محافظ الجيزة: غلق صناديق الاقتراع بجميع اللجان الانتخابية في اليوم الأول لانتخابات مجلس النواب    وزير الاتصالات: مرتبات صناعة التعهيد مجدية.. الشاب الواحد يصدر حتى 100 ألف دولار سنويا    الصين: نتوقع من أمريكا الحماية المشتركة للمنافسة النزيهة في قطاعي النقل البحري وبناء السفن    هشام نصر: تصرف زيزو غير منضبط ويستوجب الإحالة للانضباط    نجم الزمالك يزين قائمة منتخب فلسطين ب معسكر نوفمبر    دار الكتب تحتفي ب"أنغام التاريخ" في ندوة تجمع بين التراث والفن التشكيلي    موعد ومكان جنازة المطرب الشعبي إسماعيل الليثي    آن الرفاعي تفجر مفاجأة عن طلاقها من كريم محمود عبدالعزيز    عاجل- انخفاض نسبة المدخنين في مصر إلى 14.2% عام 2024 وجهود حكومية موسعة لبناء مجتمع خالٍ من التدخين    كشف حساب صفقات الزمالك 2025 بعد خسارة السوبر.. ثنائى ينجو من الانتقادات    استجابة سريعة من الداخلية بعد فيديو تعدي سائق على والدته بكفر الشيخ    هذا هو موعد تشييع جثمان إسماعيل الليثي لمثواه الأخير    الداخلية تكشف حقيقة «بوست» يدعي دهس قوة أمنية شخصين بالدقهلية    وزارة الداخلية السعودية تطلق ختمًا خاصًّا بمؤتمر ومعرض الحج 2025    عبر مدخل جانبي.. الرئيس السوري أحمد الشرع يدخل البيت الأبيض بهدوء دون ضجة اعلامية    ترامب يصدر عفوا عن شخصيات متهمة بالتورط في محاولة إلغاء نتائج انتخابات 2020    مراسل إكسترا نيوز ل كلمة أخيرة: لجان المنيا شهت إقبالا كبيرا حتى ميعاد الغلق    عمر الرملي يحرز ذهبية الجودو بدورة ألعاب التضامن الإسلامي    «هنو» فى افتتاح مهرجان «فريج» بالدوحة    فيديو.. سيد علي نقلا عن الفنان محمد صبحي: حالته الصحية تشهد تحسنا معقولا    وكيل صحة القليوبية يتفقد مستشفى الحميات ويتابع تسليم مستشفى طوخ الجديدة    وزارة السياحة والآثار تُلزم المدارس والحجوزات المسبقة لزيارة المتحف المصري بالقاهرة    العراق يرفض تدخل إيران في الانتخابات البرلمانية ويؤكد سيادة قراره الداخلي    ضبط لحوم دواجن في حملة تموينية بشبرا الخيمة    الأمم المتحدة: إسرائيل بدأت في السماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة    وزير التموين: توافر السلع الأساسية بالأسواق وتكثيف الرقابة لضمان استقرار الأسعار    أخبار الإمارات اليوم.. محمد بن زايد وستارمر يبحثان الأوضاع في غزة    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    المستشارة أمل عمار: المرأة الفلسطينية لم يُقهرها الجوع ولا الحصار    قريبًا.. الذكاء الصناعي يقتحم مجالات النقل واللوجستيات    طريقة عمل الكشرى المصرى.. حضري ألذ طبق علي طريقة المحلات الشعبي (المكونات والخطوات )    فيلم عائشة لا تستطيع الطيران يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش السينمائي    في أول زيارة ل«الشرع».. بدء مباحثات ترامب والرئيس السوري في واشنطن    نماذج ملهمة.. قصص نجاح تثري فعاليات الدائرة المستديرة للمشروع الوطني للقراءة    العمل تسلم 36 عقد توظيف للشباب في مجال الزراعة بالأردن    رئيس الوزراء يوجه بتعظيم الإيرادات الاستثمارية للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي    كرة سلة - الكشف عن مواعيد قبل نهائي دوري المرتبط رجال    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    تأجيل محاكمة 23 متهمًا ب خلية اللجان النوعية بمدينة نصر لجلسة 26 يناير    انتخابات مجلس النواب 2025.. إقبال كثيف من الناخبين على اللجان الانتخابية بأبو سمبل    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    البنك المركزي: ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.1% بنهاية أكتوبر 2025    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    بالصور| سيدات البحيرة