جاءتني رسالتان متتاليتان في يومين، الرسالة الأولى من قارئ زملكاوي يعتب فيها على الإعلام المصري المنحاز دوما للون الأحمر، الذي يتصيد أي أخطاء للزمالك.. وكان دليل القارئ الزملكاوي على ذلك، هو ما قام به الإعلام، الذي نقل لكل الناس فضائح ومهازل المؤتمر الصحفي، الذي أقامه مجلس إدارة الزمالك ليفتتح به احتفالات النادي بالمئوية.. وكيف فشل المؤتمر في كل شيء ولم يقدم أي جديد أو برامج حقيقية، وانتهى بخلاف حاد بين شيرين فوزي، المسئول عن احتفالات المئوية والفنان الزملكاوي الكبير سامي العدل، مع تعليقات تليفزيونية غاضبة للمستشار مرتضى منصور.. واختتم القارئ الزملكاوي رسالته بالتأكيد على أنه لو كان هذا المؤتمر يخص الأهلي لكان الإعلام أغفل كثيرا مما جرى، وقدم التفاسير والشروح والتبريرات قبل أي عيوب أو اتهامات.. ولكان التمس العذر للجميع وألقى باللوم على أي أحد آخر إلا مسئولي النادي الأهلي.. أما الرسالة الثانية، فكانت من قارئ أهلاوي يتحدث عن نفس المؤتمر الصحفي الخاص بمئوية الزمالك.. وتضمنت تلك الرسالة اتهاما صريحا للإعلام بأنه أصبح يخاف الاقتراب من الزمالك بعكس الأهلي، الذي أصبح مستباحا لأى أحد، وبات الهجوم على الأهلي والسخرية منه ومن إدارته ومسئوليه حقا مشاعا للجميع.. وأنه لو كان هذا المؤتمر يخص الأهلي لكان الإعلام استفاض وأطال وأعاد في السخرية والتشكيك والانتقاص من قدر الأهلي ومكانته.. وأنا واثق بأنهما لم تكونا مجرد رسالتين فرديتين أو استثنائيتين، وإنما بات ذلك هو التصور العام لمعظم عشاق وأنصار سواء الأهلي أو الزمالك.. أي زملكاوي سيقول لك إن الإعلام ضد ناديه وسيسوق لك ألف مثل ودليل، حسب رؤيته وتفسيره هو لتأكيد صحة اتهاماته للإعلام بالانحياز للأهلي.. وأي أهلاوي سيقسم لك إن الإعلام المصري، الذي يخاف ويرتعش من أي صوت عال.. سواء كان لإبراهيم حسن أو غيره.. أصبح إعلاما مستكينا أمام الزمالك ولا يمارس قوته وشراسته إلا مع الأهلي فقط.. وأنا لا أريد إثبات خطأ الجمهور الأهلاوي أو الزملكاوي.. ولكنني أحاول إثبات أن الاثنين على خطأ.. وأنهما يحكمان على الأمور والأشياء في 2011 بنفس قواعد وحسابات كانت صالحة للاستخدام منذ عشرين أو ثلاثين عاما.. ففي مصر اليوم، وفي عصر سموات مفتوحة ونوافذ إعلامية مختلفة الأشكال والوسائل.. لم يعد باستطاعة أي أحد اختصار الإعلام المصري كله في رأي أو موقف أو اختيار واحد.. كان أساتذتنا وكبارنا يقولون ذلك يوم لم تكن هناك إلا ثلاث صحف قومية وقنوات تليفزيونية قليلة العدد، ولم يكن هناك إنترنت بمواقعه وصفحاته.. وقتها كان من السهل التحكم في هذا الإعلام وضبط ما يقوله وتحديد ما يقوم به سواء رياضيا أو سياسيا أو اجتماعيا.. أما اليوم فمن المستحيل ذلك.. ورغم ذلك، لاتزال تجد من يقول لك إن الإعلام المصري يحب أو يكره أو ينحاز أو يريد.. دون أن يسأل أصحاب هذا الاتهام أنفسهم بما يقصدونه بكلمة إعلام.. اتهام أتخيله دائما من بقايا زمن قديم ولم يعد له مكان في زمننا الحالي أو المقبل.. ثم إننا ورثنا أيضا من سياسة ديكتاتورية قديمة منهج أن نغفل الحدث نفسه ولا نهتم فقط إلا بالشكل، الذي تم به نقل الحدث للناس.. هذا المنهج القبيح يجعلنا حتى الآن لا نحاسب الذي أخطأ، أيا كان موقعه أو دوره أو مكانته.. وإنما نحاسب الذي كتب أو تكلم أو قام بالتصوير.. فهؤلاء هم المجرمون الذين يتصيدون الأخطاء والعيوب لينقلوها للناس.. فالمسئولون في بلادنا.. من قصر الرئاسة، لقصر الدوبارة، للوزارات، للأندية الرياضية.. أبدا لا يخطئون ولا يرتكبون أي إثم أو معصية أو فضيحة.. إنما هو الإعلام السافل غير المحترم وغير المسئول. كانوا في الماضي يقولون لنا لا تكتبوا ولا تتكلموا، حرصا على مصلحة البلد أو الناس أو النادي.. وحين أوشك البلد على الضياع وكاد الناس يموتون ومعهم أيامهم وأعمالهم وبيوتهم وأنديتهم، لايزالون يطلبون منا السكوت.. ولكن السكوت أصبح صعبا أو مستحيلاً.. لن نسكت ولن نخاف.. لا من رئيس أو مسئول أو أمن.. ولا من الأهلي أو الزمالك.. فقد انتهى للأبد زمن المجاملات والخوف والسكوت.