وزير السياحة: الأصالة المصرية سر جاذبية التجربة السياحية.. واستراتيجية الوزارة ترتكز على التنوع المستدام    حملة تبرعات ضخمة ل بطل سيدني السوري أحمد الأحمد.. مليون دولار في 24 ساعة    تعرف على التشكيل المتوقع للفراعنة أمام نيجيريا    الأرصاد تستعرض مناطق سقوط الأمطار خلال الساعات المقبلة: مستمرة اليوم وغدا    محمد دياب يرد على محمد صبحي: صناع فيلم الست أحرار وشرفاء وليسوا جزءا من مؤامرة    شيخ الأزهر يهنئ الملك حمد بن عيسى آل خليفة بمناسبة اليوم الوطني للبحرين    بورصة الدواجن اليوم.. أسعار الفراخ البيضاء مساء الاثنين 15 ديسمبر    تنفيذًا لتوجيهات الرئيس.. وزير العمل يتابع مستجدات الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    السيطرة على حريق بمخبز دون خسائر بشرية في أسوان    أحمد بنداري: غلق 31 مقرا باليوم الأول من إعادة المرحلة الثانية بانتخابات النواب فى الخارج    مثقفون وفنانون فى عزاء الناشر محمد هاشم بمسجد عمر مكرم    رمضان 2026| ركين سعد تتعاقد علي «أب ولكن» ل محمد فراج    تصريحات حكومية تؤكد شراكة صحية جديدة مع «إيني» و«سان دوناتو» لإدارة وتشغيل مستشفيات كبرى    نائب رئيس جامعة عين شمس: تقديم أوجه الدعم والرعاية للطلاب الوافدين    وزير الأوقاف: الانضباط المؤسسي ومجابهة التطرف في صدارة أولويات المرحلة    محمد عبداللطيف يكشف خطة وزارة التربية والتعليم في 2026    مصر تعزي المملكة المغربية الشقيقة في ضحايا الفيضانات التي اجتاحت آسفي    الرئيس اللبناني يؤكد تكثيف المساعي السياسية لاحتواء التوتر في الجنوب    الحزن يخيّم على الأوساط الفنية العالمية لمقتل روب راينر وزوجته    افتتاح متحف القراء بالعاصمة الإدارية بحضور وزيرى الثقافة والأوقاف    رغم الأمطار.. توافد كثيف للمصريين بالسعودية في جولة الإعادة بانتخابات النواب    كيف أرشد الإسلام لأهمية اختيار الصديق؟ الأزهر للفتوي يوضح    هل الزيادة في الشراء بالتقسيط تُعد فائدة ربوية؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس محكمة النقض يترأس لجنة مناقشة رسالة دكتوراه بكلية الحقوق بالمنصورة    رئيس جامعة القناة يتفقد مستشفى طب الأسنان لمتابعة جاهزيته    البحيرة تستعد لأمطار اليوم: المحافظ ترفع درجة التأهب بجميع المراكز والمدن    ضبط المتهمين في مشاجرة دامية بالبحيرة| فيديو    نتنياهو يجتمع بالمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا في القدس    الجيش الإسرائيلي يعتزم هدم 25 مبنى سكنياً في الضفة الغربية    مكتبة الإسكندرية تحتفي بإبداعات الأطفال في ختام الدورة الأولى لمسابقة «عالم خيال»    أمن سوهاج يُعيد حقيبة سيدة تركتها سهواً داخل سيارة أجرة    تأجيل محاكمة 56 متهما بالهيكل الإداري للإخوان لجلسة 11 فبراير    محمد صلاح يخلد رقمه القياسي مع ليفربول    مساعي المغرب تنجح.. العيناوي يغيب عن مباراة روما أمام كومو    عاجل- رؤساء المجالس التصديرية خلال اجتماع مع رئيس الوزراء: توطين الصناعة وخفض الواردات لتعزيز الصادرات المصرية    ولي العهد السعودي والبرهان يناقشان جهود تحقيق الاستقرار بالسودان    ضبط تجار عملة خارج السوق المصرفية.. الداخلية تُشدد قبضتها على المضاربين    الدليل الكامل لامتحان اللغة العربية نصف العام 2025–2026 للمرحلة الابتدائية    سعر طن حديد عز.....