194 طعنًا على نتائج الجولة الأولى لانتخابات النواب أمام «الإدارية العليا»    محافظ أسيوط: دراسة إنشاء أول دار أوبرا في صعيد مصر    سرب من 8 مقاتلات إسرائيلية يخترق الأجواء السورية    العراق يصطدم بالفائز من بوليفيا وسورينام في ملحق التأهل لكأس العالم 2026    وزير الرياضة يكشف ملامح منظومة إعداد البطل الأولمبي ومراحل اكتشاف المواهب    وزير الشباب والرياضة يستعرض مستهدفات المشروع القومي للموهبة والبطل الأولمبي    إصابة 18 شخصًا في تصادم سيارة نقل مع أتوبيس بالشرقية    محمد أنور يبدأ تصوير مسلسل "بيت بابي"    تطورات جديدة في الحالة الصحية للموسيقار عمر خيرت    رصاصة طائشة تنهي حياة شاب في حفل زفاف بنصر النوبة    رئيس الوزراء: محطة الضبعة النووية توفر لمصر بين 2 ل3 مليار دولار سنويا    النائب محمد إبراهيم موسى: تصنيف الإخوان إرهابية وCAIR خطوة حاسمة لمواجهة التطرف    غدًا.. انطلاق عروض الليلة الكبيرة بالمنيا    مجلس الوزراء يُوافق على إصدار لائحة تنظيم التصوير الأجنبي داخل مصر    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف المنوفية تنظّم ندوة توعوية حول «خطورة الرشوة» بالمدارس    رئيس مياه القناة: تكثيف أعمال تطهير شنايش الأمطار ببورسعيد    الرئيس الكوري الجنوبي يزور مصر لأول مرة لتعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي    صحة الإسكندرية: 14 وحدة و5 مستشفيات حاصلة على الاعتماد من هيئة الرقابة الصحية    هل يخفض البنك المركزي الفائدة لتهدئة تكاليف التمويل؟.. خبير يكشف    المنيا: توفير 1353 فرصة عمل بالقطاع الخاص واعتماد 499 عقد عمل بالخارج خلال أكتوبر الماضي    يديعوت أحرونوت: محمد بن سلمان يضغط لإقامة دولة فلسطينية في 5 سنوات    حقيقة فسخ عقد حسام حسن تلقائيا حال عدم الوصول لنصف نهائي أمم إفريقيا    محافظ الأقصر يوجه بتحسين الخدمة بوحدة الغسيل الكلوى بمركزى طب أسرة الدير واصفون    الغرفة التجارية بالقاهرة تنعى والدة وزير التموين    الهلال الأحمر المصري يطلق «زاد العزة» ال77 محمّلة بأكثر من 11 ألف طن مساعدات    الداخلية تضبط أموالاً بقيمة 460 مليون جنيه من نشاط إجرامى    بعد فرض رسوم 5 آلاف جنيه على فحص منازعات التأمين.. هل تصبح عبئا على صغار العملاء؟    أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات تواصل الصعود وتقفز 7% بعد صفقة موانئ أبوظبي    التضامن: نخطط لتحويل العاصمة الجديدة إلى مدينة صديقة للأطفال    بيتكوين تستقر قرب 92 ألف دولار وسط ضبابية البنك الفيدرالى    حكم صلاة الجنازة والقيام بالدفن فى أوقات الكراهة.. دار الإفتاء توضح    رئيس أزهر سوهاج يتفقد فعاليات التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    أمين الفتوى يوضح حكم غرامات التأخير على الأقساط بين الجواز والتحريم    إيقاف إبراهيم صلاح 8 مباريات    يضيف 3 آلاف برميل يوميًا ويقلل الاستيراد.. كشف بترولي جديد بخليج السويس    تقارير: تعديل مفاجئ في حكم مباراة الأهلي والجيش الملكي    انطلاق مباريات الجولة ال 13 من دوري المحترفين.. اليوم    تأثير الطقس البارد على الصحة النفسية وكيفية التكيف مع الشتاء    استشاري صحة نفسية توضح سبب ارتفاع معدلات الطلاق    تموين القليوبية: جنح ضد سوبر ماركت ومخالفي الأسعار    السبت المقبل.. «التضامن» تعلن أسعار برامج حج الجمعيات الأهلية    التخطيط تبحث تفعيل مذكرة التفاهم مع وزارة التنمية المستدامة البحرينية    محافظ القاهرة وعضو نقابة الصحفيين يبحثان سبل التعاون المشترك    الأرصاد تحذر من طقس الساعات المقبلة: أمطار على هذه المناطق    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى: سنفرض عقوبات على عدد من الجهات السودانية    وزارة «التضامن» تقر قيد جمعيتين في محافظة الغربية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا..... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    وزير الصحة يوجه بتشكيل لجنة للإعداد المبكر للنسخة الرابعة من المؤتمر العالمي للسكان    نصائح هامة لرفع مناعة الأطفال ومجابهة نزلات البرد    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    براتب 9000 جنيه.. العمل تعلن عن 300 وظيفة مراقب أمن    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقه السيرة النبوية : مبعث النبي صلى الله عليه وسلم
نشر في شموس يوم 11 - 12 - 2015


لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
النسب الذي يعود إليه النبي محمد عليه الصلاة والسلام :
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة، والحديث اليوم عن مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فأول بند في هذا الموضوع نسبه صلى الله عليه وسلم، وقد حدثتكم في درس سابق أن النسب تاجٌ يتوج به أهل الحق، أما إذا أضيف النسب إلى أهل الباطل فلا قيمة له إطلاقاً، والدليل قوله تعالى:
﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾
( سورة المسد الآية : 1-2 )
فالذي يتعرف إلى الله، ويستقيم على أمره، ويحرص على مرضاته إذا كان نسبه من النوع العالي فهذا تاجٌ يتوج به، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد بن عبد المطلب، ابن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، ابن كلاب، وينتهي نسبه إلى عدنان، وأمه آمنة بنت وهب، من بني زُهرة، ويلتقي نسب أمه بنسب أبيه في كلاب بن مرة، وقد قال الله عز وجل :
﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾
( سورة الأنعام الآية : 124 )
وقد ورد في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم, يقول:
" الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم "
( أخرجه البخاري في الصحيح)
هل النبوة أمر كسبي أم أمر وهبي أم بهما معاً ؟
أيها الأخوة، النبوة هبة من الله، وفيها جانب كسبي، بمعنى:
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 33 )
حينما يجتهد الإنسان في طلب مرضاة الله عز وجل، من كمال الله وكرمه يهيئ له عملاً يتناسب مع طموحه، والعبرة أن تطمح لعمل جليل، فالأعمال بيد الله، إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل، ونسبه إليك، الله عز وجل يوفق، ويحفظ، ويلهم، ويجري الخير على يديك بشرط أن تطلب الخير,
" ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء, وأنا أحب إليك من كل شيء "
( ورد في الأثر)
فأنت حينما تسعى في مرضاة الله، وحينما تخطب ود الله عز وجل، فالله يهيئ لك عملاً صالحاً ترقى به عنده، وتسعد به إلى أبد الآبدين,
" ابن آدم كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد، ولا تعلمني بما يفرحك، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد "
( ورد في الأثر)
إليكم هذا المثال للتقريب :
لو أردنا أن نضع مثالاً يوضح هذه الحقيقة: لو أرادت دولة أن تعين سفيراً في بلد مهم جداً، طبعاً تختاره من حملة الشهادات العليا، وفي بعض الدول تشترط دراسة أدبية وعلمية وحقوقية، وهذا من كسب الطالب، بعد أن تختاره تمنحه صلاحيات، وحقيبة دبلوماسية ، وتعطيه كتاباً تقدمه للدولة التي سيقوم بها، ففي هذه الوظيفة جانب كسبي، وجانب وهبي، الجانب الكسبي يؤكده الله عز وجل حينما يقول:
﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾
( سورة الأنعام الآية : 124 )
ويؤكد الجانب الكسبي قول الله عز وجل:
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 33 )
خير القرون قرني :
أيها الأخوة, يقول عليه الصلاة والسلام:
" بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه "
(أخرجه البخاري عن أبي هريرة في الصحيح)
لذلك أكد النبي صلى الله عليه وسلم خيرية القرون الأولى، فقال:
" خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم "
( أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح)
قد تقول أنت: نحن في عصور التقدم، وفي عصور المخترعات، وفي عصور ترويض الطبيعة لصالح الإنسان، النبي عليه الصلاة والسلام حينما وصف قرنه بأنه خير قرن ، هذا متعلق بسعادة الإنسان الأبدية، وقد ذكرت في درس سابق أن الدنيا إذا كانت مريحة جداً ، وكانت الدنيا عريضة، وفيها كل ما تشتهيه الأنفس ربما كانت حجاباً بين العبد وربه، وأن بعض الشدائد التي في ظاهرها شدائد ربما كانت عوناً للإنسان على طاعة الله، لذلك الآية التي ينبغي ألا تنسى، وأن تكون ماثلة أمام أعيننا جميعاً, قوله تعالى:
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
( سورة البقرة الآية : 216 )
فخيرية قرن النبي، والقرن الذي أتى بعده، والذي أتى بعده خيرية متعلقة بسعادة الإنسان الأبدية، لكن الإنسان اليوم غارق في متع حسية، ووقته مليء بملهيات لا تنتهي، لكن إذا جاءه ملك الموت يشعر بالخسارة التي لا تعوض, قال تعالى:
﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
( سورة الزمر الآية : 15 )
الصفات الخَلقية للنبي محمد عليه الصلاة والسلام :
النبي صلى الله عليه وسلم صفته: كان متوسط القامة، ليس بالنحيف ولا بالجسيم، عريض الصدر، ضخم اليدين والقدمين، مبسوط الكفين، قليل لحم العقبين، يحمل في أعلى كتفه اليسرى خاتم النبوة، وهو أحسن الناس وجهاً، وهو أبيض اللون بياضاً مزهراً، مستدير الوجه، واسع الفم، طويل شق العينين، رَجِل الشعر، ولم يشب من شعره الأسود إلا اليسير , وإضافة إلى حسن خلقه، وسلامة حواسه وأعضائه فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتني بمظهره من النظافة وحسن الهيئة .
أيها الأخوة، المؤمن لا ينبغي أن يهمل مظهره، ولا ملبسه، فقد ورد في بعض الأحاديث:
" أن أصلحوا رحالكم، وحسنوا لباسكم، حتى تكونوا شامة بين الناس "
(ورد في الأثر)
لأن الإنسان في أول لقاء الانطباع يؤخذ من هندامه، ومن مظهره، ومن نظافته، ومن رائحته العطرة، من أجل أن تكون سفيراً لهذا الدين الرباني ينبغي أن تعتني بمظهرك، قال عليه الصلاة والسلام:
" أن أصلحوا رحالكم، وحسنوا لباسكم، حتى تكونوا شامة بين الناس "
(ورد في الأثر)
الاعتناء بالنظافة، والاعتناء بالمظهر، جزء من الدين .
