المجلد السادس- الجزء الثاني شعراء العربية في الاندلس بقلم د فالح الكيلاني ( الشاعر محيي الدين ابن عربي ) هو محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي ، أحد أشهر المتصوفين المشهورين, لقبه أتباعه وغيرهم من الصوفية ( بالشيخ الأكبر) وتنسب إليه الطريقة ( الأكبرية )الصوفية. ويكنى ( سلطان العارفين ) و ( امام المحققين ) و( البحر الزاخر ) . ولد في مدينة (مرسية ) في الأندلس في شهر رمضان سنة \558 هجرية – من أب مارسي و أم أمازيغية و يعرف عند الصوفية بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر. وكان احد كبار علماء المتصوفة والفلاسفة المسلمين على مر العصور وشاعر واديب ومتكلم .وكان أبوه علي بن محمد من أئمة الفقه والحديث، ومن أعلام الزهد والتقوى والتصوف. وكان جده أحد قضاة الأندلس وعلمائها، فنشأ نشأة تقية ورعة نقية خالية من كل شائبة وعاش في جو عامر بنور التقوى والايمان والصلاح . انتقل والده إلى (إشبيلية) وكان يحكمها السلطان (محمد بن سعد) وهي عاصمة ملكه وحاضرة من حواضرالعلم والادب والفن في الأندلس. وما كاد لسانه يبين حتى دفع به والده إلى ( أبي بكر بن خلف) عميد الفقهاء في اشبيلية ، فقرأ عليه القرآن الكريم وعمره سبع سنوات فما أتم العاشرة من عمره حتى كان مبرزاً في القراءات ملهما في المعاني والإشارات. ثم أسلمه والده إلى طائفة من رجال الحديث والفقه واللغة ليزداد علما وثقافة . وقيل انه مرض في شبابه مرضا شديدا وفي أثناء شدة المرض والحمى رأى في المنام أنه محا ط بعدد كثير من قوى الشر مسلحين يحاولون الفتك به فألتفت فرأى شخصا جميلا قويا مشرق الوجه حمل على هذه الأرواح الشريرة ففرقها ومزقها أي ممزق ولم يبق لها أي أثر. فسأله محيي الدين من أنت ؟ فقال له أنا سورة( يس. ) فأستيقظ فزعا من نومه فرأى والده جالسا إلى وسادته يتلو عند رأسه سورة (يس ). فلم لبث أن برئ من مرضه، وألقي في روعه أنه معد للحياة الروحية وآمن بوجوب سيره فيها إلى نهايتها ففعل . تزوج بفتاة تعتبر مثالا في الكمال الروحي والجمال الجسدي الظاهري وحسن الخلق، فساهمت معه في تصفية حياته الروحية، بل كانت أحد دوافعه الي الإمعان فيها. وفي صباه وشبابه يقول فيها : أَلا يا بانَةَ الوادي بِشاطي نَهرِ بَغدادِ شَجاني فيكِ مَيّادٌ طَروبٌ فَوقَ مَيّادِ يُذَكِّرُني تَرَنُّمُهُ تَرَنُّمَ رَبَّةِ النادي إِذا اِستَوَت مَثالِثُها فَلا تَذكُر أَخا الهادي وَإِن جادَت بِنَغمَتِها فَمِن أَنجِشَةِ الحادي بِذي الخَصَماتِ مِن سَلمى يَميناً ثُمَّ سِندادِ لَقَد أَصبَحتُ مَشغوفاً بِمَن سَكَنَت بِأَجيادِ غَلِطنا إِنَّما سَكَنَت سُوَيدا خِلبِ أَكبادِ لَقَد تاهَ الجَمالُ بِها وَفاحَ المِسكُ وَالحادي وخلال هذه الفترة كان يتردد على إحدى مدارس الأندلس الخاصة وقد