أسعار الذهب اليوم الجمعة 23 مايو 2025    "كاسبرسكي": 9.7 مليون دولار متوسط تكلفة سرقة البيانات في القطاع الصحي    مايكروسوفت تمنع موظفيها من استخدام كلمة «فلسطين» في الرسائل الداخلية    القبض على عاطل وسيدة لقيامهما بسرقة شخص أجنبي بحلوان    لم يصل إليها منذ شهر، قفزة في أسعار الذهب بعد تراجع الدولار وتهديد إسرائيل لإيران    في يومه العالمي.. احتفالية بعنوان «شاي وكاريكاتير» بمكتبة مصر العامة بالدقي    «التنسيق الحضاري» يطلق حفل تدشين تطبيق «ذاكرة المدينة» للهواتف الذكية    مجدي البدوي: علاوة دورية وربط بالأجر التأميني| خاص    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| الأهلي ضد الزمالك في نهائي كأس أفريقيا لليد    حقيقة انفصال مطرب المهرجانات مسلم ويارا تامر بعد 24 ساعة زواج    بسمة وهبة لمها الصغير: مينفعش الأمور الأسرية توصل لأقسام الشرطة    قائمة أسعار تذاكر القطارات في عيد الأضحى 2025.. من القاهرة إلى الصعيد    انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    رئيس البنك الإسلامي يعلن الدولة المستضيفة للاجتماعات العام القادم    توجيه اتهامات ب"قتل مسؤولين أجانب" لمنفذ هجوم المتحف اليهودي بواشنطن    انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي الشرقي في المنيا يُخلف 4 قتلى و9 مصابين    بصورة قديمة وتعليق مثير، كيف احتفت هالة صدقي بخروج عمر زهران من السجن    سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة    تكريم سكرتير عام محافظة قنا تقديراً لمسيرته المهنية بعد بلوغه سن التقاعد    صبحي يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة ويؤكد: الشباب محور رؤيتنا للتنمية    لجنة التقنيات بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب تعقد اجتماعها الأول    شيخ الأزهر يعزي المستشار عدلي منصور في وفاة شقيقه    يرغب في الرحيل.. الزمالك يبحث تدعيم دفاعه بسبب نجم الفريق (خاص)    مراجعة مادة العلوم لغات للصف السادس الابتدائي 2025 الترم الثاني (فيديو)    انفجار كبير بمخزن أسلحة للحوثيين فى بنى حشيش بصنعاء    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري بالأسواق اليوم الجمعة 23 مايو 2025    عودة لحراسة الزمالك؟.. تفاصيل جلسة ميدو وأبو جبل في المعادي (خاص)    مصرع 4 أشخاص وإصابة آخر في تصادم سيارتي نقل على طريق إدفو مرسى علم    ضبط مركز أشعة غير مرخص فى طهطا بسوهاج    في حضور طارق حامد وجوميز.. الفتح يضمن البقاء بالدوري السعودي    وكيله: لامين يامال سيجدد عقده مع برشلونة    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    هزة أرضية جديدة تضرب جزيرة «كريت» اليونانية (بؤرة الزلازل)    دينا فؤاد: مفيش خصوصيات بيني وبين بنتي.. بتدعمني وتفهم في الناس أكتر مني    تعليم القاهرة يحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية بمسابقة الخطابة والإلقاء الشعري    رسميًا بعد قرار المركزي.. ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 23 مايو 2025    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 23 مايو 2025    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة قبل الأخيرة لدوري المحترفين    الكشف عن موقف تشابي ألونسو من رحيل مودريتش عن ريال مدريد    بمشاركة منتخب مصر.. اللجنة المنظمة: جوائز كأس العرب ستتجاوز 36.5 مليون دولار    فلسطين.. 4 شهداء وعشرات المفقودين إثر قصف إسرائيلي على منزل في جباليا شمال غزة    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    تعليم القاهرة يحصد المراكز الأولى في العروض الرياضية على مستوى الجمهورية    تنفيذًا لحكم القضاء.. محمد رمضان يسدد 36 مليون جنيه (تفاصيل)    الشعبة: أقل سيارة كهربائية حاليًا بمليون جنيه (فيديو)    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    ما حكم تغيير النسك لمن نوى التمتع ثم تعذر؟ المفتي السابق يجيب    قباء.. أول مسجد بني في الإسلام    «المفرومة أم القطع».. وهل الفرم يقلل من قيمة الغذائية للحمة ؟    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    «لقرمشة مثالية وزيوت أقل».. أيهما الأفضل لقلي الطعام الدقيق أم البقسماط؟    مسلسل حرب الجبالي الحلقة 7، نجاح عملية نقل الكلى من أحمد رزق ل ياسين    تشميع مركز للأشعة غير مرخص بطهطا بسوهاج    هل التدخين حرام شرعًا ؟| أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكمة اليوم … الميزان
نشر في شموس يوم 30 - 10 - 2016


الميزان
الفلاح والنجاح أن يكون ميزانك وفق ميزان الله
لتفسير المطول – سورة الأعراف 007 – الدرس(04-60):
تفسير الآيتان 8-9 ، ميزان الحق العلم والعمل
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الرابع من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الثامنة ، وهي قوله تعالى :
﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)﴾
الإيمان بالله واليوم الآخر ركنان متلازمان :
أيها الإخوة ، ما من ركنين من أركان الإيمان تلازما في القرآن كركن الإيمان بالله واليوم الآخر ، فالإيمان بالله عز وجل هو أصل كل أنواع الإيمان ، لكن ما لم تؤمن أن الله يعلم ، وسيحاسب ، وسيعاقب لن تستقيم على أمره .
