أهم التوصيات الصادرة عن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية    خلال اتصاله بنظيره الرواندي.. وزير الخارجية يشدد على أهمية تحقيق التهدئة في منطقة البحيرات العظمى    الرجل الثاني في الكنيسة الأرثوذكسية.. من هو الأنبا يوأنس سكرتير المجمع المقدس؟    وزير قطاع الأعمال يلتقي وفدا من "Global SAE-A" الكورية لبحث التعاون بقطاع الغزل والنسيج    وزير قطاع الأعمال يلتقى وفدا من "Global SAE-A" الكورية لبحث فرص التعاون    ترامب: أتطلع لاجتماع قريب مع الرئيس الصينى وسنحدد مكانه وموعده قريبا    حماس: تسليح الاحتلال عصابات إجرامية بغزة تسويق للتجويع    وزير الخارجية الإسرائيلي: وافقنا على مقترح ويتكوف وحماس رفضته    الناتو يقر أكبر خطة لإعادة التسليح منذ الحرب الباردة    الإعلان عن موعد انطلاق الموسم الجديد في الدوري الإيطالي    "لا أعتقد أن ألونسو يحبني".. لاعب فرانكفورت يرد على شائعات ريال مدريد    بعثة الأهلي تصل أمريكا استعدادا لمنافسات كأس العالم للأندية    نادي قطر يُعلن نهاية إعارة أحمد عبد القادر وعودته للأهلي    خلافات الجيرة تنتهى بمشاجرة بالأسلحة البيضاء فى الدقهلية.. والأمن يكشف التفاصيل    أحمد السقا: قضينا الليل على جبل عرفات وإحنا مصطفين السنة دي من ربنا    المسرح النسوي بين النظرية والتطبيق في العدد الجديد من جريدة مسرحنا    قصور الثقافة تطلق احتفالات عيد الأضحى بالقاهرة الكبرى    "لو لينا عمر" أغنية لآمال ماهر بتوقيع الملحن محمدي في أول عمل يجمعهما    الدعاء من العصر حتى المغرب.. ننشر أعظم الأعمال في يوم عرفة    لهضم لحم العيد- تناول هذه الأطعمة بعده مباشرة    أفضل وصفة لكبدة الخروف في أول يوم العيد    محافظ الدقهلية أثناء استقبال المهنئين بعيد الأضحى: مصر قادرة على تخطي أي تحديات    «الجيل»: ما يدور عن «القائمة الوطنية بانتخابات الشيوخ تكهنات تثير لغط»    أمين البحوث الإسلامية مهنِّئًا بحلول عيد الأضحى: فرصة لتعزيز المحبَّة والرحمة والتكافل    بيراميدز يقطع الطريق مبكرا ويجدد عقود الثلاثي رسميا    صوم عرفة.. تعرف على موعد أذان المغرب اليوم الخميس 5 يونيو    انسحاب الوفد العمالي المصري والعربي من مؤتمر جنيف رفضًا للتطبيع    في إجازة عيد الأضحى.. حدود السحب والإيداع القصوى من ماكينات ATM    س وج.. كل ما تريد معرفته عن خدمات الجيل الخامس "5G"    رئيس إيران يهنئ الرئيس السيسى بعيد الأضحى ويؤكدان أهمية تجنب التصعيد بالمنطقة    تشيفو يقترب من قيادة إنتر ميلان بعد تعثر مفاوضات فابريغاس    المسرح النسوي بين النظرية والتطبيق في العدد الجديد لجريدة مسرحنا    تهنئة أول أيام عيد الأضحى برسائل دينية مؤثرة    وزير الخارجية الألمانى: نرفض سياسة الاستيطان التى يجرى تنفيذها فى الضفة الغربية    «بعتنا ناخده».. رسالة نارية من أحمد بلال ل هاني شكري بعد «سب» جمهور الأهلي    "يجب أن يكون بطلًا دائمًا".. كوفي يوجه رسالة للزمالك قبل نهائي الكأس    تنبيه بخصوص تنظيم صفوف الصلاة في مصلى العيد    نائب وزير المالية ورئيس مصلحة الجمارك فى جولة ميدانية بمطار القاهرة: حريصون على تسهيل الإجراءات الجمركية للعائدين من الخارج    «حلوان» و«حلوان الأهلية» تستعرضان برامجهما المتميزة في «نيجيريا»    تقديم الخدمة الطبية ل1864 مواطنًا ضمن قافلة علاجية بعزبة عبد الرحيم بكفر البطيخ    كيف تؤدى صلاة العيد؟.. عدد ركعاتها وتكبيراتها وخطواتها بالتفصيل    استعدادا ل عيد الأضحى.. رفع درجة الاستعداد داخل مستشفيات دمياط    زلزال بقوة 4.6 درجة على مقياس ريختر يضرب بحر إيجة    3 أبراج تهرب من الحب.. هل أنت منهم؟    