كل صور المجاعات بالمعمورة لم تُحفر بذهني كما فعلت هذة السيدة وهي تلتقط أرجل الدجاج من بين الريش الناتف للدجاج المذبوح. ولم يجد وعيي لحظتها علَّتها من وراء هذا الفعل، وسألت وكانت الإجابة أصعب عليَّ من السؤال: إنها تشتريه !. وعلمت بعد ذلك أن لأرجل الدجاج سوق لمن لا يجد ثمن جناح أو بقايا العظام من اللحم المخلي، أخذت دجاجتي يومها والبانيه ومضيت حاملة معي ذكرى سلبيتي تجاهها .. تلك الذكرى التي لازالت تصاحبني حتي الآن. تزامنًا مع حفرياتي التي تحدثني كل يوم أني لا أملك من أمر العالم غير بغضه، وبغض نفسي كوني ركنا من أركانه زاد وزني زيادة أشفقت علي نفسي من مجرد اقتراح بقضاء أمسية بالخارج.. وبين صفحات الفيس بوك كانت الكلمة واضحة بمدلولات تحتاج إرادة وثقة ومشروع " أقفلي بوقك". لم تكن الكلمة موجهة لي بالطبع ولكن لمؤسِّس جروب رجيمك صح مع فاتن مدام فاتن الهواني عبر طبيب التغذية الذي ساعدها في رحلتها للتخسيس. تخيَّل عجزنا عن إغلاق أفواهنا عن الطعام؟! .. تخيَّل متابعة المضغ لساعات الليل والنهار بكميات ومعدلات عدد أنفاس المرء .. ولكن لنا حجتنا؛ فالطعام أشهى من إرادتنا للتوقف، ليس هذا فحسب ولكن طريقتنا في تناول الطعام أيضًا. غضب الإرادة مدمر يكسو يومك بموته .. فتجد نفسك أكثر الأشخاص الذين تهرب من رؤيتهم ومواجهتهم، وتتمنى لو أن العلم أُصيب بالعمي .. تتملكك رغبة لتمزيق ملابسك تعويضًا عن تمزيق بدانتك؛ فتنظر لنحيفات هوليوود كأنهن الحور العين .. ولكن كل هذا لا يلقي أبدًا بأصبع الشيكولاته بسلة المهملات.. فقدانك السيطرة علي شئ مادى بحت مصيبة بكل المقاييس ، الجماد أقوى منك يتحكم بإزاحة عقلك .. يدك عزيزي تأتمر بعقلك ، أنظر إلي كل المعطيات التي مهما كانت قليلة هزيلة تقصف رغباتك إلا إنها كافية جدًا لنيل نتيجة مرضية تبرهن علي صحتها مهما كانت منزوية بأركان مشهياتنا أقل المعطيات مجال تحركك باليوم لا يتعدى عشرة أمتار وتقتصر مساحة العالم بساعة تلقي فيها له سلامًا عابرًا وتعود أدراجك ، بعقدك الثالث من العمر مثلاً ولم تقترب حتي من نفسك ، تتلعثم بحروف اسمك وتنسي كيف ترد التحية ، تبدو عزلتك بين دفتي كتاب يحوي ورقتين! . غاندي كان يحارب التطرف والفرقة بين بلدين وأقرب الأشخاص الذين تعرفهم بمجال حديثك تعدى الخمسين ويرتكز لمشروع بناء نفس حرة ، هذه المرأة فاتن الأهواني ألقت حجرًا ضخمًا باستنادنا لضعف معطياتنا ، تحفز الآلاف بكلمات تُشبه (حان الوقت لتعود لملابسك التي حملت طابع " لما أخس أبقي ألبسها "). المشروع هو المُعطى الأكثر فاعلية لتمكين العقل من الدوران حول الحقيقي الذي ترغبه لا الذي ترغبه أطرافك .. بالجدول استطعت كسب سبعة عشر كيلو جرامات أقل علي الميزان. ساعدني في ذلك فترة الرضاعة،وثقتي، كنت أردد دومًا: ما أسهل إنقاص وزني متي رغبت .. في النهاية نجحت في إتمام الأمر .. لكن سرعان ما حدث ما لم أخطط له .. كان أن كافأت نفسي بفتح فمي للطعام وإلقاء كل ما أحب فيه وتوقفت عن ممارسة الرياضة . ولان أجسامنا مهما حرضتنا علي