وقد وردت في القرآن الكريم آية هي أصل في الاستقامة :
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا﴾
( سورة الطلاق الآية : 12 )
اللام لام التعليل .
﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12)﴾
( سورة الطلاق )
حينما تعلم أن علم الله يطولك ، وأن قدرته تطولك ، وأنه يعلم ، وسيحاسب وسيعاقب ، وأنه في اليوم الآخر تسوى فيه الحسابات ، يؤخذ للضعيف من القوي ، وللفقير من الغني ، وللمظلوم من الظالم ، هذا اليوم حينما تؤمن به تنزاح عن صدرك هموم كالجبال .
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾
( سورة الحجر )
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)﴾
( سورة آل عمران )
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾
( سورة إبراهيم )
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾
( سورة إبراهيم )
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ
1 – الميزان الشرعي :
أيها الإخوة ، هناك موازين في الأرض ، هناك آلاف الموازين ، لكن الله عنده ميزان ، البطولة ، والذكاء ، والتوفيق ، والتألق ، والفلاح ، والنجاح أن يكون ميزانك وفق ميزان الله ، والحمق ، والغباء ، وضيق الأفق ، والجهل أن تتوهم أن ميزانك الذي هو بعيد عن ميزان الله يكفي .
مثلاً : حينما تعتقد أن المال هو كل شيء ، وأنك بالمال تصل إلى كل شيء ، وأن المال قيمة ثابتة في كل العصور ، وأن الذي معه المال معه كل شيء ، ودنياه جنة ، وأن الذي فقَد المال ما ذاق شيئاً من طعم الحياة ، وديناه جهنم ، حينما تعتقد كذلك فهذا الإنسان هو أغبى الخلق ، لأنه اعتمد ميزاناً ما أقره الله عز وجل .
2 – ميزان العلم والعمل :
الله عز وجل اعتمد ميزانين ، اعتمد ميزان العلم ، وميزان العمل ، فقال :
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾
( سورة الزمر الآية : 9 )
وقال :
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾
( سورة المجادلة الآية : 11 )
هذا العلم ، وميزان العمل :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾
( سورة الأنعام الآية : 132 )
حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، أما موازين الأرض ، القوي معظّم ومبجّل ، والناس ينصرفون إليه ، وينصرفون عن الضعيف ، والغني مبجل ، ومعظم ، والناس ينصرفون إليه ، وينصرفون عن الفقير ، والإنسان الوسيم مبجّل ومعظّم ، وينصرف الناس إليه ، وينصرفون عن الدميم .
الأحنف بن قيس كان قصير القامة ، أسمر اللون ، أحنف الرجل ، مائل الذقن غائر العينين ، ناتئ الوجنتين ، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب ، وكان مع ذلك سيد قومه ، كان إذا غضب غضبَ لغضبته مئة ألف سيف ، لا يسألونه فيما غضب ، وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه .
3 – من السعادة موافقة ميزان الشرع :
حينما تأتي موازينك مطابقة لموازين خالق السماوات والأرض فأنت أسعد الناس ، أنت الموفق ، أنت الذكي ، أنت العاقل ، أنت الفالح ، أنت الناجح ، أما إذا اعتمدت ميزاناً ساقطاً عند الله عز وجل فلا تعجبك أموالهم ، ولا أولادهم .