الصحة: فحص 17.8 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة    مفاجأة.. ماسك طلب تمديد مهمته في البيت الأبيض وترامب رفض    كل ما تريد معرفته عن جبل عرفات ويوم عرفة    هيئة التأمين الصحي الشامل تعلن مواعيد العمل خلال إجازة عيد الأضحى    قبل عيد الأضحى.. حملات تموينية بأسوان تسفر عن ضبط 156 مخالفة    ملايين الحجاج يقفون على جبل عرفات (بث مباشر)    وزير التعليم العالي: إعداد قيادات شبابية قادرة على مواجهة التحديات    مصرع عامل في حادث انقلاب دراجة نارية بالمنيا    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    أسعار البقوليات اليوم الخميس 5-6 -2025 في أسواق ومحال محافظة الدقهلية    موقع الدوري الأمريكي يحذر إنتر ميامي من خماسي الأهلي قبل مونديال الأندية    «مسجد نمرة».. منبر عرفات الذي بني في مكان خطبة الوداع    مسجد نمرة يستعد ل"خطبة عرفة"    أرخص 10 سيارات مستوردة إلى مصر بدون جمارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الداء أمريكى.. والدواء أيضًا
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 12 - 2016

سألت المرحوم الدكتور بطرس غالى فى عام 2010: هل التزمت مصر أو ألزمت فى اتفاقات كامب ديفيد بعدم الدخول فى علاقة استراتيجية دولية أو إقليمية تتعارض مع علاقتها الاستراتيجية (الجديدة وقتها) مع الولايات المتحدة الأمريكية، فأجاب بأن مثل هذا الالتزام أو الإلزام لا يكتب، وإنما يفهم، كقاعدة أساسية فى العلاقات بين البلدين.
وفى اجتماع مع قادة المصريين الأمريكيين سئل الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر عما قاله المرحوم الرئيس أنور السادات لهؤلاء القادة، من أن الولايات المتحدة التزمت فى الكامب بالمساواة الاستراتيجية الكاملة بين مصر وإسرائيل، فأجاب كارتر بالنفى المطلق، وفهم الحاضرون على ما يروى الدكتور كمال أبو عقيلة أستاذ الجراحة الشهير فى واشنطن أن السادات ربما توسع فى فهمه للتعهد الأمريكى بإلزام مصر وإسرائيل بعدم تهديد أى منهما لأمن وحدود الطرف الآخر، والمعنى هنا أن تبقى إسرائيل متفوقة عسكريا على الجيوش العربية مجتمعة، كما يقضى الالتزام الأمريكى الدائم نحوها، ولكنها تمنع أو تردع «سياسيا» من استغلال هذا التفوق لابتزاز مصر أو تهديدها.
علينا إذن أن نفهم أن هذا الالتزام السياسى الأمريكى نحو مصر بما فيه من معونات اقتصادية وعسكرية هو مكون رئيسى من مكونات أمننا القومى، أحب من أحب، وكره من كره، مثلما أن الالتزام الأمريكى الأشمل نحو إسرائيل هو من مكونات أمنها القومى، ومثلما أن هذين الالتزامين هما أحد أهم أركان الاستراتيجية الأمريكية الكبرى فى الشرق الأوسط، جنبا إلى جنب مع الأركان الأخرى.
نحاول الآن أن نرصد ونفهم كيف ولماذا تأزمت العلاقة المصرية الأمريكية منذ بداية القرن الحالى؟، على الرغم من تأكيد كبار المسئولين فى البلدين (وصغارهم أيضا) الأهمية الاستراتيجية لهذه العلاقة، والحرص عليها دائما وأبدا؟ سواء كان الذى يحكم مصر حسنى مبارك أو محمد مرسى الإخوانى، أو عبدالفتاح السيسى، وسواء كان الذى يحكم أمريكا جورج بوش الابن، أو باراك أوباما، أو دونالد ترامب الوافد الجديد.
