(3) – بعفويّة الأطفال وثقة الأبناء نلتجئ إلى السّيّدة ونطلب منها أن تصلّي لنا وتتشفّع لنا عند ابنها الحبيب، لأنّنا نعتبرها أمّاً حقيقيّة ملتحفة بمحبّة الله. فإذا كانت الأمّ البشريّة تهرع لمساعدة أبنائها، وتسهر على رعايتهم، وتسعى بكلّ طاقتها إلى إسعادهم. فكم بالحريّ والدة الإله الّتي وضعت كلّ حبّها في خدمة الرّبّ، ألا ترعى أبناءً أرضيين توّاقين إلى السّماء؟. عندما نطلب من السّيّدة ونرجو عنايتها، نشعر وكأنّنا على مشارف السّماء، في رعاية أمّ تفوق محبّتها كلّ الأمهات، وتفوّقت بحبّها على كلّ عاطفة هشّة وسطحيّة. وإنّها لجسارة كبيرة أن نستبعد " مريم" من حياتنا، ونعتبرها مجرّد شخصيّة جميلة في الكتاب المقدّس. إنّ " مريم" أعظم من أن نُدخلها في تعقيدات عقولنا المحدودة، وتساؤلاتنا السّلبيّة الّتي لا تؤدّي إلى مكان. وهي أجمل من أن تشوّهها شكوكنا المتعالية والمتكبّرة كيما نرضي غرورنا البشريّ. إنّها اليد الّتي تدلّنا أبداً على الرّبّ، والمربية الّتي ترافقنا حتّى نسلك بما يليق بربنا وإلهنا يسوع المسيح. عميقاً في النّفس المؤمنة، تكمن رغبة كبيرة في اللّجوء إلى السّيّدة الأمّ الّتي حملت على ذراعيها الإله. ولهي جرأة كبيرة أن نطلب شفاعتها ونراها تستجيب وتلبي بمحبّة وعطف. " فمن أين لنا أن تأتينا أمّ ربنا؟" ( لو 43:1) (4) – كلّ إنسان مدعوّ لتحقيق ذاته في الله، ولعلّه السّبب الأساسي لوجودنا على هذه الأرض، بل هو هدف وجودنا أيضاً، لأنّه بتحقيق الذّات في الرّبّ، تكتمل إنسانيّتنا وتتحرّر من كلّ قيد يمكن أن يُخضعها للعبوديّة. فلم يدعُنا يسوع المسيح لاتّباعه عبثاً، ولا يشبه اتّباعه أيّ عبادات أخرى تدعو إلى الاعتراف بوجود الله والسّلوك بحسب الشّريعة. وإنّما دعوة الرّبّ تتجلّى بمثابة طريق واضح ومستقيم، تختبره الإنسانيّة وتسير فيه حتّى تبلغ الكمال. لقد وعت السّيّدة أنّ النّعمة المعطاة لها من لدن العليّ، خير مطلق لها وللإنسانيّة كلّها. وقبلتها بإرادة حرّة، واعية لمشقّة الطّريق، مستسلمةً لمشيئة الله. وقد يتساءل البعض، كيف لفتاة في ربيع العمر، وفي زمن مختلف عن زمننا الحالي، أن تعيَ مقاصد الله؟ فنرد ونقول إنّ الإيمان يمنحنا عيناً ثالثة تمكّننا من رؤية ما لا يُرى. كما أنّه يهبنا الإصغاء إلى لغة غير تلك الّتي اعتدنا أن نسمعها، فندرك صوت الله في أعماق نفوسنا. فالإيمان هو جواب النَّعم الإراديّة وخطوة الحبّ نحو الله. وبالتّالي يتجلّى التّفاعل بين واهب النّعم ومتلقّيها، في علاقة قدسيّة ترسّخ الفرح في النّفس وتعزّز سلام الله، أي الله في العمق الإنساني. وإذ نسمع " مريم" تهتف: تعظم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلصي. ( لو 47،46:1)، نفهم أكثر قول بولس الرّسول: افرحوا بالرّبّ وأقول أيضاً افرحوا". ( فيليبي 4:4). فاللّقاء بالرّبّ لا يمكن إلّا أن يبهج نفوسنا ويفرّح قلوبنا، ويدخلنا قلب الله منذ الآن.