الحكومة تتجه مرة أخرى إلى «الدستورية».. وخالد على يلجأ لمجلس الدولة لإعدام أحكام «الأمور المستعجلة» دعوى تنازع الأحكام تصطدم بمبدأ سابق بشأن «الإشكالات».. ومصادر بقضايا الدولة: أمامنا حكمان موضوعيان متناقضان دخلت قضية «تيران وصنافير» مرحلة جديدة فى الصراع القضائى بين مجلس الدولة ومحكمة الأمور المستعجلة.. من جهة أولى بتوافر نية الحكومة لتصعيد هذا النزاع إلى المحكمة الدستورية العليا ليصبح أمامها نوعان من الدعاوى بشأن القضية، ومن جهة ثانية بإقامة المحامى خالد على دعوى جديدة أمام القضاء الإدارى للحكم بعدم الاعتداد بأحكام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة باعتبارها عقبة مادية أمام تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير. دعوى جديدة خالد على ذكر فى دعواه التى أقامها، أمس، أن الأحكام الصادرة من الأمور المستعجلة تستدعى الحكم بعدم الاعتداد بها وإسقاط جميع مسبباتها، وزوال جميع آثارها، واعتبارها كأن لم تكن، وطالب بالاستمرار فى تنفيذ أحكام القضاء الإدارى فى الدعويين رقمى 43709، و43866 لسنة 70 قضائية والصادر من محكمة القضاء الادارى الدائرة الأولى 21/ 6/ 2016، وحكم الإدارية العليا الدائرة الأولى فحص طعون رقم 74236 لسنة 62 ق ع الصادر فى 16 يناير 2017، التى قضت ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية وباستمرار جزيرتى تيران وصنافير ضمن الأراضى المصرية وتحت السيادة المصرية. وأكدت الدعوى أن قضاء الأمور المستعجلة غير مختص بنظر أى منازعات تتعلق بأحكام القضاء الإدارى أو الإدارية العليا الأمر الذى يستدعى انعدام جميع الأحكام التى تصدر من محاكم الأمور المستعجلة وتتضمن توقف تنفيد أو عدم اعتداد بأحكام القضاء الإدارى أو الإدارية العليا لأن أحكام الأمور المستعجلة فى هذه الحالة تكون هى والعدم سواء، وذلك وفقا للمادة 190 من الدستور. فلا يجوز لأى محكمة تابعة للقضاء العادى أن تأمر بوقف تنفيذ أى حكم صادر من محاكم مجلس الدولة، إذ فى ذلك خرق صارخ لأحكام الدستور والقانون، وافتئات على الاختصاص الموسَد لمجلس الدولة بحسبانه قاضى القانون العام فى المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية، وما فتئ قائما عليها باسطا ولايته على مختلف أشكالها وتعدد صورها. وأشارت الدعوى إلى أن الدولة القانونية لا تقوم لها قائمة ولا يعلو لها شأن بين الأمم، إن هى دأبت على إهدار أحكام القضاء، وضربت بها عرض الحائط علوا واستكبارا، وأن الامتناع عن تنفيذ الأحكام هو مظهر ضعف للدولة لا مصدر قوة، لأنه يفرغ الحقوق الدستورية من مضمونها والدولة فى الحق تعلو شأنا وتزداد رفعة فى نظر مواطنيها وباقى الأمم إن رفعت من شأن القضاء ووسدت لأحكامه الطريق المستقيم لوضعها موضع التنفيذ، صونا للعدالة، وهى السند العتيد لكل حاكم عادل لا معتد أثيم، إعمالا للالتزام الدستورى بإخضاع الدولة بجميع سلطاتها للقانون، وعلى قمة هذا الخضوع احترام سلطات الدولة وأجهزتها المختلفة لأحكام القضاء وضرورة العمل على تنفيذها. واضافت الدعوى» فإذا ما تجرأ كبار المسئولين فى الدولة أيا كان موقعهم ومهما علا فى سلم السلطة التنفيذية بالتطاول على الأحكام القضائية والنيل من حجيتها والتنصل منها والامتناع عن تنفيذها فإن ذلك يكون مقدمة حتمية للفوضى وضياع هيبة القانون وجدوى القضاء وتقويض دعائم الحكم فى البلاد، وتكون نصوص الدستور حينئذ، مجرد حبر على ورق، ولا تساوى قيمة المداد الذى كتب به، ويغيب مبدأ سيادة القانون عن أركان الدولة ويتحول المجتمع إلى غابة، الغلبة فيها للأقوى، ولا يكون هناك أى ضمان حقيقى للمواطنين لحماية حقوقهم وحرياتهم». وتتفق الدعوى مع ما جاء فى حكم الإدارية العليا الصادر فى 16 يناير الماضى، حيث أفرد جزءا من حيثياته لتفنيد الزعم بحجية أحكام الأمور المستعجلة مؤكدا أنها «تجاوزت حدود