الدكتورة عواطف الزين، إضافة لكونها شاعرة وكاتبة لبنانية، فهي شخصية وناشطة إعلامية مرموقة، فقد عملت في الصحافة الكويتية والعربية منذ عام 1975م وتولت مناصب عدة في بلاط صاحبة الجلالة (الصحافة) من محرر أول إلى رئيسة قسم ثقافي، إلى سكرتير تحرير، ومديرة تحرير في العديد من الصحف والمجلات، من بينها صحيفتي القبس والوطن. لديها إصدارات عدة، من بينها كل الجهات الجنوب "أوراق ملونة"، وزمن الصداقة الآتي " ولو ينطق البحر " ووجوه للإبداع و "الثقافة وطن " وعزيزي النابض حبا" وأوراق امرأة، حاصلة على بكالوريوس آداب ودراسات عليا في المسرح، ودكتوراه فخرية من جامعة الحضارة الإسلامية في بيروت، وهي عضو في العديد من المؤسسات والهيئات الثقافية والصحافية في لبنان، والكويت، وحاصلة على العديد من الجوائز وشهادات التكريم من كافة الجهات الثقافية، مسرح وسينما، وتشكيل تراث في كل من الكويتولبنان. كعادتي مع كل من أحاورهن من الأديبات، كان سؤالي الأول لها هو: @-من هو المثقف في مفهومك الشخصي، وهل شرط كل من حمل شهادة جامعية علمية هو مثقف؟ المثقف هو الذي يتمتع برؤية خاصة، وبموقف واضح من الحياة والناس، "وهو الذي يستطيع أن يكون مسئولا عن مواقفه وآرائه، وعن شخصيته الداخلية، بكل ملامحها الإنسانية، وبمعنى آخر هو تلك المنظومة الشاملة للمعرفة..كمعرفة نفسه أولاً، ومن ثم معرفة ما يجري حوله في هذا العالم. هو ذلك الإنسان القادر على التحدي ومواجهة الجهل بكل صوره. هو الذي يمتلك نظريته الخاصة وسلامه النفسي، والخلقي، والاجتماعي..قد يكون للشهادة العلمية دورها في هذا الإطار، لكنها ليست الأساس "وإلا سوف نظلم عباقرة من مختلف العصور ممن لا يحملون شهادات علمية وأبدعوا في ابتكاراتهم، وإبداعاتهم، ومواقفهم، وأعمالهم، وإنتاجاتهم على كل صعيد ..واستكمالاً للصورة الكاملة لشخصية المثقف، عليه أن يكون ملماً بالكثير من المعارف، والمعلومات في شتى الميادين..خصوصاً، وأن كلمة مثقف اتخذت في أيامنا هذه ملامح غير ملامحها الأصلية. فالمثقف في رأيي هو كل تلك الأشياء مجتمعة، وقبلها هو الإنسان الطبيعي والعادي، البعيد عن الغرور والتعالي، والإدعاء إلى جانب صفات أخرى كثيرة ..يصعب حصرها . @-ما هو الدور المناط بالمثقف للقيام به في مجتمعه خاصة، والمجتمع العربي عامة وتقييمك بشكل عام لهذا الدور؟ وما هو رأيك سيدتي بالمثقف العربي بشكل عام، ودوره الغزلي مع السلطة الحاكمة ومحاولة نفاقها ومهادنتها وخدمتها والدفاع عنها، وهل هذا العمل مقبولا منه؟ المثقف في رأيي هو مسئول، بقدر ما يحمله من ثقافة فكرية، وعلمية، واجتماعية، تجاه مجتمعه، للقيام بدوره المطلوب منه، بمعنى المشاركة قدر الإمكان في صنع القرار، أي قرار مهما كان بسيطا، "إذ ليس بالضرورة أن يكون الدور مرسوماً ومحدداً ومرتبطاً بالمظاهر، او مقتصراً على المناسبات الثقافية ."على المثقف أن يكون تنويرياً بمعنى التوجيه والتوعية المبنية على أسس أخلاقية، ومعرفية تجاه من حوله في مجتمعه، الذي يعيش فيه سواء المحلي او العربي، ودوره كبير في الإحاطة بمشكلات مجتمعه، ومحاولة إيجاد الحلول او المشاركة فيها او اقتراح الأفكار التي يمكن أن تساهم في التغيير نحو الأفضل..