الصفات الخُلقية للنبي محمد عليه الصلاة والسلام :
أما صفاته الخلقية صلى الله عليه وسلم فحدثوا ولا حرج، الله عز وجل وصفه بأنه:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
( سورة القلم الآية : 4)
والخُلق أيها الأخوة جانب كسبي في الإنسان، الله عز وجل أعطى النبي صلى الله عليه وسلم وسائل الدعوة، أعطاه ذاكرة ينفرد بها, قال تعالى:
﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ﴾
( سورة الأعلى الآية : 6)
أعطاه شكلاً جميلاً، أعطاه وجهاً مليحاً، أعطاه فصاحة ما بعدها فصاحة، قال:
" أنا أفصح العرب بَيد أني من قريش "
(ورد في الأثر)
أعطاه نسباً رفيعاً، ولكن حينما أثنى عليه، أثنى على خلقه، كما لو أنك منحت ابنك بيتاً ، لا يعقل أن تقيم حفل تكريم لهذا البيت، لكن تقيم له حفل تكريم إذا نال الدرجة الأولى، فالأصل أن يثنى على الإنسان بما في كسبه، ويقابل ذلك أنت حينما تزدري إنساناً لأن شكله لم يعجبك، هذا اعتراض على الله عز وجل، وزوجته عائشة رضي الله عنها قالت عن أختها صفية قصيرة، فقال عليه الصلاة والسلام:
" لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته "
(أخرجه الترمذي في سننه)
خطأ كبير أن تعير إنساناً بشكله، أو بلونه، أو بطوله، هذا ليس من كسبه، هذا من خلق الله عز وجل، فكأنك تعترض على الله، وكأنك تزدري صنعة الله عز وجل فهذا فظاظة وللجاجة لا تليق بالمؤمن .
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أوتي الكمال في أفعاله، وفي أقواله، وفي شكله، وأوتي الفصاحة، وأوتي البيان، وهو سيد ولد آدم، وأوتي المعجزات، وأوتي القرآن والوحي، وأيده الله بنصره، ومع كل هذه الخصائص, يقول الله له أنت بالذات:
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
( سورة آل عمران الآية : 159 )
بربكم هذا الذي لم يؤتَ فصاحة، ولا شكلاً جميلاًَ، ولا وجهاً منيراً، ولا نسباً أصيلاً، ولم يؤتَ معجزة، ولا وحياً، ولا قرآناً، وهو فظ غليظ القلب في دعوته, لمَ؟ سيد الخلق وحبيب الحق، يقول الله له:
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
هذا درس بليغ للدعاة إلى الله عز وجل .
الحكمة الربانية التي أخفاها على عباده في موضوع التسيير :
أيها الأخوة, نحن كما تعلمون مخيرون، الدليل:
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
( سورة الإنسان الآية : 3)
﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
( سورة الكهف الآية : 29 )
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
( سورة الأنعام الآية : 148)
الآيات تؤكد أن الإنسان مخير، بربكم هل أنتم مخيرون في آبائكم وأمهاتك؟ أنت لست مخيراً فيما كنت ذكراً أو أنثى، ولست مخيراً في أمك وأبيك، ولست مخيراً في مكان ولادتك، ولست مخيراً في زمن ولادتك، هذا ليس من اختيارك، هذا أنت فيه مسير، ولكن حقيقة أنقلها لكم تثلج الصدر: الذي لم يكن في اختيارك هو أكمل شيء إليك، لخص هذا الإمام الغزالي رحمه الله تعالى, فقال: " ليس في الإمكان أبدع مما كان "، وفسر هذا القول فقال: " ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني " .
فاعتقد يقيناً أن الذي لست مخيراً فيه هو لصالحك مئة في المئة، وحينما يكشف الله لك يوم القيامة عن سر هذه الأشياء التي لم تكن مخيراً بها، ينبغي أن تذوب كالشمعة محبة لله عز وجل وامتناناً منه، فالذي كنت به مسيراً هو لصالحك، وليس في الإمكان أبدع مما كان .
النبي قدوة لنا معاشر المسلمين :
أيها الأخوة, السيدة عائشة أم المؤمنين كانت تؤكد حينما تُسأل عن خلقه, تقول:
" كان خلقه القرآن "
( أخرجه مسلم في الصحيح)
بل إن بعضهم, يقول: القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي، ونستنبط من هذه الأوصاف أن المؤمن لا يتأثر الناس بكلامه بل بمعاملته، وأن دلالة الحال أبلغ من دلالة المقال، وهذا درس للآباء والمعلمين والدعاة إلى الله عز وجل، دلالة الحال أبلغ من دلالة المقال ، وحال واحد في ألف خير من مقالة ألف في واحد، إذاً: قوة التأثير لا تتأتى من الفصاحة، بل تتأتى من أن هذا المتكلم صادق فيما يقول، ومطبق لما يقول
ومن أدق الآراء التي قرأتها عن أحد العلماء أن الذي يدعو إلى الله بمضمون غير متماسك، أو يدعو إلى الله بأسلوب غير علمي وغير تربوي، أو يدعو إلى الله ولا يجد مصداقية في الداعية، هذا المدعو إلى الله في هذه الطريقة لا يعد عند الله مبلغاً، ويقع إثم تفلته من منهج الله على من دعاه بهذه الطريقة, فلذلك رتبت المعاصي والآثام ترتيباً تصاعدياً، فكان في أعلاها, قوله تعالى:
﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
( سورة البقرة الآية : 169 )
" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم "
( أخرجه الحاكم في المستدرك عن أنس )
" يا ابن عمر، دينك دينك، إنما هو لحمك ودمك، فانظر عمن تأخذ، خذ الدين عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين قالوا "
( ورد في الأثر)
النبي جمع الكمال البشري :
من خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نجد تواضعاً مقترناً بالمهابة، والقاعدة أيها الأخوة أن الفضيلة وسط بين رذيلتين، التهور رذيلة، والجبن رذيلة، والشجاعة بين التهور والجبن، البخل رذيلة، وتبذير المال رذيلة، والكرم بين التبذير والبخل، فالفضيلة وسط بين طرفين .
فيا أيها الأخوة، سهل جداً أن تأخذ الحد الأقصى، سهل جداً وأنت تربي أولادك أن تكون قاسياً إلى أبعد الحدود، تضربهم ضرباً مبرحاً، وسهل جداً أن تسيبهم، ولكن البطولة أن يحبك أولادك إلى درجة عالية جداً، وأن يهابوك أيضاً لدرجة عالية جداً، هذا هو المنهج الوسطي والإسلام وسطي, فلذلك كان عليه الصلاة والسلام متواضعاً مع المهابة، إنسان يتواضع مع الذل، ارفع رأسك، متى أمت علينا ديننا, قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
( سورة الشورى الآية : 39)
أحياناً يتطرف المؤمن متهماً أنه متواضع، فإذا هو ذليل، فالمتكبر على المتكبر صدقة ، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه قبيل المعركة يتبختر أمام الأعداء, فقال عليه الصلاة والسلام:
" إن الله يكره هذه المشية إلا في هذا الموطن "
( ورد في الأثر)
أي الطرف الآخر قوي لا تراه ضعيفاً، فقد قرن تواضعه بالمهابة، وقرن حياءه بالشجاعة، في شجاعة، وفي وقاحة، وفي خجل، والخجل مرض نفسي، والوقاحة غلظة خلقية ، وبينهما الحياء والشجاعة، والحياء من علامة الإيمان، الإيمان والحياء متلازمان، فإذا نزع أحدهما نزع الآخر، فكان عليه الصلاة والسلام أشد حياء من العذراء في خدرها،
" وقد رأى رجلاً استأجره يغتسل أمام الناس عرياناً، فقال له: خذ أجارتك لا حاجة لنا بك، إنك لا تستحي من الله "
( ورد في الأثر)
لذلك علامة الإيمان الحياء،
" الإيمان بضع وسبعون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان "
(أخرجه مسلم عن أبو هريرة في الصحيح)
لكن هناك فرق بين الحياء والخجل، الخجل أن تستحي أن تطلب حقك، الخجل أن تستحي أن تنصح أحداً، الخجل أن تستحي أن تقول لا، ففي حياة المؤمن كلمة لا، لا ورب الكعبة، فالذي يؤكد شخصيتك أحياناً كلمة لا، لا كلمة نعم, ومن أدق صفاته أنه من رآه بديهة هابه، ومن عامله أحبه، له هيبة, دخل عليه رجل فأصابته رعدة، قال:
" هَوِّنْ عَلَيْك، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ "
( أخرجه ابن ماجة عن أبي مسعود في سننه)
لذلك المؤمن له هيبة أما إذا عاملته أحببته، وكان كريماً وصادقاً في كرمه، بعيداً عن حب الظهور، الإنسان أحياناً تذل قدمه من الكرم إلى حب الظهور، بقدم لك مالاً ليسهم ببناء مسجد، ولكنه يشترط لوحة رخامية يكتب فيها أنشأ هذه المئذنة المحسن الكبير، وقد علمت أن محسناً كبيراً في بعض البلاد الإسلامية قدم رقمًا فلكيًّا للدعوة، ولتعليم طلاب العلم، الرقم فلكي ، فسمع أحد الزائرين عن هذا المحسن، وعن هذا الرقم، فتمنى أن يراه، فدعي هذا المحسن إلى الطعام، ودعي الضيف معه ليلتقيا، فجاء الضيف، ولم يأت المحسن، قال: أين ضيفنا؟ قال : هو إلى جانبك، من شدة تواضعه ما عرفه، الإنسان أحيانا يدفع مبلغاً محدوداً جداً يجب أن يملأ الدنيا ضجيجاً بهذا المبلغ .
