- أرباب الدعوة لم يتفقوا على مفهوم تجديد الخطاب الدينى.. والساسة لا يشغلهم إلا الحد من الجماعات المتطرفة.. والسلفية تدعو إلى الانغلاق والتزمت - على المؤسسات التعليمية استكتاب ذوى العقول النيرة لا المتحجرة لمادة الدين
انطلقت دعوات عدة خلال العامين الماضيين للتأكيد على ضرورة تجديد الخطاب الدينى، بما يتناسب مع «الحداثة» الموجودة، وتبنتها رئاسة الجمهورية والمؤسسات الدينية المصرية، معلنة عن تقديم التعاليم الدينية الصحيحة والوسطية بصورته الصحيحة. سعت «الشروق» إلى الإجابة عن العديد من التساؤلات التى تتعلق بهذه القضية، من خلال حوارها مع عميد كلية أصول الدين السابق بجامعة الأزهر، الدكتور بكر زكى عوض، والذى أكد أن محاولات تجديد الخطاب الدينى اقتصرت على التطرق لموضوعات لم تطرح من قبل فى خطب الجمعة، وهو ما عدَّه غير كافٍ، مطالبا بعقد دوراتٍ تدريبية مكثفة حول طرح القديم بشكل جديد، يتناسب مع روح العصر، وبعدم اضطهاد المجدّدين، واستكتاب المؤسسات التعليمية لذوى العقول النيِّرة بمادة الدين، وحمَّل الإعلام مسئولية خطب ود المدرسة العقلية، لطرح الإسلام بالشكل الذى يحقق الغاية المرجوة، وإلى نص الحوار: • هل ترى تقدما ملموسا فى قضية تجديد الخطاب الدينى؟ التقدم محدود للغاية، فوزارة الأوقاف بدأت فى اختيار بعض القضايا والموضوعات التى لم تكن تطرح فى السابق فى خطبة الجمعة، لكنَّ تجديد الخطاب الدينى يجب ألا يقتصر على خطبة الجمعة بل لا بد وأن يشمل الدروس، والمحاضرات، والندوات، واللقاءات الثقافية، والقضايا المطروحة فى وسائل الإعلام، والتحرر من التحمل والنقل دون إعمال العقل فى المادة المحمولة بدعوى أنها موجودة فى هذا الكتاب أو ذاك، فنحن مطالبون شرعا أن نفقَه كثيرا من نصوص القرآن والسنة وفق زماننا كما فقِه سابقونا لهذه النصوص وفق زمانهم، وهو ما يمكن أن نصفه بتجديد الخطاب. • وما هى برأيك أسباب تعثر تجديد الخطاب؟ عدم الاتفاق على مفهوم التجديد بين المؤسسات الدعوية، ولتصادم قضية التجديد بين بعض المدارس الدعوية، كالأزهر والسلفية، فالمدرسة السلفية تدعو إلى الجمود والانغلاق والتزمت، والأزهر من حيث الظاهر يدعو إلى اليسر، والوسطية، والاعتدال، وإبراز سماحة الإسلام، وبهذا يرى الناس دعوتين متضادتين، ولو توجهنا إلى الوعَّاظ، وهم التابعون للأزهر الشريف، والدعاة، وهم التابعون لوزارة الأوقاف، وسألناهم ما معنى تجديد الخطاب الدينى سنجد ألف رأى حول مدلول هذه العبارة، ما أدى إلى عدم الوصول للغاية المرجوة. • ما مدى تأثير اختلاف الرؤى بين دعاة التجديد؟ اختلاف الرؤى بين الداعين إلى التجديد أدى إلى عرقلته فى بعض الأحيان، فالساسة لا يشغلهم من أمر التجديد إلا الحد من ظهور الجماعات والجمعيات المتطرفة الفاشية، ورجال الدعوة يشغلهم الدين ككل، ودعاة السلفية يقولون إذا أصلحنا العقيدة صلح كل شىء، وأنصار السنة لا يشغلهم من أمر التجديد إلا تحرير المسلمين من شوائب الشرك كما يزعمون: «كالحلف بغير الله، والنذر لغير الله، وتحريم المواسم والمناسبات الدينية من حيث الاحتفال بها.. وغيرها»، ما أفضى إلى هذا العبث. • هل وصلت العقلية الدعوية إلى المستوى الذى يؤهلها لتجديد الخطاب الدينى؟ إن العقليات الدعوية ما زالت تحتاج إلى تطوير وتحديث للأئمة والدعاة، وبخاصة وعَّاظ الأزهر، لطرح ما يناسب العصر، وليس أدل على هذا ما نراه من دعوة البعض لأن تكون صدقة الفطر ما ورد به النص «التمر – الزبيب الشعير القمح اللبن الرايب منزوع الدسم...»، مع أن التجديد فى الخطاب الدينى يتطلب إظهار الحكمة فى الدعوة إلى الإخراج من مثل هذه المواد فى زمن النبوة وأفضلية إخراج المال فى زمننا هذا، فلم يعد التمر ولا الزبيب طعاما وكذا الشعير لم يعد علف دواب، واللبن الرايب ليس طعاما إلا للرضع، بينما أصبح التمر والزبيب فاكهة فى أيامنا، فى رمضان أو المناسبات، وهذا يدل على أن عقولا حجرية عجزت عن استنباط روح التشريع وظاهر النص، فالغاية هى حل مشكلة الفقير فى أيام العيد. • وما الحلول التى يجب أن تتبعها المؤسسات الدينية للوصول إلى الغاية المرجوة؟ يجب عقد دورات تدريبية مكثفة للوعاظ فى الأزهر ولأئمة الأوقاف بطرح القديم بشكل جديد، يتناسب مع روح العصر، إضافة إلى عدم اضطهاد المجددين فى أيامنا هذا، لأن كل مجدد فى السنوات الأخيرة قد يطارد من المؤسسات الدينية أو يتهم فى عقله أو فكره أو دينيه، ولنعتبر بما أصاب ابن تيمية فى عصره، وما أصاب جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده، بخاصة، من أبناء الأزهر الذين سبُّوه ولعنوه وفسَّقوه حال حياته، وهو بينهم، بينما يعتبره الأزهر الآن رمزا للتحديث والتنوير والتجديد، وبرغم ذلك هناك الكثير من المؤسسات الدينية تعتمد على النصيِّين الذين لا يعوون ما يقولون ويسيئون إلى الإسلام من حيث لا يشعرون؛ فأى فائدة نجنيها من طرح حديث إرضاع الكبير فى أيامنا هذه، أو طهارة بول الرسول فى أيامنا هذه، أو التداوى بأبوال الإبل فى زماننا هذه. • ما الدور الذى يمكن للإعلام تأديته؟ يجب أن يسعى الإعلام لخطب ود المدرسة العقلية الإسلامية فى زماننا هذا لتطرح الإسلام طرحا يحقق الغاية المرجوة من تجديد الخطاب الدينى، لأن بدون ذلك سنظل نعيش فكر القرون الأولى، والإسلام من كثير منه براء؛ وعلينا أن نفرق بين الفكر الناتج عن العقل الإسلامى، وبين الدين الإسلامى، فالأول لا يصلح لكل زمان ومكان فى كثير من ميادينه، والثانى (الإسلام) يصلح لكل زمان ومكان فى كل ميدان من الميادين. • وفقا لحديثك هذا.. هل تقع مسئولية التجديد على علماء الدين ووسائل الإعلام فقط؟ المؤسسات الدينية بالدرجة الأولى، يليها المؤسسات الإعلامية، وثالثا المؤسسات التعليمية بأن تستكتب لمادة الدين ذوى العقول النيرة لا العقول المتحجرة.