فالمثقف هو قائد في مجتمعه. هو عين الآخر التي يرى من خلالها أكثر وأبعد، هو الذي يمكن أن يستشرف الآتي، ويعمل من أجل الحاضر والمستقبل، في أي موقع، وعلى كل صعيد..ولكن للأسف، ما نشهده ونشاهده في هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا، أن الكثير من المثقفين، او الذين يفترض أنهم كذلك، "ليسوا في مواقعهم الحقيقية، فمنهم من انحاز لفكرة "وتعصب لها ومنهم من ارتبط بنظام سياسي، مدافعاً أو مهادناً او متملقاً من اجل مصلحة خاصة. ومنهم من جنح لموقف مذهبي أو طائفي وتمترس خلفه..وكل تلك الممارسات تلغي تماماً الدور الحقيقي الذي يمكن أن يلعبه المثقف، لخدمة مجتمعه، وتخليصه من آفاته العصبية، والدينية، والاجتماعية، التي تهدم المجتمعات، وتحولها الى ركام. بالطبع هذا ما أرفضه تماماً، وأعرف ان المثقف الحقيقي يعاني، لأنه يقف في مواجهة هذه الآفة التي تغزو مجتمعاتنا، كما يغزوها الإرهاب بشتى صوره وأساليبه . وهنا ينتفي دوره تماماً، "فالثقافة هي وعي، وليست جهلاً، وهؤلاء الذين ذكرتهم دخلاء على الثقافة، ولا يمتون إليها بصلة . @-ما هي أهم مشاكل الكتاب والأدباء العرب، التي يعانون منها من وجهة نظرك الشخصية خاصة في لبنان؟ كثيرة.. في اعتقادي أن أزمة المثقف عموماً هي أزمة الكاتب، والشاعر، والباحث، والمفكر، والمؤرخ، والناقد، والمبدع بشكل عام..فعندما تقع المجتمعات تحت وطأة عدم الاستقرار، وتتقلص مساحة الأمن النفسي والاجتماعي والثقافي تنعكس على الواقع الإبداعي للكاتب والشاعر والفنان. لأن الفن عموماً، وبكل أشكاله، وصوره، وأساليبه، يحتاج إلى مناخ صحي على كافة المستويات، كاحتياجه إلى التنفس.. فإذا ضاقت مساحات الحرية، تحت تأثير حروب هنا وهناك، داخلية وخارجية، فسوف يتأثر هذا المبدع او ذاك، بهذا المناخ حتماً..خصوصاً إذا كانت الأوضاع شبيهة بما نحن فيه حالياً، "تصبح الكلمة أكثر خطورة وأكثر مسؤولية، لأنها قد تتسبب في أثارة الأحقاد والخلافات والمشكلات، حتى وان كان الكاتب لا يقصد ذلك ابداً.هناك من يفسر الأشياء على غير ما هي، ويتخذ المواقف على ضوء تفسيراته الخاطئة، وهذا للأسف ما يزيد الأمور تعقيداً، "خصوصاً وأن لغة الحوار بمعناها الشامل، ليست متوفرة تحت تأثير ما نشهده من تكفير وتقتيل وتدمير..قد يقف الكاتب أمامها عاجزاً..المشكلات كثيرة كما قلت بداية، على صعد أخرى تتعلق بصعوبة التواصل بين الكتاب والأدباء والشعراء، بعدما تمترس الكثيرون خلف مواقفهم، او منابرهم، او طوائفهم او أحزابهم، وليس خلف وطنهم للدفاع عنه..وما أقوله ينطبق أولاً على ما يجري عندنا في لبنان. هذه قصيدة بعنوان:مناسك" عاشقة نموذج من كتاباتي الشعرية: تأخذني القصيدة الى حيث أنت، يجرفني تيارها المشاكس، أغالب أمواجه العاتية، لأصل إليك، نبته مبللة بالشوق، فتزرعني وردة بين ضفتيك، لم يصلني رفيف بوحك هذا الصباح، حالت بيني وبينه، وشوشات سوسنة، كانت على مقربة مني، تبعث رسائلها على، جناح نسمة.. يداعبها سعير عاطفة، ونداء قلب، يعز على القلب افتقادك، عند أبواب الحنين، إذ كلما أفرجت الدنيا، عن نصف غيابك، توارى نصفه الآخر خلف الغيوم، لا انتظار لبعض حضور وبعض غياب، ولا لنبتة شوق تراوح زمانها، انت حكايتي الوليدة..