ما هو الإخلاص ؟
أخوتنا الكرام، علامة إخلاصك أن عملك لا يزداد بالثناء، ولا يضعف بالذم، إلهي أنت مقصودي، ورضاك مطلوبي، والإنسان حينما تذل قدمه إلى استجداء المديح تضعف مكانته، الإنسان إذا ضعف إخلاصه علق الأمل على المديح، فإن شح المديح استشار من حوله ، كيف وجدت الطعام؟ أعجبك الطعام، هو يستثيره كي يمدح هذه الوليمة، كيف وجدت هذا البيت؟ كيف وجدت هذا الأثاث؟ كيف وجدت هذا الدرس؟ يستثيرك كي تمدحه، هذه حالة مرضية اسمها استجداء المديح، لذلك الإخلاص من لوازمه أنك لا تعلق أهمية لا على المادحين، ولا على القادحين، لأنك تبتغي وجه الله عز وجل، هذه علامة من علامات الإخلاص .
العلامة الثانية: أن المخلص لا يزداد عمله أمام الناس، ولا يقل في خلوته، خلوته كجلوته، وظاهره كباطنه، ومع الناس كخلوته أيضاً، وكان أميناً بأوسع معاني هذه الكلمة .
إليك إخلاص النبي :
لذلك أيها الأخوة قريش تهاجمه، وترد دعوته، وتسفك دينه، وتقدح في رسالته وأموالها عنده، وحينما أراد النبي أن يهاجر ترك ابن عمه في مكانه ليرد الودائع إلى أصحابها ، وأصحابها مشركين، فما بال هؤلاء المسلمين اليوم إذا ذهب إلى بلاد الغرب يشتري بطاقة ائتمان بآلاف الدولارات، ويظن أن هذه غنيمة من حقه أن يأكلها، هذا سوء فهم, هؤلاء الذين أودعوا عند النبي مالاً أليسوا مشركين؟ لمَ لم يقل هؤلاء مشركون؟ أبقى ابن عمه، ووضعه تحت خطر القتل من أجل رد الودائع لأصحابها، وما لم تكن مستقيماً مع كل الناس لا يقبلك الله عز وجل، وقد قال الله عز وجل:
﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا﴾
( سورة المائدة الآية : 8 )
مع هؤلاء الذين تكرهونهم, قال تعالى:
﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾
( سورة المائدة الآية : 8 )
ما لم تكن محسناً مع الآخرين، مع البعيدين، مع الشاردين، لن يظهر دينك على أنه دين الله عز وجل .
