على امتداد مسارات الوعي الإنساني، لم تَنفَصِم علاقة الجسد البشري –جسد المرأة تحديداً، بِوَصفِهِ تحَقُّقاً بصرياً ووجودياً لِقوى الروح وهواجس النفس معاً – بالبراح المترامي لِتجليات الطبيعة الأم، سماءً وأرضاً ونباتاً وكائنات،باعتبارها الإطار الحاوي لنبضات هذه الروح القلقة، والوعاء الجامع لأصداءِ هواجِسِها القديمة قِدَم المعرفة المتحَصِّلة بالوجود. وخلال تَقَلُّبات المسيرة الحضارية، كانت مرايا الصورة الفنية مَجْلُوَّةً دوماً، ومتأهبة لاصطياد ما ينعكس عليها مِن شواردِ قرائحِ الفنانين، الذين استقطبَهم فضول استطلاع أسرار تلك العلاقة الجسدية/ الأنثوية/ الطبيعية، واستدرَجَهُم غموضُ معانيها وتشَعُّبُ مَسَالِكِها، مُؤجِّجاً لديهم رغبة الكشف والاكتشاف، ومثيراً فيهم تحدياتِ فَضّ مغاليق رموز تلك العلاقة وتَتَبُّعِ علاماتها. وقد كان تاريخ الفن العالمي حافلاً – منذ أقدم عهود فنون ما قبل الحضارات –بالشواهد الدالّة على استحضار الفنانين لوَمضات تلك العلاقة، في فنون مختلف الثقافات؛ بدايةً من تسجيل اختلاجات الجسد الأنثوي في طقوس السحر التعاطُفي وجولات الصيد البَرِّية، التي حفظتها لنا تصاوير كهوف ما قبل التاريخ، مروراً بالاحتفاءِ بقوى الخصوبة مجسَّدةً في أعضاء المعبودات الإناث، اللائي لعبن أدوار (الأم الكبرى) بمختلف الحضارات القديمة شرقاً وغرباً، وتخليد النِسَب البنائية الكاملة للجسد، المذكر والمؤنث، باعتباره امتداداً كونياً أصغر Microcosm للبراح الكوني الأعظم Macrocosm في منحوتات الإغريق والرومان، والاقتناص الشعائري لسطوة اللذة وسُلطة الغريزة، باعتبارها تجسيداً لتفاعُل قوى الكون بأجلى معانيها في منحوتات كهوف "أجانتا" Ajanta الهندية، وصولاً إلى استعادة أساتذة النهضة Renaissance لتراث الاحتفاء البصري بهذه العلاقة الطبيعية/ الجسدية، وإعادة الاعتبار لها بعد قطيعةٍ وهَجْرٍ ألقَى عليهما تقشف العصور الوسطى وإفراطُها في النُسْك ظلالاً كثيفة مِن الإدانة. وبرغم هذا الزخم الحضاري والفني لصورة الجسد الأنثوي، في التحامِه بالطبيعة وتَماهيه فيها، فقد كان على هذه العلاقة المُمْعِنة في القِدَم أن تنتظر بين فتراتٍ وأخرى، حتى تستقبل قرائح فنانين مِن نوعٍ خاص، يعيدون النبش في مَسارِب هذه العلاقة، ويزيلون عنها ما تراكَمَ من أدران الأفكار الاعتيادية وأتربة المفاهيم المستهلكة، ويُفيضون عليها مِن رُواء أساليبهم ما يجعلها قابلةً لمواكَبة المستجدات الثقافية، وقادرة على تقديم تفسيراتٍ للظواهر النفسية المُرَكَّبة، وعلى سَبْر أغوار العلاقات الإنسانية المعقدة، وعلى استحضار صورة المرأة استحضاراً متجدداً، باعتبارها الطرف الفاعل في هذه العلاقة، والمُعادِل الواعي لنزق الطبيعة الجامح، والغاية التي يستهدفها العاشق/ الفنان/ المُتَلَقّي، بالانشغال والاستكشاف والتأمل. في إطار هذه الرؤى الاستكشافية، كانت أُطروحات الرائد النَهضَوي "ساندرو بوتيتشيللي" Sandro Botticelli (1445 – 1510)، لتوأمة الأنوثة والطبيعة المُزهِرة في لوحة "الربيع" Primavera (1482)، فتستمد الورودُ أريجَها من نضارة الحوريات الراقصات، ساندرو بوتيتشيللي، الربيع، ألوان تمبرا على خشب، 1482، محفوظة بمتحف "أوفيتزي" بفلورنسا. . وفي لوحة "مولد فينوس" The Birth of Venus (1486)، حيث انتَثَرَت الأزاهيرُ تُوَشّي ثوب "منيرفا"، وتكسو عباءةً توشِكُ أن تستُر جسد سيدة الحب والفتنة العارية. ساندرو بوتيتشيللي، مولد فينوس، ألوان تمبرا على قماش، 1486، محفوظة بمتحف "أوفيتزي" بفلورنسا. . وعلى الدَربِ ذاتِه اجتهد أساتذةُ "أخوية ما قبل الرافائيلية" Pre-Raphaelite Brotherhood، لنقل العلاقة صوبَ روحانيةٍ رمزية، استفادوا فيها من تراكمات التراث الإنساني، وبخاصةٍ لدى "دانتي جابرييل روسيتي" Dante Gabriel Rossetti (1828 – 1882)، في لوحاته: "بروسِربينا" Proserpine (1874)، دانتي جابرييل روسيتي، بروسيربينا، ألوان زيتية على قماش، 1872، محفوظة بمتحف "تيت" ببريطانيا. . و"حلم النهار" The Day Dream (1880)، دانتي جابرييل روسيتي، حلم النهار، ألوان زيتية على قماش، 1880، محفوظة بمتحف "فيكتوريا وألبرت" بلندن. . و"الفم الذي تلَقّى قبلةً لِتَوِّه" Bocca Baciata (1859)،