ولايتها وتستوى عدما أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا صاحبة الاختصاص الأصيل فى نظر الطعن فى الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإدارى وصاحبة الولاية وحدها فى وقف تنفيذ حكمها من عدمه، ومن غير المتصور قانونا أن يكون الحكم المنعدم مرتبا لأية آثار فى محيط العلائق القانونية، ذلك أن انعدامه إفناء لذاتيته يقتلعه من منابته، ويجتثه من قواعده، ليحيله هباء منثورا، فلا يولد حقا، ولا يتعلق به التزام، بعد أن هدم الدستور، وجرده من كل أثر بعدوانه على قواعده وهى التى تسمو على جميع القواعد القانونية، ولا استواء له، فليس له من عمد يرفعه، ولا من كيان يقيمه، ولا نص يعينه، بل ينهدم من أساسه ليفقد وجوده». سيناريو التنازع.. وعقبة محتملة أما فى جانب الدولة؛ فمن المرجح الآن وفقا لمصادر حكومية أن تلجأ الحكومة للبند ثالثا من المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية والذى يجعلها تختص ب«الفصل فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أى جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائى والآخر من جهة أخرى منها». والحكمان القضائيان النهائيان المتناقضان من وجهة نظر الحكومة هما: حكم أمس الأول الصادر من محكمة الأمور المستعجلة بإسقاط أسباب أحكام بطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والحكم النهائى البات الصادر من الإدارية العليا بتأييد حكم بطلان التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير. لكن هذا السيناريو يصطدم بعقبة أساسية؛ فالمحكمة الدستورية حسمت بشكل واضح الجهة المختصة بنظر استشكالات الأحكام الصادرة من مجلس الدولة عام 1998، بحكم يؤكد اختصاص محاكم مجلس الدولة وحدها بنظر استشكالات تنفيذ أو وقف تنفيذ الأحكام الصادرة من تلك المحاكم، وعدم اختصاص محاكم القضاء العادى بذلك. ويلاحظ أن المحكمة الدستورية حسمت هذه المنازعة استنادا إلى المادة الخاصة بمجلس الدولة فى دستور 1971، علما بأن المادة المقابلة لها فى الدستور الحالى تحمل مزيدا من الضمانات لعدم الاستشكال على أحكام مجلس الدولة أمام القضاء العادى. فالمادة 190 الحالية تنص صراحة على أن «يختص مجلس الدولة دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه...» أى أن الدستور ذكر صراحة اختصاص المجلس بنظر الاستشكالات على أحكامه، دون غيره من الجهات القضائية. حكم موضوعى أم استشكال؟ غير أن مصادر قضائية بهيئة قضايا الدولة ترى أن حكم الأمور المستعجلة الأخير ليس إشكالا فى التنفيذ، بل حكم موضوعى مقابل لحكم الإدارية العليا، لأنه مبنى على دفوع وحيثيات موضوعية وليس مجرد مستجدات تعوق تنفيذ حكم البطلان. وتؤكد هذه المصادر أن حكم الأمور المستعجلة كان متوقعا منذ رفع هذه الدعوى نهاية فبراير الماضى، وليست له صلة بأى تطورات سياسية أو دبلوماسية، وذلك لأن هيئة قضايا الدولة تقدمت بعدد من الدفوع الموضوعية لعدم الاعتداد بحكم الإدارية العليا. ومن هذه الدفوع: أن قرار دائرة فحص الطعون مخالف للنظام العام، وأنه كان يجب على دائرة الفحص إحالته إلى دائرة الموضوع لتعلقه بمبدأ جديد لم يسبق الفصل فيه من قبل المحكمة الإدارية العليا، وكذلك لتجاهل المحكمة العديد من الوثائق والمستندات التى لم تتح أمام محكمة أول درجة. وتوضح المصادر أن هيئة قضايا الدولة بصدد إعداد مذكرة دعوى تنازع أحكام لرفعها أمام المحكمة الدستورية العليا، لتضاف بذلك إلى منازعتى التنفيذ رقمى 37 و49 لسنة 38 المحجوزتين لكتابة تقرير المفوضين وموضوعهما واحد هو أن حكم القضاء الإدارى ببطلان التنازل عن الجزيرتين يقف عقبة فى تنفيذ مبادئ تضمنتها أحكام سابقة للمحكمة الدستورية تؤكد عدم جواز الرقابة القضائية على أعمال السيادة، وتعتبر العلاقات بالدول الأخرى ضمن أعمال السيادة التى لا يجوز تداولها فى ساحات القضاء.