صدور 8 قرارات جمهورية بتعيين عمداء في 7 جامعات حكومية    محافظ القليوبية يشدد على صيانة المدارس قبل الدراسة (صور)    موفد مشيخة الأزهر ورئيس منطقة الإسماعيلية يتابعان برامج التدريب وتنمية مهارات شيوخ المعاهد    مدبولي يستعرض مع وزير المالية الملامح الأولية للحزمة الثانية من مبادرة التسهيلات الضريبية    "أمن جماعي ومصير مشترك ورفض للتهجير".. ننشر نص البيان الختامي لقمة الدوحة    بقيمة 1.2 مليار دولار.. إسبانيا تلغي صفقة أسلحة كبرى مع إسرائيل    حماس: شعبنا ومقاومته ماضون في الدفاع عن أرضهم    "لا داعي للتخدير".. رسالة قوية من ممدوح عباس للجماهير    رابطة الأندية تخاطب اتحاد الكرة بشأن حكام مباراة الأهلي والزمالك    مونشنجلادباخ الألماني ينافس الأهلي على التعاقد مع مدير فني .. مالقصة؟    العثور على رضيع داخل حقيبة خضار بالمنوفية    تحرش لفظي يتطور لاعتداء بالضرب في الإسكندرية    جريمة تهز الوراق.. شقيقان ينهيان حياة شقيقتهما والسبب صادم    ويجز يوجه رسالة إلى محمد منير.. ماذا قال؟    اليوم.. تكريم نهال عنبر ومحمد رضوان في ختام مهرجان بردية    "بتلعب كلمات متقاطعة".. أحدث جلسة تصوير ل عائشة بن أحمد بإطلالة غريبة    ما حكم أخذ قرض لتجهيز ابنتي للزواج؟.. أمين الفتوى يوضح رأي الشرع    كيفية قضاء الصلوات الفائتة وهل تجزئ عنها النوافل.. 6 أحكام مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    خالد الجندي يرد على شبهة "فترة ال 183 سنة المفقودة" في نقل الحديث    "مدبولي" يعلن بدء تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بالمنيا    ضبط طن لبن غير صالح للاستهلاك الآدمي خلال حملة رقابية بأسيوط    تكريم حفظة القرآن الكريم في مركزي كوم أمبو و إدفو ب محافظة أسوان    بسنت النبراوي: أرفض الإغراء .. وصديقتي عايرتني لأني مش بخلف    رئيس مجلس الوزراء يقرر مد فترة توفيق أوضاع وتقنين إقامة الأجانب لمدة عام    أبوريدة نائبًا أول لرئيس الاتحاد العربي لكرة القدم    مؤتمر ألونسو: هناك شيء لم يتغير في كارباخال.. ومبابي أحد قادة الفريق    مصدر أمني ينفي ادعاء شخص بتسبب مركز شرطة في وفاة شقيقه    الصين تهدد باتخاذ إجراءات مضادة بعد دعوة ترامب لفرض رسوم على بكين    مستشار الرئيس: القيادة السياسية تدعم جهود التنمية بالمحافظات بلا حدود    وزير الري يفتتح فعاليات اليوم الثانى من "معرض صحارى"    بكين تحقق مع نيفيديا وسط تصاعد التوتر التكنولوجي مع واشنطن    تقديم الخدمات الطبية ل1266 مواطناً ضمن القافلة المجانية بقرية طاهر في كفر الشيخ    بتكلفة 15 مليون جنيه.. افتتاح توسعات طبية بمستشفى فيديمين المركزي في الفيوم    رئيس هيئة قناة السويس يكرم المرشدين من أصحاب الكفاءات ومسيرة العطاء المتميز    الفجر بالإسكندرية 5.16.. جدول مواعيد الصلوات الخمسة في محافظات مصر غداً الثلاثاء 16 سبتمبر 2025    الدكتور هشام عبد العزيز: الرجولة مسؤولية وشهامة ونفع عام وليست مجرد ذكورة    