ليس لدينا حاسة التخمين بما نهمله في أنفسنا ، بما نركنه جانباً لضيق الوقت أو لتعذر نواله أو لتنبؤ خسيس بأننا لا نستطيع ، نحب ونغلف ما نحبه بأطر تحمل ألواناً تليق بأزواق أخري غير أزواقنا ، نريد ولا نتطاول بأيدينا لما نريده إلي أبعد من نظرة تؤجل وتشحن ظن مريض بإمكانية الفعل في العام القادم فيما نبكي خسراننا الذي لا يلقي بأي لوم بالفقد إلا ل "أنت" و" هم " و"أنتم" وننسي أن "الأنا" هي وحدها التي كانت تستحق طموح وعمل بعشم يسد جوعها لمساحة أرحب في عقولنا . الأشياء التي لا تري النور هو أكثر ما يتنفس فينا وأكثر ما يحرضنا لبناء ذنوب يحملها كل من نلقي عليهم بتحية الصباح ومن نشاركهم بتناول كوب قهوة ومن تتحلل خلايانا لراحتهم ومن نتوقف لنفسح لهم طريقاً آمناً للعبور والنمو والعلو ، نتعبد لتماثيل نحصن بها أننا لسنا وحدنا بهذا الكون بين ملايين المجرات والفضاءات والنجوم وأننا بنهاية أعمارنا لن نبني فرقاً ولن نخلد أسماءنا ، حتي زيفا ، كأتاتورك فلا داعي لوخز النفس بمبادرة الإجتهاد ويكفينا البكاء سراً ، نتكئ أننا وبعد خمسين عاماً علي موتنا سننزف بكلمات " لقد مات " وننعي ذاتنا أن ما فعلناه قد ذهب سدي وأن جميع البشر متساوون بعدد أمتار ضئيلة تحوي أجسادنا في طريقها للتعفن ، نفكر بصورة لن ندركها لنعيش نبضاتها وننكر اأهمية أننا ، وحدنا ، من نتعشق بدقائق حياتنا وبطريقة إلقاء السلام لمعارفنا وأعدائنا ، نتغاضي عن تأذي أركان نفوسنا الخربة العطشة لتحقيق العشم فيها ، نركنا جانباً دون دراسة ودون ترميم موقعنا علي خريطة القرية كلما ذلت أقدامنا بصخرة لم تكن متوقعة ، ومع ذلك نحتضن بحسرة خذلان الآخرين لنا وكيف كان إعدامهم للحلم فيهم والرجاء بالقرب وكيف تفرغوا بكل حيواتهم ليتفننوا في تدميرنا وإهلاكنا وتكسير كل الظنون بأنهم الأجمل ، نخط ذات أخري لا نعرفها تئن بكل كلمة تقال وكل فعل يمس حتي ولو حرفاً من أسمائنا ، نلعن هؤلاء الذين لم يضمدوا جروحهم لدينا وجروحنا لديهم ، نخاصم ونفترق لنعود ، ثانية، علي ذكرهم مقايضةً بإعفاء النفس من المحاسبة ونواربها بأنها بذلك الأكثر حلماً وجمالاً وتضحية بالعالم ، وبكل خسة لا نذكر خذلاننا لتطلعات آبائنا ، مثلاً، والذين يمثلون بكل عدل أحد الآخرين ولا كيف رددنا ابتسامات من لا نعرفهم أولا نبغي معرفتهم ولا كيف قبضنا أيدينا بوجوه لا نبغي منها أي مصالح وكيف مددناها بوجوه من نستبشر بهم خيراً لنا ، من نسامح ، فقط ، لأنه من الضروري مسامحتهم أما من يبتعدون عن هذه الغاية فيجب عدم الغفران لهم وشطبهم سريعا ً من حيواتنا فيما نغازل أنفسنا بطعنات من يرد لنا الكرة من فئات من نبغي منهم أموراً