التعليم: حملات تفتيش يومية على المدارس الخاصة والدولية للتأكد من تطبيق الضوابط المستحدثة    حماة الوطن: الأحزاب سند الدولة وصوت المواطن جاهزون لتقديم مشهد انتخابي يليق بمصر    وزير الري الأسبق: إثيوبيا تحب الاحتفاظ بأكبر قدر من المياه وتسبب مخاطر لدول المصب    كل ما تريد معرفته حول «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية»    تصديري الصناعات الغذائية: مصر تصدر غذاء ب11 مليار دولار سنويا    الكرملين: بوتين وأردوغان سيتحدثان هاتفيًا اليوم    فون دير لاين: أي خطة سلام مستدامة في أوكرانيا يجب أن تتضمن وقف القتل والحرب    بولسونارو يبرر إتلاف سوار المراقبة الإلكتروني بهلوسات ناجمة عن الدواء    حريق محدود على متن رحلة جوية من هونج كونج إلى سنغافورة    البرهان ينفي انتقادات أمريكية بسيطرة الإخوان على الجيش السوداني    ميلان يحسم ديربي الغضب بفوز ثمين على إنتر بهدف دون رد    إصابة جديدة تضرب الزمالك بعد الفوز على زيسكو    تفاصيل إصابة عبد الله السعيد وموقفه من لقاء كايزر تشيفز    صفحة الداخلية.. عالمية |ثانى أقوى حضور حكومى دولياً على الفيس بوك    في وداع الحلم.. انهيار باب لا يعني سقوط بيت    إيمان أبوالدهب: فخورة بنجاح "لينك" وتحقيقه أعلى نسب مشاهدة على DMC وWATCHIT    أحمد بتشان ينجو من الموت    ريمون المصري يدعو المنتجين لتقديم أعمال سينمائية عن التاريخ المصري القديم    خالد محمود يكتب: ثريا حبي.. الفيلم الذي أعاد قصة مارون وثريا إلى الواجهة    كل ما تحتاج معرفته عن فيروس ماربورج    التنسيقية تحث على المشاركة الفاعلة في المرحلة الثانية من انتخابات النواب    صلاح عبد الكريم.. فنان خارج التصنيفات    شاب يطارد لصوصا سرقوا محتويات شقته بمدينة 6 أكتوبر    الأرصاد: أمطار رعدية متفاوتة الشدة غدا على القاهرة والوجه البحري    محافظ سوهاج: انتهينا من حصر الأماكن المؤجرة وبدأنا التطبيق    أحمد موسى: التجربة المصرية في مواجهة الإخوان تُدرس دوليًا.. والقرار الأمريكي ضربة للجماعة    النصر يهزم الخليج برباعية في الدوري السعودي    وزارة النقل تناشد المواطنين دعم جهود التوعية بمخاطر رشق القطارات بالحجارة    صندوق التنمية الحضرية يطرح محال ومقرات للحرفيين داخل درب اللبانة بالقاهرة    الإفتاء توضح حكم الشرع في الأخ الذي يحرم أخوته من الميراث    ضبط 130 طن أغذية فاسدة.. وتحصين 131 ألف رأس ماشية بالقليوبية    كتب له عمر جديد.. إنقاذ حياة طفل ببنها مصاب بقطع خطير فى الرقبة    هيئة البث الإسرائيلية: رئيس الأركان يقيل رئيس شعبة العمليات السابق من خدمة الاحتياط    هل كان السبت الممتاز..حقًا؟    هل يجوز جمع الصلاة مع أخرى بسبب الدروس؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ بورسعيد: عمليات على مدار الساعة خلال يومي الانتخابات    عودة النصر للسيارات.. انطلاقة صناعية جديدة تقودها الربحية والتطوير الشامل    وزير الصحة يبحث جهود توطين تكنولوجيا الأجهزة الطبية وتطوير الخدمات التشخيصية    الصحة العالمية تكرم الزميلة أمل علام لفوزها بجائزة AMR Media    تأجيل محاكمة 17 متهما بخلية العجوزة    "تصميم وتشييد وتقييم الفاعلية البيولوجية لمشتقات جديدة من