مدبولي: نعمل مع الوزارات المعنية على تسهيل إجراءات التسجيل العقاري للوحدات السكنية    تعاونيات البناء والإسكان تطرح وحدات سكنية ومحلات وجراجات للبيع بالمزاد العلني    برنامج الأغذية العالمي: الوضع الإنساني بقطاع غزة كارثي.. ومخزوننا الغذائي بالقطاع نفد    بيروت ترحب بقرار الإمارات بالسماح لمواطنيها بزيارة لبنان اعتبارا من 7 مايو    رئيس حزب فرنسي: "زيلينسكي مجنون"!    فاركو يسقط بيراميدز ويشعل صراع المنافسة في الدوري المصري    سيل خفيف يضرب منطقة شق الثعبان بمدينة طابا    انضمام محمد نجيب للجهاز الفني في الأهلي    أوديجارد: يجب استغلال مشاعر الإحباط والغضب للفوز على باريس    زيزو يخوض أول تدريباته مع الزمالك منذ شهر    إسرائيل تدرس إقامة مستشفى ميداني في سوريا    التموين: ارتفاع حصيلة توريد القمح المحلي إلى 21164 طن بالقليوبية    الزمالك: نرفض المساومة على ملف خصم نقاط الأهلي    الشرطة الإسرائيلية تغلق طريقا جنوب تل أبيب بعد العثور على جسم مريب في أحد الشوارع    حرس الحدود بمنطقة جازان يحبط تهريب 53.3 كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    استشاري طب شرعي: التحرش بالأطفال ظاهرة تستدعي تحركاً وطنياً شاملاً    المخرج طارق العريان يبدأ تصوير الجزء الثاني من فيلم السلم والثعبان    البلشي يشكر عبد المحسن سلامة: منحنا منافسة تليق بنقابة الصحفيين والجمعية العمومية    ترامب يطالب رئيس الفيدرالي بخفض الفائدة ويحدد موعد رحيله    الهند وباكستان.. من يحسم المواجهة إذا اندلعت الحرب؟    حادث تصادم دراجه ناريه وسيارة ومصرع مواطن بالمنوفية    التصريح بدفن جثة طالبة سقطت من الدور الرابع بجامعة الزقازيق    ضبط المتهمين بسرقة محتويات فيلا بأكتوبر    تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال    مفتي الجمهورية: نسعى للتعاون مع المجمع الفقهي الإسلامي لمواجهة تيارات التشدد والانغلاق    23 شهيدًا حصيلة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر اليوم    مديرية العمل تعلن عن توفير 945 فرصة عمل بالقليوبية.. صور    رسميًا.. إلغاء معسكر منتخب مصر خلال شهر يونيو    مورينيو: صلاح كان طفلًا ضائعًا في لندن.. ولم أقرر رحيله عن تشيلسي    فيبي فوزي: تحديث التشريعات ضرورة لتعزيز الأمن السيبراني ومواجهة التهديدات الرقمية    كلية الآثار بجامعة الفيوم تنظم ندوة بعنوان"مودة - للحفاظ على كيان الأسرة المصرية".. صور    نائب وزير الصحة يُجري جولة مفاجئة على المنشآت الصحية بمدينة الشروق    مصر تستهدف إنهاء إجراءات وصول السائحين إلى المطارات إلكترونيا    الداخلية تعلن انتهاء تدريب الدفعة التاسعة لطلبة وطالبات معاهد معاونى الأمن (فيديو)    رابط الاستعلام على أرقام جلوس الثانوية العامة 2025 ونظام الأسئلة    رغم توقيع السيسى عليه ..