ما زلنا نتحدث عن الأقباط وغير المسلمين عموما والشبهات، التى تثار حول علاقتهم بالإسلام، حيث فسر البعض النصوص الدينية من آيات قرآنية وأحاديث شريفة تفسيرا سطحيا متعجلا، وخلص إلى أن الإسلام بخلاف الواقع متعصب ضد معتنقى المسيحية واليهودية. العلامة الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين يقول إن كثيرا من المفسرين وقع فى خلط كبير سواء كان عن قصد أو غير قصد، وأشار إلى أن الآيات التى تتحدث عن العلاقة بغير المسلمين واضحة، وهى كثيرة أيضا فى القرآن الكريم كقوله تعالى فى سورة آل عمران: «لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة، ويحذركم الله نفسه» (آل عمران:28). وقال تعالى فى سورة النساء: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا» (النساء:144). وفى سورة التوبة: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون» (التوبة:23)، وفى سورة المجادلة: «لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم» (المجادلة:22) وغيرها من الآيات. ويرى القرضاوى أن بعض الناس فهم من هذه الآيات وأمثالها أنها تدعو إلى الجفوة والقطيعة والكراهية لغير المسلمين، وإن كانوا من أهل دار الإسلام، والموالين للمسلمين والمخلصين لجماعتهم. والحق كما يقول القرضاوى إن الذى يتأمل الآيات المذكورة تأملا فاحصا، ويدرس تواريخ نزولها وأسبابه وملابساته يتبين له أن النهى إنما هو عن اتخاذ المخالفين أولياء بوصفهم جماعة متميزة بديانتها وعقائدها وأفكارها وشعائرها، أى بوصفهم يهودا أو نصارى أو مجوسا أو نحو ذلك، لا بوصفهم جيرانا أو زملاء أو مواطنين. والمفروض أن يكون ولاء المسلم للأمة المسلمة وحدها، ومن هنا جاء التحذير فى عدد من الآيات من اتخاذهم أولياء: (من دون المؤمنين)، أى أنه يتودد إليهم ويتقرب لهم على حساب جماعته، ولا يرضى نظام دينى ولا وضعى لأحد من أتباعه أن يدع جماعته التى ينتسب إليها، ويعيش بها، ليجعل ولاءه لجماعة أخرى من دونها. وهذا ما يعبر عنه بلغة الوطنية بالخيانة. والمواد التى نهت عنها الآيات ليست هى موادة أى مخالف فى الدين، ولو كان مسالما للمسلمين وذمة لهم، إنما هى موادة من آذى المسلمين وحادَّ الله ورسوله، سواء بالقتال أو الإخراج من الديار، أو المظاهرة والمعاونة على ذلك فهؤلاء يحرم موالاتهم، كما أن الإسلام أباح للمسلم التزوج من أهل الكتاب، وهذا يدل على أن مودة المسلم لغير المسلم لا حرج فيها. ويضيف القرضاوى: «إن الحقيقة التى لا شك فيها أن الإسلام يؤكد إعلاء الرابطة الدينية على كل رابطة، سواء أكانت رابطة نسبية أم إقليمية أو عنصرية أو طبقية، وهذا ليس فى الإسلام وحده.. بل هى طبيعة كل دين، وكل عقيدة.