رسالة بولس الرّسول إلى أهل رومية (2) كلّ كلمة كتبها بولس في رسائله صادقة وأمينة؛ لأنّها تنبع من خبرته الشّخصيّة مع الله. ذاك أهمّ ما في الإيمان المسيحيّ، لأنّ الإيمان الحقيقيّ يبرهن عن علاقة حميمة مع الله، وعن تقييم للتّاريخ الإنسانيّ ما قبل هذه العلاقة وما بعدها. اختبار الإيمان يعبّر عن إيمان واعٍ وثابت لا يزعزعه أيّ حدث طارئٍ. فإذا تكلّم بولس عن إدانة الأخ لأخيه، أتى كلامه صادقاً متلازماً وكلمة الرّبّ. فالرّب كان دوماً برفقة بولس رغم اضّطهاده للكنيسة، وانتظره، وحوّل كلّ خبرته السّابقة إلى مستوى المشروع الإلهيّ. وإذا تحدّث عن الشّريعة، وهو المتمرّس بها، قرأها على ضوء يسوع المسيح ليذهب بنا عميقاً في كياننا الإنساني حيث يسكن المسيح الحيّ. من هنا أهميّة الإيمان الاختباري وهو غير ذاك الّذي يقتصر على النّظريّات والطّقوس وحفظ النّصوص. إيمان اختباريّ يعني التوغّل في علاقة حقيقيّة مع الله الشّخص، وشركة محبّة بين الإنسان والله وبين الإنسان والإنسان. "لأنّي مشتاق أن أراكم لكي أمنحكم هبة روحيّة لثباتكم، أي لنتعزّى بينكم بالإيمان الّذي فينا جميعاً إيمانكم وإيماني" (رو 12،11:1). ونلحظ جيّداً في الخطاب البولسي الالتزام بروحيّة كلمة الرّبّ وانتقاله من حرف الشّريعة القاتل إلى العيش بالرّوح. والأهمّ إظهار شموليّة المحبّة الإلهيّة ما لم يكن يدركه بولس من قبل. بالأمس قتل شاول مخالفي الشّريعة واليوم يقول: "الويل والعذاب لكلّ إنسان يعمل الشّر من اليهود أولاً ثمّ اليونانيين، والمجد والكرامة والسّلام لكلّ من يعمل الخير من اليهود أولاً ثمّ اليونانيين، لأن الله لا يحابي أحداً." (رو 11،10،9:2). انتفت العنصريّة من قلب بولس، وامّحى الحقد على الآخر، وبات يرى السّيّد في الجميع، واستعدّ أبداً لتحقيق صورته "لأنّ الله يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون." (1ثيموتاوس 4:2). من هنا أتى الفصل الثّاني من الرّسالة إلى رومية منبّهاً للإدانة ومتغلغلاً في النفس الإنسانيّة حتّى تتبيّن جوانبها المظلمة أوّلاً، وتتخلّى عن الظّاهر الإيماني وتتّجه نحو ما هو أسمى وأرقى، ألا وهو العمل بحسب الإيمان. فالظّاهر يبقى ظاهراً ويرضي النّاس. وأمّا ما يرضي الله، ويؤكد حبّ الإنسان له هو القلب. "لأنّ اليهودي في الظّاهر ليس هو يهودياً ولا الختان الّذي في الظّاهر في اللّحم ختاناً، بل اليهوديّ في الخفاء هو اليهوديّ، وختان القلب بالرّوح لا بالكتاب هو الختان الّذي مدحه ليس من النّاس بل من الله" (رو 29،28:2)