زينت لوحاته أغلفة العشرات من الكتب العربية والأجنبية, شغلته الألوان بمفاتنها ومفاجآتها, فشغلها بحسَّه وتلونه الفكري وحبِّه للجمال.. فما كان منه إلا أن تركها تنساب على اللوحات بعذوبة ورقَّة, وما كان منها إلا أن منحته اسماً لامعاً في فضاء الفن التشكيلي الراقي, فنال العديد من الجوائز في العراقوهولندا وغيرهما. ولأن الفن لغة عالمية مثله مثل الموسيقا آثرنا إجراء الحوار التالي مع الفنان التشكيلي العراقي ستار كاووش. إن العراق وسورية امتداد لطبيعة جغرافية واحدة, ولمآس تاريخيَّة للأسف الشديد لا يحمد ذكراها, فماذا قالت لوحاتك في هذا المجال, وأي عمل تشكيلي سوري لفت نظرك؟ أرى دائماً أن سورية والعراق امتداد للثقافة والعمق التاريخي والحضاري نفسه، وأنا مثل الكثيرين آمل أن تعود الطمأنينة والسلام لبلدينا الحبيبين. بالنسبة للوحاتي بهذا الخصوص وهذه الفترة فهي لا تمثل محاكاة للوضع الراهن ولا تشير الى التفاصيل بطريقة المحاكاة الفوتغرافية، بل أحاول أن أجد معادلاً جمالياً لذلك، وأشير الى مايحدث بطريقة تشكيلية. تبقى اللوحة بالنسبة لي مثل فتاة صغيرة تشد شعرها بشريطة ملوَّنة، هي ربما لا تستطيع أن تواجه دخان القنابل، لكنها تلعب وتغني وترقص أجمل من الآخرين. وقد لفتت انتباهي لوحات الفنان السوري (وضاح السيد)، الذي يحاول أن يعكس جمال سورية وروعتها من خلال لوحاته الجميلة التي يتصدى من خلالها للقبح والتدمير. من خلال اطلاعك على الفن التشكيلي السوري بما يحمل من إبداعات متنوِّعة من حيث الشكل والمضمون, وبما يحمل من أرياش عرفت كيف تصيغ اللون وكيف تجعل اللوحة تنطق بالأحاسيس الشعرية مثل أعمال الفنانين التشكيليين: فاتح المدرِّس, نذير نبعة, بسام جبيلي, عبد القادر عزوز, يوسف عبدلكي… فما هي الجوانب التي لفتت نظرك فيه؟ بكل الأحوال يبقى الفن التشكيلي السوري في طليعة الفن العربي بما يملكه من فنانين كبار ومؤثرين، فتحوا نوافذ مدهشة لنطل من خلالها على روعة وجمال ومكانة الفن السوري. فهناك كما ذكرتِ أستاذنا الكبير (فاتح المدرس) الذي يعتبر أحد العلامات المهمة في عموم الوطن العربي وكذلك (نذير نبعة) وأعماله التي يمزج فيها سحر الماضي مع جمال الحاضر بلمسات فنية في غاية العذوبة، يعزف بفرشاته الناعمة فتنساب خصلات الشعر وإيماءات الأصابع والتفاتات العيون من نساءٍ مليئات بالغواية والسحر والحضور الطاغي. وهناك بالتأكيد أيضاً (يوسف عبدلكي) وأعماله الغرافيكية الرائعة، والكثير من الفنانين الآخرين الذين سحرونا ومازالوا بأعمالهم المدهشة. منذ مدة قصيرة رحل الفنان التشكيلي السوري (ممتاز البحرة) ريشة للطفولة تغلغلت بسحرها في كتبنا المدرسية ومجلاتنا الطفولية.. بما تحمل من براءة وحس وألق.. فأي أثر يمكن أن تكون قد تركته تلك الريشة في الفن التشكيلي العراقي, وما هو حال الفن التشكيلي لديكم الموجه للأطفال؟ لقد قرأت بألم خبر رحيل الفنان (ممتاز البحرة) هذا الفنان الذي تربَّت على رسوماته أجيال عديدة، فمن ينسى سيناريوهاته الملونة التي كان يرسمها في مجلة اسامة؟ او الأغلفة الجميلة التي كان يزين بها هذه المجلة الرائعة، لقد كان أحد الرواد في رسوم (الكومكس) لهذا فقد ترك أثراً كبيراً على الرسامين الذين جاؤوا من بعده, وفتح لهم الطريق واسعاً للمضي في هذا العالم المدهش، عالم الطفولة. وبالنسبة للفن الموجه للأطفال في العراق فهناك أيضاً رسامين كبار مثل: طالب مكي وضياء الحجار وغيرهما، لكن مع الأسف في السنوات الأخيرة تأثرت ثقافة الطفل وقلَّ حضورها في العراق بسبب أوضاع البلد بشكل عام، وأتمنى أن تعود وتزدهر كما في سنواتها الذهبية. إن النور ينبعث من احتكاك لونين متضادين بعضهما بالآخر. هذا التلامس شهدناه في لوحاتك بشكل عام فهل تختار مكاناً مناسباً للضوء وحالات معيَّنة وجو خاص حتى تسكب كل ذلك في تموجات الرسم العامر بالدفء والتمازج الحسي واللوني؟ اللحظات الخاصة والجميلة بين الرجل والمرأة هي ما أبحث عنها وأنا أرسم لوحاتي، لكن عليَّ أيضاً أن أبحث عن الزاوية المناسبة لاختيار المشهد وطريقة إخراجه وتنفيذه على قماشة الرسم، وأحاول كذلك أن أضع كل هذا في تكوين يناسب الخطوط والمساحات التي أريدها. وكذلك إيجاد مناخ يعكس روح اللقطة التي أرسمها. عموماً أضع طبقات من اللون، واحدة فوق الأخرى كي أصل الى هذه الألوان المتداخلة والمنسجمة مع بعضها، وأحصل على هذه الشفافية التي ترينها على سطوح اللوحات. في لوحاتك يتكرر وجه امرأة ووجه شاب, هذان الوجهان يتنقَّلان في أطر مختلفة إلا أنهما يحملان الملامح ذاتها, التشابه ذاته .. فأي أثر لهما في حياتك, ولماذا هذا الحرص على وجودهما هكذا؟ أرسم عادة الأشياء التي أحبها والنَّاس القريبين مني، لهذا أجد نفسي لا أكف عن رسم من أحب. أحببت امرأة في فترة ما فرسمت لها معرضاً كاملاً. هكذا أنظر إلى أعمالي التي هي بمثابة كتاب حياتي الذي أُدَوِّنُ فيه أيامي. في جوانب كثيرة أجد نفسي مثل مخرج مسرحي أحرك هذه الشخصيات التي أرسمها على قُماشة الرسم وبإيقاعات مختلفة تنسجم مع رؤيتي الفنية. لديك لمسات زخرفية مميَّزة تمزجها بالعناصر الإنسانية مزجاً لطيفاً مذهلاً.. كيف يتمُّ ذلك, وأي من الفنانين التشكيليين كان له الأثر البالغ في لوحاتك؟ من خلال الزخرفة أو اللمسات الناعمة التي أضعها هنا وهناك على جوانب اللوحة, أُحاول أن أُفصح عن مشاعر الشخصيات التي أرسمها. وهنا أجد أن كلمة انسجام هي الكلمة المناسبة لما أقوم به، انسجام من خلال تونات اللون وتقاطعات الخطوط وتوزيع المساحات، وقد استلهمتها من مصادر عديدة، منها أجواء ألف ليلة وليلة، والأيقونات الروسية وكذلك الأعمال التي تنتمي إلى (آرت ديكو) وكذلك أعمال بعض الفنانين التي شاهدتها في المتاحف، مثل أعمال الفنان (كليمت) وغيره. لديك ظاهرة اللون الطاغي على اللوحة مثل الأحمر, التركواز.. إلى أي طموح تسعى؟ نعم بالفعل، في السنوات الأخيرة طغى لون (التركواز) على أغلب لوحاتي, وقد صاحب ذلك صدور كتاب جديد في هولندا عن أعمالي اسمه ( نساء التركواز) باللغة الانجليزية والهولندية، ويحتوي على أغلب لوحاتي التي رسمتها في السنوات القريبة الماضية. أعيش منذ سنوات طويلة في هولندا، ومرسمي يقع قرب بحر الشمال حيث الماء يحيط بكل شيء، إضافة إلى المطر الذي يطبع مناخ هولندا بشكل عام وكذلك الحقول الخضراء التي تغطي المكان، كل ذلك حين يمتزج مع بعضه ينتج لوناً يقع بين الأزرق والأخضر. وبالتأكيد استحضرت أيضاً لون (التركواز) من ذاكرتي الشرقية ومزجته مع كل ما يحيط بي. بالنتيجة انعكست كل هذه المؤثرات على أقمشة لوحاتي من خلال اللون الأزرق القريب من (التركواز). ستار كاووش: ولد في بغداد 1963 أقام حوالي 25 معرضاً شخصياً و70 معرضاً مشتركاً في بلدان مثل: العراق، الاْردن، إيطاليا، الولاياتالمتحدة، أوكرانيا، السويد، الإمارات، ألمانيا، فرنسا، هولندا. اختارت منظمة العفو الدولية لوحة ستار كاووش ( الحديث بصوت هادئ ) وطبعتها بطاقة بريدية ووزِّعت في مختلف دول العالم . سنة 2006 إنهاء الدردشة