الاحتلال يكثف إجراءاته بالضفة.. مئات الحواجز والبوابات الحديدية    تعليق مفاجئ من آمال ماهر على غناء حسن شاكوش لأغنيتها في ايه بينك وبينها    أرباح شركة دومتي تتراجع بنسبة 94% خلال النصف الأول من عام 2025    تحرير 126 مخالفة لمحال لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء خلال 24 ساعة    طبيب نفسي في ندوة ب«القومي للمرأة»: «لو زوجك قالك عاوزك نانسي عجرم قوليله عاوزاك توم كروز»    رابط نتائج الثالث متوسط 2025 الدور الثاني في العراق    قيمة المصروفات الدراسية لجميع المراحل التعليمية بالمدارس الحكومية والتجريبية    إسماعيل يس.. من المونولوج إلى قمة السينما    نشر الوعي بالقانون الجديد وتعزيز بيئة آمنة.. أبرز أنشطة العمل بالمحافظات    البنك الأهلي المصري يتعاون مع «أجروفود» لتمويل و تدريب المزارعين    نبيل الكوكي يعالج الأخطاء الدفاعية فى المصري بعد ثلاثية الزمالك    «التضامن»: صرف «تكافل وكرامة» عن شهر سبتمبر بقيمة تزيد على 4 مليارات جنيه اليوم    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    رضوى هاشم: اليوم المصرى للموسيقى يحتفى بإرث سيد درويش ب100 فعالية مختلفة    صوفيا فيرجارا تغيب عن تقديم حفل جوائز إيمي 2025.. ما السبب؟    ضبط ومصادرة 90 من المخالفات فى حملة لشرطة المرافق وحى غرب سوهاج    برشلونة ضد فالنسيا.. البارسا يسحق الخفافيش 3 مرات فى 2025 ويحقق رقما قياسيا    بفرمان النحاس .. برنامج بدنى مكثف لتجهيز أحمد عبد القادر فى الأهلى    وزير الخارجية الألماني: روسيا تختبر الغرب ويجب زيادة الضغط    حاكم ولاية يوتا يكشف عما لعب دورًا مباشرًا في اغتيال الناشط الأمريكي تشارلي كيرك    رياضة ½ الليل| سر إصابة زيزو.. الأهلي في الفخ.. شكوى جديدة لفيفا.. ودرجات مصر ب «تشيلي»    بالأسماء.. إصابة 4 من أسرة واحدة في البحيرة بعد تناول وجبة مسمومة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اختيار الموت وحقيقة الوصول إلى الله:
نشر في شموس يوم 21 - 06 - 2017


تأمُّل في تجربتين متشابهتين
قد يكون من غير المنطقيّ أن يحبّ الإنسان دون أن يرى مَن يحبّ. وقد يكون واهماً في ما لو ظنّ أنّه أحبّ هذا الشّخص حقّاً، دون أن يتعرّف عليه على أرض الواقع. لكن ثمّة معطيات تبدّل هذه الظّنون وتحوّلها إلى منحى آخر، خاصّة حينما يتعلّق الموضوع بحبّ الله. ذلك الّذي نراه مستحوذاً على قلوب أولئك العاشقين الهائمين في ملكوت العشق، المنغمسين فيه حتّى النّفس الأخير. وإذا كان الله مجرّد فكرة أو وهم أو تصوّر إنسانيّ يرسمه الإنسان بحسب احتياجاته العاطفيّة، فكيف يمكن أن نفسّر الحالة العشقيّة الّتي يمرّ بها الصّوفيّون، خاصّة أنّهم يهجمون على الموت، مواجهين إيّاه بشجاعة وبطولة؟
أمام شخصيّتين عاشقتين حتّى المنتهى، من ثقافتين مختلفتين، ومعتقدين متباينين، نقف مندهشين أمام هذا العشق الّذي يخطف الأنفاس ويتساوى والجنون، إذا وافقنا على المنطق القائل إنّ العشق لحظة جنون إلهيّة.
