«المركبات»: إنتاج أول مدرعة مصرية «التمساح 1» كان نقلة نوعية للقوات المسلحة    باسم الجمل: من يملك قوت يومه يملك قراره.. ومشاريع قومية ضخمة لتأمين المخزون الاستراتيجي    اللواء محمد عبد الفتاح: الصناعات الدفاعية المصرية وصلت للاكتفاء الذاتي    موقف صلاح من المرشحين لجائزة لاعب الشهر بالدوري الإنجليزي    أحمد محمود يحصد ذهبية بطولة أبطال الجمهورية في الووشو كونغ فو    حبس شخص وسيدة بتهمة ممارسة الأعمال المنافية للآداب بالجيزة    «آيشواريا راي» بإطلالة ساحرة في افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025 | صور وفيديو    مراسلة إكسترا نيوز: اشتعال المنافسة في الإسكندرية بين 16 مرشحا على 3 مقاعد    الأقصر تشهد أضخم احتفالية لتكريم 1500 حافظ لكتاب الله بجنوب الصعيد    الوطنية للانتخابات: تسليم الحصر العددي لمن يطلب من المرشحين أو الوكلاء وليس للمندوب    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    بعد غد.. فصل التيار الكهربائي عن مناطق وقرى بالرياض في كفر الشيخ لمدة 5 ساعات    الإدارية العليا تتلقى 298 طعناً على نتائج المرحلة الثانية من انتخابات النواب    البورصة تسجل قفزة في سوق الصفقات بقيادة شارم والخليج الإنجليزية    ننشر الجدول الزمنى للإجراءات الانتخابية بالدوائر الملغاة بانتخابات النواب    سوريا ضد قطر.. التعادل السلبي ينهى الشوط الأول بكأس العرب 2025    تحولات الدور التركى فى الساحل الإفريقى    دار الإفتاء: البشعة ممارسة محرمة شرعا ومنافية لمقاصد الشريعة    محافظ قنا ل إكسترا نيوز: غرفة عمليات لمتابعة الانتخابات على مدار الساعة    فوز قطاع الطب الوقائى والصحة العامة بالمركز الأول بجائزة التميز الحكومي العربى    حفل جوائز التميز الصحفى الإثنين |تكريم «الأخبار» عن تغطية افتتاح المتحف الكبير    هنو يكرم خالد جلال «صانع النجوم»    توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين وزارة الخارجية ومحافظة كفرالشيخ لإتاحة خدمات التصديقات داخل المحافظة| صور    بانوراما مصغرة ل«المتحف المصري الكبير» بإحدى مدارس كفر الزيات    الأزهر للفتوى يوضح: اللجوء إلى البشعة لإثبات الاتهام أو نفيه ممارسة جاهلية    خالد الجندي يكشف الحكمة من تناثر القصص القرآني داخل السور وعدم جمعها في موضع واحد(فيديو)    تغيير ملاعب مباريات الأهلي والزمالك في كأس عاصمة مصر    محافظ الدقهلية يقدم العزاء في وفاة الحاجة «سبيلة» بميت العامل بمركز أجا| صور    جولة تفقدية لوكيل صحة القليوبية بمراكز شبين القناطر الطبية ويوجه برفع كفاءة الأداء    دير شبيجل: ماكرون حذر زيلينسكي وميرتس من خيانة أمريكية    إجراءات التقديم لامتحان الشهادة الإعدادية 2026    بيان من نادي كهرباء الإسماعيلية بسبب الشائعات بين المرشحين على مواقع التواصل    ياسمين الخيام تكشف التفاصيل الكاملة لوصية والدها بشأن أعمال الخير    الكرملين: الهند شريك رئيسي لروسيا.. والعلاقات بين البلدين متعددة الأوجه    وفاة معلم أثناء طابور الصباح في القاهرة    تحويلات مرورية في القاهرة.. تعرف عليها    نائب رئيس الوزراء: القيادة السياسية تضع الملف الصحي على رأس الأولويات الوطنية    «التجاري الدولي» يحصد جائزة بنك العام في مصر من مؤسسة The Banker    السفيرة الأمريكية