البنزايميدازول" رسالة دكتوراه بجامعة بنى سويف    بأمر النائب العام.. متابعة حالة الطفلة حور ضحية التنمر    إنشاء محطة لتموين قاطرات قناة السويس بالغاز الطبيعي المسال    مركز المناخ بالزراعة يحذر من أمطار تصل لحد السيول يومي الأحد والاثنين    الإفتاء تكرم المفتين السابقين وأسر الراحلين في احتفالها بمرور 130 عامًا على إنشائها    المصري يواجه كايزر تشيفز الليلة في الكونفدرالية.. بث مباشر وتغطية كاملة    متحدثة الحكومة الإسرائيلية: غزة ستكون منزوعة السلاح.. ولن يكون لحماس مستقبل فيها    الشروط والمستندات.. وظائف مشروع الضبعة النووي برواتب تصل ل45 ألف جنيه    موعد ميلاد هلال شهر رجب 1447 وأول أيامه فلكيا . تعرف عليه    «التموين» تنتهي من صرف مقررات نوفمبر بنسبة 94%    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    كلودين عون: المرأة اللبنانية ما زالت محرومة من حقوقها.. والنضال هو الطريق الوحيد للتغيير    قمة نارية في دوري روشن السعودي.. البث المباشر لمباراة النصر ضد الخليج اليوم    قمة لندن النارية.. البث المباشر لمباراة آرسنال ضد توتنهام في الدوري الإنجليزي    مركز المناخ يتوقع تقلبات جوية قوية يومى الإثنين والثلاثاء.. وسيول محتملة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    كمال أبو رية: لم أهاجم حمادة هلال والسوشيال ميديا كبرت الموضوع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمييز الضروري بين أمن مصر الوطني وأمنها القومي
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 02 - 2009

إننا- نحن العرب- لا نطلب من مصر إلا أن تكون ذاتها". هكذا ختم الأستاذ طلال سلمان – رئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية – مقالته في صفحة الرأي بجريدة الشروق منذ حوالي أسبوعين والتي أخذت عنوان "أين تبدأ حدود أمن مصر القومي". فكيف تكون مصر ذاتها؟ يجيب الأستاذ سلمان بأن تدرك مصر أن الدفاع عن أمنها القومي يبدأ من جبال طوروس.
ويستشهد الكاتب بالمفكر المصري الراحل لويس عوض الذي سمعه الأستاذ سلمان يدافع عن هذه الفكرة في مواجهة الأساتذة الراحلين توفيق الحكيم وحسين فوزي. أي أنه حتى صاحب النزعة المصرية الفرعونية الذي خاصم القومية العربية يدرك هذه الحقيقة التي يراها الأستاذ سلمان من ثوابت جغرافيا وتاريخ مصر.
المقالة المذكورة تدور بالطبع على خلفية التراشق الذي حدث في الإعلام العربي أثناء العدوان الصهيوني الأخير على الشعب الفلسطيني في غزة بين أصحاب فكرة "مصر أولاً" والمدافعين عن فكرة مصر العربية والإسلامية. أهمية المقالة المذكورة تكمن في أنها تضع العلاقات المصرية بجيرانها على أرضية المصالح. وهذا والله كلام جد ومحفز للنقاش. لأن الكلام في السياسة بدون ذكر المصالح صراحة أو ضمناً هو "كلام ساكت"، كما يقول الأشقاء السودانيين.
إذن ليس مطلوباً من مصر إلا أن تدافع عن أمنها القومي، الذي سيشدها بالضرورة للعب دور نشيط في المنطقة. وهنا يصبح التناقض الذي طرحه البعض بين مصر أولاً ومصر المنتمية لمحيطها العربي الإسلامي هو تناقض مزيف. لأن من يخلص فعلاً لشعار "مصر أولاً" عليه أن ينخرط في الصراع خارج مصر. هكذا يمكن تلخيص موقف رئيس تحرير السفير.
