نشرت جريدة «The Boston Globe» مقالا للكاتبة الأمريكية «ليندا رودريجيز»، الذى يتناول الجدل حول مدى شعور الأطفال الرضع بالألم؛ فهناك بعض الدراسات العلمية التى تؤكد عدم شعور الأطفال بالألم، ودراسات أخرى ترى أن الأطفال يشعرون بالألم، كما تتناول رؤى لعدد من العلماء حول ماهية الألم وكيفية شعور الأفراد بشكل عام بالألم. استهلت الكاتبة المقال بالإشارة إلى أن «الجراحات المنقذة للحياة» أصبحت أكثر انتشارا فى السنوات القليلة الماضية، وبالرغم من ذلك فإن غالبية الأطفال حديثى الولادة يخضعون لتلك الجراحات بدون أى تخدير. ففى كثير من الأحيان لا يتم إعطاء هؤلاء الأطفال شيئا أكثر من مادة رشاشة تعمل على ارتخاء عضلاتهم لمنعهم من التحرك أثناء إجراء العملية. وعلى الرغم من أن الألم العاطفى والروحى والجسدى هو أمر طبيعى يمر به أى شخص فإن هناك محاولة من البعض للتصدى لذلك الأمر. فالألم هو شعور فريد من نوعه يمر به الفرد، والذى من الممكن أن يتحدى قدرة اللغة على التعبير عن ذلك الشعور بشكل كامل. ترى الكاتبة أن الأطفال الرضع قد يشعرون بالألم مثلما يؤكد والداهما وطبيب الأطفال ذلك. فى عام 1987 أعلنت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بشكل رسمى أنه من غير الأخلاقى إجراء أى عمليات للأطفال حديثى الولادة بدون تخدير. حيث إن هناك العديد من المخاوف حول التخدير نفسه لأنه من الممكن أن يضر أو يقتل الشخص. والأهم من ذلك أن المؤسسة الطبية اقتنعت أن الأطفال لا يشعرون بالألم، وذلك بسبب عدم قدرة هؤلاء الأطفال على التكلم والتعبير عمّا يشعرون به، إلا أن العلماء تركوا ذلك إلى لغتهم الجسدية. وذكرت الكاتبة أن هناك العديد من الدراسات الحديثة المسجلة فى المجلات الطبية التى أوضحت أن استجابة الألم لدى الرضع متطورة للغاية مثلهم مثل الأطفال الأكبر سنا، بل إن الأجنة فى الثلث الأخير من الحمل يمتلكون النظم اللازمة للشعور بالألم. ولقد أجريت دراسة فى عام 2003 والتى أوضحت أن معظم العمليات الجراحية الكبرى كانت مصحوبة بتخفيض لمسكنات الألم. ولقد أعطوا لحوالى ثلث الأطفال حديثى الولادة مسكنات للإجراءات الروتينية المؤلمة مثل اختبارات الدم. وبعد دراسات عديدة تبين أن البشر لا يجيدون الاعتراف بأن آلام الآخرين حقيقية، وذلك بسبب وجود أفكار غير دقيقة ومسبقة لديهم حول ما هو شكل الألم. فى عام 2001، صدرت دراسة طبية بعنوان «الفتاة التى صرخت فى وجه الألم.. تحيز ضد المرأة فى علاج الألم» فى مجلة القانون والطب والأخلاقيات أن النساء أكثر سعيا لعلاج الألم المزمن، ولكن يبدو أن التقارير الشفهية تجاهلها الأطباء. ووفقا لدراسة عام 2016، الأطفال السود الذين يعانون من التهاب الزائدة الدودية أقل احتمالا من الأجناس الأخرى لتلقى أدوية ضد الألم، بما فى ذلك الألم الشديد. *** يتم الإشارة فى هذا المقال إلى «معيار الذهب لتقييم الألم» والذى يعتبر تقريرا ذاتيا، حيث يتم تصنيف الألم على مقياس من واحد إلى 10. وأن الإبلاغ عن «الرقم الصحيح» يمكن أن يعنى الاختلاف بين الخضوع إلى العلاج الطبيعى أم لا، تناول دواء أم لا. ولكن هذه طريقة غير دقيقة لإعطاء الأدوية، وليس من الجيد إذا كان الناس لا يستطيعون التواصل بصدق سواء كانوا من مدمنى المسكنات أو أولئك الذين يعانون من بعض الأمراض مثل العته والجنون، والسكتة الدماغية، أو أمراض عقلية، أو غيرها من الحالات. إن عدم القدرة على التعرف على الألم له آثار هائلة على بعض مناقشاتنا الأكثر إثارة للجدل. فعلى سبيل المثال، لقد قام معارضوا الإجهاض فى الولاياتالمتحدة بدفع عدد من القوانين المناهضة لذلك، مدعيا أن الأجنة قد تشعر بالألم بعد 20 أسبوعا، مما يبرر فرض حظر على الإجهاض. إلا أن الجمعية الطبية الأمريكية مستندة حجتها على التطور العصبى للأجنة تدعى أن الأجنة لا يشعرون بالألم قبل الثلث الثالث من الحمل أى بعد