في افتتاح المؤتمر الأول للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم (التكوين العلمي والتأهيلالإفتائي لأئمة المساجد للأقليات المسلمة). بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول، وعلى آله وصحبه ومنوالاه، واتبع هداه. أمَّا بعد،،، صاحب الفضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر. معالي المستشار محمد حسام عبدالرحيم وزير العدل سماحة الشيخ ابراهيم صالح الحسيني مفتي نيجيريا سماحة الشيخ محمد حسين مفتي القدس فضيلة الأستاذ الدكتور مصطفي سيرتش رئيس العلماء بجمهورية البوسنة والهرسك أصحاب المعالي والسماحة والفضيلة والفخامة ضيوف مصر الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً ومرحبًا بكم في افتتاح المؤتمر الأول للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، الذيتستضيفه مصر؛ كنانة الله في أرضه، بلد الأزهر الشريف، مهد الحضارة والرقي، ملتقى العالمالإسلامي. يأتي مؤتمرنا هذا مَع أشباهه ونظائره مِن المُؤتمرات الكُبرى في الشَّرقِ والغَرب في وقت بالغالأهمية والدقة والخطورة. فلا يخفي على أحد ما يمر به العالم العربي والإسلامي بل والعالمي من تحديات، بما يتطلب منا –نحن العلماء- أَنْ نكون جميعًا على مستوى هذا التحديات الكبرى. وتكمن أهمية هذا المؤتمر في سياق زمانه ومكانه، فالتوقيت الآن يشهد موجة عنف لتيارات تبحثعن فتاوى تشرعن لها العنف وما الإحصائيات عنا ببعيد، فما يقدر بخمسين ألف مقاتل في صفوف«داعش» نصفهم من أبناء الأقليات المسلمة، وإعلام التنظيم يتحدث ب12 لغة فكان علىالمؤسسات الدينية العريقة وذات الشأن في هذا المجال أن تعلن عن نفسها لترد بقوة وبحسمعلى الأفكار الضالة بمنهجية علمية رصينة. ولا شكَّ أن هذا مؤشر خطير للحالة الراهنة للجاليات المسلمة، ومن يحلل هذا الوضع بدقة يجد أنالفتوى التي تصدر من غير المتخصصين وخاصة من تيارات التشدد والتطرف من أبناء هذه الجالياتوغيرهم تسبب اضطرابًا كبيرًا في مجتمعات هذه الجاليات كما نرى الآن في حالة داعش وأخواتها. أما المكان فقد كان من الضروري أن ينعقد هذا المؤتمر على الأرض التي حملت لواء الاعتدالوالتجديد والاستنارة بكعبة العلم المتمثلة في الأزهر الشريف الذي سيظل حصنًا حصينًا أمام موجاتالتطرف والعنف ودعوات التفريق والتشرذم بكل صورها، فانعقاد المؤتمر جاء تلبية واستجابة لنداءالحاجة بل الضرورة التي يصرخ بها الواقع المعاصر. ولهذا تم اختيار موضوع هذا المؤتمر بدقة وعناية؛ إيمانًا منَّا بأن الأئمة والدعاة في الغرب هم نواةنشر الإسلام، وتصحيح المفاهيم في الخارج، فموضوع المؤتمر ومحاوره خطوة غاية في الأهميةفي منظومة تجديد الخطاب الديني، وسحب البساط من تيارات الإسلام السياسي المسيطرة علىالجاليات المسلمة في الغرب، ومن الأهمية بمكان أن يتم تدريب الأئمة والدعاة وتأهيلهم للتعاملمع النصوص الشرعية، والتعاطي مع معطيات الواقع، وامتلاك أدوات وأساليب الخطاب الدينيالصحيح والوسطي البعيد عن التفريط والإفراط. ولذا تعمل الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم على إيجاد منظومة علمية وتأهيليةللقيادات المسلمة في العالم يكون من شأنها تجديد منظومة الفتاوى التي يستعين بها المسلم علىالعيش في وطنه وزمانه، كما ترسخ عنده قيم الوسطية والتعايش، وتعمل أيضًا الأمانة العامة علىتأصيل الرباط بين الأئمة والدعاة وبين العلماء الثقات والمؤسسات الإسلامية الكبرى في العالمالإسلامي وعلى رأسها الأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية. وبناءً