بالقاهرة: نسعى لدعم وتوسيع الشراكة الاستراتيجية مع مصر    كرة طائرة - تواجد الصفقات الجديدة وغياب مريم مصطفى في قائمة سيدات الزمالك بمونديال الأندية    ثقافة الغربية تناقش كتابات نجيب محفوظ احتفالا بذكرى ميلاده    العمل" تُوفر 10 وظائف للشباب في" الصناعات البلاستيكية الدقيقة بالجيزة    الداخلية تضبط شخصا يوزع أموالا على الناخبين بطهطا    الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل ياسر أبو شباب على يد مسلحين فى غزة    لجان لفحص شكوى أهالي قرية بالشرقية من وجود تماسيح    في غياب الدوليين.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة إنبي بكأس العاصمة    رئيس الوزراء يصدر 10 قرارات جديدة اليوم    غدا.. متحف نجيب محفوظ يطلق ورشة السينما والأدب احتفالا بذكرى ميلاده ال114    أبو الغيط: جائزة التميز الحكومي رافعة أساسية للتطوير وتحسين جودة حياة المواطن العربي    الطقس غدا.. تغيرات مفاجئة وتحذير من شبورة كثيفة وأمطار ونشاط رياح وأتربة    ضبط شخص بحوزته عددا من بطاقات الرقم القومي للناخبين في قنا    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    «الأوقاف»: تعديل القيمة الايجارية لأملاك الوقف    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية    الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية    استقرار أسعار الذهب اليوم الخميس.. والجنيه يسجل 45440 جنيهًا    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نعماني خالد يكتب: بماذا سيضحى البنك المركزى؟
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 09 - 2017

الأرجنتين.. فى 19 مايو عام 2016
قال فيديريكو ستورزنيغر، رئيس البنك المركزى الارجنتينى، أمام مجلس الشيوخ «لا يمكننا ان نسمح لبعض الصبية من وول ستريت بجلب اموالهم، ووضع العربة أمام الحصان، نود من هؤلاء الصبية أن يذهبوا بعيدا ونبقى مع سعر صرف يرتفع، وينخفض مع وتيرة الإنتاج المحلى، أى الاقتصاد الحقيقى، وليس مع وتيرة الاقتصاد المالى.
كان هذا جزء من الخطبة التى اعقبت قرار ستورزنيغر بحظر تملك المستثمرين الاجانب لأدوات الدين المحلى، وهو استثمار مالى يسمى «بالأموال الساخنة»، ويعنى أن يأتى هؤلاء الصبية بقروض دولارية بتكلفة منخفضة تقارب ال3%، ويذهبون إلى دولة مضطربة اقتصاديا بها أسعار فائدة عالية تصل إلى 20% واكثر، ليستثمروا فيها عملتها المحلية من خلال شراء الدين الحكومى لهذه الدولة (اذون الخزانة)، وبعد مرور مدة الاستثمار يأخذون اصل المبلغ بالإضافة إلى الفائدة التى حصلوا عليها، ويعاودون شراء الدولار مرة اخرى. وبافتراض بقاء سعر الصرف ثابت، فإن ربحهم لن يقل عن 17% كعائد على الدولار فى فترة وجيزة، وسميت «أموال ساخنة» لأنها أداة مالية ليست مرتبطة بأصول حقيقية أو عمالة، فالمستثمر لديه الحق فى ان يجنى مكاسبه فى أى وقت، مما قد يسبب تذبذب عنيف فى سعر الصرف، ولهذا السبب تحدث رئيس البنك المركزى بطريقة حادة واطلق عليهم «صبية».
وفى مصر، وصل إجمالى الأموال الساخنة القادمة من صبية وول ستريت إلى 17.6 مليار دولار منذ قرار تحرير سعر الصرف فى نوفمبر الماضى وحتى منتصف شهر سبتمبر الحالى، ومعظم تلك الاستثمارات تمت فى وقت كان سعر الصرف فى مستوى يتراوح بين 18 جنيهًا و18,5 جنيه للدولار.
• مصر..فى نوفمبر عام 2016.. تصور لجزء من نقاش داخل الحكومة المصرية
عند تحرير سعر الصرف، تتدفق الأموال الساخنة، وتستخدم تلك الاموال لسداد بعض المديونيات وأيضا جزء من فاتورة الاستيراد، ومع مرور الوقت تنخفض الواردات وترتفع الصادرات. ونأمل ان تتعافى مصادرالعملة الصعبة المستدامة، وأن تتدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة (غير الساخنة)، حينها يكون لدى الدولة فائض دولارى يتم استخدامه لدفع بعض الأموال الساخنة حين يأتى ميعاد استحقاقها، أو حين يريد المستثمر التخلص منها. وكلها عوامل إذا حدثت مجتمعة، ستدعم ارتفاع لقيمة الجنيه امام العملات الاجنبية فى السنوات القادمة بشكل مستدام، مما يساعد على احتواء التضخم وخفض أسعار الفائدة، وتبدأ حينها الأموال بالتدفق للصناعات المحلية من القطاع البنكى، وهو ما يعمل على خلق فرص عمل جديدة فى مجالات مختلفة، تصب فى صالح النمو الاقتصادى.
ويعد الحصول على «الأموال الساخنة»، ركنا أساسيًا للخطة التى وضعت من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية المالية، التى بلغت ذروتها عام 2016، على أن يتم إيجاد مصادر دولارية لسدادها لاحقا. وتم بناء هذه الخطة على عدة افتراضات تتلخص فى أربعة نقاط وهى 1) مساحة للتفاوض مع صندوق النقد الدولى فى تأجيل أو اتخاذ بعض القرارات الاقتصادية، حينما يوجد اختلاف فى وجهات النظر بين الحكومة المصرية وصندوق النقد. 2) وضع سياسى واجتماعى داخلى مستقر. 3) رؤية إيجابية من قبل بنوك الاستثمار العالمية. 4) عوامل اقتصادية عالمية تساند الوضع الداخلى.
• سبتمبر عام 2017.. هل تلك الافتراضات ما زالت قائمة؟
وفى الافتراض الأول، وعلى العكس، أظهر صندوق النقد إصرارا كبيرا على تنفيذ طلبات، قد لا يكون لها جدوى اقتصادية، وكان أكبر دليل على ذلك هو رفع سعر الفائدة بنسبة 4% خلال اجتماعين للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى، استجابة للصندوق. كما تشير توقعات البعض إلى توتر سياسى محتمل يرتبط بعدة أحداث مثل مد فترة الرئاسة. ورأت بعض بنوك الاستثمار ومؤسسات التصنيف الائتمانى مثل «مؤسسة موديز» و«غولدمن ساكس» أن معدلات التضخم المرتفعة ومخاوف من عدم قدرة الحكومة على استكمال الإصلاحات الاقتصادية قد يؤجلا تدفق الاستثمار الاجنبى المباشر إلى مصر. وعلى المستوى العالمى، يشهد الوضع الاقتصادى تغييرات جذرية على صعيد السياسة النقدية، اسفرت عن هبوط عنيف للدولار امام معظم العملات الأخرى، وتوجد احتمالات لمواصلة هذا الهبوط إذا تم استبدال الدولار بسلة من العملات كعملة الاحتياطى عالميا، مما سيكون له تأثير سلبى على مستوى الاسعار محليا، وعلى القوة الشرائية للاحتياطى الأجنبى المصرى.
ومع عدم تحقق الافتراضات التى تمثل شرطا اساسيا لتفعيل الخطة، تتغير احتمالية نجاح الخطة كما وضعت، وقد تتسبب فى ان تؤتى الأموال الساخنة بضرر وليس بفائدة كما كان مخطط لها. ويجب ان نكون على علم بأمرين يلعبان دورًا رئيسيًا فى تجنب أو حدوث هذا الضرر، وهما سعر الصرف، وبعض التفاصيل عن الأموال الساخنة أو عن صبية وول ستريت. وكيف يستخدمهما المركزى معا لتحقيق «المماطلة الاقتصادية اى عملية شراء الوقت».
