    مواعيد مواجهات العين الإماراتي في كأس العالم للأندية 2025    وزيرة العدل الأوكرانية: أمامنا عام واحد لتلبية شروط التمويل الأوروبي الكامل    حسين لبيب: تتويح الزمالك ببطولة كأس مصر نتاج عمل جماعى.. صور    «الصحة السعودية» تحذر الحجاج من التعرض لأشعة الشمس في هذه الأوقات    السعودية: 10 آلاف نشاط توعوى و34 مليون رسالة خلال يومي التروية وعرفة    مصرع طفل سقط من علو في أكتوبر    أيمن بهجت قمر يعلق على انضمام زيزو للنادي الأهلي "زيزو في الأهلي"    النجم العالمى جيمى فوكس يشارك في إنتاج فيلم happy birthday ل نيللى كريم    محافظ الإسماعيلية يتفقد المجمع الطبى بحى ثالث فى أول أيام عيد الأضحى    القناة 12 العبرية: مقتل جندي إسرائيلي في مواجهات بجنوب غزة    في ليلة العيد.. "المشروع X" يتربع على المركز الأول في شباك التذاكر    زيزو رقم 14.. ماذا قدم نجوم الزمالك بعد انتقالهم ل الأهلي؟    الهيئة الوطنية للإعلام تنعى الإذاعية هدى العجيمي مقدمة برنامجي مع الأدباء الشبان وإلى ربات البيوت    ياسر جلال يحتفل بالعيد مع الفنان مصطفى أبو سريع بفيديو كوميدي    السينما والمسرحيات.. أشهر أفلام عيد الأضحى التي لا غنى عنها في البيوت المصرية    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    المجمعات الاستهلاكية تواصل عملها في أول أيام عيد الأضحى    نسب وأرقام.. أول تعليق من حزب الأغلبية على «القائمة الوطنية» المتداولة ل انتخابات مجلس الشيوخ    جاسمين طه زكي: نشأت في بيت سياسي ودخولي الإعلام قوبل باستهجان    من الصلاة والأضاحى للاحتفالات.. بلاد العرب تستقبل عيد الأضحى.. ألعاب نارية وكرنفالات.. زيارة المقابر فى الكويت.. المغرب بدون "النحر" للمرة الأولى و"الرومى" بديل الأضحية.. مشهد مهيب للصلاة بالمسجد الحرام    بالفيديو| مها الصغير تغني "علي صوتك" ومنى عبدالغني تشاركها الغناء    حمزة العيلي يكشف تأثير فيلم «إكس لارج» على الجمهور وأجره المتواضع في العمل    أمين "الجبهة الوطنية" يؤدي صلاة عيد الأضحي مع أهالي قريته بالغربية (صور)    رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر يلتقي نظيره البرازيلي في جنيف    الصحة: إجراء 2 مليون و728 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    مراسلة "القاهرة الإخبارية": المصريون يقبلون على الحدائق العامة للاحتفال بعيد الأضحى    باكستان تدين الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    السياحة تشكل غرفة عمليات لتلقي الشكاوى خلال إجازة عيد الأضحى    الرئيس النمساوي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى المبارك    مظاهر احتفالات المواطنين بعيد الأضحى من حديقة الميريلاند    عيد الأضحى في حديقة الأزهر.. 15 صورة توثق بهجة العائلات والأطفال    طريقة تنظيف الممبار وتقديمه فى أيام العيد    صحة الأقصر تتابع سير أعمال مستشفى الحميات فى أول أيام اجازة العيد    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    جوزيه بيسيرو يهنئ الزمالك بعد الفوز بلقب كأس مصر    الهلال الأحمر المصري يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    إيطاليا تلتقي النرويج في مباراة حاسمة بتصفيات كأس العالم 2026    لا تكدر صفو العيد بالمرض.. نصائح للتعامل مع اللحوم النيئة    روسيا: إسقاط 174 مُسيرة أوكرانية فيما يتبادل الجانبان القصف الثقيل    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    تعرف على سعر الدولار فى البنوك المصرية اليوم الجمعه 6-6-2025    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    المثلوثي: جمهور الزمالك نمبر 1.. وناصر منسي: سنبني على تلك البطولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر والمستقبل المأمول
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 01 - 2018

من المعروف تاريخيا أن الإنسان اجتاز فى تاريخه حقبا متعددة ومتنوعة متغيرة ومتطورة وكان صراعه فى كل حقبة هو صراع وجود، ففى الحياة البدائية الإنسانية صارع الإنسان مع قوى الطبيعة بيدين خاويتين، وكان يواجه العواصف والفيضانات والزلازل معتقدا أن وراء كل ظاهرة من الظواهر الطبيعية قوى حية غير مرئية تحاربه وهدفها قتله؛ فكان يحاول أن يختفى فى الكهوف الجبلية أو يهرب من الفيضانات بارتقاء التلال والجبال وبدأ يصنع لنفسه أدوات للدفاع عن نفسه من الصخور حتى اكتشف النار وكان هذا الاكتشاف بمثابة نقلة حضارية ضخمة فى حياته فاستخدمها فى طهو الطعام وإنارة الليل والدفاع عن نفسه ضد الحيوانات المفترسة التى كانت تخشاه عندما يشرع فى وجهها شعلة نار، وفكر فى أن هذه القوى الطبيعية وراءها قوى تتحكم فيها، وبدأ يقدم عبادته وذبائحه لهذه القوى التى يعتقد أنها خلف الظواهر الطبيعية، ومر الإنسان بحقبة الخرافة ثم الأساطير التى تتحدث عن الآلهة ثم حقبة الشعراء فالفلاسفة، وأخيرا حقبة الأديان والتى أعقبتها حقبة العلم، ولم ينتقل الإنسان من حقبة إلى أخرى إلا بفكرة واحدة تسيطر عليه هى مصير أولاده والأجيال القادمة وحرص كل جيل على أن يترك بعده ما يكون قد جعل الحياة أسهل بالنسبة للأجيال التالية له.
