بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. من أسماء الله الحسنى: ( المُعطي ): أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى وهو اسم ( المعطي ). 1 – ورودُ اسم ( المعطي ) في السنة الصحيحة: لم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم، بل ورد في السنة، ففي صحيح البخاري عَنْ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللَّهُ الْمُعْطِي، وَأَنَا الْقَاسِمُ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ )) [ متفق عليه ] 2 – أعظمُ عطاءٍ من اللهِ هو العلمُ: أول ملمح في الحديث كرامة العلم أعظم كرامة، قال تعالى: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ ( سورة النساء ) لأن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان قوة إدراكية، وما لم يبحث عن الحقيقة، وما لم يطلب العلم فقد هبط من مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به. لذلك: كرامة العلم أعظم كرامة عند الله، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم. ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ( سورة الزمر ) ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ ( سورة المجادلة ) فالله سبحانه وتعالى اعتمد في القرآن الكريم العلم والعمل كقيمتين مرجِّحتين بين خلقه، فبطولة الإنسان أن تأتي مقاييس التفوق عنده كما هي في القرآن. الناس في الدنيا يعظِّمون الأغنياء والأقوياء، لكن القرآن الكريم بيّن لنا أن رتبة العلم أعلى الرتب: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ العلمُ بالله وبخَلق الله وبأمرِ الله: وكما تعلمون هناك علم بخلقه، وعلم بأمره، وعلم به، العلم بخلقه وبأمره يحتاجان إلى مدارسة، إلى كتاب، وإلى معلّم، وإلى شهادة، وإلى امتحان، هذه مدارسة، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة. على كلٍ في الملمح الأول من الحديث الشريف: (( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ )) والبطولة لا أن يكون طلب العلم في أوقاتك الهامشية، يجب أن يكون طلب العلم جزءاً من خطتك في الحياة، لأن هناك إنسانا بحسب فراغه يطلب العلم، لكنْ عنده أشياء أساسية لا يعلو عليها شيء، أما المؤمن فطلب العلم جزء أساسي من حياته، ولا يعلو عليه شيء، وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه: يل بني، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة . إذاً: في الإنسان حاجات سفلى، وحاجات عليا، الحاجة العليا الكبيرة طلب العلم، فما لم يطلب الإنسان العلم لا يرقى إلى مستوى إنسانيته، والإنسان من دون علم وُصِف في القرآن الكريم بأنه: ﴿ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ ( سورة الفرقان ) ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾ ( سورة الجمعة الآية: 5 ) ﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ﴾ ( سورة الأعراف الآية: 176 ) بل أبلغ من ذلك: ﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾ ( سورة المنافقون الآية: 4 ) لذلك الذي يرقى بالإنسان إلى مستوى إنسانيته، وإلى مستوى يليق به هو طلب العلم. 3 – الماء من عطاء الله: إلا أن الحديث فيه ملمح ثانٍ، وهو موضوع درسنا: (( وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ )) الملمح الثاني: أنه الأصل أن هذا الماء من عطاء الله، نحن وضعناه في خزانات، وسُقناه إلى البيوت بأنابيب، ووزّعناه بقوارير، هذا عمل ثانوي، لا يعد من صلب الماء، الماء منحة من الله عز وجل، فكل شيء الأصل أنه عطاء من الله، نحن تفننا بعرضه، بتعليبه، بتغليفه، بوصوله، أما الأصل فإن الله هو المعطي. (( وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ )) 4 – المعطي المانع: دائماً وأبداً في الأسماء الحسنى أسماء يجب أن تلفظ معاً، كاسم " الضار "، الأولى أن يلفظ اسم " الضار " مع اسم " النافع "، تقول: " الضار النافع "، " المعطي المانع "، " المعز المذل "، لماذا ؟ لأن الله سبحانه وتعالى يمنع ليعطي، ويأخذ ليعطي، ويخفض لرفع، ويذل ليعز، لأن الإنسان حمل الأمانة، لكنه قصر في حملها، فتأتي المعالجة. الفرق واضح جداً، بين من يعين موظفاً، ويعطيه مدة ستة أشهر ليمتحنه، مهمة صاحب المؤسسة أن يحسب على هذا الموظف أخطاءه، لكن بلا رحمة، إذا كانت بحجم لا يحتمل ألغى عقده، أما لو أن كان هذا الموظف ابنه فإنه يتابعه، كل خطأ يوقفه عنده، ويعطيه التوجيه، لأن رحمة الأب تقتضي المتابعة، ولأن الله رب العالمين رحيم بعباده، فإذا أخطاء الإنسان تابعه بالمعالجة. أنا أتصور لو أن الله سبحانه وتعالى لم يربِّ عباده فإن معظمهم إلى النار، لكن هذا ربّاه بمرض، هذا بقلق، أو بشبح مصيبة، أو بضيق معين، الله عز وجل يسوقنا إلى بابه سوقاً، وهذا من نِعم الله عز وجل، فهو معطٍ ومانع، خافض ورافع، معز ومذل، وقد ورد في الأثر: (( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء )) [ رواه الديلمي عن ابن عمر ] لا تستقيم الدنيا لأحَدٍ، وهذا لحكمة بالغةٍ أرادها الله. (( ودار تَرحٍ لا دار فرح )) فيها أحزان، فيها آلام، فيها فراق الأحبة، فيها أمراض تصيب الأولاد أحياناً. (( ودار ترح لا دار فرح فمن عرفها )) أي: مَن عرف حقيقة الدنيا. (( لم يفرح لرخاء )) لأنه مؤقّت. (( ولم يحزن لشدة )) لأنه مؤقّت، الموت ينهي كل شدة، الموت ينهي قوة القوي، وغنى الغني، وذكاء الذكي، وصحة الصحيح، لذلك: (( فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشدة، ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى )) ﴿ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾ ( سورة المؤمنون ) لذلك: ((ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دارَ بلوى، والآخرة دار عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ويبتلي ليجزي )) في بعض الأحاديث القدسية، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: (( يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ )) [ أخرجه مسلم ] الله عز وجل حينما أخذ من الإنسان بعض صحته ليعوِّضه أضعافاً مضاعفة من القرب والسكينة. ((أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ )) فهذه فكرة دقيقة جداً، الله عز وجل يأخذ ليعطي، يمنع ليعطي، يخفض ليرفع يضر لينفع، هذه الأسماء الأَولى أن تذكر مَثْنى مَثْنَى.