اسعار الحديد اليوم الإثنين 15ديسمبر 2025 فى المنيا    فوائد تمارين الكارديو، تشد الجسم وتقوى عضلة القلب    شيخ الأزهر ينعَى الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق    وزير التعليم: إطلاق أول بنية وطنية موحدة لبيانات التعليم قبل الجامعي    اتحاد التمويل الاستهلاكي: نمو مستدام وتراجع ملحوظ في التعثر رغم زيادة عدد العملاء 208%    "صحة الشيوخ" تُسرّع دراسة إنشاء مستشفى جديد بحلوان بعد توقف القرار 3 سنوات    عصام الحضري يحيي الذكرى الأولى لوفاة والدته    آخر موعد للتقديم الكترونياً لوظيفة معاون نيابة إدارية دفعة 2024    تصدير 37 ألف طن بضائع عامة من ميناء دمياط    رئيس جامعة القاهرة يصدر قرارات بتعيين وتجديد تعيين 14 رئيسًا لمجالس الأقسام العلمية بطب قصر العيني    الزمالك ينتظر انتظام عدي الدباغ في التدريبات الجماعية اليوم    فيتش تشيد بجهود الحكومة المصرية في دعم الرعاية الصحية وتعزيز الحماية للفئات الأكثر احتياجًا    جوجل توقع اتفاقاً للطاقة الشمسية فى ماليزيا ضمن خطتها لتأمين كهرباء نظيفة    جامعة بنها تطلق مبادرة لدعم الأطفال والتوعية بحقوقهم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    انطلاق اجتماعات الاتحاد الأفريقي لكرة السلة في مصر    الأزهر يدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف تجمعًا لأستراليين يهود ويؤكد رفضه الكامل لاستهداف المدنيين    إصابة نجم ريال مدريد تعكر صفو العودة للانتصارات    حُسن الخاتمة.. مفتش تموين يلقى ربه ساجدًا في صلاة العشاء بالإسماعيلية    محمد صلاح يوجه رسالة للمصريين من خلال ابنته "كيان" قبل أمم إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في ديوان "تصاويرك… تستحمّ عارية وراء ستائر مخمليّة" للأديب العراقي كريم عبد لله.
نشر في شموس يوم 06 - 02 - 2017


الإحساس الدّاخليّ يُوَلّف إيقاع النّصّ
بقلم مادونا عسكر / لبنان .
إذا كانت قصيدة النّثر قد خرجت عن النّظام الشّعريّ العام المرتبط بالقوافي الملزمة والعروض والإيقاع المتكرّر، فلكي تخرج بنظام خاصّ من عمق الشّاعر، وتحرّره من كلّ سلطة إلّا تلك الّتي يفرضها الشّعر نفسه. وإذا كانت قصيدة النّثر لا تملك أداة إلّا النّثر فلكي تحقّق إبداع الشّاعر المتفجّر من تجرّده وتحليقه في سماوات الشّعر. ولئن كان من العسير تعريف الشّعر بغضّ النّظر عن النّظم الشّعريّ، إلّا أنّه يمكن استشفافه من خلال الاختبار الشّخصيّ الّذي يمرّ به كلّ شاعر على حدة. وبالتّالي فمن المهمّ ملاحظة قواعد قصيدة النّثر المرتبطة بباطن الشّاعر، بمعنى أنّ الشّاعر يلتزم عن وعيٍ أو عن غير وعي بنظام القصيدة الخاصّ في كلّ مرّة، ويخضع لتأثيرات الحالة الشّعريّة المسيطرة عليه فتظهر تلك القواعد الباطنيّة للقصيدة، غير تلك المتعارف عليها في النّاحي الجماليّة سواء في الألفاظ وما تحدثه من إيقاعات خاصّة للقصيدة أو في الصورة المتحصّلة للمعنى. فتبرز بذلك إيقاع وجدانه، وحالاته النّفسيّة، وما لديه من مخزون عاطفيّ وتجربة شّخصيّة.