• صبيان وول ستريت وسعر الصرف «الحر المدار»
تتدخل معظم البنوك المركزية، باختلاف الأدوات والمقدار فى تسعير العملة المحلية، خلافا للاعتقاد السائد بأن بعض العملات سعرها يحدد كليا من خلال «العرض» و«الطلب»، على ان يكون التدخل متماشى مع الوضع الاقتصادى. تستخدم اسعار الفائدة على العملة المحلية كأداة غير مباشرة فى محاولة لوقف الدولرة التحول لشراء الدولار وتحجيم مستوى السيولة للعملة المحلية، مما يساعد على الحفاظ على قيمتها. أما التأثير الاقوى والاهم ياتى فى اختيار البنك المركزى بين امرين: إما أن يضيف الإيرادات الدولارية مثل الاموال الساخنة إلى الاحتياطى الاجنبى، فتبقى قيمة العملة المحلية منخفضة، ويسمى هذا الاجراء بعملية شراء المركزى للدولار، أو يستخدم بعض تلك الايرادات لسداد مديونيات، وللاستيراد بالإضافة إلى ضخ دولارات فى الانتربنك مما يسبب ارتفاع لقيمة العملة.
ولا يزال سعر الصرف فى مصر «حر مدار»، والمركزى لديه القدرة فى اختيار «مقدار» الانخفاض والارتفاع فى سعر العملة وهو أمر يحدث فى مختلف البلدان بالإضافة إلى أن صندوق النقد يوصى بهذا الاجراء.
ومستثمرو الاموال الساخنة ليسوا مجبرين للبقاء حتى نهاية مدة الاستثمار، ويستطيعون التخارج فى أى وقت، أى حينما يكونوا قد حققوا ارباحا عنيفة. ومن الطبيعى أن يسعد صبية وول ستريت، كلما ارتفعت قيمة الجنيه أمام الدولار، لأن هذا يساعدهم على شراء دولارات اكثر حينما ينتهوا من مدة الاستثمار، فيكون الربح مضاعف حيث يحصل على عائد من سعر الفائدة المرتفع وأيضا أرباح عملة تزيد قيمتها من اجمالى الربح لاكثر بكثير من ال17% التى ذكرت فى المقدمة. فكلما عجل البنك المركزى بارتفاع قيمة الجنيه، كلما زادت مكاسبهم، وعززت احتمالية جنى ارباح، ويجد المركزى نفسه امام موقف خروج مفاجئ لأموال الصبية من مصر، حينها إن لم تكن مصادر العملة الصعبة قد تعافت، سيضطر المركزى رغما عنه ان يستدين من الخارج لسداد تلك الاموال، مما سيؤثر سلبا على الاجيال القادمة، أو يتم سحب سيولة دولارية من السوق، والاحتياطى من النقد الأجنبى لدفع تلك الاموال، وهو ما ينعكس سلبا على قيمة العملة، ويظهر فى صورة انخفاض عنيف، وهذا هو حجم الضرر المحتمل.
• بماذا سيضحى البنك المركزى؟
ويستطيع المركزى تجنب هذا الضرر من خلال اختيارين، أولهما أن يقوم المركزى المصرى، كما فعل المركزى الارجنتينى، بمنع تملك الأجانب للدين المحلى، والثانى ضم الاموال الساخنة القادمة إلى الاحتياطى، بمعنى أنها لا تستخدم فى سداد مديونيات أو تمويل الاستيراد. وسيبطئ ذلك من وتيرة ارتفاع الجنيه أمام الدولار، ويقلل من مكاسب صبية وول ستريت، ويجبرهم على الانتظار لفترة أطول. وهكذا تتحول الأموال الساخنة إلى باردة. أى أن البنك المركزى سيحقق ما سمى سابقا ب«المماطلة الاقتصادية»، وتستمر تلك المماطلة حتى تتعافى مصادر الدخل الدولارية المستدامة، وترتفع وتيرة الانتاج المحلى.
إن اختار البنك المركزى هذا الطريق، سيكون قد قرر التخلى عن مكاسب قصيرة الاجل ويكون قد «وضع الحصان امام العربة»، أى قرر أن يكون سعر الصرف انعكاسا حقيقيا لوتيرة الإنتاج وتعافى الاقتصاد الحقيقى، وليس العكس. بقاء الجنيه فى مستوى منخفض أمام الدولار سينقذ المركزى من خروج مفاجئ لاموال الصبية، ولكن سيكون له تكلفة الا وهى بقاء اسعار المنتجات مرتفعة وأسعار الفائدة عالية لفترة أطول. ويكون هكذا قد قرر المركزى التضحية بعلاج «التضخم» وتحقيق «النمو» معا حتى اشعار اخر.
نعمانى خالد محلل الاقتصاد الكلى لإدارة الأصول فى شركة سى إى كابيتال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.