لاشك أن للروائى العربى المغربى «بنسالم حميش» علاقة خاصة بشيخ مشايخ الرواية العربية الأستاذ نجيب محفوظ، فقد نال حميش جائزة نجيب محفوظ للرواية عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى 2002. ثم عاد ليقترن اسمه مجددا بنجيب محفوظ عندما فاز بجائزته التى يمنحها اتحاد كتاب مصر. حميش الروائى والشاعر وأستاذ الفلسفة وعلم الاجتماع يأتى إلى مصر التى يعتبرها وطنا ثانيا له، مرتديا رداء وزير الثقافة المغربى حيث تقلد المنصب منذ شهر واحد ليحقق المعادلة الصعبة بين العمل العام ووضع المثقف المبدع الملتزم. اقتفى أثر ابن خلدون فى أعماله الإبداعية والبحثية واعتبره نموذجا متعدد الأوجه جمع بين الفكر والسلطة. يبدأ مهامه الجديدة يحدوه الأمل مرددا مقولة: «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل». * بوصفك مثقفا قادما من «خندق» الكتابة الإبداعية، كيف يمكن أن تحقق التوازن مع منصبك الجديد كوزير ثقافة المغرب، وكيف يمكن أن تحقق أحلام المثقف المهمشة فى العالم العربى؟ اللوحة ليست سوداء. لا يمكن أن تظل الثقافة مهمشة، يجب توعية الشخصيات الفاعلة فى الاقتصاد والتمويل، فالثقافة هى شىء حى، فلا يوجد وزارة للتعليم دون ثقافة لأنها فى هذه الحالة ستكون مجرد أبنية خاوية. فالأساس أن يبحث الأفراد عن المضمون الثقافى فى كل المؤسسات التعليمية، ما يبرر إنسانيتنا هو حاجتنا للثقافة. يجب مضاعفة الموارد التى تساند وتفعل المشروعات الثقافية وعدم الاعتماد على الدولة مثل الراعين للفنون والآداب والمؤسسات المعنية بالثقافة مثل الاتحاد الأوروبى. يجوز أنى لن أحقق كل أحلامى لكنى سأحقق جزءا منها. * تناولت فى العديد من أعمالك العلاقة بالسلطة مثل مجنون الحكم (رواية متخيلة عن الخليفة الحاكم بأمر الله) والعلاّمة حيث تعيد قراءة شخصية ابن خلدون، أى أحكام ومواقف من كان ليس بعيدا عن السلطة. لم تكن هى التيمة الرئيسية فى أعمالى، من الصعب تحديد الروائى فى أعمال وموضوعات بعينها لأنى نشرت ما يقرب من عشرة أعمال لا يتطرق لها النقد مثل موضوع الهجرة المنتشرة فى المغرب اليوم أو رواية «فتنة الرءوس والنسوة» فالسياسة موجودة فيها بقوة عن الدسائس والانقلاب العسكرى، أو رواية «محن الفتى ذى الشامة» حول الفتى الذى يحصل على مؤهل عال ويصبح عاطلا وهى شخصية متكررة فى عالمنا العربى، لكنها أعمال رغم ما تثيره من موضوعات مهمة إلا أن النقد يستسهل وضع الروائى فى تصنيفات محددة، وهذا ما حدث مع العلاّمة أو مجنون الحكم. * لماذا تختار الرواية التاريخية المتخيلة؟ لماذا الاعتماد على التاريخ طالما أنك تميل إلى التخييل؟ لا أوافق على تسمية الرواية التاريخية، فالكاتب لا يفتح أدراجا ليخرج منها التاريخ ثم الاجتماع ثم الخيال. فأنا أكتب التاريخ بصورة مختلفة عن المؤرخين الذين يبحثون فى أرشيفهم الخاص وينحون رأيهم جانبا أما الروائى فيستطيع الذهاب بعيدا من خلال المعطيات التى يفرضها والخيال والتخييل على شرط أن يظل الأمر فى إطار ما يمكن تصديقه. * هل تعتبره نوعا من التحدى فى مجال الإبداع أن تعيد كتابة الشخصية التاريخية وتملأ الفراغات التى غفلها التاريخ؟ بالطبع فإن شخصية أبوالمنصور على المعروف بالحاكم بأمر الله فى مصر لم يكتب أى وثائق ومذكرات وما كتب عنه لا يزيد عن تصويره فى صورة الحاكم المؤله وحتى اليوم لا يزال الدروز يعتقدون أنه لم يمت وأنه سيأتى يوما لإحلال العدل. هناك طرائق عديدة لإعادة كتابة التاريخ، فى زمن جورج زيدان كان التاريخ المدون الجاهز والمبنى على الوثائق وهى ما يمكن أن يسمى بالرواية التاريخية. أما فى رواياتى فمن الممكن قراءتها بشكل معاصر، هى قراءة مستحدثة للتاريخ أى أنها تتناول شخصيات عاشت بالفعل فى الماضى لكنها عبر الكتابة نفسها تثير أسئلة حاضرة حول غياب العدل. فهل يمكن أن يقال عن أعمال شكسبير إنها أعمال تاريخية رغم أنها تناولت شخصيات من التاريخ، لكن الأمر لا يتوقف على التاريخ لأنه فى هذه الحالة ما كان أحد سيتذكره، لكن هناك فن شكسبير وعبقريته وهذا ما يجعلنا نشعر حين نقرأ أعماله أنها لا تزال تمس العصر الذى نعيشه. * تتسلم جائزة محفوظ للمرة الثانية، كيف ترى موقعك أو علاقتك بأدب صاحب نوبل خاصة مع حلول الذكرى الثالثة لوفاته؟ أنا ضد العقوق، فأول ما قرأت كان رواية اللص والكلاب وما زلت حتى اليوم أعيش مع شخصية سعيد مهران وكأنها شخصية من دم ولحم، ثم قرأت الثلاثية وتأثرت بها وهى الرواية التى تعتبر اليوم تاريخية رغم أنها فى حينها كانت تصنف بصفتها رواية اجتماعية. لا يوجد روائى لم يتأثر بنجيب محفوظ فهو أبو الرواية العربية، نجيب محفوظ اخترق المكان والزمان.