يستشفّ القارئ في ديوان "تصاويرك… تستحمّ عارية وراء ستائر مخمليّة"، إيقاع الشّاعر كريم عبد لله الوجدانيّ المتأرجح بين الحزن والحنين، والانكسار، والانتظار، والشّوق… وهنا تكمن صعوبة صياغة القصيدة، لأنّها من جهة، خضوع تامّ للحالة الشّعريّة، ومن جهة أخرى مخاطبة إحساس القارئ قبل فكره. فتتسرّب الرّسالة الإنسانيّة من القلب إلى العقل، على عكس ما اعتيد عليه، أي قبول المعنى عقليّاً وفكريّاً ثم التّعمّق بالمقروء لفهم مقاصد الشّاعر.
ولئن كان الحديث عن مخاطبة الوجدان والإحساس أوّلاً، فمن المفترض إحكام السّيطرة على الانفعالات النّفسيّة المتفجّرة من عمق الشّاعر ليتمكّن العقل من الغوص في دهشة الشّعر، فيتلمّس القارئ قدرة الشّاعر على التّعبير عن الإنسان بشكل عام انطلاقاً من التّعبير عن ذاته.
أيّتها الغيابات المتكرّرة في سمائي ..
يا صدى الرّاحلين في ظلمات النّسيان ..
الأضغاث عادت تستريح على ظلّ السّراب
في المرآة عيون تزدحم محدّقة..
يتبيّن القارئ في هذه النّصّ من قصيدة "الغيابات المتكرّرة صدى الرّاحلين" (ص 9)، صخب الذّاكرة المحمّلة بالحزن والانكسار النّفسيّ. وللوهلة الأولى تشتعل ذاكرته ويضطرب إحساسه ليعود ويترافق مع الشّاعر في داخل القصيدة يبحث عن ذاته بين السّطور، ليشرك انفعالاته بانفعالات الشّاعر، ويستحضر صوت الرّاحلين، إلّا أنّه يصطدم بالسّراب. هذا الجوّ المشحون بالحزن والانكسار لا يظهر عمق الشّاعر وحسب، وإنّما يتيح للقارئ ملاقاة رفيق يأتمنه على ذاكرته الحزينة والمتألّمة، ويرافقه في شتّى محطّات التّيه النّاتج عن الهزائم النّفسيّة. كما أنّه يبرز إيقاع الذّات الحزينة المشتعلة في البدء لتعود وتخمد رويداً رويداً في ختام القصيدة:
أدمنت في وجوه الغابرات كلّ هذا التّحديق..
أتفرّس في جيوبهنّ عطر أنفاسك
لكنّك… تسلّلت بهدوء من أوتار أشرعتي.. وغفوتِ…
وما هندسة السّطر الأخير من القصيدة إلّا تعبير عن غرق تدريجيٍّ في الحزن حتّى بلوغ الصّمت العاجز ربّما وانذثار الحلم (وغفوت…)
يتصاعد الإيقاع النّفسيّ عند الشّاعر في قصيدة "أطهو الانتظار… في مفاصل النّوم" (ص 18)، يتخلّله انتظار جاف، خالٍ من الأمل. أشبه باستسلام واعٍ للواقع المأزوم. تسيطر على النّصّ مفردات تتناغم والحالة المسيطرة على الذّات وما تؤول إليه من سكون، مرادفة للانقياد والخيبة:
أطهو الانتظار في غليون أحلام زائفة
الأخبار الرّائبة في دفاتر قيلولتي
تزوّل المواعيد عمداً في مفاصل النّوم
ظلّي المتواري مثل شموعٍ تقطعها مكائد عمياء..
ترتشف البرد المتجذّر في ليلي أشباح تتلمّظ..
لعلّ البرد والنّوم المتلازمين في هذا النّصّ الشّعريّ يكثّفان صورة الإحباط النّفسيّ، الأشبه بالموت. وهنا الحديث عن الموت المعنويّ الّذي يحوّل الحياة إلى انتظار عبثيّ/ انتظار اللّاشيء، مع عدم القدرة على التّغيير. ويندرج المعنى في إطار التّخدير النّفسيّ المشبع بالحنين دون الانفتاح على بصيص أملٍ يخرج الإنسان من الحصار الواقعيّ والنّفسيّ.
أسرجت غيوماً فوق هضابها المحمّصة تغفو..
مرتدياً قلقاً يعشعش على ثياب الفجر..
وخيوط العناكب تزيّن مراكبي وهي تنأى بعيداً بعيد..
/
وهنا تسير الأمنيات على هشاشة الألوان..