الوحيدة في "مناسك "العشاق. @-كيف تتمخض صديقتي ولادة القصيدة الشعرية لديك، وكم تأخذ من التفكير والوقت، وهل شرط ما بها من مشاعر عاطفية وخلافها، أن تعبر عن عواطف الشاعرة الحقيقية، أو قد تكون خيالية او تعبر عن عواطف أصدقاء وخلافه؟ جميل أن ننتقل من الأزمات إلى الشعر..الشعر في رأيي هو حالة من التجلي، تفرض حضورها وتنتقي مفرداتها، وتغوص في معانيها لتولد القصيدة ..من الصعب تحديد ملامح تلك الحالة، فهي ليست ثابتة، بمعنى ان الشعر لا يكتب في أي وقت، او حسب مزاج " الشعر، هي نوع من الإيحاء النفسي، الذي يأتي في لحظة، ويستمر حتى نهاية القصيدة. قد يطول حضور الحالة الشعرية أياماً او ساعات .. لكن كلمة شاعر هنا لا تعني أنه في اي لحظة يستطيع كتابة قصيدة..هؤلاء اسميهم "تجار شنطة شعرية " أي انهم في حالة دائمة من "النزف الكتابي" الذي يضعونه عنوة في مرتبة الشعر" وهؤلاء كثيرون جداً على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنهم من كرس حضوره بعدد من المتابعين وانتهى الأمر، ومنهم من أصدر ديوانا او أكثر..المسالة غير ذلك تماماً.."الشعر الحقيقي قليل جداً في أيامنا .رغم كثرة" الشعراء " أما لمن اكتب " فمن الصعب تحديد الآخر..قد يكون رجلاً ما مر في حياتي وترك بصمة لا تمحى،" قد"يكون حباً لم يكتمل "أو استرجاعاً لذاكرة بعيدةً ومكوناتها الحميمة "قد وقد "المهم أن ما يكتب ينبغي أن يكون صادقاً..حتى وان قيل أجمل الشعر أكذبه، وقد أمارس أحيانا"الكذب" في مواقع الجمال. ومن أجل القصيدة " ولكن الكذب الصادق إذا صح التعبير .هذا بعض ما كتبته: ناديت ع صبح بعيد مغسول بهنا، رد الورد بالأيد ما غيري أنا، قلت الورد حب وسعد، بس القصد شوفك هنا. وكتبت أيضاً هذه: تبتلو ع دقة قلبي، كلمة حب بليل الغربي، وخبيت بدمعي حنين، مشغول بتعب وسنين وبآهات الياسمين، وبشوق الأيام ألصعبي، كتبتلو وشو بدي قول، أكتر من ورق أيلول، بيضل بحالو مشغول، وتارك قلبي يعاتب قلبي، @-يقال صديقتي أن المواطن العربي عامة، إنسان غير قاريء، هل تعتقدي بهذه المقولة، أم لا ..وما هو السبب في رأيك الشخصي؟ صحيح للأسف، "هذا في رأيي يعود أولاً إلى البيئة البيتية، "ومن ثم المدرسية "لأن الإنسان العربي محكوم منذ وجد، بطغيان مختلف الأشكال والألوان، عبر حركات تاريخية حاصرته، ووضعته في متاهات حروب واستعمار واحتلال....الخ ..وظل هاجس التنوير والتعليم محاصراً، ويقض مضاجع الأنظمة التي وضعها الاستعمار المتعدد الجنسيات، الذي عرفناه على مر التاريخ. لذلك، وباختصار شديد، حوصر الطالب أو الطالبة بمناهج تربوية موضوعة أصلاً، ليظل الجهل سائداً، خوفاً من التغيير والثورات على المحتل، أو النظام، وإلا ما الذي أبقى إسرائيل حتى هذه اللحظة، لتنكل وتدمر وتخرب عالمنا العربي، بكل وسيلة وطريقة، بمشاركة تلك الأنظمة التي وضعت تلك المناهج، وأجبرتنا عليها .(حتى اللحظة ما تزال تقريبا كما هي) ..