تعلم فيها سرا مذهب الأمبيذوقلية المحدثة المفعمة بالرموز والتأويلات والموروثة عن العقلية الفيثاغورية والفطرية الهندية والاورفيوسية . وكان من أشهر أساتذة تلك المدرسة العالم المعروف ( ابن العريف) . وذكر انه رأى او تخيل وهو في حالة اليقظة أنه أمام العرش الالهي واالعرش محمول على أعمدة من لهب متفجر و رأى طائرا بديع الصنع يحلق حول العرش و يصدر اليه الأمر بأن يرتحل إلى الشرق و ينبئه بأن سيكون هذا الطائر هو مرشده السماوي و بأن رفيقاً من البشر ينتظره في مدينة ( فاس) المغربية وذلك في عام \ 594 هجرية . وفي ذلك يقول : نظرتُ إلى عينِ الوجودِ فلم أر قديماً ولكني رأيتُ حديثا أظنّ الذي قد كان بيني وبينه بياناً يسمى للحجابِ كلوثا فشبهتُ نفسي في طلاب حقيقتي بليلٍ أتى يبغي النهارَ حثيثا ليأخذ منه تارة فيردُّه إلى الغيبِ حتى لا يرى مبثوثاً وهل يعدمُ العلاتِ إلا قديمها ولكن نراه في العيانِ حدوثا فمدَّ بنا حبلاً من العلوِّ نازلاً ولم يك في نعتِ الحبالِ رثيثا له قوّةٌ تغشى النعاسَ عيوننا لها ألسنٌ فينا وكم وكميثا ويعطى قليلاً من وجودي لأنني قليلٌ ويعطينا الوجودَ أثيثا وفي سنة \ 595هجرية – 1198ميلادية كان في ( غرناطة) مع شيخه ( أبي محمد عبد الله الشكاز ) و في سنة \ 597هجرية – 1200 ميلادية بدأ رحلته الطويلة متجها نحو بلاد المشرق وفي سنة \599 هجرية – 1201 ميلادية اتجه نحو مكةالمكرمةفاستقبله فيها شيخ إيراني وقور جليل عريق المحتد متفتح في العقل و العلم و الخلق و الصلاح . وفى هذه الأسرة التقية التقى بفتاة تدعي ( نظام ) وهي ابنة ذلك الشيخ الجليل و قد حبتها السماء بنصيب وافر من الجمال و المحاسن الجسمية والروحية الفائقة ، فاتخذ منها محيي الدين رمزا ظاهريا للحكمة الخالدة و أنشأ في تصوير هذا الرموز بقصائد سجلها في ديوانه ( ترجمان الأشواق ) . يقول: أَلا هَل إِلى الزُهرِ الحِسانِ سَبيلُ وَهَل لي عَلى آثارِهِنَّ دَليلُ وَهَل لي بِخَيماتِ اللِوى مِن مَعَرَّسٍ وَهَل لِيَ في ظِلِّ الأَراكِ مَقيلُ فَقالَ لِسانُ الحالِ يُخبِرُ أَنَّها تَقولُ تَمَنَّ ما إِلَيهِ سَبيلُ وَدادي صَحيحٌ فيكِ يا غايَةَ المُنى وَقَلبِيَ مِن ذاكَ الوَدادِ عَليلُ فَديتُكَ يا مَن عَزَّ حُسناً وَنَخوَةً فَلَيسَ لَهُ بَينَ الحِسانِ عَديلُ فَرَوضُكَ مَطلولٌ وَوَردُكَ يانِعٌ وَحُسنُكَ مَعشوقٌ عَلَيهِ قُبولُ وَزَهرُكَ بَسّامٌ وَغُصنُكَ ناعِمٌ تَميلُ لَهُ الأَرواحُ حَيثُ يَميلُ وَظَرفُكَ فَتّانٌ وَطَرفُكَ صارِمٌ بِهِ فارِسُ البَلوى عَلَيَّ يَصولُ وفي ذلك الحين في احدي تأملاته رأي مرشده السماوي مرة أخرى يأمره ايضا بتأليف كتابه الخالد ( الفتوحات المكية ) ففتح الله تعالى عليه فيه فثبت معظم أرائه الصوفية و العقلية و مبادئه الروحية. و في اثناء زيارته لبيت ( عبد