تشارك في اليوم الأول من انتخابات مجلس النواب 2025    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    هبة عصام من الوادي الجديد: تجهيز كل لجان الاقتراع بالخدمات اللوجستية لضمان بيئة منظمة للناخبين    ماذا يحتاج منتخب مصر للناشئين للتأهل إلى الدور القادم من كأس العالم    حالة الطقس اليوم الاثنين 10-11-2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    تأجيل محاكمة «المتهمان» بقتل تاجر ذهب برشيد لجلسة 16 ديسمبر    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    وزير الزراعة: بدء الموسم الشتوى وإجراءات مشددة لوصول الأسمدة لمستحقيها    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    شيكابالا عن خسارة السوبر: مشكلة الزمالك ليست الفلوس فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة لجدارية " الولادة في جدار" للكاتب العراقي الكبير / عبد السادة جبار
نشر في شموس يوم 27 - 05 - 2015

يلعب الجدار او الحائط حتي في قرآننا الكريم ، وفي التراث الحضاري الإنساني دوراً كبيرا ، وقد حفظ عليه الأقدمون تاريخهم ووصلنا ، فا إفتخرنا به ،وصار لنا تُراثنا ، وصار لنا ما يُعلي قاماتنا.
والجدار أو الحائط ، لم يعد بناءً أو سياجاً مما ألفناه ، بل صار ذاك الدرع الذي يحمله الجندي ، وصار ايضاً " حائط الصواريخ " في المدنِ وجبهات القتالِ ، بل و صارأيضا يؤمن ويحدد ، ويحمي ، وأخيرا صار جداراً إعلامياً جماهيرياً يُسجل عليه نبضات وخفقات وإخفاقات الحكوماتِ والشعوب .
ويأبي كاتبنا العراقي القدير / عبد السادة جبار ، إلا ان يكون له حائطاً وبإسمه ، يمتد اكثر من التسعين صفحةً ليلصق عليه حصيلة طوافه ، وتحليقه ومسحه لأحداث عاصرها أو خزنتها مُستقبلاته الفكرية والفنية الواعية . إن جدار كاتبنا ، كل ملصق عليه لا يشكل ملصقا إعلاميا توثيقياً فقط ، إنما في الملصق نفسه تري وتعيش مع شخصياته وحواراتهم وتداعيات الأحداث فيه، ستجد في كل سطر في الملصق كائنٌ حيّ يَشُدك في إتجاههِ ويُلبسك ما يلبِسون ويُنطقك كما ينطقون ، فتعيش المعاناة ، وتعيش الخيارات ، والتمزقات ، تعيش سكرة الموت ، وغفوة الأمل فتتمدد صامتا في إنتظار ما لا يجيئ .
القارئ لعناوين المجموعة يجد حقيقة صعوبة في إختيارنص بذاته ليقف امامه ، من هذه العنوانات وحسب ترتيبها علي الجدار:
الضفة الأخرى / موت شرف / تلك الأحلام / صديقي الأمريكي ، الصديق / فيروس / ولادة في جدار / القصيدة / غابة في الفضاء / عاشوراء في حزيران
أدهشتني براعة ترتيب الملصقات علي الجدار !
جدار كاتبنا ليس كأي جدار ، خيار إختيار الإسم دلل علي ما سبق ان ذكرنا عن دور ، ووظائف " الجدار" القديمة والمستحدثة ، هذا الجار الذي أنشأه كاتبنا صف عليه ملصاقت توثق لحقبة تمتد لأكثر من 5 عقود عاشها " المواطن العراقي / العربي الذي يتشابه مع اي وكل مواطن عربي ، في اي دولة عربية ( الدول العربية في مجملها تحت اي من التوصيفين التاليين * دول تحكمها أسر حاكمة ، ودول يحكمها " ثوريون " وكلا النظامين في النهاية يتشبهان ) ما يعنيني بعد هذه الفقرة ، ان المواطن العراقي كان مناط تتبع وبحث ومعايشة له من كاتبنا القدير ، تتبع أماله البسيطة ومعاناته الحياتية اليومية لتحقيق ما يستطيع من هذه الإمنيات البسيطة ، مع إدراكه ( إن ما عليه ليس سوي المحاولة ) ،
صَحِبنا – كاتبنا – في ملصقه الأول " الضفة " وكيف عبرها العراقي الأب ليتحرر من أسر وعبودية إقطاعي ، ليلاقي ومن بعده العراقي / الإبن ، ليلاقي مرارة وآسي يعادل ما فر منه أبيه ، وينجح الكاتب في رصد بعض من مشاهد المعاناة والمرارة من خلال الأسرة التي رأي كبيرها أن " العبور " والإنتقال من ضفة لأخري كفيل بإستقامة الشجرة وفروعها . ، فهل حقق " العبور " إلي الأرض الجديدة .. الحرية والحياة المنشودة ؟.
