بصمة هامة للكاتب و الروائى السودانى "حمور زيادة" فى الثقافة و الأدب العربي . بقلم / سميحة المناسترلى حمور زياده هو كاتب سوداني له العديد من الإصدارات السابقة مثل: "سيرة أم درمانية" مجموعة قصصية عام 2008 , "الكونج" رواية عام 2010 , "النوم عند قدمى الجبل" مجموعة قصصية عام 2014 و أخيراً " شوق الدرويش" الحائزة على جائزة نجيب محفوظ عام 2014 و المرشحة للمشاركة بالجائزة العالمية للرواية العربية 2015 "البوكر" .. و هى الرواية التى نحن بصددها الآن . مما لاشك فيه أن رواية "شوق الدرويش" هى رواية تمتلك كل مقومات الرواية الأدبية التى تحتوي على الإبداع بكل صنوفه . أولاً: فإن الكاتب يقوم بتأريخ مرحلى لفترة هامة بتاريخ السودان والتى كان لها عظيم الأثر و التى ربما لا يعلم عنها الأجيال الجديدة الكثير وهى فترة الدولة المهدية والتى كان يتعامل بها المهدى بإسم الدين من عام (1844-1885) .. وهنا يمتلك الكاتب القدرة على السرد التاريخى حيث نقل القارئ داخل مناخ و أحياء وشوارع أم درمان والخرطوم ومناحى السودان من قرى وصحراء مترامية الأطراف , فتشعر بالإقتتال و العراك و التناحر الدموى بين الفئات المختلفة بعد موت المهدى و إختلاف أتباعه بصورة أدت إلى تفاقم الوضع بالسودان وانتشار الفوضى والإقتتال. فيستعرض الكاتب أمامك الجثث المسجاة و تشتم مع بطل الرواية "بخيت منديل" رائحة الدماء فى الأروقة ومن بين السطورو تستشف القسوة والوحشية من كم العذابات المختلفة التى عاناها المواطن السودانى البسيط بدون أن يفهم لها أسباب أو هدف. " هنا نشعر في وصفه بتشابه الأمس مع اليوم فيما يحدث على الساحة العربية من إرهاب وتطرف" فكان تلاطم المواطن فى جو من الفقر و الرعب و الجوع و المرض هى الصورة التى يعيشها القارئ مع البطل و كأنه أحد شخوص الرواية .. حتى عندما ينتقل به إلى الخط الرومانسى و قصة حبه الأبدية بحواء الفتاة المسيحية اليونانية الأصل والتى ذهبت للسودان للتبشير ويصف طهارتها ونقاءها هنا قائلاً : "يليق بها خدمة الرب " , " لكنه يرتاح إلى البهاء الكنسى الذى يكسوها" إذن فأنت تعيش معه قمة التعاطف و الرومانسية ثم تعيش قدرته على خلق القوة من قمة الضعف حين يفقدها و يقرر الإنتقام لها, هناك أيضاً نجد شخصية "مريسيله " و هى الفتاة السودانية التى تعشقه و التى لم تستطع الحصول عليه برغم ما أمتلكت من مقومات و قد كان وصفها على لسان بطل الرواية " الحب صناعتها .. بالسحر لها نسب . و لها مرؤة فارس قبيلة " . وقد تساءل الكثير عن حالة العنف التى كانت تعترى بطل الرواية بالرغم من ثراء شخصيته بتلك المشاعر القوية الفياضة وذاك الحس المرهف وهنا يظهر براعة الكاتب في التعليل حينما نرى حبيبته الراحلة ثيودورا أو حواء تظهرله فى مخيلته معاتبة إياه على الإنتقام لها متسائلة: هى: كيف هو قتل الثأر يا بخيت ؟ مسح شفتيه بظهر كفه مجيباً : كالحياة صمت هنيهه ثم شرح: تحس القوة , تمتلىء بالحياة و تطير , يصبح جسدك خفيفاً حتى توشك أن تحلق .. هو كخمر لم يصنعها بشر .. إلى آخره هى: أهو احلى من الحب ؟ !! إنتفض بخيت قائلاً: هو الحب . كان هذا هو إجابة على سر القسوة و العنف و تواجد لذة الإنتقام بداخله عندما قام بالقتل من أجل الثأر ممن قتلوا حبيبته الأبدية "ثيودورا" . ثانياً: أثبت الكاتب مهارته في تضفير الحدث التاريخي بصورة سردية سلسة وناعمة عندما غزله بالخط الدرامي - الرومانسى بإنسيابية وعبقرية متداخلا معه الخط الديني و القيم و الموروثات القديمة من خلال الشخصيات المحورية و الثانوية .. فيفوز القارئ بالمعلومة التاريخية الممزوجة بالخط الدرامى الرومانسى من خلال بخيط منديل الذى يجعلنا نتسابق مع الوقت لننهل من الأحداث للوصول إلى نهايتها . كما يحسب للكاتب إستشهاده بالآيات القرآنية وفقرات من الأنجيل تأكيداً منه على ما تحتويه الرسالات السماوية من نشر للخير و الوفاق و السلام بين البشر. هنا وجب إلقاء الضوء على نقطة الغزو المصرى للسودان التى تعرض لها الكاتب بالرواية و هى حقيقة يجب أن تذكر من وجهة نظرى كمواطنة مصرية تحرص على عدم وجود أى غصة أو توتر فى العلاقات بيننا كشعبين نمتاز بدفئ المشاعر المتبادلة نظراً لحقيقة تاريخية واقعة و هى أن مصر و سائر المنطقة العربية لم تكن تمتلك حرية إتخاذ القرار نظراً لتواجدنا تحت السيطرة التركية ثم الغربية ذلك الحين , لعل أبرز دليل على إحترام الإرادة السودانية و حق شعبه فى تحقيق تقرير مصيره كان ترحيب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بإنفصال السودان عن مصر . أخيراً رواية ذات قيمة لكاتب استطاع أن يضع نفسه فى مصاف كبار الكتاب الذين يفخر بهم المناخ الثقافى الأدبى العربي كأحد البارزين فى الأدب السودانى على الساحة العربية بعد الأديب الراحل / الطيب صالح " عبقرى الرواية العربية و الطبيب الروائي / أمير تاج السر . شكراً حمور زيادة .