الله بن عباس ) ابن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم استخار بالله و كتب رسالة ( حلية الأبدال ) لصاحبيه أبي محمد عبد الله بن بدر بن عبد الله الحبشي و أبي عبد الله محمد بن خالد الصدفي التلمساني . وفي سنة\ 601هجرية – 1204ميلادية انتقل الي الموصل استهوته تعاليم الصوفي الكبير (علي بن عبد الله بن جامع) الذي تلقي لبس الخرقة عن الخضر مباشرة فلما وصل ألبسها الى محيي الدين بدوره فاصبح صاحب طريقة صوفية ( الطريقة الاكبرية ) وفي ذلك يقول : أُلبستُ من هوى ذاتي خِرقة الخَضَر ما بين زمزم والركنين والحجرِ على التزيُّن بالمرضيِّ من صفةٍ محمودةٍ بين أهل الشَّرعِ والنظر ولا تزال مع الأنفاسِ قائمةً به إلى منتهى الأوقاتِ والعُمرِ وما تحللها من سيءٍ فلنا عليه شرط صحيح جاء في الخبر ثم شاقت نفسه وهو بالموصل لزيارة قبر الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وقد قال بعد زيارته ( وقد ظلمت نفسي وجئت إلى قبره صلى الله عليه وسلم فرأيت الأمر على ما ذكرته وقضى الله حاجتي وانصرفت ولم يكن قصدي في ذلك المجيء إلى الرسول إلا هذا الهجير ) . يقول : إِنّي عَجِبتُ لِصَبٍّ مِن مَحاسِنِهِ تَختالُ ما بَينَ أَزهارٍ وَبُستانِ فَقُلتُ لا تَعجِبي مِمَّن تَرَينَ فَقَد أَبصَرت نَفسَكَ في مِرآةِ إِنسانِ و في سنة\ 603هجرية – 1206ميلادية توجه في طريقه شطر القاهرة ليلتقي فريق الصوفية فيها وبقي فيها بينهم سنة كاملة ثم في سنة \ 604 هجرية – 1207ميلادية عاد الي مكةالمكرمة ليحل ضيفا على اصدقائه القد امى الأوفياء فاقام في مكةالمكرمة ثلاثة أعوام وكا ن ضوعه قد ضاع واتنتشر وذكره وصل الى كل مكان ثم ارتحل إلى مدينة ( قونية ) التركية حيث يتلقاه أميرها السلجوقي باحتفال بهيج. و تزوج هناك بوالدة ( صدر الدين القونوي) ومن تركيا ارتحل الي أرمينيا . و في سنة \ 610 هجرية – 1211ميلادية ا رتحل الي بغداد و لقي فيها الرجل الصوفي المعروف ( عمر السهروردي ) وفي سنة \ 613هجرية – 1214ميلادية عاد الى مكةالمكرمة لتشوقه الى بيت الله الحرام و استقر فيها حتى ظهر عدد من الفقهاء فيها فاخذوا يدسون عليه وجعلوا يشوهون سمعته بسبب القصائد الشعرية التي نشرها في صباه وشبابه في ديوانه الرمزي فآثر الرحيل منها مككرها فانتقل الي حلب وا قام فيها ردحا من الزمن معززا مكرما من أميرها الا انه لم يقم فيها كثيرا فتركها متجها الى دمشق وذلك سنة \ 622 هجرية – 1223ميلادية حيث لقي فيها احد تلاميذه أميرها لها ومن المؤمنين بعلمه و نقائه فاستقر بها وعاش بقية حياته في دمشق يؤلف و يعلم وكان واحدا من كبار العلماء الكبار بين اهل العلم والفقه في دمشق ، فدون فيها ماشاء له من مؤلفات ومراجع وكذلك عمل على مراجعة مؤلفاته وكان له مجلس علم وتصوف في دمشق اضافة لرحاب مجالس الفقه