الحسين .. اسم حين يذكر يستدعى المحبة الغامرة من المصريين جميعا لأهل البيت النبوى الكريم ، الذين أختاروا مصر ليعيشوا فيها بعد مذبحة كربلاء و لم لا ؟ و لهم فيها نسب و صهر كما قال الرسول الكريم ، جميعا نحب آل البيت النبوى دون تشيع مذهبى و فى إعتدال يدهش الجميع ، و يستدعى اسمه الشريف أيضا الظلم الذى تعرض له حفيد رسول الله من الموالين له قبل المناوئين ، تناولت سيرته إبداعيا من قبل الكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوى فى مسرحيتيه ؛ الحسين شهيدا و الحسين ثائرا ، و ظلت لحظة كربلاء مادة خصبة لكثيرين ممن يغصون فى لحظات التراجيديا الانسانية و التاريخية . يتناوله حديثا الشاعر و المسرحى محمد زيدان فى ديوانه الجديد " زيارة أخيرة لقبر الحسين " و الذى يعتبر الديوان الخامس له بعد دواوين ؛ من أحوال الرائى ، فتوحات و المريد و السماء الأولى ، بالاضافة إلى عملين مسرحيين هما؛ اعترافات مبدئية و بلدة طيبة و من خلال قراءة عناوين الدواوين الشعرية نجد إرتباطا و تشابكا كبيرا بينهم جميعا ، فاللغة الصوفية التى تحاول الصعود للسماء هى التى تربط بينهم جميعا ، و ديوان " زيارة أخيرة لقبر الحسين " عبارة عن قصيدة واحدة فى أربعة أجزاء ، كل جزء منها يمثل مرحلة مهمة للقصيدة الطويلة ، بدلالات مهمة . و أطلق الشاعر محمد زيدان على الديوان – القصيدة الطويلة – أربعة عناوين فقط ؛ فيسمى الجزء الأول " مالذى يجعلنى وحيدا فى الحزن " و يسمى الجزء الثانى " قبر الحسين " و الجزء الثالث " البحث عن قبر الحسين " و الرابع " الحسين فى شوارع بغداد " و تبدأ القصيدة / الديوان بخروج الحسين من المدينة و يصور الشاعر الخروج تصويرا روائيا حين تبكى الحسين كل الأشياء التى فى المدينة حتى الطرقات التى كان يسير فيها و نرى أن الشاعر أعتمد فى بداية أبياته على تصوير المشهد من الكاميرا التى ترصد هذا الخروج و كأنه سيناريست يصف مشهد البداية رغم الصور الشعرية الكثيرة فيه و لكن القارئ يستطيع أن يستشعر صعوبة الخروج من مدينة رسول الله إلى القيظ و الصخور و الصحراء و القتل مع عدد كبير من أهل بيت النبى … " الحسين يخرج من براح المدينة ، شاهرا شمس النبوة ، يرتقى فى منازل البلاد ، مدائنها و أنهارها " و يطرح الشاعر محمد زيدان تساؤلا مهما … مالذى يجعل الحسين يمتطى صهوة الوقت ، يرحل صوب قاطرة الموت " فيرحل معه كل شىء ، كوكبة الموت فيحمل معه ليالى المدينة السابحة فى خيال الحسين و يرحل معه الورد الصحراوى و الجبال و الشعراء المكابدون الوجع و آل النبى ، صور لنا زيدان أن الحياة كلها قد رحلت مع الحسين بحجرها و بشرها و كل شىء جميل بها ، و يعتمد الشاعر على أنسنة الأشياء فى القصيدة حتى أن القارئ يشعر بها " يسأل رجل يعبر الطريق إلى الحرم النبوى طرقات المدينة الحزينة ، تسأل ، لماذا يرحل الحسين ، لماذا الفراق ؟ " و يبدأ زيدان الجزء الثانى " قبر الحسين " بدعوة الجميع لقراءة الفاتحة على روح الحسين وروح البلاد و هنا يربط الشاعر بين أزمة الحسين و مقتله و أزمة البلاد الآن و العراق بصفة خاصة و الوطن العربى بصفة عامة و يستخدم زيدان التناص مع فاتحة القرآن الكريم و يبدأ كل مجموعة آبيات تحمل فكرة واحدة بآية من آيات الفاتحة مثل " الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله رب الطارات الحبيبة ، التى تفح باليورانيوم المخصب من كرم الأمريكان " و هنا يربط الشاعر بين قتلة الحسين و الأمريكان الذين قاتلوا أبناء العراق ، كما أنه استخدم الرقم تسعة و تسعين مرابيا و يهوديا و شبحا ورديا و قبلة خلال الجزء الثانى و السؤال الذى يطرح نفسه ما هو دلالة الرقم الذى يرتبط بأسماء الله الحسنى و كأن الشاعر يريد أن يؤكد أن هؤلاء اليهود و الأمريكان ينازعون أسماء الله الحسنى بقوتهم و جبروتهم و هى أسماء خاصة به جل شأنه ويربط بين يوم القيامة – يوم الدين – و يوم الهجوم على العراق و تدميرها و ضربها بالطائرات و الصواريخ و اشعال الفتن بين أبنائها من السنة و الشيعة حتى الآن " مالك يوم الدين ، مالك يوم أن قصفت بغداد مرة واحدة، بسبعين ألف قنبلة و يوم أن أشعلوا فتنة السنى و الشيعى و الدرزى و العربى ، فى فنجان قهواتهم المعتمة " و استطاع الشاعر محمد زيدان أن يربط جيدا مستخدما ما حدث فى العراق و بين ما حدث للإمام الحسين و وظف فاتحة القرآن و استفاد منها و من آياتها جيدا كنص مقدس لتساعده فى تقديم الرؤية التى يريدها . و فى الجزء الثالث من القصيدة " البحث عن قبر الحسين- الجسد " نجد الشاعر يربط بين مصر و العراق ، يربط بين إختيار آل بيت النبوة الذهاب لمصر بعدما حدث ما حدث لهم فى كربلاء ، نجد الشاعر يؤسس لحب المصريين الكبير فى هذا الجزء لآل البيت و حبب آل البيت لهم و أختيارهم النيل و قدم لنا الشاعر صورة من البسطاء فى مصر الذين يحبون آل البيت حبا ضخما رغم قلة حيلتهم وقتها " سبعون من آل بيت النبى ، يطيرون إلى صفحة النيل الأغر ، التى تنام المياه فيه على كتف الفقراء ، المريدون فى مصر يخرجون مثل الفراش ، يحملون خبزهم اليومى ، و الماء الذى يجمعون من قطرات الشتاء " ، كما صور مشهد الخداع التاريخى الكبير الذى انتهى بخلع الحسين و تثبيت معاوية بعد أن خالف عمرو بن العاص ما أتفق عليه مع أبى موسى الأشعرى بخلع الحسين و معاوية " هناك فى جبال أذرح ، كان صوت أبى موسى الأشعرى يقول ها أنا خلعت صاحبى و عمرو يرفع المصحف فى كبد سماء معان و أنا أثبت صاحبى " و هنا نجد قمة السياسة من عمرو بن العاص التى لا تقابلها أداء مماثل من أبى موسى الأشعرى و فى تصورى يسقط الوقار الدينى فى هذه اللحظة من عيون المتابعين عبر الأزمان و ترتفع السياسة فقط و يبدأ الشاعر بنداء موفق منه بدرجة كبيرة حين قال : " من يدلنا على جسد قانت يرتدى من عباءة الشجر تسعة تسعين سماء " و يوفق الشاعر فى تصوير المشهد الأول لدخول الشاعر للجزء الثالث من القصيدة ، فنجد النداء منه لأهل مصر الذين استقبلوا بعين من آل بيت النى بقلوب محبة و مفتوحة . و فى الجزء الرابع من القصيدة " الحسين فى شوارع بغداد " يستدعى الشاعر الحسين لشوارع بغداد بعد أصابها ما أصابها من دمار فيقول الشاعر " ما الذى يجعل الحسين يمشى فى شوارع بغداد يلوح للذين يقرؤون سيرة البلاد العربية " و يشير الشاعر لحال بغداد الذى ترتدى سكرة الموت كما يؤكد.. " لم يكن الحسين وقتها سوى الرمز الذى يلون طهر بغداد بالدم المر . " متوالية شعرية : قدم لنا الشاعر محمد زيدان متوالية شعرية عن خلال أربع قصائد طويلة ، شكلت معا متوالية شعرية شملت نفس السمات التى بها جميعا ، فبطل النصوص الأربعة الإمام الحسين منذ لحظة خروجة من المدينة مع آل البيت و مرورا بلحظة المذبحة التى تعرض لها فى كربلاء و قتالة بششجاعة و بسالة و تحرك آلا البيت لمصر و عودة ظهور الحسين فى الوقت الحاضر فى شوارع بغداد و الربط بين قتلة الحسين و قتلة الشعب العربى فى بغداد و فلسطين و سوريا و مصر و ليبيا و اليمن و كل شبر عربى يئن من النفوذ و الاحتلال الغربى و الصهيونى و تواجدت شخصيات المتوالية فى اللوحات الأربع و شكلت شخصياتها سردا حكائيا ساهم فى رسم المشاهد و نقل الأحداث و رسم الشخصيات رغم الشعرية العالية التى تحملها القصيدة و التى حفلت بالصور الشعرية الجديدة و الطازجة و التى تناسب اللحظة الموجعة التى مرت بها الأمة الإسلامية فى تاريخها الأول و تلك اللحظة التى قسمت الأمة فى أول خلاف صار دمويا بعد أن أرتفع صوت السياسة و الحكم رغم أن كل فريق كان يحاول أن يقنع نفسه و من معه أن الأمر كله لله و هذا ما رفضته الأجيال التالية حين قرأت التاريخ بحيادية و بعيدا عن التعصب ، فكان الشجن و الحزن الذى سيطر على لحظات كثيرة من صفحات الديوان . و ختاما قدم الشاعر محمد عبد الباسط زيدان ديوانا محبا للحسين و متفاعل معه بعين حيادية تتماس مع الواقع الحالى و لا تنسى اللحظة التاريخية السوداء التى فرقت الأمة بسبب الحكم و السياسة .