الحقيقة أن منحنى الهبوط بدأ مع تولى بيل كلينتون رئاسة الولايات المتحدة خلفا لجورج بوش الأب، فقد كان الرئيس المصرى حسنى مبارك متفاهما مع الأخير، ومعجبا به، وحقق معه الاعتراف الأمريكى بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومؤتمر مدريد للسلام فى الشرق الأوسط، ومن قبل شاركه فى حرب تحرير الكويت، وحصل منه على خفض الديون العسكرية الأمريكية على مصر، لكن كلينتون بدأ يحدث مبارك عن حاجة مصر إلى جرعة من الديمقراطية فى الداخل لعلاج «تصلب الشرايين» الذى أصاب النظام السياسى، وعن تحسين فرص نمو، وتحصين مصر والمنطقة ضد الإرهاب.
ثم تحول عدم الارتياح بين مبارك وكلينتون إلى أزمة مع جورج بوش الابن، عندما أظهرت مصر معارضة (غير نشطة) لمشروع الغزو الأمريكى للعراق، فقد كانت القاهرة التى تفهمت دواعى الغزو الأمريكى الأطلنطى لأفغانستان لإسقاط حكم طالبان عقابا على هجمات 11 سبتمبر، تنتظر التحول بعد ذلك مباشرة إلى الحل الشامل للقضية الفلسطينية، باعتبارها المصدر الأصلى للعداء العربى الإسلامى للولايات المتحدة، وللإنصاف، فقد كانت مصر محقة هنا، لأن بوش الابن كان قد تعهد بذلك ليس لمصر وحدها، ولكن لحلفائه الأطلنطيين، عندما دعاهم للمشاركة فى غزو أفغانستان، كما صرح بذلك علنا يوشكا فيشر وزير خارجية المانيا فى ذلك الوقت، بل وكما تخوف من ذلك علنا أيضا آرييل شارون رئيس وزراء اسرائيل آنذاك، لكن بوش الابن فاجأ الجميع (بتحريض المحافظين الجدد فى إدارته) بمشروعه لغزو العراق.
ومع ذلك فقد بقيت الأزمة بين مصر وأمريكا فى هذه المرحلة فى حدود ضيقة.
أما الذى أخرج الأزمة من هذه الحدود الضيقة، فهو رفض مصر تاليا لطلب جورج بوش الذى حمله إلى شرم الشيخ نائبه ديك تشينى إرسال قوات إلى العراق ضمن تحالف إسلامى سنى يضم السعودية وباكستان والأردن، وذلك لسد الفراغ الذى نجم عن حل جيش العراق بقرار أمريكى، وأدى إلى طغيان النفوذ الإيرانى والشيعى العراقى المحلى، وهو ما أدى بدوره إلى تمرد السنة. (ولا شك أن رفض مصر لهذا الطلب الأمريكى يسجل لمبارك).
فى هذه اللحظة بدأ الحديث عن خفض المعونات الأمريكية لمصر، وهو ما نفذ بعد ذلك.
وفى مصر ذاتها كانت الأوضاع السياسة الداخلية قد بدأت تتأزم هى الأخرى بسبب «تصلب شرايين النظام» من ناحية، وبسبب مشروع توريث الحكم لنجل مبارك، أما فى المنطقة ككل فقد أدى التعثر الأمريكى فى أفغانستان والعراق، واتساع نطاق العنف الطائفى والدينى إلى انتصار رؤية فريق السياسة الواقعية فى إدارة بوش الابن، بقيادة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية على رؤية المحافظين الجدد، وكان مقتضى هذا الانتصار أن دفع التحولات الديمقراطية فى الشرق الأوسط «الكبير أو الموسع أو الجديد»، هو الحل لمشكلات المنطقة، والحل لمشكلات العالم فيها ومعها، وهكذا بدأ الصدام يعلن عن نفسه، ولا شك أن هذا الصدام كان من بين محفزات المعارضة الداخلية فى مصر لمشروع التوريث، التى كانت منتشرة على نطاق واسع من الأصل.
لم يجد الرئيس السابق مبارك حلا لإنقاذ طموح الابن الوريث سوى المناورة بتعديل الدستور لتحويل طريقة اختيار رئيس الجمهورية المصرى من الاستفتاء على مرشح واحد إلى الانتخاب بين عدة مرشحين، لتكون تلك المناورة فتيل الإشعال لحراك سياسى توج بثورة يناير 2011، وهى حدث متعدد الروافد، فالسخط الشعبى على الجمود والفساد والتفاوت الطبقى والتوريث كان أحد تلك الروافد، والغضب من انتهاكات الشرطة، كان أحد الروافد أيضا، ورفض بعض مؤسسات الدولة العميقة للتوريث، وتورط بعضها الآخر فى دعمه، بما تضمنه ذلك من صراع فيما بينها كان رافدا ثالثا، وكذلك كانت المطالبات الدولية وفى مقدمتها (الأمريكية) بالإصلاح واحترام حقوق الانسان رافدا رابعا، علما بأن هذه الضغوط الدولية لم تأت حبا فى الديمقراطية لذاتها، أو حرصا على تحسين أحوال مواطنينا، بقدر ما أتت وتأتى انطلاقا من الاعتقاد بأن العرب والمسلمين أصبحوا عبئا على العالم، ونشازا فيه بتخلفهم، وتصديرهم للإرهاب واللاجئين والمهاجرين، وبعجز حكوماتهم عن إيجاد الحلول.