والعلم بدمشق . و خلاصة اقواله وفلسفته وما توصل اليه يقولفيه : (أن الله إله واحد، لا ثاني له وألوهيته منزهة عن الصاحبة والولد، مالك لا شريك له في الملك ولا وزير له، صانع لا مدبر معه، موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده, بل كل موجود سواء مفتقر إليه الله في وجوده فالعالم كله موجود به، وهو وحده متصف بالوجود لنفسه، ليس بجوهر متحيز فيقدر له مكان ولا بعرض فيستحيل اليه البقاء ولا بجسم فتكون له الجهة والتلقاء، مقدس عن الجهات والأقطار, مرئي بالقلوب والأبصار) ويقول: تعالى وجود الذات عن نيل ناظرٍ فإنَّ وجودَ الذاتِ لله عينها وذاك اختصاصٌ بالإله ولا تقل بأنّ ذوات الخلقِ كالحقِ كونها تغيرتِ الأحكام لما تغايرت بألفاظه الأنساب فالبينُ بينها فمن شاء فليقطع ومن شاء فليصلْ فذلك ستر فيه للذاتِ صونها توفي الشيخ الاكبر محيي الدين محمد بن علي بن عربي بدمشق في 28 ربيع الثاني من سنة\ 638هجرية الموافق 16 نوفمبر من سنة \ 1240ميلادية ودفن في سفح جبل قاسيون في دمشق . ابن عربي علم ومتصوف وشاعر واديب وشاعر مجيد له شعر رائق وعلم واسع وذهن وقاد وشعره يميل الى الفلسفة الدينية وقد درست له كتاب فصوص الحكم وكتابه ( الفتوحات المكية ) في عشرة مجلدات ذلك السفرالخالد ,ووجدته بحرا غزيرا يتيه الفكر فيه لا يحد و لا ينضب وشعره جميل وراق . ومن اهم اثار ابن عربي الكتب والمؤلفات التالية : الفتوحات المكية : وهو كتاب واسع جامع فصوص الحكم ترجمان الأشواق ديوان شعر فهرس كامل لكتب ابن عربي أقوال ابن عربي واختم بحثي هذا بهذه الابيات من شعره : عن العدل لا تعدل فأنت المعدل وإنَّ قيامَ الفضلِ بالحرّ أجملُ فلو عامل الله العبادَ بعدله لأهلكهم والله من ذاك أفضل يجودُ ويثري بالجميل عليهمُ وليس له عما اقتضى الجودُ مَعدِلُ تباركَ جلَّ اللهُ في ملكوته كمالاً وإن الله في الملك أكمل فإن الذي في الملك صورة عينه وفي ملكوت الله جزؤ مفصل وليس لهذا اللفظِ عند اصطلاحنا مبالغة فانظر على ما أعوِّل إذا كنتَ في قومٍ تعرف بلحنهم وحينئذ يجملُ به ويفصل إذا كنتَ في قومٍ تكلم بلحنهم لتفهمهم لا تلجىء الشخصَ يسأل لو أنَّ الذي بالعجز يُعرف قدرُه لكنت كريم الوقتِ يسدي ويفضل وكانت لك العليا وكنت لك المدى وأنتَ بها العالي وما ثم أسفلُ ومن أين جاءتْ ليت شعري ففرِّعوا كلامي الذي قد قلت فيه وفصِّلوا علمتُ به قلت أودعتُه في مقالتي وجملة أمري أنني لستُ أجهل لأني به قلت الذي جئتكم به ومن كان قول الحق قل كيف يجهل أنا كلماتُ الله فالقولُ قولنا لأني مجموعٌ وغيري مفصّل كعيسى الذي يحيى وينشىء طائراً فيحيى بإذنِ الله والحقُّ فيصل فمن كان مثلي فليقلْ مثلَ قولنا وإلا فإن الصمتَ بالعبد اجمل امير البيان العربي د فالح نصيف الحجية الكيلاني العراق- ديالى – بلدروز