قانون العمل الجديد :انحياز صارخ لأصحاب الأعمال وتهميش لحقوق العمال    في السوق المحلى .. استقرار سعر الفضة اليوم الأحد والجرام عيار 925 ب 55 جنيها    صادرات الملابس الجاهزة تقفز 24% في الربع الأول من 2025 ل 812 مليون دولار    كندة علوش: دخلت الفن بالصدفة وزوجي داعم جدا ويعطيني ثقة    21 مايو في دور العرض المصرية .. عصام السقا يروج لفيلم المشروع X وينشر البوستر الرسمي    إعلام الوزراء: 3.1 مليون فدان قمح وأصناف جديدة عالية الإنتاجية ودعم غير مسبوق للمزارعين في موسم توريد 2025    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : انت صاحب رسالة?!    تقرير المعمل الجنائي في حريق شقة بالمطرية    بالفيديو.. كندة علوش: عمرو يوسف داعم كبير لي ويمنحني الثقة دائمًا    بلعيد يعود لحسابات الأهلي مجددا    بدء الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تجديد الخطاب الدينى    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    غدا.. الثقافة تطلق برنامج "مصر جميلة" للموهوبين بالبحيرة    وزير الصحة يبحث مع نظيره السعودي مستجدات التعاون بين البلدين    في ذكرى ميلاد زينات صدقي.. المسرح جسد معانتها في «الأرتيست»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 4-5-2025 في محافظة قنا    الرئيس السيسي يوافق على استخدام بنك التنمية الأفريقي «السوفر» كسعر فائدة مرجعي    دعوى عاجلة جديدة تطالب بوقف تنفيذ قرار جمهوري بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير    الأزهر للفتوى يوضح في 15 نقطة.. أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه؟ الأزهر للفتوى يجيب    خبير تغذية روسي يكشف القاعدة الأساسية للأكل الصحي: التوازن والتنوع والاعتدال    الإكوادور: وفاة ثمانية أطفال وإصابة 46 شخصا بسبب داء البريميات البكتيري    تصاعد جديد ضد قانون المسئولية الطبية ..صيدليات الجيزة تطالب بعدم مساءلة الصيدلي في حالة صرف دواء بديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصورة الشعرية وما تحمله في السردية التعبيرية للشعر العربي
نشر في شموس يوم 02 - 08 - 2015


ا .
إن القصيدة الشعرية منذ لحظة إطلقها ليست ملك للشاعر ولا للناقد أنما هي رسالة جمالية بكل ما تعني و روحية فكرية أدبية إصلاحية , تدور في أروقة العالم
وتوصل ما تحمله من مضمون استوحاه الشاعر , أو كتب نتاجه الشعري ضمن رؤاه الشعرية الخاصة , التي رأها
وبالتالي القصيدة رسالة , يجب أن تصل لتسمو بالروح البشرية ومن حق أي ناقد تناول أي قصيدة حسب النظرية النقدية التي يتبناها أو يبدعها ..
1 ما الذي تحمله القصيدة من رسائل وبالذات القصيدة التعبيرية ؟ !
قد تكون هذه الرسائل , عبارة عن إشارات واضحة , أو إيقونات شعرية , تخفي خلفها ما تخفي , أو مرمزات تعبيرية قوية توصل الفكرة أو إيحاءات ظاهرة أو خفية , أحدثها النتاج الخارجي من العوامل المشتركة منصباً في أعماق الشاعر , ومن ثم أطلقها , بعد أن تفاعل معها وأحدثت معه كل تلك التأثيرات , التي أنتجت العمل الشعري , سواء كانت هذه التأثيرات سلبية أم إيجابية , وبالتالي ستكون القصيدة منعكسا قويا للماحول وللداخل , وكل حسب بلاغته الشعرية ,واللغوية , ورهافة رؤاه وتوهجه , وإن كان كثير من الشعراء يكتب بصورة شخصية , في المقابل كثير من الشعراء يكتبون بصورة شخصية مبطنة خارجها عام وداخلها المستوى الشخصي جدا , وقد يكون العكس وقد تكون قصائد لقضايا عامة أو إنسانية أو كونية .. إذا قد تختلف أشكال الدالة على المدلول من حيث المعنى والمبنى والتشكيل والدالة في غياب المدلول