ثم يأخذنا الكاتب إلي الموت الداهم القادم من السماء في" غابة في الفضاء " ، وهناك إيضا نواجه مع الحمام البري ، وحتي الأليفة المطلق سراحها ، تواجه هذه الحمامة ايضا مع السرب خطرا وهولا أشد مما كانت فيه أو إعتادت عليه ، وذلك في صورة طيور برية ترمز إلي العدو الغاشم القادم من السماء ، فلا يجد السرب مأوي بعد أن إحترقت ودمرت " رؤوس وهامات العمارت " وسكنها الدخان الخانق والمتصاعد منها ، من شدة ونيران القصف الأتي من السماء ، لتنتفي مواطن اللجوء الآمن للحمام . وينتفي ايضا كل امل في السماء كما علي الأرض
نفس الشئ ، نفس المعاناة ، نفس الألم ، ، وضياع حتي الحلم ، يتجسد في " تلك الحلام ، كما تجسد في الأمريكي الصديق لنجد عذابات هذا الأمريكي تضارع عذابات ذاك الذي رأي " إنسانية " الإنسان ، يمكن ان تكون متوحدة ، وإن إختلفت التوجهات ، لكن ايضا حتي ذلك الغريب الستنجد به لا يحقق ولا يصلح ان يكون صديقا ، وإن توحدت التوجهات ومرارات المعاناة " الأنسانية " ، فكأن المواطن والإنسان العراقي / العربي يتشابه مع " سيزيف " عليه ان يحمل آماله وألامه ، ومعاناته وحده ، لأقصي نقطة يبلغها ويعود بها إلي نفس النقطة التي بدأ منها ويعاود من جديد الصعود والهبوط كأنه عقرب ثواني الساعة لا يتوقف إلا بتعطل وعطب الساعة ! .
، وينقلنا الكاتب لملصقه الرائع ، وهو عنوان المجموعة " ولادة في جدار " ، لنعيش معه عذابات قسوة ما يصنعه " الجدار " وهي الجدران التي نقبع ونعيش عمرنا كله داخلها ، تماما كما الأسماك في الماء ، نموت ، إن حاولنا الخروج منها أو القفز إلي خارجها ،وتأتي فقرته التالية بعصب فكرته لتصدمنا فكأن كل كلمة في الفقرة بعضا من حجارة " الجدار " ينصبها او يرصها امامنا .. يقول :
"من المسئول..؟
من راكم تلك الجمرات غير القابلة للنوهج .. تلك الشكوك ؟ من بني جدارا ليحدد كينونتنا.. لمن إنتماؤنا .. للقومية .. للدين .. للطائفة .. للقبيلة .. للوطن ..للسياسة ؟ ماذا لو أخبرني " سليم حساني " في المقهي أنه يهودي .. هل سأغدره إلي الأبد ؟ لو كان "جيو " يهوديا ، هل سأزرع مفصله في ساق " قيس " ، ما الفرق بين " مرتشيا / مسيحية " و " سليم / مسلم ؟
أربعون سنة ولم اسأل نفسي أين إرادتي ؟ من يصنع القناعات .. وكيف تولد بين الجدران ؟
تحتاج تلك الأسئلة إلي اجوبة صريحة ، لو حصلت عليها سأولد من جديد … لكن الأعماق ترفض الإجابات .. الجدران ترفض الولادات ………… "
"هل يولد من جديد داخل جدران البناء القديم … هل تتمكن الولادة ، ان تمدد أطرافها .. أم تصطدم بتلك الجدران لتنمو مشوهة … "
الفقرة السابقة توجزمدي المعاناة الفكرية والنفسية ، معاناة الفار بإبنه من جحيم إنغلاق فكر "جدران " حكم الثوار ، وقمع الحريات ، ، فيحاول في هذه القصة ، المواطن ( المسلم / العراقي / العربي ) ، بعد أن خلع سترة النظام أو خلعه النظام ، يحاول الهرب والفرار بإبنه ليصل بعد مكابدة إلي " رومانيا " لعرضه علي طبيب فيواجه بضرورة تركيب مفصل ، فتتبرع مواطنة " مسيحية " من رومانيا بمفصل إبنها الذي مات حديثا ، ويدله علي هذه المواطنة " يهوديا " فينتابه الفزع والقلق عن الثمن الذي يفترض أن يطلبه اليهودي مقابل هذه الوساطة ، وهل سيكون الثمن ان يجند كعميل او جاسوسا لصالح إسرائيل الصهيونية ؟
فايكون في هذا الملصق الرائع ، تجسيدا لفكر كاتبنا القدير حين إختار الجدار عنوانا لمجموعته ، وحين لصقها للتصدر جدارا صنعه يعبر عليه عن مرارة خمسون عاما تجرعها ( المواطن / العربي ) بحثا عن وسيلة يقفز بها فوق جدار الأسر ، وتضييق الحريات ، وصناعة "طابوق أو احجار " جدار " يفرضه اي نظام .