لم تكن أبداً بمضمار إهتمامهم . نترنح بين هذا وذاك لأنه تنقصنا بعض الأنانية نعزز بها شيئاً لا يمت بصلة لأي أحد سوانا ، مهما بدا هذا الشئ غير مهم إلا أنه يأخذنا لإتقان الملل وإتقان الإبداع في ممارسته فيصبح أكثر كائن خامل يضج بالنشاط ، مقلق لأقصي درجة برغبته في التحرر وعجزنا عن فك قيده ، نذكر أننا أكثر الكائنات تضحية وجمالاً وحزناً وهذا يمنعنا من تلبية النداء ، فترات قليلة من الاكتئاب لن تضر فما يعبث داخلنا حلم سخيف ستتباطئ نغمته مع مرور السنون لنتخيله بين حين وآخر كوسوسة شيطان تتخللها بعض تحاورات تأبي التواجد الفعلي علي أرض البسيطة حتي أنها لن تتجاوز بقوتها لعطسة يومية بميعاد مسبق للحضور ونظل نكرر سراً وعلانية أن هذا الحلم تحول لهاجس لسبب هو في الأعم سخافة الآخرين ، يتلبسنا خلل أن هؤلاء الآخرين المتسببين في فشلنا لن نمنحهم ، في أي ظروف، أنانية تتيح لنا التفكير بأنفسنا أولاً . . البعض يتجاوز ذلك متأرجحاً علي أريكته بين ضغطات الريموت ومنا من يبعثره علي مناضد الكافيهات ريثما تتوافر بأي جودة وأي مساحة ومنا يطهو وأخريات تأكل و الأغلب يحكي في لا شئ وأي شئ ويستمر الحال بين شبيهات لا ترضينا . لكل منا شئ يخفيه ، حلم أو اعتقاد أو رأي أو فكرة صغيرة بتناول فنجان قهوة وحيداً ويعجز عن تحقيق ذلك لأسباب عدة ولكن في الغالب لا نحمل النفس بأنها سبب الإخفاق وإذا حملناها ذلك فإننا نثبت فكرة تقاعسية بعدم الإمكان من قبل المحاولة كما ذكرها ميغيل دي أونامونو بكتابه الشعور المأساوي بالحياة " أفكارنا ليست في العادة ما يجعلنا متفائلين أو متشائمين وإنما هو تفاؤلنا أو تشاؤمنا ذو المصدر الفلسفي والمرضي ، ربما ، ما يشكل علي حد سواء أفكارنا " أي علينا ألا نتشائم قبل وقوع الفشل فمجرد التفاؤل يمهد بصورة ما القدرة علي المجازفة والصمود . مع ذلك لا نستنكر أن البعض الآخر لا يتوافر له هذا أو ذاك فهو لا يستطيع المحاولة بالفعل ومعطيات تلقي بأسوأ مما يتوقع والبعض ، وهم قلة ، لا يتنازل ويحاول ويبحث ويطعم نفسه بأنانية ودودة فمن يعبأ به فعلياً سيصفق له ويحتضنه بعد قليل وإن آلمه انصراف هذا الإنسان عنه. سأبدأ بمثال هؤلاء الباحثين عن أنفسهم كشئ يبعث علي التفاؤل ثم سنتدرج للأسوأ ، بداية سنقرأ كيف بحثت إليزابيث جلبرت ومع أن جورج أورويل يدعم لدي أنه ما من بديل للأكسجين كغاز يصلح للتنفس إلا أن كل منا يستنشقه بطريقة مختلفة تكاد تلغي اعتقاد تشابه الذرات . يتبع جورج أورويل : صحفي وروائي بريطاني ميغيل دي أونامونو : فيلسوف وشاعر وروائي ومؤلف تمثيليات إسباني باسكي اليزابيث جلبرت : روائية أمريكية ، كاتبة بقلم : آمال سالم