على ذلك وضعت الأمانة خريطة محاور المؤتمر وورش عمله، والتي بُنيت على دراسة ورصدلواقع الأقليات المسلمة وبحث تحدياتها المستقبلية للوقوف على قضاياها الحالية والمستقبليةودعمها على بينة واستنارة علمية يتجلى فيها فقه الأولويات، ويتجلى فيها التركيز على الخروج منمجرد الرصد إلى المعالجة وتقديم الحلول، بل تقديم المبادرات الإفتائية التي تمثل عنصرًا مهمًّا منعناصر حل مشكلات الأقليات والتي على رأسها الخروج من مأزق الإسلاموفوبيا. والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم كلها ثقة في أن مشاركة السادة العلماء والمفتينوالباحثين المشاركين في أعمال المؤتمر سيكون لها الأثر الكبير في إثراء الحراك العلمي أثناءالمؤتمر وبعده بما يعود بالخير والتنمية والرقي على الأمة الإسلامية والإنسانية بأسرها. ولا يفوتني في هذا المقام الكريم إلا أن أتقدم بموفور الشكر والتقدير لفخامة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي لرعايته الكريمة لهذا المؤتمر الذي يأتي استجابة للمبادرة الكريمة التي أطلقهاسيادته بضرورة تجديد الخطاب الديني، ونشكر سيادته أيضًا على الدعم الكبير الذي يقدمه سيادتهلدار الإفتاء المصرية وللأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم. العلماء الكرام: إن أعين العالم تتحول صوب مؤتمركم هذا لمتابعة ما سينتج عنه من توصياتختامية، نسعى- بما نملك من دعم كبير- لتفعيلها لمجابهة الإرهاب والتطرف بصدور مفتوحة لاتخشى إلا الله. إنني على قناعة تامة بأن حربنا الفكرية مع الإرهاب والتطرف لا تقل ضراوة عن المواجهاتالميدانية بالجبهات العسكرية مع أولئك الشراذم حُدَثَاء الأَسْنَانِ سُفَهَاء الأَحْلامِ الذين يَقُولُونَ مِنْخَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، ويَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ولا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْكما حدثنا رسول الله صلى الله وسلم عنهم. يجب أن يدرك العالم أن مصر تقدم ثمنًا باهظًا لمحاربتها الإرهاب حيث يلقى خيرة شبابها الشهادةعلى يد أهل الغدر والفجور .. وما جرى منذ أيام قلائل بسيناء ليس خافيًا على العالم .. ورغم هذافسوف تنتصر الإرادة المصرية والعربية والإسلامية على المؤامرات والأجندات الراغبة في إشاعةالفوضى في العالم .. ومؤتمرنا هذا من بين دلائل هذا النصر الفكري على قوى الشر والظلام. لقد اتخذت الشعوب العربية والإسلامية- وفي مقدمتها مصر- قرارها الحاسم الذي لا رجعة فيهبعدم مهادنة هذه الأفكار المدمرة المتطرفة، وخطت خطوات واسعة في محاصرة الفكر التكفيريوالتخريبي. اعلموا أن الإرهاب يريد الخراب، والشعوب تريد التعمير والبناء، والإرهاب يريد الفناء والدمار،والشعوب تريد الحياة والأمل، الإرهاب يريد الفوضى وعدم الاستقرار، والشعوب تريد الأمن والأمانوالخير، والإرهاب يريد الشر والفساد والله لا يصلح عمل المفسدين. فيا شعوب العالم سيروا في طريقكم، طريق الخير والجهاد ضد الإرهاب؛ صابرين محتسبين وجهالله تعالى في أبنائكم الشهداء بإذن الله. اعلم أيها الشعب المصري الأبي الكريم أن وحدتك وحضارتك وتاريخك الذي صنعته بيدك لن تهزمهيد الإرهاب والعدوان؛ لأنها يد جبانة مرتعشة مهما ظهرت بمظهر القوة إلا أن قوتها زائفة زائلة أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى الخير في القول والعمل، وأن يكلل جهودكم بالنجاح والتوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته