في المذود ينتهي العالم القديم ليبدأ العالم الجديد. خلق جديد يُمنح الحياة الجديدة بالمسيح، فالرّبّ أتى ليمنح النّاس الحياة الآن دون انتظار. " ها أنا أبشّركم بخبر عظيم يفرح له جميع الشّعب: ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرّب." ( لوقا 10،9:2). " اليوم"، الأوان الفاصل بين كلّ ما هو قديم وكلّ ما هو جديد. إنّه ملء الزّمان واللّحظة الحاضرة لاكتمال كلّ ما هو ناقص. فالخلاص غير محصور بزمان أو مكان أو مجموعة تخضع لحقبة تاريخيّة معيّنة، وإنّما هو عمل إلهيّ يمتدّ منذ الأزل ويترامى إلى الأبد. لذا، لا يمكن الحديث عن المسيحيّة كمرحلة زمنيّة أو حقبة تاريخيّة تَخطّ سطورها في الكتب، وتحفظها الّذاكرة إلى حين، ثمّ تشغلها حقبة أخرى. الخلاص عمل إلهيّ ينقل الإنسان من حالة الظّلمة إلى النّور، ومن حالة الموت إلى الحياة، فيغيّر مسار التّاريخ، لأنّ الرّبّ هو سيّد التّاريخ. إنّ حضور السّيّد على الأرض انتزع من التّاريخ البشريّ سلطته، وقلب كلّ المقاييس الدّينيّة والاجتماعيّة والفكريّة والأيديولوجيّة. فمن كان يتوقّع أن يأتيَ الله بنفسه إلى العالم، بعد أن كان الإنسان يوظّف كلّ طاقاته في البحث عنه؟ ومن كان ينتظر إلهاً يتّخذ صورة عبدٍ ويهدم الفكر الصّنميّ عن الإله، ويناقض أحكام الشّريعة ويثور على الفكر الدّينيّ المتحجّر والمتطرّف؟ لذلك نفهم، ومنذ اللّحظة الأولى وحتّى الآن اضطراب كثيرين وقلقهم، ومحاولاتهم المستمرّة لدحض مبدأ التّجسّد الإلهي. إلّا أنّ الظّلمة لا تستطيع أن تواجه النّور ولا تتلاشى، ولا يمكن للضّلال أن يواجه الحقيقة ولا يضمحلّ. ظهرت الحقيقة في المذود الصّغير الفقير، وأشرقت على الكون بأسره معلنة حقيقة الله وحقيقة الإنسان، مبشّرة العالم بأنّ الرّبّ افتقد شعبه، وأتى ليعيش معه إلى الأبد. " أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء." ( رؤ 8:1).