"صائد الأقمار" عنوان رواية ضمن أعمال الخيال العلمى للروائى "صلاح معاطى". قليلة هى الأعمال الإبداعية فى مجال الخيال العلمى، سواء فى الرواية أو القصة فضلا عن السينما والمسرح، على مستوى الوطن العربى. وهو ما يجب التوقف أمامه للبحث عن أسبابه على الرغم من إرتفاع نسبة التعليم والإنفتاح الثقافى بالمجمل فى أغلب البلدان العربية. وهو ما يدعو الباحث إلى البحث عن أسباب أخرى خلاف التعليم، حيث البيئة الثقافية العامة فى الوطن العربة تبدو غير حاضنة لإبداعات الخيال العلمى! مع بدايات القرن ال21 تفاءل البعض بتلك الصحوة التكنولوجية التى عمت وشملت كل الأقطار العربية وكل الأعمار، من حيث التعامل مع التكنولوجيا الرقمية وسيوع الحواسيب بأشكالها ثم الهواتف بتلك الإمكانية اللافتة.. ومع ذلك لم تلتفت المؤسسات الثقافية العربية من أجل توفير القنوات الثقافية والإبداعية للصغير والكبير فى مجال الخيال العلمى. وان كان هناك جهد يلاحظ هنا أو هناك فهو محدود ويعتبر قليل الفاعلية مقارنة بعدد شباب وقراء العربية. الأمر الذى يعتبر معه ظهور رواية هنا أو هناك فى مجال الخيال العلمى محل الترحاب، ومصافحة صاحبها والسعى لتعريف القراء بها.. من تلك الروايات التى نشرت منذ شهور قليلة هى رواية "صائد الأقمار". الثيمة العلمية..أو تلك الفكرة العلمية التى إعتمدت عليها الرواية، هى أن الأجسام الكونية (شهب-نيازك- مذنبات) هى أجسام تائهة فى الفراغ الكونى نتيجة التجاذب بين الكواكب والنجم (الشمس)، وهى بأحجام مختلفة تتدرج من الصغير (شهب) ثم متوسط (نيازك) ثم كبيرة (مذنبات).. وهنا فى الرواية إعتمد الكاتب على أن الخصائص الفيزيائية للمذنب لأنه جسم كبير قادر على توليد قوة جاذبية أثناء سيره فى الفراغ وقادر على جذب أية أجسام أصغر منه.. بالتالى فقد كان مذنب "معاطى" يسير ويسرق عمدا الكثير من الأقمار التى تحيط الكرة الأرضية، سواء أمريكية او روسية الصنع أو غير تلك البلدين. وهنا كانت نقطة التقاء الحقيقة العلمية بالخيال الأدبى، حيث بدأ المذنب يهدد الكرة الأرضية كلها إذا ما إقترب إلى حد معين من سطح الأرض. بدا البناء القصصى أو الدرامى فى العمل على توفير الثنائية المتناقضة، وبذلك يتولد الصراع الذى بنيت عليه الرواية.. فالدكتور صيرى على خلاف مع زوجته ومنفصلان، وتصبح ابنته "نور" هى مبرر الرغبة فى الحياة، ومواصلة أبحاثه فى مجال أبحاث الأقمار الصناعية.. ومن هنا كانت علاقته بخبر إقتراب المذنب الذى يهدد الكرة الأرضية. كذلك ثنائية د.صبرى ود.أسامة والاخير هو الذى تنبأ بثقب الأوزون وهو الذى يتوقع نهاية العالم بسبب المذنب، ووصف تلك النهاية بأنها مفزعة وخراب فى كل مكان على سطح الأرض بما فيها مركز الأبحاث الذى يعملان فيه! وفى المركز تتولد علاقة إيجابية بين د.صبرى و"لونا" تلك الفتاة المتفائلة التى ترعى نور وتبادله الطفلة حبا بحب، وتبدأ علاقة من المحبة والإرتباط مع د.صبرى، واللافت أن لونا اسم معناه "القمر" وهو ربط بعيد بالموضوع. ومع ذلك فرض موضوع اقتراب المذنب الصراع بين علماء مركز بحوث القمر، لتكشف عن وجه د.شكرى الذى تعلم فى الولاياتالمتحدة وحصل على الدكتوراة منها ومقتنع تمام الإقتناع بفكرة أو حقيقة العولمة وتأثيرها الذى يراه إيجابيا.. فى مقابل الثنائية التى أشرنا إليها، ألا وهى فى مقابل الغاء الحدود! وهو ما يعنى تذويب الهوية والغاء الإنتماء بعد الدعوة لذوبان الحدود والإكتفاء بالشركات عابرة القارات! ومع مضى الوقت والمتابعة لهذا المذنب يتأكد أنه يقترب من الأرض بشدة فيتجه د.صبرى إلى قريته لمقابلة ابنته التى برفقة لونا والإطمئنان أنهما بخير وتوفير السيل الأفضل لحمياتهما من إحتمال إصتدام المذنب بالأرض. إلا أنه تلاحظ على شاشة الحاسوب اثناء متابعة المذنب تلك البقعة السوداء التى فسرها الصحفى الرومانسى بأنها طفرات جينية من خلابا البشر التى تحمل كل الحقد فى قلوبنا ونفوسنا. هنا بدأت تتوالد فكرة مستعمرة بالقمر القريب من الأرض.. حيث تجرى الدراسة لإنشاء مستعمرة تكفى عشرة آلاف إنسان ربما يمكن انقاذهم بعد فناء الارض! بمضى الوقت تتحقق بعض النبؤات ويزداد الخطر كما يتم صناعة اول سفينة فضاء لتنفيذ فكرة المستعمرة فوق سطح القمر.. وتحقق ما كان يخشاه د.صبرى، حيث إنتشرت الحرائق على سطح الأرض وعم الدمار كل المعمورة. فى المقابل تابعت رحلة سفينة الفضاء رحلتها، ويتحول الرواد على متنها إلى مجموعتين متصارعتين: المجموعة الأولى تتبنى الفكر الاجتماعى الذى يرعى الإنسان.. والمجموعة الأخرى تتبنى الفكر الإجتماعى الذى يرعى زيادة رأس المال ويبدأ الصراع، ويزداد رويدا حتى يشدد ويهدد سلامة القمر والمركبة الفضائية.. وينقل الإنسان صراعاته إلى سطح القمر.. وهكذا يلاحظ القارىء بعض الملاحظات التى تتناسب مع فكرة الصراع الدائم بين البشر، ألا وهى فكرة الإنتماء قادر على حماية الجميع، ومواجهة العولمة التى تدعو لذوبان الهوية.. إلا أنه وفى النهاية يبقى الصراع البشرى على الرغم من كل المحاولات! رواية "صائد الأقمار" من الروايات القليلة التى صدرت مؤخرا فى مجال الخيال العلمى وبالذات فى شكل الرواية منه، ولعلها تشجع البعض لاقتحام هذا المجال الهام.