كتب د سمير ايوب بَوحُ قلبٍ مُتبصرٍ في المرأةِ وفلسفةُ القهوة - 18 أنتَ ، كما تَهْوى يا سعد ، قريباً او بعيداً ، حِكايَتي صُبحَ مَساء . حاصَرَني غِيابُك دونَ أنْ يَنْطفئَ قلبي . وإنْ عِشتُ فيهِ خوفاً شاقاً وَعِراً ، مُشاغِباً ومُتَحَرِّشاً . حَرِصتُ ألا أغرقَ في تفاصيلِ حساباتِ عقلي . حاولَ جاهِداً بِخُبثٍ ، أن يختصرَ شوقي اليك ، بانتقاءٍ مُتَعمدٍ مَشبوهٍ ، لذكرياتٍ جميلةٍ عَبَرَتْ . عاندتُ الريحَ لأبقى إمرأةً نقيةً على ضفافِ خوفي . وحاصرتُ وساوِسَهُ القهرية بأملٍ تعيشهُ روحي . ولم أسمح لأغاليطِ العقلِ ، أن تسرقَ أو أن تُشوه شيئاً ، مِمَّا وَقُرَعميقاً في القلب ، دون تَغَيُّرٍ أو تَحَولٍ أو مَوتٍ . جَعلتُ من غِيابِكَ يا سعد ، واحةً من القهوةِ التي لا تُزَفُّ الى شفتاي . نسائِمُها صعبةَ المِراسْ . تُهَيِّجُ ما يَسْكُنُ مُضْطراً من ألأشواقِ ولوعَتِها . ولا تَعْذِلِ المُشتاق . فَتثاقَلَ الوقتُ . وتَباطَئَتِ الليالي . ولم تَعُد أجنِحتي قادِرَةٌ على التحليقِ بِنا معاً فوقَ السحابِ كما إعتدنا . كُنتُ ما أن يرتديَ الليلُ عَتمَتهُ ، ويرفعَ أستارَهُ ، وتَتَسكع في أرجائِه قُطعانُ الوحدة ،والصمتِ الخارجي ، أتجرأُ وأطلقُ سراحَ حواسي وأعِنةَ خيالي وأُنْطِقُ شوقي . كنت أُشرع نوافذَ الأِنتظارِ وأَستنشِقُك ، مع أن بردَ الحنينِ كان نَزّازاً لا يرحَمْ ، مخالبه مُشتبكةٌ مع الحشى . كَوَنَّاتِ رَبابةٍ تحاصر مِهباشٍ يَئِنًّ من حول جمرٍ مُتقدٍ . فما فائدة نوافذ الشوق إن كانت لا تُطِلُّ على قلبك ؟ لأشاهدك ، كنت كل ليلة ، ألغي وظائفَ عيناي . أتَحسس همسَ مِخدتي بأصابعي . وفي الصباح أقول لقهوتي بنفسِ الأصابع ، وهي تَتَحسسُ يسارَ الصدر : هُنا سعد ، وأنا بهِ أولى . كُنتُ أناديكَ وأناجيك . وأصغي لِهَمسِك . فأسرع اليكَ بِلا صوتٍ وبِلا صورة . فأحِسُّ لَمْسَك . وأشْتَعِلُ بِلا رماد وأنا أولدُ من جديد . ها قد عُدْتَ يا سعدُ دون أن ترحلَ عن نَفْسِك . وعاودتَ إختراقَ الضفافِ إلى الُّلجَةِ ، لتُباشِرَ قلبي من النبع الى المصب . في شراييني دَمُك . وفي رِئتايَ عِطرُك . وأنتَ من يُضفي على الفرحِ مَذاقَه ونكهتَهُ وقيمتَه . لا يتساوى وجودُكَ يا سعدُ ، مع أي شئٍ آخر .لذا ليس لشوقيَ السَّاري اليكَ من آخر . ولا يُنقِذُني من هذا الشوق ، إلا سِحرُك وتِقَتي بك والأمَل . فكيف أاخاف من شئ وقد عٌدْت ؟ ها قد عدت يا سعد ، وأعطانِيَ ربي سُؤلي . فلم أعد أرملةٍ ، ولا يتيمةً ، ولا مهجورةً ولو للحظة . وبالطبع لن أبقى راهبةً على أبوابِ قلبك . معك وبِكَ ، سَأُكمِلُ مُعانَدَةَ الرياحِ كما عهدتني . كَحورِ العِينِ ، سأغُذُّ اليكَ الخُطى . لأشاركك فرحَ النَّعيم ، في غوطةٍ طالما حَلِمنا أن نغرسها سوية ، في مكان ما من وطن العرب . سعد ، لِفضائِلك وشمائِلك التي لا تخفى على كل من عرفك مثلي ، أحببتك ورغِبْتُ فيك . فما وَزَنْتُ بك رجلاً إلا رَجَحْتَ به . فَمِثلُك تَخطِبُه النساء . وتتمناه لنفسها . وتبذل ما تستطيع لتصبح زوجة له . مُقتدِيَةً ومُهْتَدِيَةً بِأمِّ المُؤمنينَ خديجة عليها السلام ، بقلبٍ مُحِبٍ وعقلٍ راجحٍ ، سأتجاوزُ كل الأعرافِ والتقاليد التي تجعل الرجل هو الخاطِب ، أعرضُ نفسي على قلبك المُحب وعقلك الراجح ، زوجةً تشاركك ضرَّاءَ الحياةِ قبلَ مَسراتِها . أبشر يا سعد ، سأمضي لِلْتوِّ ، إلى قبر أبي في بلاد الحجاز ، لأتلوَ لروحهِ الفاتحةَ وكثيراً من القرآنِ الكريم ، مُستأذنةً فيما عزمتُ ، وللسفرِ اليك . سأُنْصِتُ لفرحِ الأب يُنيرُ وجهه المستدير، مُبارِكاً قراري . ثم أنطَلِق براً إلى الأردن ، تُسابِق أشواقي اليك أشواقي الى مأدبا ، حيث يرقد بسلامٍ رُفات أمي ، على مرمى حجرٍ من كنيستها . لأدعوَ الله سبحانه ، لها بالرحمة الواسعة ، ولتبارك لي من عليائها ما قررت . فَرَحاً وتبريكاً سَتَدْمَعُ عَيْنا أمي . أمي التي اقتلعها الصهاينة عام اغتصاب فلسطين ، ونَفوها بالارهابِ الظالم من الناصِرَةِ في جليل فلسطين ، إستقرت عند خالِيَ شماسِ الكنيسة في مأدبا . وهناك إلتقى ابي الحجازي المسلم ، بالناصرية النصرانية ذات يوم . فأحبها وتزوجها . وكُنتُ أنا الثمرةَ الوحيدةَ ، لهذا الزواج المبارك . سألتقيكَ كما إعْتَدْنا وحيث إعْتَدْنا ، في مكاننا المفضل في جبل نِبُّؤ في مأدبا . نتذوق بفرحٍ غامرٍ مزيجَها المُذْهِل من التاريخ والثقافة الحديثة . ونقف ونحن نناقش تفاصيل زواجنا ، حيث وقف كَليمُ الله ، موسى عليه السلام ، مُناشِداً قومه بني اسرائيل العبورمعه من هناك الى فلسطين . فجَبنوا خوفاً لأن فيها قوماً جبارين . سعد يا إبن الكرك ، ايها المُناضِلُ المُحِبُّ ، لا زال الصهاينةُ كما عَهِدَهُم نبيُّ الله وكليمُه ، جُبناءَ أوْهى من بيتِ العنكبوت . وفلسطينُ باقية ٌوطناً للجبارين . اسكندرية مصر – 31/12/2014