2 ما الذي أوجدته التعبيرية السردية , في الشعر العربي الحديث هذه المدرسة , التي ينطلق بها عدد جميل من الشعراء تربطهم ببعض علائقية فكرية متقاربة نوعا ما , في تصوير الأحداث المحيطة
إن نظرية النقد التقليدي تقول : " أن الشاعر أو الأديب هو من يودع نصه الفكرة التي يريد "
أم النقاد المحدثين فتقول أن الجمهور .. " هو صاحب السلطة في رؤية النص "
لكن في الحقيقة أقول frown‎ رمز تعبيري قد يستطيع الجمهور رؤية فهم يرده في النص , لكن حتما لن يغير مما ضمنه الشاعر لقصيدته أو نصه لن يغير من إرساليته الخاصة للكون , هناك شيء محدد وثابت يريد إيصاله ضمن نصه بطريقة شعرية ما )
فإذا النص : رؤية للشاعر يوصلها للكون حسب توهجه وثقافته ورؤاه وأسلوبه الشعري ضمن دالة معينة
وبالرغم من جهود ((ومسات)) الكبيرة في إيضاح هذه المسألة فإن آراءه قد تعرضت للكثير من الردود . وقد حذر زملاءه النقاد الجدد من الوقوع في دائرة الخلط والغموض. إذ يقول: ((نحن نبحث هنا لا عن الأصول ولا عن التأثيرات ، وإنما عن العمل ، طالما أمكن اعتباره في حد ذاته هيكلاً ذا معنى . يجب أن لا تختلط السمات العقلية للمؤلف ولا تأثيرات القصيدة في ذهن القارئ بالسمة الأخلاقية للمعنى الذي تعبر عنه القصيدة نفسها )) . وهذا الرأي الذي ذهب إليه ((ومسات)) يعد رفضاً واضحاً للفكرة المثالية القائلة بأن المعنى يسبح في مملكة مترفة في الرمزية تستطون في أذهان الناس.. وهي مستقلة عن اللغة.
لكني أرى أن العمل له مضمون ثابت غير متحرك , وأن كان له عدة أتجاهات للتفسير والقراءة والاستنباط , مهما فسره الجمهور والنقاد , فهناك رسالة موجهة ومحتوى محدد .
3 ما الذي تحمله القصيدة التعبيرية في أرجاءها من إرسالية .. وهل هذه الرسائل واضحة أم إنها إشارة أو مرمز عميق يشير لمساحة كبيرة تختزل في صور وتراكيب مجازية , بمستو لوني وسردي يحمل الكثير مما يحمله الواقع , منصبا داخل الشاعر ؟!
أن الجملة المجازية التعبيرية , في القصيدة التعبيرية يجب أن تكون رشيقة قوية تصب في الداخل منا , وأن بدت للوهلة الأولى سردية تعبيرية بسيطة , لكن ما أن نمعن النظر حتى نجدها احتوت الكثير من معنى خيالي وجمالي و سيكلوجي وفكري وشعري أو اجتماعي , أو أي معنى يريده الشاعر , وبالتالي هي تحمل الكثير مما يبتغيه الشاعر من رؤى للتأثير في الجمهور , أو لإيصال إرساليته التي وصلته ضمن الرؤى أو استنباط الوقع القريب أو البعيد , وبالتالي سنجد أن الشعر سيكون له التأثير الكبير في المجتمع , لما يحمله من قيم جمالية و رؤى مستقبلية , وإصلاحية وانتقادية لكل ما هو سلبي في المجتمع نرفضه رفضاً تاماً وقاطعاً أو قيم روحية وأخلاقية تسمو بالعقول لدى الجمهور .. إذا العميلة تتدخل في التأثير العام الجماهيري سواء قصد أم لم يقصد الشاعر ذاك
فقد رأى الإنكليزي " ريتشاردز" .. تحديد عملية الخيال وتأثيرات الشعر على القارئ , منطلقاً في ذلك من إيمانه الذي استقاه من " آرنولد ( القائل بأن الضمير المتحضر سيعتمد على الشعر مثلما اعتمد ذات مرة على الدين ) .
إذا هي تضيف لمعنى الشعر الإعتيادي ,معنى آخر المرمزم التعبيري في غياب المدلول , وحضور الرمز الهام أو الدالة
والتي تسمح للقارىء في الغوص في المعنى البعيد والظاهر معا , وإعطائه أكثر من معنى حتى يصل لحقيقة المرمز الموجه
* الصورة التعبيرية
1 أن الصورة التعبيرية صورة تختلف عما سواها من الصور التشكيلية المنفردة أوالإيحائية المنفردة أيضا أوالتصويرية لمجرد التصوير .. أوالدرامية لمجرد تصوير حدث درامي معين .. أو الصورة السينمائية أنها صورة تجمع كل ذاك في وعاء سردي تشكيلي رؤيوي متباثق من الذاتية العميقة بإيحائية لونية لغوية لرؤى الشاعر الحاضرة والمستقبلية , تخدم الغرض المراد منها فهي بانوراما حية تفرد داخلها بقوة كل ما سبق .. لو دخلنا لنص الشاعرة رشا السيد أحمد
النجمة الوردية
سألت النجمة البعيدة .. كيف أفك عن قلبي عصب يعصره . كيف تقسو قلوب الحجارة
كيف تصير قلوب بعض الأشجار الندية .. كقلوب الحجارة و أشد
هل للريح المسافرة أوجاع .. ؟!
تنهد القمر وأشاح بصره لذكريات ضوئية مضت
وقال لها قبيل منتصف الليل أجلسي قرب كهف الأسرار و ارهفي الروح جيدا وحين تفضي الريح بكل ما أرهق جسدها .
أسأليها فهي تمر كل الظواهر والخوافي .. حتى الأبار السبعة تعرف سر ضياؤها
ترقبت ترقب الوجع يخز الخاصرة
……
….
*
سألت النجمة البعيدة كيف أفك عن قلبي عصب يعصره
هنا المرمز أخذ عدة مواقع في سردية , تدخلنا معها لقلب السرد والحدث
بداية ما الذي تتسأل عنه النجمة ( المرمز الأول ) ثم .. قلب وعصب يلتف حوله يعصره بشكل مؤلم مرمز وصورة توقفنا نطالع الداخل من المعنى العميق المراد إيصاله للخارج بسردية رهيفة أظهره المرمز عن المدلول الغائب بسردية بصورة مجازية تتناسب والسرد الشعري التعبيري وما يريد .
..
هذه اللوحة الأولى هي ليست رسالة خاصة فقط , أنما رسالة تحمل الهم العام فالنجمة كائن كوني , الجميع يراه ويلمس ضياؤه في نفسه كل حسب حسه , إذا ففي الماحول هم عام يقطن قلب الضياء منا , ترفضه الشاعرة من داخلها على المستوى الشخصي والعام
هناك اجتذاب للقارىء في السردية , تأخذنا للسؤال العميق ما هو ذاك الذي حزم قلب النجمة أو الشاعرة وترفضه .. هنا فتح لباب التأؤيل صورة تعبيرية تضرب في الداخل وهي الصورة الأولى في اللوحة رغم سلاستها
نجد الصورة التعبيرية هنا لوحة كاملة من مرمز ومساحة احتوت الحدث الأول ثم المرمز الثاني وهو الألم والذي رمت له وتتابع السرد اللين الانسيابي المحمل بتساؤل يجتذبنا لنكون معها في داخل القصيدة نتسأل معها ((
كيف تصير قلوب بعض الاشجار الندية كقلوب الحجارة و أشد
هل للريح المسافرة أوجاع .. ؟))
الصورة تبدو واضحة جلية أنها ليانة التعبيرية القارصة التي تجعلك تقف , وتتأمل ما داخل اللوحة , وما مغزى اللون وخطوطه أدبية وكيف تتشكل , وإلى أين ترمي فالمعنى العميق هو الأشمل وهو القوة الضاربة على أوتار الحس والتي تريد إيصال ما في الأعماق محملة برسالة
" ضمن صورة شعرية محددة " من طرف ثاني , قد تحمل معنى مفتوح التأويل وقد يكون بتأويل خاص ومحدد
2 أن الصورة الشعرية " منذ وجدت ما هي إلا تعبيراً عن الإحساس الداخلي منصبا في قالب اللغة , حسب بلاغة الشاعر لتروي حسا داخليا بمكون لغوي جمالي يصور ما داخلنا ويتواصل مع الخارج بأرقى الطرق الحسية اللغوية والوجدانية العميقة منها والفلسفية والسيكلوجيا وقد تتناصص مع شعر لشعراء تاريخيون أو مع الميثالوجيا والتاريخ والدين وغيرها.
