• المدخل الأساسى لمحاربة التطرف مراجعة التراث الإسلامى ونقده دون محاذير • «الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامى» من أهم الوثائق التى صدرت فى الألف سنة الماضية • الوثيقة أكدت أنه لا شىء مقدس سوى وحى السماء وكل ما عداه وإن ارتبط بالوحى هو من صنع البشر • دور قطر فى المنظمة الإسلامية انكمش وانحسر.. و«التعاون الإسلامى» تخضع لنفوذ سعودى قوى مع تأكيد قادة عرب ومسئولين غربيين أخيرا بأن الخطر الذى يشكله الفكر المتطرف لتنظيم «داعش» الإرهابى «ما زال قائما»، رغم هزيمته فى العراق، وهزيمة أخرى وشيكة فى سوريا، ولما كانت جرائم الإرهاب الداعشى تطال شظاياها دولا عربية وإسلامية وغربية. «الشروق» حاورت مستشار منظمة التعاون الإسلامى السفير سيد قاسم المصرى للتعرف عن قرب على إمكانية «العمل الإسلامى الجماعى» فى مواجهة الإرهاب والتطرف وتفكيك خطابه، فضلا عن التعرف عن موقف المنظمة التى تصف نفسها بأنها «الصوت الجماعى للعالم الاسلامى» من الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى والصعوبات التى تواجهه. المصرى وجه رسالة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى بتفعيل «الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامى» بالاشتراك مع السعودية، وذلك بهدف تجديد الخطاب الدينى وتحديثه عبر تنقية التراث الإسلامى ومراجعته. ويرى المصرى أن الاستراتيجية التى أعدتها منظمة التعاون الإسلامى ونالت «موافقة إيران الشيعية، والسعودية السنية وبالطبع مصر الوسطية»، «من أهم الوثائق الإسلامية التى صدرت فى الألف سنة الماضية». وقال إن العمل سيكون خارج الإطار السياسى عبر لجنة علمية فنية من الخبراء لا تمثل فيها الحكومات. وإلى نص الحوار: • بعيدا عن مواجهات الحكومات عربية كانت أو غربية، المسلحة ضد تنظيم داعش الإرهابى على أرض الواقع، ما هو الدور الذى قامت به منظمة التعاون الإسلامى لمواجهة الإرهاب ومحاربة الفكر المتطرف؟ منظمة التعاون الإسلامى التى تتشكل من 57 دولة، سبق وأن أعدت استراتيجية شاملة لمراجعة جميع الجوانب الثقافية الاسلامية بعنوان «الإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامى»، وذلك بغرض «اجتثاث عوامل الانحطاط وتنمية عوامل التقدم» عبر مراجعة التراث الإسلامى مراجعة نقدية بدون وجل أو محاذير، ودون إضافة هالة التقديس عليه، ذلك لأن التراث ليس بوحى بل هو عمل إنسانى بشرى وإن ارتبط بالوحى. فهذا هو المدخل الاساسى لمحاربة الفكر المتطرف، وليس مجرد تجديد الخطاب الديني؛ لأن التجديد بدون تنقية المنبع سيصبح عملية إعادة تغليف للمنتج القديم. •من أعد الإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامى والهدف منها؟ الاستراتيجية نتاج جهد قامت به منظمة الايسيسكو (الذراع الثقافى لمنظمة التعاون الاسلامى) عندما دعت مجموعة من خيرة عقول العالم الإسلامى فى فروع العلوم المختلفة إلى وضع خطة شاملة للنهوض بالثقافة الإسلامية والتفاعل مع قضايا العصر، خلال مؤتمر القمة الإسلامى أوائل التسعينيات، وهى تقع فى نحو 120 صفحة وتتعرض لقضايا الثقافة الإسلامية بكل تفريعاتها، ولكن الذى يهمنا التركيز عليه هو ما يتعلق بتجديد الخطاب الدينى وتحديثه من خلال تنقية التراث الإسلامى. كما تؤكد أن الثقافة الإسلامية تتسم بأمرين وهما الثبوت والتغير، أما الثبوت فهو ما يتعلق بالمصادر القطعية من عقائد وقيم ومناهج، وأما التغير فهو ما يتعلق باجتهادات المسلمين وإبداعاتهم القابلة للصواب والخطأ. وتشير الوثيقة إلى أن التراث المقصود هو التراث المكتوب والمقروء والمرئى الذى يشمل العلوم الشرعية من تفسير وحديث وأصول وفقه وسيرة والعلوم اللغوية والنقدية والفلسفية. • إذن ما الجديد الذى ستقدمه؟ الاستراتيجية تعد من أهم الوثائق الإسلامية التاريخية التى صدرت فى الألف سنة الماضية لأنها تصدت بجرأة لأول مرة إلى صلب الموضوع وهو تنقية التراث دون وجل أو محاذير وذلك بنزع القدسية عن كل ما هو من صنع البشر، حين قالت بوضوح أنه «لا شىء مقدس سوى وحى السماء وأن كل ما عداه وإن ارتبط بالوحى فهو من صنع البشر». • كيف سيتم تفعيل الاستراتيجية الثقافية خاصة مع تنامى العمليات الإرهابية؟ ما دامت المشكلة تخص العالم الإسلامى بأسره، فنرى أهمية التحرك تحت مظلته ممثلا فى منظمة التعاون الإسلامى التى تضم جميع تيارات ومذاهب العالم الإسلامى، خاصة وقد نالت «الإستراتيجية الثقافية» موافقة إيران الشيعية، والسعودية السنية وبالطبع مصر الوسطية. وأناشد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى وقد سبق وأن وجهت لسيادته رسالة مفتوحة فى شكل مقال أناشده ألا نحمل هذا العبء بمفردنا طالما أن الأمر يخص العالم الإسلامى بأسره وطالما أن المسوغ القانونى لهذا التحرك موجود فى شكل الاستراتيجية الثقافية التى أقرتها القمة الإسلامية بالإجماع، فلندع بالاشتراك مع السعودية إلى تفعيلها بهدف تنقية التراث الإسلامى وإعادة إصدار الكتب التراثية بعد تنقيحها وتنقيتها من التفسيرات الخاطئة للقرآن الكريم والسنة والأحاديث المدسوسة والتى اكتسبت هالة من التقديس، وتدرس فى المعاهد الدينية على اتساع العالم الاسلامى. وأرى أن تفعيل تلك الاستراتيجية أصبح مهما إزاء تنامى العمليات الإرهابية الذى يستهدف الجميع شرقا وغربا ويحصد أرواح الأبرياء فى كل مكان، واستنادها إلى فتاوى فقهية وتأويلات مبتسرة من آيات قرآنية منزوعة من سياقها، أو أحاديث نبوية ضعيفة أو موضوعة، أو آراء بعض الفقهاء السابقين التى تتسم بالغلو والتطرف والتشدد. • ما هى أهمية التحرك الجماعى ضمن إطار العالم الإسلامى؟ التحرك ضمن الاستراتيجية الثقافية يجنب التعرض لاتهامات تغيير الدين، والمساس بالمقدسات وسائر هذه الترهات، كما أن التحرك ضمن الإطار الجماعى يقوى فرص قبول التغيير، ويشجع الحكومات على اتخاذ الخطوات العملية مثل تغيير المناهج الدراسية. • الموقف العربى والخليجى شبه موحد ضد إيران بأنها تسعى لزعزعة استقرار المنطقة.. كيف سيتم العمل الجماعى معها خاصة وأنها عضو مؤسس بالمنظمة؟ هذا العمل سيكون خارج الإطار السياسى، بل وخارج الهيكل الأساسى لمنظمة التعاون الإسلامى فى جدة، إذ إن الموضوع ثقافى فى إطار الإيسيسكو (الذراع الثقافى لمنظمة التعاون الاسلامى)، ومن المفروض أن تتولاه لجنة علمية فنية من الخبراء لا تمثل فيها الحكومات. كما أن إيران من الدول التى وافقت على الوثيقة عند صدورها وأيضا فى صيغتها المعدلة المعتمدة من المؤتمر الإسلامى الرابع لوزراء الثقافة المنعقد بالجزائر فى ديسمبر 2004. • وماذا عن الموقف المتوقع من دولتى قطروتركيا إزاء التحرك المقترح؟ دور قطر فى المنظمة الإسلامية قد انكمش وانحسر انحسارا كبيرا، فقد لاذ ممثلوها بالصمت فى جميع اجتماعات المجلس الوزارى للمنظمة الذى عقد أخيرا فى كوت ديفوار ولا ننسى أن منظمة التعاون الإسلامى تخضع لنفوذ سعودى قوى وكبير. • لكن ألا تتوقع مشاكل ورفض من الجانب التركى إذا ما جاء التحرك من مصر؟ لا أتوقع مشاكل من جانب تركيا خاصة إذا جاء التحرك من جانب مصر والسعودية وبعد تشاور كاف مع بعض الدول المؤثرة فى المجموعات الثلاث التى تتشكل منها العضوية مثل المغرب فى المجموعة العربية خاصة وأنها المقر الدائم لمنظمة الايسيسكو، ثم إندونيسيا وماليزيا فى المجموعة الآسيوية، ونيجيريا فى المجموعة الإفريقية. • تحدثتم عن أهمية التحرك ضمن مظلة منظمة التعاون الإسلامى.. إذن أين دور مؤسسة الأزهر الشريف فى تفعيل تلك الاستراتيجية؟ تلك الخطوة لا تنتقص من دور الأزهر، بل تدعم دوره كمنارة للوسطية الإسلامية، فالأزهر هو البؤرة المحورية لهذا العمل الجماعى. وقانون إعادة تنظيم الأزهر يطالب الأزهر وعلى وجه التحديد مجمع البحوث الإسلامية بالعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الشوائب وتجليتها فى جوهرها الأصيل الخالص.