ومن الأساس، لم توضع المناهج على أسس سليمة، تمنح الطلاب مساحة للقراءة خارج كتب المدرسة، "أو الجامعة إلا فيما ندر. كنا نتعلم لنحفظ ونسمع لا لنناقش ونسأل ونستفسر..القصة طويلة وتحتاج إلى ثورة تربوية بالفعل، يشارك فيها المجتمع كأسرة وكمدرسة أو جامعة..للتشجيع على القراءة ومحو أمية من يشكو منها، لنبني مجتمعا قارئاً بكل معنى الكلمة . @-هل تعتقد الشاعرة والكاتبة والإعلامية الدكتورة عواطف الزين أن الشبكة العنكبوتية خدمت المواطن العربي والأدباء بشكل خاص، وهل هي نعمة او نقمة في رأيك الشخصي؟ هي نعمة، أذا أردنا لها ذلك، وهي نقمة إذا أردنا لها أن تكون ..هناك ايجابيات كثيرة لهذه الشبكة على صعيد التواصل الاجتماعي والثقافي...الخ .ولكن أيضاً، هناك سلبيات كثيرة تزيد الطين بله، والأمور تعقيداً وقد تساهم في تخريب مجتمعات بكاملها ..أنا اعتقد ان كل واحد منا مسئول عن جعل هذه الشبكة أكثر ايجابية، بما يكتب ويقول او يناقش ويعلن. فمثلاً هي وسيلة عظيمة لتعريف المبدعين ببعضهم البعض، او لاكتشاف مواهب جديدة في كل مجال، أو لتعلم الحوار الذي لا يفسد للود قضية "هي مكان آمن للشعور بالحرية. والتعبير بصدق، والبوح وإبراز مكامن الجمال في الأشياء، والالتقاء بأصدقاء الأمس، الذين فرقتهم الأيام والظروف، هناك المزيد من الايجابيات التي يمكن أن توفرها هذه الشبكة، التي تخطت الإعلام المكتوب والمرئي، ووضعت نفسها في الصدارة . @-ما هي طموحاتك وأحلامك سيدتي التي تتمنين تحقيقها في العام الجديد 2015م سواء الشخصية منها او العامة؟ وما هي أمنياتك؟ طموحاتي كبيرة كالعادة، أتطلع دائماً إلى المستقبل، الذي أتمناه لبلدي لبنان، ولأمتي العربية "رغم ما أصابها من وهن وتفكك، وهي الآن، في أسوأ مراحل تاريخها للأسف الشديد. أمنياتي كثيرة..وتدخل في باب السلام، والأمن، والاستقرار، والتطور، والتخلص من آفات الإرهاب، بكل أشكاله، سواء إرهاب الأنظمة، أو الجماعات أو الدول..كم يحتاج هذا العالم إلى الأمان والسلام والإبداع . على صعيد شخصي أرجو أن أتمكن من استكمال روايتي "نجمة الصبح "قريبا وإصدار مجموعة شعرية تحت عنوان: قصيدتي حمامة سلام .وأن توفق ابنتي فرح المخرجة في عرض فيلمها الروائي الأول"ترويقة في بيروت " في مهرجان كان السينمائي هذا العام، وللثقافة أمنية العودة الى جذورنا، وتاريخنا، وهويتنا العربية، ومواجهة التحديات على كل صعيد. الأمنية يمكن أن تصبح "معمرة "مثل بعض المعمرات القلائل في هذا العالم..ولكنها تسقط برحيلهن..لا تسألوني عن الأمنية التي لم تتحقق. سأحتفظ بها في الذاكرة والوجدان . تخدعنا أحلامنا، تزرع أعمارنا حدائق انتظار . هذه قصيدة من كتاباتي بعنوان:أجراس: لم يعد لدي انتماء لأشيائي وأمكنتي، وزمني المثقوب..يسقط أشرعتي، ويعيدني إلى ما قبل أن أكون بين ضياع التلاشي وهدير السكون، سأمحو بشهقة ندم نبض ذاكرتي، وأرمي في مخاض الألم، كل أسئلتي ربما أتشكل نجمة، أو صهيل غياب في خيمة، أو محض ارتياب او غيمة..أنين لكل أجراس الحنين، لم يعد لدي انتماء لأساطير الأرض أو السماء، فكل ما حولي خواء.أعرف أن أحلامي..بعيدة، إن تدانت في القصيدة، أو تداعت عند أحزاني العنيدة، لكأنه يحلو البكاء لكأنه يجدي البكاء .