يقول د . عبد الرزاق عبد الوهاب
" الى الحلاج 2
—————
متاريس من الحلم
بيني وبين الرصاص
ورأس من الغيم
فوق المقصلة .
ان سرديته هنا لتي ناصصها مع اسم الحلاج الشاعر الصوفي منتهى الاختزال بكل ما يحتوي فكره وعقيدته وشعره .. أجدها سردية رشيقة جدا تقافزت لجمل فوق السطور كما الفراش لتعطيني سردية تعبيرية قاتلة في كلمات , لنا أن نتصور اللوحة الصغيرة أمامنا وكأن الأحلام تمترست بينه وبين الرصاص كثير من الاختزال التصويري والإيحائي ثم هنا من بداية العنونة ودخولا للوحة الشعرية الصغيرة المكتظة بالرمز والإيحاء وذاك الرأس الذي رأه فوق المقصلة أشبه بغيمة يا لجمال التعبيرية الحديثة .. لم تعد تلك التعبيرية التي تمسخ الواقع لصورة قبيحة أو مشوهة مقصودة , ولون يضرب في عين الدهش منا , كما كانت في بداية نشأتها بل أنها تحولت في الحاضر لتلك اللوحة الحسية التعبيرية الجميلة , التي تخاطب الإنسان العميق فينا
أنه تعبير عما يجول في أعماقنا بجمال
قال : " رأس من الغيم
فوق المقصلة "
ولم يقل مثلا تل من الدم فوق المقصلة , نجد في المدرسة التعبيرية الصورة .. قد بلغت مبلغاً سامقا وهي ترتدي ثوبا ً تشكيليا أدبياً رؤيويا حديثاً , تعكس التأثير الخارجي القوي المنصب في المستويات الشعورية منعسكة بصورة تتلائم وهذا لتكوين الداخلي للحالة الحسية والشعرية , بصورة جمالية قوية جدا لدى الشاعر
يقول الناقد جيرالد ويلز " بأن المذهب التعبيرى هو أكثر مذهب فنى متأثر بالذاتية المفرطة "
وأرها تتشكل من عدة أجزاء
1 شكل الدالة التي يأخذها الشاعر للتعبير عن مكنونه .
لدينا هنا سرد تعبيري نقي دون المزج بالحوارية , وهذا السرد الشعري يحتاج لمقدرة تعبيرية وأدبية كبيرة توظف مرمزات القصيدة بسردية نقية لا تدخلنا بأية حوارية وألا ستتحول لبليفونية
(( يقول عبد الرزاق .. حيث الكثير من النساء المتعبات
والرجال ذوي الأقدام الكبيرة
حيث الكلاب السائبة
والقطط المولعة بالإنجاب )
أنها سلاسة سردية نقية وأن قالوا أن السردية النقية احتمال أن توجد , لتداخل أي نوع معها دون قصد الشاعر أو بقصده
أما الدالة هنا في تعبيريته أخذت رموزا واقعية , شكلت بداية أجزاء اللوحة السردية اللوحة في إيحائية شاسعة , فهي تبدو للوهلة الأولى تبدو واضحة جلية غير مبالغ بها , حتى الآن شآن التعبيرية الحديثة .. نستمر معه داخل السردية .. حيث يقول
" والرجال ذوي الأقدام الكبيرة "
هنا كان اختلاف العبارة , أنها التعبيرية الصورية حيث رأى متعبي الأرض ذووي أرجل كبيرة .. جاءت العبارة بالمفارقة الصورية الغير متوقعة .. كناية عن التعب الشديد والشقاء الكبير كنقطة صادمة
أما د . أنور غني الموسوي .. فيقول ( البركة الجريحة )
في بوليفونية التعبيرية ..
والبوليفونية : تعني السردية المكونة من عدة أصوت و هذا المفهوم نشأ في عالم الموسيقى في تداخل عدة أصوات مختلفة في اللحن الواحد وانتقل للسرد الروائي وبعدها للسردية الشعرية الحديثة العربية )
ظلّ أنا و مرآة شاحبة ، أنثر ألمه المرّ في كلمات غريبة ، ذلك النحيل الذي تدمي الصخور ركبتيه ، لقد اعتاد السير عليهما نحو البركة الجريحة . في الطريق تلقاه الأعمدة الحجرية القديمة ، تحدّثه عن الذين مرّوا من هناك ، و أيضا عن الارواح التي ملأت أعماق البركة بالنداء و الأغنيات الشجيّة ، و عن صندوقها الخشبي ، الذي تخرجه كل مساء و بحبرها الاحمر تدوّن جراحها ، ما فعلته أيدي أبنائها الغالين .
أولا الصوت الأول في البوليفونية هو شخص الشاعر
وثانيا الصوت الثاني الألم .. أما الثالث فهي البركة الجريحة
والرابع الأعمدة الحجرية .. وهكذا
أنه توظيف حديث لتداخل الرموز الشعرية في حوارية تتلاقى فيها الأصوات بكل ما تريد أن ترمز إليه وتخبر عنه
أن سرديته النقية هنا قد ترمزت المعاني بشكل كبير جدا فهي غير ما تظهر هذه المسميات الظاهرة ففي كل مسمى ترمز جزءا منه وجزء من أجزاء الوطن وأبناؤه وما حدث به وشخص الشاعر السارد .. كل هذه الأصوات تخرج نغما واحدا يشكل معنا اللوحة بنغم أدبي واحد .
2 بلاغة الصورة الحسية والبنائية والتشكيلية في السردية العربية الحديثة .. أن دراسة الصورة الشعرية بدأت من عهد أرسطو لكنها في التعبيرية التي نشأت في ألمانيا كانت مغايرة للواقعية الأرسطية تماما
فهي تعكس ما تريده الذات أن يكون , أو ما تحتج عليه وتريد نفيه , فهي تتشكل في الداخل وتطفو للخارج تشكيلا مفرطا بالذات كما سبق وتقدم
" يقول د . عبد الرزاق عبد الوهاب حسين
حيث الكلاب السائبة
والقطط المولعة بالإنجاب
حيث الأزقة تصحو
على شتائم معمرة
حتى انها ترمي بيوتنا بالوحل
والشوارع بالأبقار
."
أنها صورة موغلة بالبلاغة الكلاب السائبة بكل ما تعنيه من واسع المعنى ..
هنا الإيحائية الرمزية لعبت دورا كبيرا في بلاغة الصورة المقدمة , والتي تنفذ لداخل المتلقي لتفتح له مجالات التأويل بصورة كبيرة جدا
يستكمل اجزاء اللوحة السردية
" والقطط المولعة بالأنجاب "
أن الرمزية للدالة تفتح أفق المتلقي للمقارنة بين المحيط الواقعي واللوحة المرسومة , ومن هنا تكون المقارنة بما هو بين يديه من طرح شعري حسي يفتح الأفق العمودي والمستوى الأفقي للمتلقي , والتأثير به على أوسع المستويات .. فهو يخلص لأعماقنا بقوة
فهذا التأثير هو من غابر الأزمان , كما تأثرنا بالدين ينفذ للداخل فالشاعر رسالة تعبر لداخل النفوس , بكل ما تحمل الصورة والإيحاء السيكلوجي الشعري
" حيث الأزقة تصحو
على شتائم معمرة
حتى انها ترمي بيوتنا بالوحل
والشوارع بالأبقار "
كأن هذه الأزقة في هذا الوطن الجريح لا تصحو إلا على الوجع الأزلي , كأن صحوتها لا تكون إلا على الشتائم المنصبة من حيث لا يعلمون .. هي وحل يتناثر على المدن ممن يردون حتلاالوطن بصورة أخرى
أنه الحس الموغل بصعوبة الإشراقات , التي تتأتى محملة بجراح الوطن .. لنا أن نتصور أزقة بأهلها وأناسها تستقبل اليوم بالألم " إذا هو . تشكيل مغاير في تكوينه للواقعية " التي يجب أن تكون صورة تتضح جليا في السياق الشعري .. أنها التعبيرية الحديثة بمفارقتها
أنها نفس الشاعر المكونة للصورة حيث ترسمها , ضاجة باللون قوية بالخطوط واضحة بالرؤى الخارجية , مبطنة بالمعنى الهادر والمستتر تحت التشكيل الخارجي
وهي التي تدفع بالمتلقي لرفض هذا الواقع كما يرفضه الشاعر .
يقول الشاعر الناقد سعد غلام ..
قطرة دم مزقت بكارة الصفوان
فطرت الصوان ،
شتته جذاذات بين ؛
اوزبكستان والشام "
أن السردية تدخل في لوحة تعبيرية تضم صورا مقتضبة بمرمزها و عميقة في تشكيلها وفي تكوينها العام .. أنه يلخص الدم السوري والعراقي ترمزت بقطرة دم تناثرت في الكون بعد كل ذاك القتل الذي غطى الجهات ..
أن الشعرية العميقة والرشيقة الصور , كانت تتنقل بنا برشاقة من صورة لأخرى تستجمع كثيرا من مخزون الغليان الشعري والذي طفا للأعلى , بعد أن تناسق بصور مرتبة تتدافقت مشتعلة , أنه انتضاض الشاعر الرافض للوضع المؤلم في الماحول يذكرني , ذلك بلوحة الغرونيكا بأجزاءها التجريدية التعبيرية المتناثرة في اللوحة بمرمزاتها الواسعة والتي اشتملت على عناصر المجتمع وقوة الثور , وما فعلته الحرب البشعة بالبنية التحتية كاملة .
3 فلسفة الصورة في تقديمها نفسها وفي استخدامها الفلسفة الهادئة
ندخل لقصيدة الشاعرة رشا السيد أحمد
أنا لست أنا "
حين أحلق في الأكوان البعيدة
أنا هو الذي يماشيني في الهنا والهناك
أنا هو الذي يتلو أنغامه فأستمعه بحب
أنا هي التي تمضي لسموات علا فيلوح هو لي بيمينه
وغمزة روحه بينما يتلاشى ظلي "
أن القصيدة فلسفية من أول تركيب مجازي تقول :" أنا لست أنا حين أحلق في الأكوان البعيدة "
إنه نفي للذات تأخذنا معها داخل النص لا تجعلنا نقرأ فقط من الخارج أنه جمال التعبيرية الحديثة , يحركنا من الداخل لسيل من الأسئلة والايحاءات والاستنتاجات .. تأثير يدخلنا دون قصد منا
ونجد سؤال ينتض للأعلى
أنا هو الذي يماشيني في الهنا والهناك
أنا هو الذي يتلو أنغامه فأستمعه بحب
أنا هي التي تمضي لسموات علا فيلوح هو لي بيمينه
وغمزة روحه بينما يتلاشى ظلي "بقوة إذا من تكون هيا
تقول "
اذا ظل يسكن ظل يشاركه الروح ( يماشيني في الهنا والهناك ) في البعد والقرب .. بلاغة فلسفية تتبدى بقوة في كل مجاز تقدم يستوقفنا لديه .
4 طريقة رسم الصورة وطريقة تشكيلها وتضافرها مع بقية أجزاء العمل الشعري .
