اهل القرية الان مشغولون في تمهيد الاراضي الزراعية بعد فتح ابواب الخزان .. حيث ان اغلاق فتحات الخزان لحماية اراضي الشمال كانت نتيجتها اغراق كامل اراضينا الزراعية وبالتالي لم تكن هناك زراعة شتوية !! الا بعد ظهور المشاريع الزراعية فيما بعد ..وبعد فتح ابواب او فتحات الخزان انحسرت مياه النيل حتي تكشفت اراضينا الزراعية وعاد النيل الي مجراه الرئيسي .. اخذت الاراضي نصيبها الكامل من اشعة الشمس الحارقة وجفت وتطهرت من الاعشاب التي اكتستها فور انحسار مياه النيل وتلك الاعشاب كانت اسمها (مانغيسي) كانت طرية ولامعة كانت تعكس ضؤ الشمس وخاصة في الصباح الباكر وهي لاتزال تحمل بعض حبات الندي !!.. كنا نرعي عليها مواشينا وقد وصف الفنان وردي حبيبته بقوله في اغنية من اغانيه (جاغادار ما نغيسي ) اي طرية مثل نبات (مانغيسي) ..وكانت الاراضي الزراعية تسمي (فانغور FANGOUR ) .. وعملية التمهيد شاقة بعض الشئ وان كانت ملامح الاحواض والجداول ظاهرة ولكن يجب تعلية جوانب الاحواض وتعميق الجداول التي تحمل الماء للري حيث رست عليها كمية لابأس بها من طمي النيل ..وانا صبي كنت اجيد استخدام الفأس مثل اقراني من الصبية وحتي السيدات كن يجدن استخدام الفأس وكنا نساعد من هم كبار السن وليس لديهم اولاد فالمجتمع كان مجتمعا تكافليا بمعني الكلمة ..مجتمع لم يعرف الانانية .. ولم نكن نسمع عبارة وانا مالي ..فكلنا اقارب ..والترعة الرئيسية كان اعلي من مستوي الاراضي الزراعية وكل مجموعة اراضي كان لها مايسمي بالنوبية (مارتن اين MARTEAN AEN ) اي الجدول الام الذي يحمل الماء من الترعة ومن الجدول الام يتفرع جداول اخري لري الاراضي مايسمي الري بالغمر ..وكان يتم تقسيم الاراضي الي قطع طولية حتي يسهل ريها وكل قطعة كانت تسمي (اغما AGMMA ).. وكانت السيدات ينصرفن في تنظيف اعواد الذرة حتي تعطي انتاجا جيدا وفي نفس الوقت ما يأخذهن من تلك الاعواد علف للمواشي ..ونقوم بتسميدها بالسماد الطبيعي (ايبو AYBBO ) المسمي (مارو MARRO ) او بالذي كنا نستجلبه من الجبال وكان يسمي (غاسسا GASSA ) وتنمو اعواد الذرة ثم يخرج منها الثمرة الممتلئة بالذرة المسمي (غانغاري GANGARRY ) ويقترب وقت الجني .. ولكن غضبة النيل بفيضانه في بعض الاحيان (حدثت مرتان خلال تواجدي في القرية )تدمر كل شئ تدمر مجهود موسم كامل وتحرمنا من الاستمتاع بناتج مجهوداتنا.. فيكتسي الحزن القرية بأكملها …يحيي صابر