الحلّاج بن منصور في لحظاته الأخيرة، والقدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ، عاشقان يخرجان إلى الموت حبّاً بالله دون أن يرفّ لهما جفن. ولا يواجهان الموت وحسب، بل يطرحان مفهوماً آخر للموت كطريق نهائيّ حرّ للقاء الله الّذين حملانه في قلبهما.
تتشابه ظروف موتهما إلى حدّ بعيد، وتتطابق الإرادة الحرّة في مواجهة الموت ببطولة بدافع الحبّ. فالقدّيس أغناطيوس الأنطاكي إذ سمع به الأمبراطور تراجان وعن غيرته على انتشار المسيحيّة، استدعاه ودخل معه في حوار من جهة "يسوع المصلوب"، انتهى بإصداره الأمر بأن يقيّد أغناطيوس القائل عن نفسه أنّه حامل في قلبه المصلوب، ويُقاد إلى روما العظمى، ليُقدَّم هناك طعامًا للوحوش الضّارية. إلّا أنّ فرح القدّيس أغناطيوس كان عظيماً، فلطالما انتظر أن تأتي هذه السّاعة، ساعة اللّقاء بالسّيّد الحبيب. ويقدّر أنّ استشهاده قد تمّ بين عامي 107 و 117 م.
تشير رسالة القدّيس أغناطيوس الأنطاكي إلى أهل روما، إلى رغبته العميقة في قبول الموت طوعاً، لأنّ في موته ربحاً له. فالموت حياة إذا ما كان لقاء بالمحبوب الإلهيّ. ولمّا بذل الكثير من المؤمنين جهوداً في سبيل إنقاذه، كتب إليهم رسالة يرجوهم عدم التّدخّل واعتراض طريقه نحو الله. ممّا جاء في الرّسالة: "إنّني وبإرادتي الحرّة الذّاتية أموت من أجل الله ما لم تعيقوني أنتم وأتوسّل إليكم لا تشفقوا عليّ بلا لزوم، دعوني أصير طعاماً للوحوش المفترسة، بهذا يمكنني أن أصل إلى الله، أنا حنطة الله، تطحنني أسنان الوحوش الضّارية لأثبت أنني خبز نقي، وأفَضِّل أن تهيجوا عليّ الوحوش المفترسة ليصيروا لي قبراً، فلا يتبقّى من جسدي شيء، حتّى لا أثقل على أحد بعد رقادي. وحينئذ أصير تلميذاً حقيقياً ليسوع المسيح، حين لا يرى العالم جسدي بعد. صلّوا إلى الرّبّ عنّي، حتّى أبرهن بهذه الأدوات أن أصير ذبيحة لله. إذ أتألّم سأكون حرّاً من أحرار يسوع المسيح وسوف أقوم حرّاً فيه. كأسير أتعلّم ألّا أشتهي شيئاً."
بالمقابل لقي الحلّاج مصرعه مصلوباً بباب خراسان المطلّ على دجلة على يديّ الوزير حامد بن العبّاس، تنفيذاً لأمر الخليفة المقتدر سنة 922 م. كان الحلّاج متصوّفاً زاهداً مجتهداً في إحقاق الحقّ. ولم يكن تصوّفه علاقة مع الله وحسب بل طوّر مفهوم النّظرة العامّة إلى التّصوّف، فجعله جهاداً ضدّ الظّلم والطّغيان
في النّفس والمجتمع. وللحلّاج اختباره الخاص في علاقته مع الله وفلسفته الّتي ترى توحّد الله في مخلوقاته، ومن هنا قال: "ما رأيت شيئاً إلاّ رأيت الله فيه". لكنّه كذلك يعبّر عن اتّحاده بالله بقوله: "أنا أنت بلا شكّ فسبحانك سبحاني"، "فإذا أبصرتني أبصرته"، "أنا من أهوى ومن أهوى أنا". كُفّر الحلاج بسبب هذه الأبيات وما شابهها وسيق للموت. لكنّه كان سعيداً راضياً معبّراً عن ذلك في قصيدته "اقتلوني يا تقاتي".