المجازفة تحافظ علي مبادئها لأطول وقت ممكن ؛ فتجدها مثلاً تقاوم أن تفقد وزنًا ملكته لسنوات أو شهور، وتقلل معدل الحرق للدهون إذا ما قلَّلتَ من مؤنتها الإعتيادية، وعندما تصمم أنت تستسلم هي وتوافقك شهرًا أو شهرين، وتطمئن أنت .. وما أن تتصور أنك نجحت حتى تغريكَ برفق للعودة لعاداتك في الغذاء، وتعوض ما فقدته بزيادة مضاعفة تحطاط بها منك ومن نيتك في أي وقت تعيد الكرة وتنقص من مؤنتها. وهذا ما حدث .. زدت سبعة كيلو جرامات في أقل من أسبوعين! .. توقفت أسأل نفسي: ماذا حدث؟ .. وهل معني هذا أنني إذا أردت الحياة بوزن أرتضيه لنفسي، عليَّ أن أتوقف عن تناول الطعام، وأظل متمسكة بجدول الريجيم؟ لم أجد جوابًا ولكني انتبهت لكل ما أضع في فمي من طعام .. وبحثت عن ثقتي لأبدأ حرقًا جديدًا لدهوني، ولكني لم أجدها دهوني تلك فهي نائمة في بدانتها، وتعلَّم جسمي من الدرس، وتلقَّى تحصينًا، واجهته بقليل الطعام وهو يصمم علي أقل معدل للحرق وكان لي أن أختار بين الإستسلام أو البدء من جديد .. وضعت قائمة بكل إخفاقاتي وأسبابها وكنت أنا السبب بكل معاناتي مع نفسي ، كانت البداية إجابات تخدم مشروعي بتحسين نفسى ، لماذا آكل وماذا أشتري ومتي آكل وكيف أصرف ساعاتي الصباحية ومتي أستيقظ ومتي أنام وأي الأماكن أرتاد إذا ما تنزهت بمفردي وأي الأوراق أحق بصحبتي وماذا تعني لي صور المجاعات بالعالم وما تحويه من بقايا إنسان .. مشروع كامل متحفز للحرب ضد أنا تدور بفلك يطرد عقلي بعيدا جدا حيث لا أراه ولا أحبه ، مشروع للتحريض علي اتباع أصح الطرق لتناول أوراق الكرنب بدلاً من حشيها بالأرز ، ماذا أحتاج حقًا من الخارج وماذا تنتقي هذه الحاجه ، أن أمشي ساعة يوميًا هو أول أولويات طقوس يومي حتي لو لم يتسني لي غير عشرة أمتار ذهابًا وإيابًا وأحمل علي ذراعي طفلاً لم يتخطي عامه الثالث بعد، ممارسة تضبط لي أتزاني لبقية اليوم وتوزع الدهون بشكل صحيح يسهل حرقها.. الماء هو أهم أسباب الحياة ، الإكثار منه .. الأطعمة الملونة الورقية هي أهم مشترياتك وهي أول ما يسد جوعك والنشويات أشبه بالشيكولاته تذوق منها فقط والشيكولاته تشبه يوم الجمعة مرة واحدة يأتي بنهاية الأسبوع . كم تنفق علي ماذا وكم من مرة كان طفلك مسئول عن جنيهات لينفقها بما لا يجعله يسرف في الشراء وكم كانت آخر صدقة مقارنة بقائمة الشراء وكيف تحقق لك شيئا زائدًا يلزم بتره ليكتمل بادخار أثمن من الماس. ها بدأ عقلي باستلام الدفة وما من فرصة لجسمي بثقل زائد علي الميزان . يحدث أن نريد ولا نحاول ونحاول ونخفق ونعود للمحاولة بالأخطاء التي لا يجب أن تتكرر . الآن أجدني دومًا في انتظار لغة جديدة للتعلم ومهارة جديدة لأرد أخطاء ابنتي بلطف غير معتاد ، حتي لو فكرة بزرع نبتة خضراء بركن بالبيت أو تحارب السكر بكوب عصير من البرتقال من غير سكر، أهدي عيوني المتلصصة بمرآتي وجهًا اعتاد ملازمته لحياتي وحبي له ، فكرة كاملة ترقق تقبلنا للعالم أيسر وتقبلنا لأنفسنا بسخرية تحمل طعم النكتة .. ولا يضير وضع صورة لغاندي بحجرة القراءة ..