وكان صادقاً في القول والعمل, قال عليه الصلاة والسلام:
" وإن الصدق يهدي إلى البر "
( أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح)
فقد كان عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الإخلاص، والإخلاص أيها الأخوة ينفع مع قليل العمل، وعدم الإخلاص لا ينفع لا مع قليل العمل ولا مع كثيرة,
" يا رب تعلمت العلم، يقال له يوم القيامة كذبت، تعلمت العلم ليقال عالم وقد قيل خذوه إلى النار، يا رب قاتلت في سبيلك، يقال له كذبت، قاتلت ليقال عنك شجاع وقد قيل خذوه إلى النار "
( أخرجه أحمد في مسنده)
لذلك ينبغي أن نرعى قلوبنا، وأن نهتم بنوايانا، لقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر:
" إنما الأعمال بالنيات "
( أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح)
أهمية دراسة السيرة النبوية :
أيها الأخوة، لماذا نحن ندرس سيرة النبي عليه الصلاة والسلام؟ لأن دراسة سيرة النبي فرض عين على كل مسلم، دققوا فرض عين على كل مسلم، لماذا؟ لأن الله يقول:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾
( سورة الأحزاب الآية : 21)
كيف يكون النبي أسوة لنا؟ إن لم نعرف سيرته في بيته، مع زوجته، مع أولاده, مع أقربائه، مع أصحابه، في سلمه، في حربه، في غناه، في فقره، إذاً: هو أسوة لنا .
الامتحانات التي مر بها النبي :
أيها الأخوة, أذاقه الله الفقر، دخل بيته، وسأل أهله:
" أعندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم "
( ورد في الأثر)
أحياناً المسلم يتأخر الطعام يقيم الدنيا ويقعدها، ويغضب، ويزمجر، ويكسر, ويعلو صياحه في البيت إذا تأخر الطعام، أما النبي صلى الله عليه وسلم:
" أعندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم "
( ورد في الأثر)
أذاقه الله النصر، فدخل مكة مطأطئ رأسه حتى كادت عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله،
(( ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: أقول كما قال أخي يوسف: {لا تثريب عليكم اليوم}, اذهبوا فأنتم الطلقاء ))
وذاق القهر في الطائف فدعا دعاءً يحتاجه المسلمون اليوم، فقال صلى الله عليه وسلم:
" اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي "
(أخرجه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن جعفر)
أذاقه الله موت الولد, فقال:
" إن العين لتدمع، والقلب ليخشع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون "
( أخرجه البخاري في الصحيح)
أذاقه الله أن تتهم زوجته بأثمن ما تملك، وتأخر الوحي أربعين يوماً، لو أن الوحي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاءت آية التبرئة بعد ساعة، لكن أراد الله أن يتأخر الوحي بتبرئة السيدة عائشة أربعين يوماً، إذاً: الوحي لا يملكه النبي لا رداً ولا استدعاء .
شيء آخر، لما جاءت آية تبرئة السيدة عائشة,
" فقال أبو بكر لابنته: قومي فاشكري رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: والله لا أقوم إلا لله، فتبسم النبي عليه الصلاة والسلام, وقال: عرفت الفضل لأهله "
( ورد في الأثر)
كيف يستقبل المؤمن في هذه الأيام الابتلاء ؟
معظم المؤمنين هداهم الله إلى ما هو أفضل ما داموا في بحبوحة، وفي نعيم، وفي صحة جيدة، وفي دخل وفير شاكرون حامدون، فإذا امتحنهم الله بشيء تضعضعوا، وضعفت ثقتهم بالله عز وجل، والبطولة أن تنجح بالامتحان , سئل الإمام الشافعي رضي الله عنه: أندعو الله بالتمكين أم بالابتلاء؟ فقال: لن تمكنوا قبل أن تبتلوا .