الناقد الشاعر سعد غلام يقول
" استمع لسوناتا القمر
أحلق في مكتبتي : عصفورا
اسمع تهدج صوتك أهيم فراشة للقمر
سنابل الحنطة تمشط شعرك بعبيرالعنبر
اللجين
تجدله ويبقى مسدل
يكاد يسيل بعد ان يصبح الليل "
إذا تتبعنا اللوحة السردية هنا بكل أجزاءها , نجدها سلسة لينة تنساق في صورة بهية تتنقل بسهولة , من مرمزة لأخرى من لون لآخر متباثقة بأناقة صورية , تستوقفنا عند كل لقطة نتأملها لنعبر بها للصورة الأخرى , حتى تتضافر كلها مجتمعة وتشكل لنا اللوحة السردية الشعرية بعذوبة راائعة
ليصل لمقتل المقطع , وكأنه قصيدة كاملة بحد ذاته فقد تكاملت الصور مع بعضها البعض , لم أشعر لوهلة واحدة أن الشاعر تشتت فكره خارج ما يصبو إليه من سرد تعبيري شعري للوصول بنا لما داخله , أو أن أحد الصور كانت مخالفة للنص في التكوين بل عبارة عن أجزاء التصقت , ببعضها وشكلت العمل كاملا
5 وقد تكون الصورة تعبيرية تجريدية متداخلة فيما بين بعضها البعض وهذا المثال نجده بقوة في الشعر الأمريكي وهو بحاجة لمبحث خاص أما عربيا فقلة من الشعراء من أجادو هذا التمازج الجميل
أجدها عند الشاعر العراقي أيضاً كريم عبد الله
حيث يقول " فكمْ إستهلكتْ جوازات السفرِ زيّنةَ التصاوير الباهتة تتسلّى بعيونهم البنيّةِ , وفي المطاراتِ دائماً كانَ يمزّقها حنينٌ راكضٌ على منحدراتِ الأحلامِ البرّاقةِ فيشطبُ مواعيدنا أيّها المعشوقُ على حبالِ الروح كنْ سعيداً فالأيادي التي ترفعُ للسماءِ دعوات القرابين ستضيءُ أبوابَ الخراب "
أن التجريدية أن تمازجت بالتعبيرية ستكون معنا مقومات مشتركة من المدرسة التعبيرية والتجريدية التي تقدم الأشكال بأبسط ما يكون موحية بعمقها الفني
دون أن تظهر الذات المفرطة , للشاعر أنما تعنى بالماحول بتأثيره القوي , وبشكله الذي قد يكون مشابها للأصل وقد لا يكون ضمن خطوط هندسية ومساحات لونية بعيدة عن الواقع ورائد هذه المدرسة الفنية هو بيكاسو والتي انتقلت أفكاره فيما بعد للشعر
يقول الأستاذ كريم عبد الله : في مطلع تعبيريته التجردية
" فكمْ إستهلكتْ جوازات السفرِ زيّنةَ التصاوير الباهتة تتسلّى بعيونهم البنيّةِ " أنها صورة جردت مسميات الأشياء الواقعية وترمزت لها بتجريدات بسيطة أختصرت الكثير في جوازات السفر وهذه الصور (الباهتة تتسلى بعيونهم ) و التي صارت باهتة بفعل العوامل المشتعلة والبائسة بفعل الحرب التي لا تتوقف في الماحول
أنه اجتذاب المتلقى بصورة تجردية رائعة , تستوقفه عند اللون والخط والفكرة والتدرج الصوري , وتشابك المساحات مع بعضها البعض بخيال جديد وماتع كل ذلك انصب في الشعر ليكون أدبيا ينعكس على الشعرية والصورة
وهذه التجريدية مازجت التعبيرية وظهرت بلون ونكهة وتعبير وتشكيل رؤيوي تخطى الحداثة
يقول الأستاذ كريم عبد الله " وفي المطاراتِ دائماً كانَ يمزّقها حنينٌ راكضٌ على منحدراتِ الأحلامِ البرّاقةِ "
السرد مستمر يمر انسيابيا على السطور في كتلة واحدة متماسكة وحتى فكرة الكتلة المتماسكة أتت أيضا من الفن التشكيلي من النحت بالذات مبدأ الكتلة الواحدة , والذي يعطي الشكل القوة والتماسك والدعم المتبادل ..
وعلى الرغم أني أرى في هذا المنحنى , من وجوب وقفات تنفسية للنص لينة بين السطور , أو الأشطر الطويلة لتعطي فرصة التوقف والإبحار في المعنى , حتى لا يسرق كل شطر المعنى مما سبقه .. فيضيع منا تلك المتعة التذوقية والنشوة الشعرية لكل صورة , فيما نحن نسرع لمتابعة ما ألتصق من تراكيب صورية أو سردية ..
أحبتي هنا ننتهي في دراسة الصورة التعبيرية السردية وإرساليتها و ما ألت إليه و تقديمها في القصيدة السردية الشعرية الحديثة العربية والشكل الذي وصلت إليه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.