خلافي مع الأستاذ سلمان في نقطتين.. أولا هو لخص مصالح مصر الإقليمية في الأمن. والحقيقة أن الدور الخارجي النشيط لمصر الذي صيغ نظرياً منذ الخمسينيات كان له دوافع اقتصادية.
يشهد على ذلك كتابات الأستاذ حسنين هيكل التي تشير إلى أن نشاط الدولة المصرية الخارجية لم يكن تضحية بقدر ما كان إستراتيجية نظام سياسي يحاول تعبئة الموارد الخارجية للتغلب على محدودية موارد مصر. هذه أحد ثوابت نظام 23 يوليو التي لم تتغير من عبد الناصر إلى السادات إلى مبارك.
السياسة الخارجية النشيطة سمحت لنظام يوليو أن يكون أهم النظم المتلقية للمعونات في العالم. أي أن دافع "الأمن القومي" لم يكن هو الهاجس الوحيد لنظام يوليو. وهذا شيء طبيعي، لأن نظام الحكم الذي يدير الدولة مطلوب منه أن يحافظ على الوظائف الأساسية لهذه الدولة، ووظائف الدولة الحديثة تشتمل على ما هو أكثر من الأمن.
لذلك من يطالب الدولة المصرية بدور نشيط في المنطقة عليه أن يتوقع بالضرورة أن تكون مصالح الدولة الاقتصادية في قلب هذا النشاط. بإمكانه رفض بعض المصالح الاقتصادية أو بعض السياسات التي تخدمها، ولكن ليس بوسعه إلا أن يقبل وجود دوافع اقتصادية لحركة الدولة خارج حدودها باعتبارها من حقائق الحياة وليس باعتبارها انتهازية سياسية.
بالمناسبة الدور الثقافي المصري المحوري في العالم العربي لا يمكن فهمه بمعزل عن الاقتصاد. إذ كان منتجي الثقافة والفن في مصر عروبيين النزعة فذلك يرجع جزئياً إلى أن أسواق منتجاتهم لا تقتصر أبداً على مصر وإنما تمتد من الخليج إلى المحيط. المراد قوله أن استدعاء الدولة المصرية للعب دور نشيط في إقليمها بناءً على لفت نظرها إلى أخطار خارجية وتأسيساً على نظرية "أمن قومي" وفقط لن يفلح.
ناهيك عن أنه لا يستدعي من مصر إلا الأجهزة الأمنية. فهل يرغب الأشقاء العرب أن يأتيهم من مصر الأجهزة الأمن والمهمومين بقضية الأمن وفقط؟
نقطة الخلاف الثانية تتعلق بحديث الأستاذ سلمان عن "الأمن القومي" لمصر. بالطبع تحقيق الأمن هو أحد أهم وظائف أي دولة. المقصود بالدولة هنا مجموع المؤسسات العامة المملوكة للمجتمع ككل والتي من المفترض أن تُدير المصالح الجماعية للسكان التابعين لهذه الدولة. الحفاظ على أمن مصر هو أحد أهم وظائف الدولة المصرية أيا كان الجالس على رأس هذه الدولة.
ومصر هي وطن. إذن أمن مصر الذي تدافع عنه الدولة المصرية هو أمن مصر الوطني. ما معني إذن "أمن مصر القومي"؟ هو في الحقيقة نظرية الأمن الوطني المصري التي صاغها نظام 23 يوليو في الخمسينيات والستينيات عندما تبني فكرة القومية العربية.
أمن مصر الوطني إذن هو من الثوابت طالما ظلت هناك دولة مصرية مستقلة. أما "الأمن القومي" فما هو إلا تعريف الأمن الوطني في مرحلة تاريخية معينة، وهو قابل للنقد والتطوير.