وأنا أؤكد لكم أنه يستحيل أن تصل إلى الجنة من دون ابتلاء، لقوله تعالى:
﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
( سورة المؤمنون الآية : 30 )
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 2 )
أيها الأخوة، نحن ممتحنون بمادتين بالذي أعطانا، وبالذي زوي عنا، ممتحن بالصحة ، وممتحن بالمرض، ممتحن بالغنى، وممتحن بالفقر، ممتحن بالقوة، وممتحن بالضعف، ممتحن بالوسامة، وممتحن بالدمامة، من هنا يأتي الدعاء الرائع:
" اللهم وما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، اللهم وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب "
[ أخرجه الترمذي عن عبد الله بن يزيد الخطمي في سننه)
إليكم فصاحته التي كانت تشرق من فمه الشريف كالدر المنثور :
أيها الأخوة, كان فوق كل هذا فصيح اللسان، وقد يقال جمال الرجل فصاحته، والفصاحة ككأس من الماء، المعاني مضمون هذا الكأس، والفصاحة شكل هذا الكأس، فأنت لا تقبل على شراب نفيس بكأس لا يليق، كما أنك لا ترضى أن تشرب شراباً خسيساً بكأس نفيس ، فلا بد من أن يجتمع المضمون مع الشكل، والمؤمن له شكل مقبول، فصيح اللسان, وقد قال سيدنا عمر: تعلموا العربية فإنها من الدين، الإنسان الضعيف في اللغة مشكلته كبيرة جداً, ولغتنا دقيقة جداً، عندنا في اللغة, كلمة لمح لها معنى، وكلمة لاح لها معنى، لاح يعني ظهر واختفى، أما لمح يعني نظر, وفرق كبير بين لاح ولمح، فهذه المعاني دليل على اتساع اللغة, واختارها الله لتكون لغة كلامه, قال تعالى:
﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾
( سورة الشعراء الآية : 195)
وتعلموا العربية فإنها من الدين، أنا لست متشائماً لكن لا أصدق طالباً جامعياً يحمل إجازة في اختصاصه نكلفه أن يقرأ صفحة من كتاب الله دون أن يخطئ عشرات الأخطاء، أخطاء كثيرة جداً، هذه وصمة عار في حق المسلم، تعلموا العربية فإنها من الدين، كان عليه الصلاة والسلام فصيحاً, ويقول:
" أنا أفصح العرب بَيد أني من قريش "
( ورد في الأثر)
وقريش أفصح قبيلة في العرب، هذا أسلوب اسمه تأكيد المدح بما يشبه الذم, قال الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
فكان صلى الله عليه وسلم فصيح اللسان، ثابت الجنان، في حنين قال:
" أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب "
( أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح)
وكانت معركة حنين فاصلة، فأخذ تراباً وذره في عيون القوم, وقال:
" أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب "
( أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح)
وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه: كنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن أحد أقرب إلى العدو منه .
هذا هو نبي الإسلام محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام :
أيها الأخوة, كان عليه الصلاة والسلام قوياً في عقله, وكان عليه الصلاة والسلام رحمةً للكبير والصغير، لين الجانب، رقيق المشاعر, يحب الصفح والعفو عن المسيء, وإليكم مثال ذلك: حاطب بن بلتعة ارتكب خيانة عظمى، كتب كتاباً إلى قريش إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم، في كل نظام العالم جزاء الخيانة العظمى الإعدام، فجاء عمر، وقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: لا يا عمر، إنه شهد بدراً، لم يهدر عمله السابق، تعال إلي يا حاطب، ما حملك على ما قلت؟ قال: والله يا رسول الله، ما كفرت ولا ارتدت، لكن كنت لصيقاً في قريش، فأردت في هذا الكتاب أن أحفظ مالي وأولادي، وأن واثق أن الله سينصرك، فاغفر لي ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً، فكان يحب العفو, والصفح عن المسيء .
جاء عكرمة مسلماً، من عكرمة؟ ابن أبي جهل، ألد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفنن عشرين عاماً للنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال عليه الصلاة والسلام:
" يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت "
( ورد في الأثر)
وكان عليه الصلاة والسلام صابراً في مواطن الشدة، وكان جريئاً في قول الحق .
غداً إن شاء الله :
وفي درس آخر إن شاء الله نتابع فقه سيرته صلى الله عليه وسلم، ونحاول أن نستنبط منها الدروس والعبر التي تنفعنا في حياتنا، لأن هذا النبي الكريم جعله الله أسوة لنا، ومن لوازم أن يكون أسوة لنا أن نتعرف إلى سيرته ليكون الشخصية التي نمشي على طريقها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.