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)﴾
( سورة الفرقان )
﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾
( سورة الجمعة الآية : 5 )
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾
( سورة المنافقون الآية : 4 )
4 – تقييم النفس والناس بميزان الشرع :
أيها الإخوة ، البطولة أن يكون ميزانك في تقييم نفسك ، وتقييم من حولك مطابقاً لميزان الله ، أما إذا كان ميزانك أرضياً ، وشركياً ، ودنيوياً فهي الطامة الكبرى .
لذلك البطولة أن تأتي يوم القيامة وفق موازين الله ناجحاً .
من هو الغني بميزان أهل الأرض ؟ من كان عنده أموال طائلة ، من هو الغني بميزان الله ؟ من كان له عمل صالح .
﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)﴾
( سورة القصص )
لما سقى للفتاتين سيدنا موسى قال :
﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾
أنا مفتقر للعمل الصالح ، لذلك قال سيدنا علي : الغنى والفقر بعد العرض على الله .
إذاً : الله عز وجل اعتمد ميزانين فقط ، اعتمد ميزان العلم ، واعتمد ميزان العمل العلم :
﴿ يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
والعمل :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
وأنت في الحياة الدنيا اعتمد هذين الميزانين ، في تقييم نفسك ، إذا كنت مؤمناً يجب أن تتمتع بمعنويات عالية جداً ، والمال لا تعبأ به ، إن لم يستوِ عندك التبر والتراب فلست مؤمناً .
(( والله يا عم ، لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتى يظهره الله أو أهلك دونه ))
[ السيرة النبوية ]
ابحث عن ميزان الله يوم القيامة ، أنت بقدر استقامتك على أمره ، وبقدر خدمتك لخلقه ترقى عند الله ، أما عند الناس بقدر ولاءك للأقوياء ، ومدحك لهم ، وانبطاحك أمامهم ترقى عندهم ، لذلك المؤمن يعتز بإيمانه ، ولا يعبأ بأهل الدنيا :
﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25)وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26)﴾
( سورة الدخان )
﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)﴾
( سورة الشعراء )
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)﴾
( سورة الدخان )
أيها الإخوة ، هذا شيء مهم جداً ، أن تعتمد على ميزان الله في تقييم نفسك ، وفي تقييم خاطب ابنتك .
(( إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ))
[ رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم ، عن أبي هريرة ]
وفي تقييم شريكك عنده خبرات عالية جداً لكن دينه رقيق ، هذا يدخلك في المال الحرام ، أنت بحاجة ماسة إلى ميزان دقيق جداً تزين به كل شيء .
5 ميزان الله هو عين العدل :
هذا الميزان يوم القيامة هو عين الحق ، لا بد من أن أوضح :
فرق بين أن يكون الميزان عادلاً ، وبين أن يكون عين العدل ، فرق كبير ، لا بد من مثل :
﴿ إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾
( سورة التوبة الآية : 28 )
لم يقل : نجسون ، لأن الإناء إذا كان نجساً يُطهر ، أما النجس فهو عين النجاسة ، لا تطهر أبداً ، الفرق بين الصفة والمصدر كبير .
ولله المثل الأعلى : ميزان الله عز وجل ليس عادلاً ، إنما هو عين العدل ، هو العدل ، لذلك بعض العلماء قال : " الحسن ما حسنه الشرع ، والقبيح ما قبحه الشرع " ، الشرع هو الميزان على كل شيء ، مهما طرح مع المعصية من فلسفات ، ومرغبات ، وزخارف لفظية ، ومنطلقات نظرية ، وتطبيقات عملية ، والاختلاط حضارة ، والاختلاط يعمل تهذيب للمشاعر ، الحسن ما حسنه الشرع ، والقبيح ما قبحه الشرع ، ابحث عن ميزان الله .
﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ﴾
ما معنى ؟
معنى : فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ
﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾
الحقيقة أن العمل له وزن .
1 – مثال تقريب لمعنى الآية :
هذا مثل للتقريب : إذا أنشأت( سيركًا ) نصبته في بعض المصايف ، وجاءك دخل وفير ، إذا كنت في دولة إسلامية مضطهدة ، وتمكنت أن تخترع القنبلة النووية ، فأصبحت هذه الدولة قوية ، منيعة ، مرهوبة الجانب ، هل هذا الذي أنشأ سيركاً كالذي اخترع قنبلة يرفع بها شأن المسلمين ، مثلاً ؟ أي العملين أثقل في الوزن ؟ العمل الثاني ، في هذه الظروف الصعبة أنا أتكلم ، أنت تنشئ جامعة لتخريج قادة للأمة ، أو أن تنشئ ملهى ليليا ؟ بينهما فرق كبير جداً .