فلنكن واضحين.. تمييز كاتب هذه السطور لمصطلح "الأمن الوطني" عن "الأمن القومي" لا تكمن ورائه أية ميول انعزالية. ميزة مصطلح الأمن الوطني هي أنه يقوم على الاعتراف بحدود مصر الجغرافية والتي تقوم عليها الدولة المصرية اليوم، وهي بالمناسبة نفس الحدود تقريباً التي قامت عليها دولة الوحدة الأولى حوالي عام 3200 قبل الميلاد على يد ملك الصعيد مينا الذي نجح للمرة الأولى في تاريخ مصر في توحيد شمال وادي النيل مع جنوبه.
الدولة المصرية بحدودها الدولية القائمة اليوم ليست صنيعة الاستعمار وإنما هي بالعكس هي نتاج مسيرة استقلال مصر التي ضحت في سبيلها أجيال وأجيال من المصريين بالدم والعرق والمال -. ما يقال عن أن الحدود بين الدول العربية اليوم هي حدود مصطنعة خططها الاستعمار لتفتيت المنطقة هو كلام مخل في تبسيطه إذا قيل عن البلاد العربية عموماً بما فيها لبنان، وهو من قبيل الهراء إذا قيل عن مصر. الدول العربية القائمة على حدودها الحالية هي حقائق قائمة يجب قبولها والنضال من أجل دمقرطتها وإخضاعها لشعوبها.
وإذا كان الأستاذ سلمان قد اعتبر أن مصر هي النموذج الأصفى للدولة في المنطقة، فإن هذه الدولة لم تقم باستفتاء حر ومباشر صوت فيه شعب مصر على وحدة مصر العليا والسفلى، وإنما هي قامت بفضل غزو الصعايدة للبحاروة. هكذا كانت الدول تقوم في الماضي. والحقيقة أن القضية ليست كيف قامت الدولة في مصر أو في لبنان أو في سوريا، فالتاريخ لا يعود للوراء، وإنما القضية هي النضال من أجل إخضاع الدولة لشعبها من خلال نظام ديمقراطي. هذه هو السؤال المطروح على كل الشعوب العربية.
الدولة المصرية ملك للمصريين جميعاً، أو هكذا يجب أن تكون. وبالتالي فإن وظيفة الأمن المكلفة بها هي حماية أمن المصريين كأفراد وكجماعة موحدة. الاسم الأدق لهذه الوظيفة هو الأمن الوطني. فهل هناك مكان للأمن القومي ؟ نعم.
إذا كان القوم الذين نتحدث عنهم هنا هم سكان المنطقة فهناك بالتأكيد أمن مشترك بينهم. ولكن وظيفة الحفاظ على هذا الأمن تتحملها كل دول المنطقة والمنظمات الإقليمية الممثلة لوجودها الجماعي، أقصد جامعة الدول العربية. ولكن في كل الأحوال ليس هناك إمكانية لتحقيق أمن قومي بدون - بادئ ذي بدء - الحفاظ على الأمن الوطني للدول القائمة بالفعل. كما أنه ليس هناك مشروع وحدوي حقيقي بدون الحفاظ على الدول القائمة بالفعل، لأن من يُسقط الحدود بين الدول العربية هو يسقط الدول الوطنية العربية. هو يفتت العالم العربي ولا يوحده.
صحيح أن الدولة ليست صنماً نعبده، ومن حق الإنسان الحر أن يطمح للانتماء إلى شيء أكبر وأعلى من دولته الوطنية. ولكن حذار من نستخف بالدولة الوطنية بدون أن يكون لدينا مشروع حقيقي لتأسيس دولة متعددة الوطنيات أو مجتمع إنساني متحرر من الدولة بالكامل. لأن إسقاط الدولة الوطنية أو إضعافها بدون مشروع تقدمي هو بمثابة العودة بالمجتمع إلى سيادة الطوائف والميليشيات كما في لبنان، أو العودة به إلى سيادة القبائل والعصابات كما في الصومال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.