شعب المحروسة و ثورة القاهرة الأولي 1798م عندما وصل نابليون لمصر وزع منشورا قال فيه : بسم الله الرحمن الرحيم، لا اله الا الله وحده ولا شريك له في ملكه… ايها المشايخ والأئمة…قولوا لأمتكم ان الفرنساوية هم أيضاً مسلمون مخلصون وانهم محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني..أدام الله إجلال السلطان العثماني أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي لعن الله المماليك وأصلح حال الأمة المصرية". … لم تنخدع الجماهير بتظاهر نابليون بالتقوي و تقربه للمسلمين بمنشوراته الهزلية، و لم ير شعب مصر في حملة الفرنسيس إلا جيش محتل لا يختلف عن الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع التي ضربت شواطئ دمياط منذ أكثر من خمسة قرون. .. عندما سمع المصريون بهزيمة الفرنسيين أمام أسوار عكا و قدوم أسطول العثمانيين إلي أبي قير، استجمعوا قوتهم و ثاروا علي المحتل يوم 22 أكتوبر 1798، أي بعد حوالي 4 أشهر من قدوم الاحتلال، و يمكن تلخيص أسباب خروجهم في الآتي: – قتل الفرنسيس للسيد محمد كريم حاكم الاسكندرية لاتهامه بالعمل ضد الوجود الفرنسي في مصر – فرضهم الضرائب علي الشعب و تدقيقهم في إحصاء الممتلكات الشخصية. ,,, هدم نابليون لأبواب الحارات – انهزام الفرنسيين في موقعة النيل أمام الاسطول الإنجليزي – سماع المصريين بأن الباب العالي أرسل جيشاً لفتح مصر … كان للثورة لجنة تديرها وتنشر دعوتها وتنظم صفوف المصريين فيها، وكان مقرها فى الأزهر، وانتخب لقيادتها الشيخ السادات، وأخذ دعاة الثورة يحرضون الناس على التمرد على الفرنسيين وقد انضم المصريون من كل الطبقات والفئات إلى صفوف الثورة، فشارك فيها شيوخ الأزهر وطلابه، كما شارك فيها التجار والحرفيون بالإضافة إلى بعض الفلاحين من ضواحى القاهرة؛ … وفى «21 أكتوبر سنة 1798 الساعة السادسة صباحا احتشدت الجموع فى عدة أحياء من القاهرة، وعلت أصوات السخط والاستياء، وأخذ الناقمون يعددون أسباب سخطهم، وصاح المؤذنون على مآذنهم ينادون نداءات مثيرة للخواطر، وخرج المصريون بكل ما لديهم من سلاح و شوم و حراب علي الجنود الفرنسيين يقتلوهم. و تحصنوا بأسوار الحارات و في الأزقة، و نصبوا المتاريس علي مداخلها. واجتمع الناس مسلحين بالبنادق والعصى يقصدون الاجتماع فى صعيد واحد، وتم إغلاق الدكاكين. … وفى نحو الساعة الثامنة صباحا علم الجنود الفرنساوية بهذه الثورة فتأهبوا للقتال، وكان القائد العام مطمئنا لموقفه فركب جواده وصحبه من القواد كافاريللى ودومارتان … فى الساعة العاشرة جاءه الخبر أن القتال قد بدأ فى المدينة، وإن إناسا قتلوا من الفريقين، وإن الجنرال ديبوى قومندان القاهرة ضمن القتلى، صرعه الثائرون برمية سهم نفذت إلى صدره، استغل نابليون فرصة ان المصريين فاتهم أن يحتلوا الأماكن المرتفعة المطلة علي الحارات. فسارع نحتلالها و نصب مدافعه فوق مآذن جامع السلطان حسن، و انهالت القنابل منه ومن القلعة علي جامع الأزهر، مبعث الثورة، و كل ما يحيطه من بيوت و حوانيت. … استمر الضرب حتي المساء حتي تدخل اعضاء الديوان الذي شكله نابليون من المشايخ المتعاونين مع الفرنسيين " فركب المشايخ إلي كبير الفرنسيس ليرفع عنهم هذا النازل، و يمنع عسكره من الرمي المتراسل فقبل نابليون وقف الضرب، … أرسل نابليون جنوده إلي الأزهر، فدخلوا الجامع يخيولهم عنوة و ربطوها بصحنه و كسروا القناديل و حطموا خزائن الكتب و نهبوا ما وجدوه من متاع. و لم يخرجوا منه إلا بعد أن ركب الشيخ محمد الجوهري إلي نابليون و طلب منه متوسلاً أن يخرج جنوده من الجامع الأزهر. فقبل نابليون. .. حكم علي ثلاثة عشر شيخاً من الأزهر بالاعدام، و أُعدم الكثير ممن قبض عليهم و معهم سلاح و قدر عددهم بحوالي ثمانين شخصاً من قادة الثورة، إلي جانب الكثيرين من عامة الشعب. كتب نابليون في مراسلاته لرينييه يقول " في كل ليلة نقطع نحو ثلاثين رأساً أكثرها لزعماء الثورة، و في اعتقادي أن هذا سيعلمهم درساً نافعاً".. .. وعي المصريون الدرس و عرفوا أن الاحتلال هو الاحتلال مهما تلون بألوان مبهجة من تقدم علمي أو إداري أو تنظيمي، فالتقدم إن لم يأت بأيدي و عقول أهل البلد، فسوف يأتي تفضلاً من السيد المحتل إلي العبيد أو يأتي مشروطاً بخلع عباءة الهوية المصرية … وإذا كانت مدافع الفرنسيين قد نجحت فى قمع الثورة بعد أيام قليلة من اشتعالها، فإن روح المقاومة ظلت كامنة فى نفوس المصريين تتفجر بين الحين والآخر إلى أن رحلت الحملة عن مصر فى عام 1801 بعد ثلاث سنوات قضتها فى البلاد. .. ولن ينخدع شعب المحروسة بكلامك المعسول يا نابليون