حوالى 28 أسبوعا. فمن الواضح أننا بحاجة إلى طريقة أفضل لمعرفة ما هو الألم ومعرفة مكان الألم فى الدماغ. لقد أدى توافر التصوير بالرنين المغناطيسى والرنين المغناطيسى الوظيفى، التى يمكن استخدامها لقياس تدفق الدم، وبالتالى تفعيلها فى الدماغ، إلى بزوغ العديد من الدراسات التى تهدف إلى الكشف عن الدوائر العصبية مثل الحب والرغبة الجنسية، الغيرة والكراهية. ولكن التوقيع البيولوجى الموضوعى للألم يمكن أن يساعد على تحسين النتائج الصحية للمرضى، ومن الاعتراف البسيط بآلامهم. وتوضح الكاتبة أن «مصفوفة الألم» هى عبارة عن مجموعة من مجالات محددة من الدماغ التى تستجيب للمؤثرات المؤلمة. وقد شملت النتائج باستمرار القشرة الحزامية الأمامية، القشرة الحسية الجسدية، المهاد، وأجزاء من الجهاز العصبى المركزى فى تلك المصفوفة. *** تنتقل الكاتبة لعرض وجهات نظر العلماء فى هذا الموضوع ؛ فبدأت ب«تور واجر» العالم فى علم الأعصاب بجامعة كولورادو حيث أوضح أن ألم «الدوائر العصبية» هو نمط محدد ويمكن التنبؤ به لنشاط الدماغ عبر مناطق متعددة مرتبط بالألم. وقال إنه هو وزملاؤه كانوا قادرين على تحديد نمط من النشاط على نطاق الدماغ التى تعول عليها بشكل موثوق مع زيادة التحفيز الحرارى. ثم انتقلت بالحديث عن «تيم سالومنز» الأستاذ فى علم النفس والأعصاب الذى قام بإجراء تجربة لاختبار صحة «مصفوفة الألم» حيث أحضر ولدين ليسا لديهما القدرة على الشعور بالألم وخضعوا للتحفيز الميكانيكى الضار( ضغط إبرة حادة على الجلد) وأثناء خضوعهم لعملية مسح بالرنين المغناطيسي؛ فوجد أن استجابات نشاط الدماغ لجميع المواد كانت لا يمكن تمييزها إلى حد كبير، وهذا يعنى أن مصفوفة الألم قد تم تفعيلها فى الأفراد الذين كان من المستحيل استجابتهم للألم. أما وجهة نظر «ستيفن ماكماهون» أحد الباحثين البارزين فى مجال الألم فى أوروبا وأستاذ علم وظائف الأعضاء فى كلية كينغز فى لندن يرى أن هناك عيبا أساسيا فى استخدام الرنين المغناطيسى الوظيفى لفهم كيف يعمل الألم هو عجزه عن تحديد السببية، كما أنه يوضح أن علم التصوير الدماغى يميل إلى المعاناة من «الاستدلال العكسى»، ويرى أن أنماط النشاط فى الدماغ وربط ذلك بالعملية المعرفية، وليس العكس. *** هناك وجهتا نظر بخصوص الألم، هناك فريق يرى أن الألم هو نتيجة إشارة عصبية وفريق آخر يرى أنه ليس ضرورى. إلا أن الفريقين يرون أن الألم هو ظاهرة معرفية معقدة. وأن الألم هو تجربة متعددة الطبقات، تمليها ليس فقط التحفيز المؤلم نفسه (قطع الإصبع، الساق المكسورة) ولكن أيضا السياق، والحالة النفسية للفرد، والاحتياجات والرغبات والتوقعات وعلم وظائف الأعضاء الشخصية، ومجموعة الديناميات. وقد أظهرت الدراسات أن شدة الألم يمكن تخفيفها عن طريق الضحك، أو عن طريق عقد يد شخص آخر، كما أن الأفراد عندما يوهمون أنفسهم بأنهم سوف يشعرون بالألم عند إجرائهم لعملية جراحية سوف يشعرون بذلك. بالإضافة إلى أن الأفراد يمكن أن يشعروا حتى بالألم الذى لا ينتمى إليهم مثل رؤية أشخاص آخرين يتألمون. وفى الختام توضح الكاتبة أن «واجر» يرى أن تجربة الألم هى نمط يمكن التنبؤ به من خلال التنبؤ بالتنشيط الدماغى الذى يحدث عندما يحدث الألم. أما «سالمونز» يرى أن الألم هو دائما نوع من التفاعل بين الجسم والدماغ. أما جريج سيجل عالم الأعصاب فى جامعة بيتسبرج استخدم التصوير العصبى لفهم الادراك العاطفى فى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات فى المزاج. فقد قام سيجل بدراسة مقارنة وجد فيها أن هناك جزءا فى الدماغ مسئول عن عملية الابتسامات الذى يقوم بها الشخص لأشخاص آخرين، أى أن هناك شبكة ابتسامات تنشط فى كل مرة مهما اختلفت المواقف لذلك، كذلك بالنسبة للألم فهناك شبكة من الألم مع وجود كل أنواع الوساطة النفسية التى تستمر بمجرد أن يتم تنشيط شبكة الألم. النص الأصلى