بلا أسماء أو عناوين تتسلّق مآذني صورتها..
كيف للإطار أن يحوي إذاً كلّ هذا الخراب …… !
يزداد الإيقاع حدّة في وصف الشّاعر للحال الّذي وصلت إليها البلاد، مساوياً بين الرّبيع والموت. وتتداخل المعاني لترسم لوحة سورياليّة تبيّن الواقع الّذي يتخطّى المنطق والقدرة على الاستيعاب. فإذا كان الرّبيع يرمز إلى الموت، أو بمعنى أصحّ، إذا أنتج الرّبيع الموت كدائرة مقفلة لا يمكن الفرار منها، فأيّ معنىً للحياة بعد؟ وأيّ مخرج يُمكن أن يبحث عنه الشّاعر للتفلّت من هذا الواقع الأليم. فتأتي خاتمة قصيدة "صقيع… يلتهم الجكليت" (ص 31)، لتكشف عن عَدَمٍ حتميّ:
بأعناق الفوانيس يشتدّ حزن الجوع الأسود
الأيّام بلا تقاويم والعار عقارب تصلّي اللّيل ..
على وجنات العصافير النّازحة تعوي الغربة ..
والرّبيع يتكوّم قنبلة موقوتة في مرحاض…
منشغلات دواهي المؤامرة بغنائم النّساء …
الأمراء متخمون بعصير النّهود المغصوبة باسم الحقّ ..
وحيداً على ضفاف الدّين يموت الرّبّ..
يفصل السّطر الأخير من هذا النّصّ الشّعريّ بين عالم السّماء وعالم الأرض، بل إنّه يستبعد السّماء بموت الرّبّ. فعن أيّ خلاص يمكن البحث بعد؟ وعن أيّ رجاء يمكن الحديث، في ظلّ يأسٍ قاتل لا يعقبه إلّا العدم؟
يتجدّد الإيقاع النّفسيّ الشّعريّ، ليأخذ منحىً آخر في قصيدة "بذوري نثرتها منتظراً أمطار شهوتك" (ص 41)، لتتجلّى الرّسالة الإنسانيّة وإن بشكل خجول، ورغم النّفس المثقلة بالحزن والأسى، ليشعل الشّاعر ضوءاً خافتاً ليسيطر على انفعالات القارئ لينتشله من الحزن العاصف:
السّماء ما زالت تحتفظ ببريق عينيكِ..
مواسم القطف تنتظر نيسان بشفاه الملذّات…
بينما بذوري نثرتها منتظراً شهوتكِ
هذا الأفق لا ينتهي مبتدئاً من عتبةِ عيونكِ…
يمتدّ بعيداً بعيداً يهشّ على طيور نرجسيّتي..
حين تنام على قطيفة حنوّكِ تغرق وتستسلم للهذيان………..
كلّما يكفهرّ العالم أطوف أحمل وجهكِ شمساً مشرقة…
وبحجولك الفضّيّة أطرق أبواب الصّباح..
ويعود الإيقاع إلى بدايته في قصيدة "ملحمة الوجع المستديم ليل طويل خشن" (ص 59)، ليعرب عن وجع لا ينتهي إزاء وحشيّة الواقع:
وباء يركض في أطراف المدينة..
موعدنا كذبة عاهرة نصدّقها دوماً..
كيف يكون الأفق زنزانة تنبح بوجه الشّمس
وهذا النّواح الطّويل بلون واحد مطأطئة نغماته.. والفاتحون يبصقون
على جرح نازف لمّا يندمل!
المناجل جاءت تحزّ رقاب الشّموخ..
السّنابل الحبلى تتلوّى بقبضة غراب أعور..
بينما الأفواه مكبّلة بصمت سحيق..
وهكذا يؤدّي إيقاع النّصّ وظيفة معنويّة كاشفة عمّا في نفس الشّاعر، بحيث يصبح الإيقاع جزءاً أصيلاً من المعنى، وهذا ما تسعى إليه القصيدة بشكل عامّ وانتبه إليه النّقّاد ولاحظوه في قصائد الشّعراء قديما وحديثاً، وهذه سيمياء ذات دلالة فنيّة تمنح النّصّ صدقاً مشاعريّاً يتجلًى في الشِّعر ليكوّنا معا قصيدة متآلفة المعنى والمبنى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.