فى وضع كهذا، وفى أذهاننا هذه العلاقة الاستراتيجية العضوية بين مصر وأمريكا، من ذا الذى يفترض ألا يكون لواشنطن دور فيما سيتلو من تطورات فى مصر؟
لم تكن الكتلة الكبرى من المطالبين بالتغيير فى يناير 2011 هى وحدها من رحبت بالمطالبة الأمريكية لمبارك بسرعة تفويض السلطة والتنحى، ولكن مؤسسات الدولة الرافضة للتوريث، وغالبية القوى السياسية رحبت بذلك أيضا، وتعاونت مع الموفدين الأمريكيين لهذا الغرض.
ولم يكن أحد فى ذلك الوقت يطالب الجانب الأمريكى، ولا حتى يتوقع منه أن يساند بناء نظام سياسى جديد يقصى قوة سياسية بعينها من المشاركة، خاصة قوى الإسلام السياسى التى التزمت بالسلام مع إسرائيل، وبالانتخابات وسيلة للوصول إلى السلطة، ومرة أخرى تعاونت مؤسسات الدولة العميقة فى هذا الاتجاه.
لم يتحدث أحد فى مصر فى ذلك الوقت عن مؤامرة أمريكية لتفتيت الدولة، أو عن حروب جيل رابع أو خطة أمريكية لتقسيم المشرق العربى، ولكن ذلك كله قيل فيما بعد، لتفسير عدم الحماس الأمريكى للتطورات التالية للتحرك الجماهيرى الضخم ضد فشل، وغطرسة، واستبداد حكم جماعة الإخوان المسلمين فى 30 يونيو عام 2013، وأضيف إليه أن واشنطن كانت قد اتفقت مع الجماعة على بيع سيناء لاسرائيل أو لحركة حماس، وأن محمد البرادعى عارض فض اعتصام رابعة بالقوة لأنه عميل أمريكى، وأن ثورة يناير كلها مؤامرة أمريكية، وقد قيل كل ذلك، ولا يزال يقال دون أن يصدر بيان رسمى واحد من أى جهة فى الدولة المصرية، أو تظهر عنها وثيقة واحدة تثبت وجود ذلك الاتفاق الأمريكى الإخوانى حول سيناء، أو تؤكد عمالة البرادعى أو غيره للمؤامرة الأمريكية، أو تكشف خيوط ووقائع تلك المؤامرة، بأكثر مما هو معلن ومعتمد رسميا كاستراتيجية أمريكية.
أما استمرار اعتقاد الكثيرين من بيننا بتأثير الحقبة الناصرية، أو التطرف الإسلامى بأن أمريكا تتآمر على مصر، وسائر الدول العربية والإسلامية لحساب إسرائيل والصهيونية العالمية، فقد بات اعتقادا مضحكا، بعد أن أصبحت اسرائيل أقرب لكثير من العواصم العربية من بعضها لبعض، وبعد أن صارت مرشحة للانضمام لتحالف سنى فى الشرق الأوسط ضد المد الشيعى، وبعد أن اعترفت بها كبرى جماعات الإسلام السياسى، فضلا عن تفاخر إسرائيل نفسها بأن أحدا فى المنطقة لم يعد قادرا على تهديدها.
لكن هذا الاعتقاد يبقى مفيدا، لأنه يجعل أزماتنا كلها تبدو كأنها من أعراض الداء الأمريكى العضال الذى أصابنا فى الشرق الأوسط، وكأننا لم نرتكب أخطاء فى حق أنفسنا، ولا نزال نرتكب من الأخطاء ما لا يعد ولا يحصى، فى حين أن الحلم بالرضا الأمريكى يمثل الدواء المنشود للجميع عندنا من مواطن يريد الهجرة، أو طالب يريد الدراسة، إلى عالم يريد التفوق، وسياسى أو مسئول يريد المساندة فى الداخل وفى الخارج، بل وحتى زوجة حامل تسافر لتضع مولودها على الأرض الأمريكية ليحصل على الجنسية والفرصة والحماية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.