2 – كل عمل له عند الله وزن :
فكل عمل له عند الله وزن ، تطعم إنسانًا عمل صالح ، أم أن تدله على الله عمل أعظم ، فكل عمل له وزن ، بر الصديق عمل طيب ، لكن بر الوالدين عمل أطيب ، أن تعتني بأولاد أصدقائك لباقة وذوق ، لكن أن تربي أولادك الذين ليس لهم إلا أنت عمل أعظم ، كل عمل نعمله له عند الله وزن ، العمل يوزن بنيته ، قد يبتغي الإنسان من عمله أن ينتزع إعجاب الآخرين .
(( من طلب العلم ليجاري به العلماء ، أو ليماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، أدخله الله النار ))
[ أخرجه الترمذي عن كعب من مالك ]
كل عمل له ميزان ، أولاً بنيته ، ثانياً بحجمه ، ثالثاً بعمقه ، رابعاً بديمومته خامساً باتساع رقعته .
العمل له وزن ، هناك إنسان تطعمه وجبة واحدة ، وهناك إنسان تهيئ له عملا يعيش منه طوال حياته ، هناك إنسان يغض بصره عن الحرام ، لكن هناك إنسان يأخذ بيد زوجته إلى الله فيجعلها مؤمنة كبيرة .
3 – النية والعقبات والصوارف تحدّد وزن العمل :
الملخص كل عمل يعمله له وزن ، فتحت حانوتك ، نويت أن تربح من أجل أن تقتني سيارة ، وأن تذهب إلى المصيف يوم الجمعة ، وأن يرتدي أولادك ثياباً جديدة تتباهى بهم ، أو من أجل أن تسكن بيتا له إطلالة جميلة ، ومساحته واسعة ، فيه تزينات رائعة ، وقد تفتح حانوتك من أجل أن تخدم المسلمين ، وأن تعطيهم بضاعة جيدةً بسعر معتدل ، الفرق كبير ، كل عمل له وزن ، وزن بنيته ، وزن بقدر العقبات الموضوعة أمامه ، وزن بقدر الصوارف التي تصرف عنه ، وزن بقدر التضحية من أجله ، وزن بقدر المتاعب التي حصلها الإنسان من هذا العمل ، وزن بقدر المعارضين له ، كل عمل له وزن .
إذاً أيها الإخوة :
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾
( سورة الأنبياء الآية : 47 )
الميزان بكِفّتيه لا بكفة واحدة :
هنا تعليق لطيف : كل إنسان له ميزان ، وكل عمل له ميزان ، معالجة المرضى هذا عمل طبي ، له ميزان ، بين أن تعالجه ، وتعتني به عناية فائقة ، وأن تسأله كل ساعتين عن صحته إذا كان من الأغنياء الميسورين ، وتنتظر أن تأتيك منه مكافئة مجزية ، أن يضع لك في الصحيفة ثناء على علمك ، وعلى عمليتك الجراحية ، وبين أن تعتني بإنسان فقير جداً في مستشفى عام ، لا أحد ينتبه إليه فتعتني به وكأنه في أرقى مستشفى ، هذا وزن ، وهذا وزن ، كل عمل له وزن ، وكل إنسان له وزن .
مثلٌ إلهي لوزن الناس :
الذي تجاوز الخمسين لما يراهق كالمراهقين الصغار :
(( أبغض العصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد ))
[ ورد في الأثر ]
الشاب إذا أخطأ فهو خطأ ، لكن الشاب غير محصن ، حوله نساء كاسيات عاريات ، زلّت عينه ، أخذته عينه إلى منظر لا يليق به ، فتاب واسترجع ، هذا شيء ، والذي عمره خمسون سنة ، وعنده زوجة وأولاد ، عنده خمس بنات ، وزوجهم كلهم ، وهو مراهق ؟! يتحرش بالسكرتيرة ، هذه مشكلة كبيرة جداً ، هذا له وزن ، وهذا له وزن ، كل عمل له وزن وكل إنسان له وزن .
ورد في بعض الآثار :
(( أحب الطائعين وحبي للشاب الطائع أشد ))
[ ورد في الأثر ]
أول حياته ، كتلة حماس ، شهوات مستعرة ، آمال ، طموحات ، وهو يغض بصره عن محارم الله ، إن الله يباهي به الملائكة ، يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي .
أيها الإخوة ،
(( وأحب المتواضعين ، وحبي للغني المتواضع أشد ))
[ ورد في الأثر ]
غني جلس مع عماله ، أكل معهم ، سألهم عن صحتهم ، عن أولادهم ، عن مشكلاتهم ، آنسهم ، طيب قلبهم ، جبر خاطرهم ، هذا غني بإمكانه يتقوقع ببرجه العاجي عنده سكرتير ، وسكرتار ، وسكرتور ، ممكن ، ولا أحد بإمكانه أن يصل إليه ، لا اتصال هاتفي التلفون مغلق لأنه ، أو رقم خاص ، لا تعرف رقمه ، بين مدير معمل غني قاعد مع عماله يؤنسهم ، يتلطف معهم ، يحل مشكلاتهم .
(( وأحب المتواضعين ، وحبي للغني المتواضع أشد ، وأحب الكرماء ، وحبي للفقير الكريم أشد ))
عنده برتقال قدمه لك .
(( أحب الكرماء ، وحبي للفقير الكريم أشد ))
الآن :
(( وأبغض ثلاثاً وبغضي لثلاث أشد ، أبغض العصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد ))
والله أنا لا أتكلم من فراغ ، والله تأتيني شكاوى من نساء مؤمنات طاهرات ، يشتكين على أزواجهن 60 ، 65 ، 70 ، 58 ، مراهق ، هذه نكسة كبيرة جداً .
(( أبغض العصاة ، وبغضي للشيخ العاصي أشد ، أبغض المتكبرين وبغضي للفقير المتكبر أشد ))
على ماذا ؟
(( وأبغض البخلاء ، وبغضي للغني البخيل أشد ))
كل إنسان له ميزان ، وكل عمل له ميزان .
صدقوا أيها الإخوة ، موازين الدولة عندها عشر مراتب ، وكل مرتبة ثلاث درجات ، مليونَا موظف في ثلاثين درجة ، والله عز وجل يقول :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
إذا كان لله ستة آلاف مليون إنسان فعنده ستة آلاف مليون ملف ، كل واحد له درجة ، بحسب وضعه ، بحسب شبابه ، بحسب سنه ، بحسب حجمه المالي .
دعا الخطيب إلى التبرع لصندوق العافية ، دفع أحدُهم ألف ، ومعه مئة مليون وآخر دفع خمسين ليرة ومعه مئة ليرة ، شاب صغير ، رُبّ درهم سبق ألف درهم ، درهم تنفقه في إخلاص خير من مئة ألف درهم ينفق في رياء ، درهم تنفقه في حياتك خير من مئة درهم ينفق بعد مماتك .
مرة ثانية : كل عمل له وزن ، له ميزان ، وكل إنسان له ميزان ، والموازين عند الله هي الحق المطلق :
﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ﴾
لا نقول : الوزن عادل ، الوزن يومئذٍ عين العدل ، لا نقول : الوزن محق ، الوزن يومئذٍ عين الحق ، هو الأصل .
أحياناً يكون مثلاً صنجات في البلدية ، هذه مدروسة على الميلي غرام ، فأي صنجة عند بائع مزورة تُفحص على الأولى ، أو أمتار ، هناك متر بالبلدية على معشار الميلي هذا المتر ، فإذا شككنا بمتر ناقص سنتيمترين نأخذه إلى المتر الأصلي ، والأصلي هو الميزان ، هو المقياس ، يكل المقاييس الدولة عندها موازين ، ومقاييس ، وأطوال ، وعبواة ، ومكاييل نظامية ، هذه المكاييل والعبواة والأوزان والأطوال هي الأصل في تقييم كل ميزان آخر .
﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ
إذا زيّن أحدُهم بيته ، هذا ليس حراماً ، لكن وزن العمل يوم القيامة ضعيف جداً ، إنسان ضحى بحياته من أجل الحق ، هذا شهيد ، هذا له بهذا العمل وزن كبير جداً .
العبرة أن كل عمل له وزن .
﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾
لكن إنسانا وضعنا في ميزانه بيته ، وبيته جيد جداً ، ومركبته ، ورحلاته ، وسفرياته ، ونزهاته ، ما له وزن يوم الآخرة ، الآخرة ما لها وزن ، أما الوزن بالآخرة : يا رب أنا خدمت عبادك ، أخلصت لهم ما غششتهم ، ما ابتززت أموالهم ، ما ألقيت في قلبهم الرعب ، أنا كنت محسناً لهم ، عرفتهم عليك ، دعوتهم إليك ، مسكتهم بكتابك ، حببتهم بسنة نبيك ، أطعمت الفقراء ، كسوة العراة ، دللت عليك ، خدمت عبادك ، في الليل ناجيتك يا رب ، صليت الصلوات بأوقاتها ، أقبلت عليك ، تواضعت للخلق ، كنت في خدمة خلقك ، هذه أعمال لها وزن كبير .
