مجموعة قصصية القاص / هادي المياح قراءة رقم ( 2 ) مابين الحلم والأمل الخادع في مقادير …! اعتدنا أن نصادفَ في السرد القصصي ، ما يُميز المُبدع نّفسهُ – كَمُبدع – مُتميز ومُختلف عن غيرهِ ، من خلال ثراء مخزونهِ الثقافي وَ تَعدُد رؤاهُ الفكرية و إنتقاءاته المتنوعة ، وأيضا ومن خلال تَمكُنهِ من أدواتهِ التي يُخّضع لها هذه الانتقاءات مِن الأحداث والمُشاهدات ، وإعادة تركيبها في نسقٍ سرديِ مُتميز ، فضلا ً عن إستخلاصهِ لمسار خاصٌ به يحرصُ علي تغذيتهِ بروافد تعمقهُ من ناحية وتدعم الإستمرارية له . كما نصادف ايضا بدرجة ما ، مُميزاتٍ خاصة في العمل الإبداعي نفسهُ، يتجسد فِيهِ تَمًكن المبدع من تأكيد قدراته الخاصة من عناصر السرد القصصي المعروفة التي تُبقي المتلقي في حالة تفاعل دائم مع النّص من بداياته وحتى نهايته ، وأن يحقق النّص تأكيداً لعمق واستمرارية المسار الذي إِخَتطَهُ الكاتب لنفسه ، دون أن ينزلق – بوعيّ أو غير وعيّ – على مَحفةً تُدعي وَ تَحملُ إسم " التكرار " . إن وعيّ القًاص هذا يُؤكد ليس علي قُدراتهِ فقط ، وإنما وبنفس القُدرة يُنشئ وَ يجد لهُ مُتلقي حريص على متابعة جديده . وعلي ضوء هاتين الفقرتين نمضي ،لنتبين إلي أي مدي صح ما بدأنا به . بنظرة الطائر علي أسماء القصص وعددها ( 16 ) قصة ، وبالغوص الدقيق في بعضها و تلمُس – المُبدع – بينها ، نجد أن القاص والمُبدع / هادي المياح نجد ثَراءهُ ، كبيراً وعريضاً ، يتجلى معكوساً في صورٍ من المُعاناة التي شَعر المبدعُ بها وعاش بعضُها خلال حِقبة زمنية ألقت بظلال كثيفة ، وتَبعِاتٍ لن تُمح من ذاكرة من عاشها ، فهي قد تركت ندوباً واضحةً تتمثلُ في مرارات اجترار الذكريات ، ومحاولة تلمس إشراقات غد أفضل للأجيال القادمة ، كما نجدُ ايضاً في كثيرٍ من القصص تركيباتِ لصور ومشاهد متفرقةٍ ، أجاد إلتقاطِها وتخزِينها في ذاكرتهِ الفنية ، ونجح نجاحاً كبيراً في إعادة عرضها سرداً قصصياً ، يُنبئُ عن مقدرةِ إِلتاقطٍ وتخزينٍ واعية تُساهم في هذا الإثراء والإبداع ، على أنه وفي سياق تعميق الاتجاه الخاص ، ظل حذراً أن ينزلق علي محفة " التكرار " في إلتقاطاتهِ . في بعض قصصه يبدأ من – عين طائر – يلمحُ في جملة ،أو مشهد ، أو حدث عرضي شئ ما ، ومن علوه يقذفُ به في ذاكرته ، ليعيد استرجاعه من خلال سرد قصصيّ يظفره بروابط متعددة ، و حنكة و حذاقة بالغة ، لِيثيرَ دهشة المُتلقي من حدثٍ أو جملةٍ أو مشهدٍ عايشه و لم يأبه لهُ . ويُدلل على ذلك أسماء قصص المجموعة وهي : ( المُستئذب & آسف فوق البحر & الحصة الأولى وفي الصباح ، تحولت إلى ذئب & الكأس & حصانٌ في علبةِ كبريتٍ & ركمجة & كان دخولي عنوةً & رحيل العواصفُ & هموم ركاب الكيا & نُذر اليوم السابع & مقادير & ثرثرة في قطار & حصي كربلاء ) ، في كل هذه القصص بساطة وعفوية الحدث أو المشهد كان مُدخلاً لإبداع المُبدع ، و وسيلتهُ الفاعلة لإظهار قُدراتهِ الخاصة ، وتمكُنه مِنها ، وداعماً أيضا لها . ونأتي الآن إلى قصتنا في هذه المجموعة : " مقادير " . القصة كما جاء في خِتامِها مبنيةٌ علي مثل عامي معروف " إجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش " ، الفكرة والهدف مألوفان ، ولكن المياح يُعالج الفكرة والهدف من خلال حبكة سردية مُضفرة بواقعية متميزة لِمشهدٍ في ذاكرة كل منا عن العامل أو لنقل الإنسان البسيط الذي يُطوع جزءاً مِن وقت عملهِ ومصدر رزقهِ بصورة تتناسب مع أهدافه البسيطة في تحقيق بعضاً من ذاته وهي هنا " القراءة " ، فيأتي المياح بإسقاطٍ مألوفٌ أيضا يتناسب مع حاجة الفقير المحتاج ، وهو حُلم وأمل الثراء الذي لن يتحقق ابدا ، بل هو في الأغلبِ وسيلةٍ لدى معظم الفقراء والمحتاجين مُجرد وسيلةً لتَخيف حدة المعاناة ، وإستقواءاً بالحُلم والأمل الخادع ولا أقول الكاذب علي مواصلة الجهد ومواصلة الحياة ، وتمضي القصة ومن خلال حوارٍ مختزلٍ ومختصر يجسد في عرضهِ الديالوجي حالة المغبونين دائما بين مرارة واقع ، واملٍ مُنتظر يُخلصهمُ من مًراراتِه ، ليتهاو كل شئ أمام حقيقة مرة ثابتة ومعروفة سلفا لهؤلاء المغبونين ، حتى لو تناسوها أو تغاضوا عنها أو تجاهلوها ، يضعنا المياح أمام هذه الحقيقة ببساطة شديدة مختزلا السردية بالمثلِ المعروف ، لكنه قبلها أمسك بنا بحرفيةٍ لا نشعرُ بها حتي نهاية القصة ، من هذا نَخُلصُ ، إلى أن عناصر السرد القوية تَحملُ النص وحدها إلى المرتبة التي تجعل المُتلقي ماضيا معهُ من بداياتهِ إلي مُنتهاهُ حاصدا ما بذرهُ القاص في قصته . أديبنا / هادي المياح في النهاية مُبدعٌ يملك بقوة واقتدار مهارات المُبدع المتميز ، ونصوصه أيضاً تحملُ في مَتنِها دلالات القوة والتفرد