يتشابه النّصّان من حيث المضمون العشقيّ، وتترسّخ فيهما معاينة الله الشّخص. فالقدّيس أغناطيوس والحلّاج رأيا الله حقّاً وإلّا لما كانا قبلا الموت بفرح كبير. فالعشق الإلهيّ كشف لهما أنّ حقيقة الموت مغايرة لما يعتقده النّاس عن الموت. لقد رأى هذان العاشقان في الموت عبوراً نحو المحبوب الإلهيّ. فيقول القدّيس أغناطيوس في رسالته إلى أهل روما: "لن أنعم مرّة أخرى بمثل هذه الفرصة لأصل إلى الله". كما يقول الحلّاج: "مماتي في حياتي وحياتي في مماتي".
كما أنّه ليس من استدلال حقيقيّ يقود إلى اعتبار أنّ هذين العاشقين أقبلا على الانتحار. فالمنتحر على الرّغم من وعيه لما يقدم عليه إلّا أنّه مسلوب الإرادة. وأمّا في حالة القدّيس أغناطيوس والحلّاج، فالإرادة الحرّة حاضرة وبقوّة (وبإرادتي الحرّة الذّاتية أموت من أجل الله/ أغناطيوس الأنطاكي. أقتلوني يا تقاتي/الحلّاج).
من جهة أخرى، وإذ نطالع النّصّين، يتبادر إلى ذهننا أنّ العاشقين ومن خلال الموت يمدّان يدهما ليلتقطها الله ويجذبهما إليه. يعاينان الحياة ويرجونها بغضّ النّظر عن الألم الكبير الّذي سيواجهانه. (إخوتي وأخواتي: لا تمنعوني عن الحياة/ دعوني أستقبل النّور الصّافي، لأنّني حيث أصل هناك أصير إنساناً/ القدّيس أغناطيوس). (سَئِمَتْ نفسي حياتي…في الرسوم الباليات/ الحلّاج). وبالتّالي فإنّ العشق الإلهيّ حقيقة تكشف الحقيقة. تفكّك أسرار الحياة والموت، تبدّل المفاهيم وتنقل الإنسان من مشروعيّة إنسانيّته إلى إنسانيّته الحقيقيّة. ويتبيّن لنا من خلال هذين الاختبارين المتماثلين أنّ العشق الإلهيّ يعزّز في الإنسان نظرته السّماويّة للأرضيّات. ويخلق ثورة في داخل الإنسان. ثورة تبدّله أوّلاً ثمّ تزعزع الواقع لتوجّهه للخير الّذي يريده الله. كما أنّ الاتّحاد بالله، يمنطق العاشق بالمنطق الإلهيّ المتّسم بالحبّ المساوي للحرّيّة. وما دلالة امّحاء الجسد في النّصّين إلّا تفلّت كامل من كلّ شيء في سبيل تحقيق الحرّيّة في الله. (تطحنني أسنان الوحوش الضّارية لأثبت أنّني خبز نقيّ، وأفَضِّل أن تهيجوا عليّ الوحوش المفترسة ليصيروا لي قبراً، فلا يتبقّى من جسدي شيء، حتّى لا أثقل على أحد بعد رقادي./ القدّيس أغناطيوس) (فاقتلوني واحرقوني… بعظامي الفانيات… ثم مرّوا برفاتي… في القبور الدّارسات… تجدوا سرّ حبيبي… في طوايا الباقيات/ الحلّاج).
عاشقان أحبّا حتّى المنتهى، حتّى مواجهة الموت كفعل حرّيّة عاشقة للخلود في قلب الله. "ركعتان في العشق لا يجوز وضوؤهما إلّا بالدّمّ" (الحلّاج). "لا تقدّموا لي سوى أن أنسكب صعيدة لله والمذبح لا يزال قائماً" (القدّيس أغناطيوس الأنطاكي).
معموديّة الدّم يقابلها وضوء الدّمّ ، منتهى الإدراك العشقي، حيث لا شيء ولا أحد يفصل العاشق عن محبوبه الإلهيّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.