مع فناننا القدير / عايش طحيمر ،نستعيد – ويستعيد المتلقي دائما – إمتاعا بصريا وفكريا ، إفتقدناه فترة ليست بالقصيرة وتسترد وجدانياتنا كعرب وامة واحدة بعضا مما اصابه تآكل سواء في النخوة أو ما لم تخبو بعد بيارقه وسط مخافات الهدم والتخريب الجارية في جسد الأمة العربية ، وتبعثره كأشلاء من ثوابت وامجاد وشواهد حضارية قديمة ظننا – وهي كذلك – إرثا ليس عربيا فقط لكنه أرث انساني حضاري قبل كل ذلك ، تلك كانت ولا زالت تتمثل أيقوناتها في كل إبداعات فناننا القدير / عايش طحيمر ، كان ذلك دأبه كفنان ،مخزونه الكامن والمحرك لأفكاره وفرشاته والوانه ،تستطيل رقبة الحزينة لتحمل أعلاها رأس الأمة المبتئسة ، مضمومة الشفتين ، قابضة علي حروف الألم ان تخرج فتفضح معاناة وصبر مكلوم ومكتوم ، تخشي ان تخرج الكلمات فتكون إستجداءا مِن منّ لم يع أو يفهم كبرياء الصمت الزاعق بلا صوت ، العيون العرضية علي صفحة الوجه في الثلث الأعلي من الوجه تستقطب في سكونها وضيقها وما بين قوسي الحاجبين ، وجبهة بلونيها الأسود والرمادي بما لهما من دلالات لونية معروفة ، وهذه الأيقونة الملوكية التي تتدلي من مفرق الرأس والشعر، تؤكد ثراء كانت عليه يوما ، – وربما لا زال – ويستطيل تحت العينين والجبهة الملكية أنفا في طوله شموخا بقدر طوله ، هذا الوجه الملكي في أسره بالسواد الي يحده مع الخط الأبيض يعكس إنحسار مساحة فضاء المملكة التي كانت بها هذه الرأس قديما وبه كانت تزهو .إن العقد والقرطين المتدليين من الأذنين بحجمهما وذهبيتهما لا يشيران إلي الثراء فقط ، ولكن كلاهما – العقد والقرطين – يعكسان ايضا قيمة و تأصيل للمنتج الحضاري العربي الإنساني ، ويأتي الثوب بلونه مكملا ومؤكدا بالمنقوش عليه مجسامات رابضة للأن كثوابت شامخة باقية قادرة بشموخها ان توقظ حث وريث هذا المنتج الحضاري كلما وهنّّ وأصاب بدنه ضعفا ، أوإعترت عينيه غفوة أو لحقت به رجفة قدرية متمثلة في ريح إنكسار وقتية ، ويأتي تشبيك الكفين إحتضانا وحرصا وخوفا من ضياع أو فقد بعض مما تملك وبه ايضا تزهو وتفخر ، وبه يتجسد ماضيها وحاضرها وبه ايضا ما يعد جينات لمن يعرف ويدرك وتستثيره ما تحمله و فَرَتْ به ملكة ترفض أن تُهان أو تَهلك ويَهلك معها أغلي ما ملكت وتمْلك ، وتمثل الجدارية بنقوشاتها من حروف الأبجدية بادئة من ابجدية الرموز السابقة للحرف ومن ثم الكلمات بل وبنفس القدر تعكس إبداعات التعبير اللونية ، والشكلية للحياة البشرية وتطور مراحلها متزامنة مع تفسيرات وإدراكات معرفية عن الوجود وباعثهُ ومُحركه والوَاجد له من عدم ، وتمثيل هذا الواجد في صور ورموز دالة عليه جديرة أن تنصبه في حياتها إلها او معبودا تنحني له وتسعي إليه وتقدره . فناننا القدير / عايش طحيمر إِعتدنا معه ومع إبداعاتِه أن يأخُذنا لفضاءات فكرية وبصرية بلا ضفاف ،وحده ومعه فقط نعشق الإبحار في بحاره التي بلا شواطئ او ضفاف .