من هنا جاء مفهوم «المستقبل» وعندما فكر الإنسان فى المستقبل اعتقد أنه «قدر محتوم» لا يستطيع أن يفعل معه شيئا؛ فقد خططت له قوى أعلى منه تراه ولا يراها تتحكم فيه ولا يتحكم فيها ولا يستطيع أن ينتصر عليها، ومع مرور الأزمان والحقب تغيرت نظرته هذه خاصة مع عصر العلم والذى اخترع من خلاله أدوات ساعدته على إنجاز أعماله أكثر سرعة وأكثر إتقانا، وكانت الأديان قد تحدثت فى هذا الشأن فى خطين متوازيين: خط أن الله هو الذى يرسم طريق الإنسان من قبل أن يولد وحتى يموت، وفى الوقت نفسه أن الإنسان يستطيع أن يصنع مصيره الأبدى إذا اختار أن يعيش بحسب فكر الله ويتوب عن ذنوبه.. وهاتان الفكرتان تبدوان متناقضتين لكنهما أعطتا للإنسان القدرة على الاختيار وإن كان الله له علم مسبق بهذه الخطوة بالنسبة لكل إنسان على الأرض، وأيضا هذه الفكرة جعلت الكثير من البشر يستسلمون لفكرة أن حتى ما يرتكبه من شر وانحراف هو مكتوب عليه وهو من الله مباشرة، بينما اعتبر البعض من العلماء أن الله لا يقدر بالانحراف والشر ولا علاقة له بها، وهذا لا ينقص من سلطان الله بل العكس هو الصحيح.
***
عندما أراد أحد الفلاسفة ويدعى توما الإكوينى فى القرن الحادى عشر أن يثبت أن الإنسان مسير وليس مخيرا قال إن الإنسان لا يستطيع أن يجرى كالحصان أو يطير كالعصفور أو يعيش تحت الماء، وبالطبع كل هذه الأدلة سقطت مع اختراع السيارة والطيارة والغواصة.. وهكذا من خلال هذا الصراع الفكرى وتدفق الاختراعات والاكتشافات بدأت دراسات المستقبل عند الإنسان، فقد انتقل من الاستسلام لقوى الطبيعة والقدر وأنه ليس لديه خيار إلى نظرة ثاقبة للمستقبل وأن الحياة يمكن أن تتجدد بفعل الإنسان وعقله وعبقريته، وأن الإنسان يستطيع أن يصنع مستقبله كفرد من خلال قدراته العقلية واختياراته الصحيحة وكذلك الأمم والشعوب، والدليل على ذلك هو الفارق الواضح بين الأفراد وبعضهم البعض فى العلم والثروات والإبداع وأيضا بين الشعوب التى حققت حريتها وديمقراطيتها وقدرتها على الإبداع والمساواة بين مواطنيها والرفاهية وبين شعوب أخرى مازالت ترزح تحت الأمية والفقر والمرض وديكتاتورية الحكام وعدم المساواة بين الرجل والمرأة وبين الأقلية والأكثرية... إلخ، وهكذا لم يعد المستقبل مجرد محاولة لقبول الفقر والمرض والضعف والتخلف بأى إدعاء كان بل أصبح تعريف المستقبل على أنه مسافة زمنية يمكن للإنسان أن يتحكم فيها بوعى كامل، وأن يبذل فكره وجهده ليصنعه على أفضل صورة ممكنة. لقد بدأ الإنسان فى صنع مستقبله بالفلسفة والخيال وهكذا وضع أفلاطون كتاب المدينة الفاضلة وعبر فيه عما يجب أن يكون عليه المستقبل فى هذه المدينة التى لا يمكن أن تكون فاضلة إلا بتأسيسها على فكرة العدل والعدالة فالعدل هو القيمة المطلقة «الله العدل» «أى القيمة العليا الكاملة» أما العدالة فهى تطبيق هذه القيمة العليا فى كل المواقف التى يحتاج فيها الإنسان لقيمة العدل، أما فى العصر الحديث فقد ظهرت روايات الخيال العلمى والتى تحولت إلى أفلام مثل «آلة الزمن»، ثم ظهر بعد ذلك مصطلح علم أو علوم المستقبل، والذى يعتمد على ما أطلق عليه «تمييز علامات الأزمنة» وتمييز علامات الأزمنة يعنى استشراف المستقبل من خلال عقولنا المميزة للأحداث وبالتالى بعد تحليلنا للأحداث الحاضرة يمكننا التنبؤ بالمستقبل وهنا يمكن وضع نوعية وحجم التغيرات التى يجب أن تحدث لخلق أو تطور أى مجتمع جديد.