وإذا كان الفن والأدب ، والشعر خاصة ، حيث يجد المواطن / المثقف في القصيدة وسيلة في ليله ومه تهويمات عقله تخرجه من همه ، وغضبه كذلك الإبحارفي عالم الكتب و القراءة فإن الكاتب لم يفته أن يقدم في ملصق " الفيروس " خطر إدمان القراءة التي تصبح فيروس ينتقل كعدوي بعد ان تفتك بصا حبها ، و تتحول كما الطاعون ، يحاصر البلدة ليهلكها ، وفي " القصيدة " تصبح مسودتها دليل إدانة مفتعل يُسحق صاحبها ، ويُصلب ، ويُعتقل كل صاحب إسم ورد حرف من إسمهِ في المسودة أو القصيدة . فلا يُفلح الفن أو الأدب ليكون عاصما من هول أي جدار ولو رافعا علم الأمن والأمان فكأن الفن ، والأمن لا يلتقيان في ساحة بعض الأنظمة !
وتتكرر نفس وكل مشاهد المعاناة في " الموت المشرف "
حين عصفت التغييرات الدراماتيكية بالعراق ، نري كيف نالت قطعان الأغنام ما نال البشر ، نلتقط هذه المحاورة بين الخروف " دعلج " والنعجة " زاجية " والخروف " عرفان " .
لا فرق في النحر علي عمود كهرباء أو في المسلخ ..
الأمر مختلفيا عزيزي ، في المسلخ يتم نحرنا بعيدا عن عيون الأطفال ، وتشطف اجسادنا بسواقي دون أثر للدم أو الفضلات ، الأمر مختف.. مختلف ..
نظر " عرفان" إلي بقية القطيع النائم وقال بحزن عميق :
لوكنا في الريف .. في المراعي .. لكان نحرنا مشرف .. من ساقنا إلي المدينة .. هناك الرعاة … اصدقاء للقطعان ، يلعبون معهم .. يسمعونهم صوت الناي .. لقد أزكمت انوفنا النفايات ، اصبحنا أغناما قذرة .. يلقمونا فضلاتهم ، ويسوقنا للذبح في الشوارع … " ..
وهكذا جدار الخمسين عاما الذي بناه – كاتبنا تحول إلي جدارية ابدية ، للأجيال القادمة .
وفي " عاشوراء في حزيران "
أن التاريخ يعيد نفسه ، وأن ما حدث ورواه التاريخ ونحفظه حين شرع ولاة امر ذلك الزمان والتاريخ في التراشق بالأفكار ، واشتعلت الفتنة ، وجرت الدماء ومات من مات ورفعت الوية الشهداء ، فها نحن ننتكس مرة اخري ويتضاعف عدد الشهداء بعدد الرايات والألوية المرفوعة ، كأن الجراح والدموع مكتوب عليها أن تصنع نهراحتي إلي ما قبل يوم القيامة .
ومعلوم أن كل الأنهار تجري إلي البحر والبحرلم يمتلئ يوما …!
أمام الجدار وامام الولادة علينا ان نصطف بباقات الورد لأستاذنا وكاتبنا العراقي القدير / عبد السادة جبار .
س ج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.