لعلي استطعت أن أوصل لكم الفكرة ، الأعمال لها وزن ، هذه الأعمال توضع في ميزان الإنسان يوم القيامة ، فإن كانت أعمال جليلة :
﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾
طبعاً هناك وزن ثقيل ، وفي دم ثقيل طبعاً ، الفرق بينهما كبير جداً .
إنسان يحمل ثلاث دكتورات ، يعد مرجع أول في بلاده في الذرة مثلاً ، إنسان يحمل أربع شهادات في الطب مثلاً ، إنسان أسس جامعة كبيرة ، إنسان له مئة مؤلف له وزن .
مرة كنت في مسجد ، وهناك رجلان يصليان ، فلما انتهيا من صلاتهما أنا هرعت إلى أحدهما ، وسلمت عليه سلاماً في أعلى درجة من الأدب والود ، صديقي الذي معي ما فهم ماذا فعلت ، إنسانان يرتديان ثوبا أبيض في الصيف ، ومتقدمان في السن ، فلما هرعت إلى أحدهما ، وسلمت عليه بأدب جم ما فهم صديقي من هما ، هذا الأول كان عميد كليتنا في الأدب العربي ، كان أعلم علماء المنطقة بالنحو ، أنا درست على يديه أربع سنوات ، أنا أعرف حجمه العلمي ، ومؤلفاته ، ومكانته العلمية ، أما هو فيبدو إنسانا عاديا ، بخريف العمر لبس ثوبا أبيض ، ويصلي المغرب في الجامع .
فكل إنسان له وزن ، لأن عمله كبير ، إنجازه كبير ، فلذلك :
﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
اسأل نفسك كل يوم : ماذا فعلتُ ؟
كل يوم اسأل نفسك : ماذا فعلت ؟ ماذا قدمت لآخرتك ؟ لون أن الله سألك يوم القيامة عبدي ماذا فعلت من أجلي ؟ ماذا فعلت ؟
بلا تحفظ معظم أعمال الناس من أجل دنياهم ، من أجل دخل يتمتع بالحياة ، يعيش مع الناس كواحد منهم ، لا يعنيه لا هداية أمة ، ولا حل مشكلة ، ولا معرفة بالله عز وجل ، فهذا الذي :
﴿ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
أي أنه ناجح ، والنجاح ممتع جداً ، ولا شيء يسعد كالنجاح ،
﴿ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
يجب أن تحاسب نفسك كل يوم ، أو يجب أن نحاسب أنفسنا كل يوم ، اليوم ماذا فعلت ؟ هل تصدقت ؟ هل دعوت إلى الله ؟ هل أمرت بالمعروف ؟ هل نهيت عن منكر ؟ هل أطعمت حيواناً جائعاً ، هل رعيت أولادك ؟ هل كنت باراً بوالديك ؟ هل زرت فقيراً ؟ هل عدت مريضاً ؟ هل تصدقت على مسكين ؟ هل نشرت حقاً ؟ هل رددت باطلاً ؟ ماذا فعلت ؟ .
مستويات الموازين :
أيها الإخوة ، الموازين لها مستويات هناك ميزان يستعمل لوزن السيارات يمكن لو وضعت عليه مئة كيلو ذهب لا يتحرك إطلاقاً ، صمِّم لأربعين طنًّا ، ثلاثون طنًّا ومئة كيلو لا تفعل فيه شيئًا ، ولا يحركونه أبداً ، لكن هناك ميزان لو وزنت به ورقة ، وكتبت عليها كلمة محمد ترجح الكفة لوزن الحبر فقط ، وهناك ميزان لو وضعت يديك فوقه ، وحركتها عشرة ميلي تتغير الكفة ، لأن الهواء ضغط على الكفة ، هذه موازين حساسة جداً ، وكلما ارتقى الإنسان تكون موازينه حساسة .
النبي رأى تمرة على السرير فقال :
((والله يا عائشة ، لولا أني أخاف أنها من تمر الصدقة لأكلتها ))
[مسند أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]
اشتهى تمرة موجودة على السرير ، يبدو أنه طبق صدقة ، لعلها وقعت من هذا الطبق ، قال :
((والله يا عائشة ، لولا أني أخاف أنها من تمر الصدقة لأكلتها ))
هناك إنسان عنده ميزان حساس ، لدرجة أنه لو لم يرحب بفلان ترحيباً كافياً لألقى اللوم على نفسِه ، الذي عنده ميزان حساس ذنبه كأنه جبل جاثم على صدره ، والذي ما عنده ميزان حساس جريمته كالذبابة .