***
لقد صارت علوم المستقبل من الأهمية بمكان فى العالم الغربى ولا شك أن مصر والدول العربية تأثرت بهذا التوجه العالمى وبدأت من نحو مائة عام بعض الإرهاصات لتبنى التفكير العلمى فى تناول الأمور المستقبلية إلا أن هذه الدراسات لم تكن من أولويات الدولة بشكل عام لكن بدأ القطاع الخاص ( جمعيات أهلية دور صحف مراكز أبحاث... إلخ ) الاهتمام بمثل هذه النوعية من الدراسات ومع ذلك لم يهتم الحكام والرؤساء بها. هذا فى نفس الوقت الذى كانت هذه المؤسسات لا تقوم بهذا العمل بشكل محترف لكن كلما استطاعت أن تصل لتمويل من الخارج تقوم بعمل بعض الدراسات ثم تتوقف انتظارا لتمويل آخر... إلخ، وهكذا وصلنا إلى نتيجة فى منتهى الغرابة أن غالبية الدول العربية لا تأخذ بهذه الدراسات فى عملية اتخاذ القرار وقد حلل البعض ضعف هذا الاتجاه فى البلاد العربية بأنه غياب الرؤية المستقبلية فى بنية العقل العربى بالتزامن مع النظرة التشاؤمية للمستقبل وكذلك فإن الأمم العربية تقدس الماضى وتعتبره النموذج فتعيد إنتاجه لأنه العصر الذهبى أو الزمن الجميل وعندما تعود إلى هذا الزمن تجد الدواب وسيلة المواصلات ولا يوجد تليفزيون أو تليفون أو طائرات والحروب بالسيوف والحراب بل فى أى حوار تجد الرأى الأقدم هو الأقوى؛ فالاستشهاد بفقهاء القرن السابع والثامن أقوى كثيرا من فقهاء القرن العشرين أو الحادى والعشرين، كذلك غاب فن العمل الجماعى فالمصريون والعرب لا يتقنون هذا الفن هذا فضلا عن فقدان السماحة الفكرية أو ضعفها على الأقل وندرة تبادل المعرفة ورفض وكراهية التعدد وقبول الآخر المختلف أى ليس هناك ما يسمى «حق الاختلاف» فى الوطن العربى وفى العالم الثالث قاطبة كذلك قصور المعلومات الحديثة والدقيقة وبالطبع الانشغال بهموم الحاضر والعنف والإرهاب وقد كان لى تجربة خاصة مع آخر وزير تخطيط فى عهد مبارك حيث جمع خمسة عشر مفكرا وتحدث معنا عن مفهوم الرؤية والخطة...إلخ، ثم تحدث كل واحد منا عن تصوره للمستقبل وتم تسجيله ثم صنعوا من جميع الأراء خطة متكاملة وأرسلوها لنا بالبريد لكتابة تعليقاتنا عليها وقد فعلنا ونحن فى منتهى الحماس ووعدوا أنهم سيجمعوننا ثانية للوصول لخطة نهائية مستقبلية وها نحن فى الانتظار.
***
إن حاجتنا الحقيقية هى إعادة تشكيل العقل المصرى بحيث يكون عقلا منهجيا ذو تفكير نقدى لكل الموروثات لأنه من المستحيل إطلاق مشروع فكرى مستقبلى عقلانى لمصر مع بقاء حالة الأسر للماضى وهذا ينطبق على الفقه واللاهوت، يقول فرانسيس بيكون على عكس التوجه العربى والمصرى «إن الجيل الأصغر أو الأحدث أكثر نضجا من الجيل الأقدم ويدلل على ذلك بقوله إن الجيل الأكبر يعطى خبراته وتجاربه للجيل الأصغر والتى تسلمها من الأجيال السابقة عليه وأضاف خبرته الخاصة إليها ويمضى أما الجيل الأصغر فيتسلم هذه الخبرات المتراكمة ويضيف إليها خبراته هو بعد أن يمضى الجيل الأكبر وهكذا يصبح الأصغر هو الأنضج» متى يتعلم العرب ذلك؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.