صدقوا أيها الإخوة ، والله بميزان دقيق لم أرَ أشد غباء من الطغاة ، يقتلون آلاف ملايين ، كيف ينامون ؟! كيف سيواجهون الله عز وجل ؟! شعوب تموت من الجوع ، وهم يستغلون ثرواتهم ، ينهبون أموالهم ، ينهبون بترولهم ، يقهرونهم ، يميتون ، ساعة سلاح فسفوري ، ومرة قنبلة ذكية ، ومرة عنقودية ، ومرة خارقة وحارقة ، ومرة قنبلة توجه بالليزر ، ومرة قنبلة نابالم حارقة ، ومرة طائرة ، ومرة قنبلة تلغي الاتصالات ، مرة قنبلة تبيد البشر وتبقي الحجر ، في موازين دقيقة :
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
والله لا تغرق قطرة دم من آدم إلى يوم القيامة إلا وسيتحملها إنسان يوم القيامة ، لا قتل شعوب بأكملها .
قتل امرئ في بلدة جريمة لا تغتفر وقتل شعب مسلم مسألة في نظر
***
شعب بأكمله يباد إبادة ، ويقال : نتابع بقلق ما يجري هناك ، يتابعون بقلق هذا العمل ، ويقولون : هذا العمل غير مقبول ، غير مقبول فقط ، أو يستنكرون ، هذا كلام مضحك :
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
يأتي على القاضي العدل يوم القيامة ، أي قاضٍ ؟ العدل ، ساعة يتمنى فيها أن لو لم يقضِ بين اثنين في تمرة :
(( يأتي على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى فيها أن لو لم يقضِ بين اثنين في تمرة ))
[ أحد عن عائشة ]
حقوق العباد ، قاضي يحكم بحسب المبلغ الذي قبضه ؟ أخذه من أحد الخصمين ؟ .
زيادة حساسية الميزان بزيادة الإيمان :
هناك موازين حساسة ، وموازين غير حساسة ، وكلما ازداد إيمانك يدق ميزانك ، تحاسب على النظرة ، تحاسب على الهمسة ، على تألق الوجه مع إنسان عاصٍ له مكانة ، سلمت عليه باهتمام ، واحترام ، وتعظيم ، وتبجيل ، والذين حولك رأوك مهتماً به أشد الاهتمام ، وهو غارق في المعاصي والآثام ، وقد تسلم على مؤمن طيب ، ورع ، مستقيم ، لكنه فقير ، بسلام متعجل ، ما سحب النبي يده من صحابي سلم عليه إلا كان النبي آخر من يسحب يده من يد الصحابي ، والله أعطاك ميزان هو العقل ، عامل الناس كما تحب أن يعاملوك ، وأعطاك ميزان الفطرة ، إذا أخطأت تشعر بانقباض ، أعطاك ميزان العقل وأعطاك ميزان الفطرة ، ما في إنسان يرتكب خطأ كبير إلا يشعر بألم .
كتب على سرير بألمانيا بفندق : إن تقلبت طوال الليل ولم تنم فالعلة ليست في فرشنا ، إنها وثيرة ، ومريحة ، ولكن العلة في ذنوبك .
الصلاة ميزان :
الإنسان أحياناً لا ينام الليل ، يرتكب خطأ ، وليس مداناً في الأرض إطلاقاً ، لكنه لا ينام الليل ، والصلاة ميزان ، العمل الطيب تستطيع بعده أن تتصل بالله عز وجل ، لكن العمل السيئ قد لا تستطيع بعده أن تقبل على الله ، المؤمن عنده حساسية فائقة جداً ، تكون صلاته ميزانًا ، هذا لمَ سخرت منه ؟ لمَ دخلت هذه المرأة إلى المحل التجاري ، وأدرت معها حديثاً لطيفاً ؟ وملأت عينيك من محاسنها ، والظهر أذن تفضل صلِ ، إذا ملأت عينيك من محاسنها ، وأدرت معها حديثاً عاطفياً ، وأذن الظهر تشعر حالك في حجاب صار بينك وبين الله ، لأنك ما كنت مع الموقف الكامل .
﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا﴾
( سورة القصص الآية : 23 )
كلمة واحدة ، الآنسات ماذا يفعلن هنا ؟ خير إن شاء الله ، لا ،
﴿ مَا خَطْبُكُمَا ﴾
هي ماذا قالت له ؟
﴿ لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾
( سورة القصص الآية : 23 )
لو وقفت هنا ، طيب لمَ ؟ قال :
﴿ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)﴾
( سورة القصص )
مباشرة ، أعطته الجواب بأقلّ كلام .
﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32)﴾
( سورة الأحزاب )
فلذلك الصلاة ميزان ، وأقول لك هي من أدق الموازين ، وحينما تعمل عملاً طيباً تقف بين يدي الله مقبلاً ، إذا لم تستحِ بعملك أمام الله فافعل ما تشاء ، الصلاة ميزان .
والعقل ميزان .
﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)﴾
( سورة الرحمن )
احذروا ازدواجية الموازين والمعايير !!!
لماذا لما تشتري القماش تكليه بخط منحنٍ مع المتر ؟ أما إذا بعته تشده حتى يتمزق ، لماذا ؟ عندك ميزان مزدوج ، لماذا تعامل زوجة ابنك بميزان وابنتك بميزان ، البنت ذنبها مغفور ، أما زوجة الابن ذنبها غير مغفور أبداً ، لماذا تعامل هذا الموظف الذي في سن ابنك تماماً ، لماذا تعامل هذا الموظف بميزان وابنك بميزان ؟ تحمله أول ثوب ، والثاني ، والخامس ، لم يعد يستطيع أن يحمل ، فتقول له : أنت شاب ، ثم يحمل ابنك أول ثوب والثاني فتقول له : بابا ظهرك ، وأمام الصانع ، عندك ميزانان .
أمثلة واقعية من ازدواجية المكاييل :
الحقيقة ليست فقط الدول القوية المتغطرسة عندها مكيالان ، بل ثلاثة أرباعنا معنا مكيالان ، تكيل لكل إنسان بمكيال ، فإذا كان عندك بضاعة فهي أفضل بضاعة في الأرض ، إذا قال لك زبون : عندك بضاعة ، وهي ليست عندك ، تقول له : ماذا تريد من هذه ؟ قد تكون أحسن من بضاعتك ، لكن أنت عندك ميزانان ، البضاعة ما عندك ، إذاً تبخس فيها ، لو أردت أن أضرب أمثلة لا تنتهي الدروس بأمثلة من يكيل بمكيالين .
قصة طريفة ، أن امرأة زوج ابنتها أتى بغسالة من أرقى مستوى ، فدعت له ، وأثنت عليه بشكل غير طبيعي ، من غرائب الصدف في اليوم نفسه ابنها أتى لزوجته بغسالة أيضاً من نفس المستوى فغضبت عليه ، هذه مثل القردة قاعدة في البيت ، بنفس اليوم مكيالان .
حينما تكيل بمكيالين تسقط من عين الله ، ولأن تسقط من السماء إلى الأرض أهون من أن تسقط من عين الله ، لا تكل بمكيالين ، عامل الناس كما تحب أن يعاملوك .
الخطأ في الوزن لا يتكرر ، أما الخطأ في الميزان فلا يصحح :
إخوانا الكرام ، مرة ثانية الخطأ في الوزن لا يتكرر ، أما الخطأ في الميزان فلا يصحح ، اجتهد ألا تخطئ في الميزان ، الميزان غير صحيح لو استخدمته مليون مرة كل هذه الأوزان غير صحيحة ، أما حينما تتوهم أن الكيلو كيلوين فهذا خطأ في الوزن لا يتكرر ، فالخطأ في الميزان لا يصحح ، والخطأ في الوزن لا يتكرر .
الآن :
﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)﴾
( سورة الأعراف )
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ
أعماله كلها دنيوية ، أعماله كلها لصالحه ، لرفاهه ، لزيادة ثروته ، لاستعلائه على الناس :
﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾
الخسارة يوم القيامة أكبر خسارة على الإطلاق :
أكبر خسارة لا أن تخسر مالك كله ، ولا أن تخسر بيتك ، ولا تجارتك ، ولا وكالة سحبت من يدك ، ولا منصب عُزلت منه ، أكبر خسارة أن تخسر نفسك يوم القيامة .
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾
( سورة الزمر الآية : 15 )
هذه أكبر خسارة :
﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾
لذلك بالقارعة :
﴿ َأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ(9)﴾
( سورة القارعة )
يتجه إلى الهاوية إلى النار .
﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10)نَارٌ حَامِيَةٌ (11)﴾
( سورة القارعة )
كل عمل له وزن ، يوزن بنيته ، بحجمه ، بعمق تأثيره ، بامتداد أمده ، باتساع رقعته ، بالعقبات التي أمامه ، بالصوارف التي تصرف عنه ، وهناك آلاف الموازين للعمل الواحد ، وكل عمل له وزن ، وكل إنسان له وزن :
﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ﴾
الله هو الحق .
والحمد لله رب العالمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.