إنها هنا الآن وستخر معترفة بكل شيء وسيفهم كل ما يدور حوله .. إنه يتمني ذلك علي الأقل لكنه لم يكن واثقا أن أمنيته ستتحقق ! رغم التعب والهزال الذي كانت تعانيه إلا أن السيدة تكلمت بصوت قوي ظهرت فيه كما يجب أن تكون .. وصية كبيرة متصرفة متحكمة لا يهزها شيء .. بقي " والي " ملاصقا لها وهذا أكثر ما أثار دهشة " أنطوان " وريبته .. لقد كان هذا الحيوان يحاول الفتك بها منذ يومان وهو الآن لا يريد أن يبتعد عنها قيد خطوة واحدة ! ما الذي يحدث هنا .. أخيرا بدأت السيدة تتكلم وتفصح عن كل شيء : " لقد كان لنا أخ صغير ظهر في حياتنا فجأة لكن تلك قصة لا أهمية لها .. ظهور هذا الطفل سيظل دائما مسمار في نعش أخوتنا وفي سبيل توحدنا كأخوات مترابطات كما كنا منذ بضع سنوات .. إننا نتبادل الشكوك والاتهامات الصامتة كما نتبادل الابتسامات المداهنة .. لكنني أنا ، وبصفتي أكبر الأخوات وأكثرهن تعاسة ، كان يجب أن أنال حظ الأسد من الشكوك .. أنت رأيت المرأة التي تجول في حديقة القصر ليلا ؟! " كانت تسأله فهز " أنطوان " رأسه فورا مظهرا إجابته الواضحة التي لا لبس فيها .. نعم رأيتها ! أكملت كلامها قائلة فورا : " إنها " لوتشيا " والدة " تيموثي " أخي الصغير .. الفتي الذي أرشدك " والي " إلي حيث يستقر في المستنقع ! " بهت " أنطوان " فلم يكن قد روي لأحد تجربته في المستنقع في تلك الليلة الرهيبة .. حينما استدعاه الحصان بحمحمته أمام بابه وحمله علي الذهاب خلفه ليري ما رأي ويسمع ما سمع ! لكن كيف عرفت السيدة بذلك الأمر ؟! لم تدعه في حيرته طويلا بل أجابت علي سؤاله الذي لم يسأله فورا : " أنا أعرف أنه فعل .. فقد أحبك ! أحبك مثلما أحبني سابقا وأنا أعرف جوادي العزيز حينما يحب أحدا .. أنا أعرفه فقد ربيته علي يدي وسقيته من روحي .. إنني عانس عجوز ولا أولاد لي .. لكن " والي " هو صغيري وأنا أعرف صغيري مثل أي أم يا " أنطوان " ! " لم يستطع الفتي أن يمسك نفسه فسألها فورا متعجبا : " إذن لماذا أراد قتلك .. لماذا هاجمك بضراوة وشراسة ؟! " ابتسمت له بود .. سرها أنه مهتم وانه يريد أن يعرف .. يريد أن يعرف فعلا ولا يظهر لها رغبة معرفة سببها نفاق المستخدم لمخدومته .. هتفت مجلية الغامض الذي أمضه كثيرا التفكير فيه : " إنه لم يكن يريد قتلي .. كان يريد أن يعاقبني ! إنه يعتقد أنني تخليت عنه .. تركته بعد أن فعل من أجلي ما لم يجرؤ مخلوق من نوعه علي فعله ! " أشتعل فضوله الآن وكاد يصرخ فيها متوسلا أن توضح له كل شيء .. لكنها كانت آتية أصلا لتحكي كل شيء ولم يكن هناك عندها نية لإخفاء أي شيء : " سأحكي لك يا طفلي .. سأروي لك ما لم أحكه لأحد من قبل .. لكنني أطلب الحصول علي وعد قبل كل شيء ! " سألها مرتابا : " وعد ؟! " ابتسمت له ثانية مطمئنة وهتفت : " نعم وعد .. عدني بأن ترعي " والي " في حياتي أو موتي وألا تبوح بسر يؤدي لتعرضه للخطر مهما حدث ومهما ضغطوا عليك ! " لم يكن بحاجة إلي ضغط ليفعل فهو قد صار يعتبر نفسه مسئولا عن " والي " فعلا وليس بحاجة إلي من يطلب منه ذلك .. رد فورا : " نعم أعدك .. سأرعاه بحياتي وسأدفع عنه كل شر وكل خطر وسأحميه بآخر رمق لدي من حياة وقوة ! " تنهدت السيدة براحة كبيرة وبدا أنها استردت جزأ كبيرا من لونها الطبيعي ومن صحتها بمجرد أن سمعت طمأنة الفتي الصادقة الحارة لها .. قالت فورا ببسمة حزن : " لقد وعدتني وأنا أصدقك .. وأثق بك .. إذن فلتعلم أن " والي " هو قاتل أخي الصغير ! " بهت الفتي .. بهت حقا وشحب لونه وتراجع إلي الخلف وشعر كأن يدا غليظة هوت بضربة علي رأسه فكادت تفلقها نصفين ! تكلم فورا دون ترتيب ودون أن يشعر بخطورة ما يقوله : " أنت كاذبة .. أيتها السيدة أنت تكذبين ! " ابتسمت له ولم تظهر عليها علامات غضب .. سرها أن الولد يكذبها دفاعا عن " والي " .. لكم هو يحب هذا الحصان إذن ولكم هذا يثلج صدرها ! " لا يا فتاي .. لست كاذبة ! لا شيء يحملني علي الكذب عليك .. ما أهميتك بالنسبة لي لكي أتجشم مئونة الكذب عليك ؟! لست إلا سائس خيول صغير وبوسعي طردك في أي لحظة دون أن يسألني أحد لما فعلت ذلك .. لكنني لن أفعل ذلك ! أتعرف لماذا ؟! لأن لدي أمانة صغيرة .. أمانة غالية جدا .. وليس عندي من ائتمنه عليها سواك أنت ! فأسمع وأنصت ثم أحكم .. وأنا سأرضي بحكمك مهما كان ! " بدأت السيدة تحكي كل شيء .. كل ما حدث في ليلة مصرع الصغير " تيموثي " تاركة التفاصيل الصغيرة غير المهمة خلف ظهرها : " لقد نصحنا القس أن نجمع رفات الأختين، والدة " تيموثي " وشقيقتها ، معا تحت بناء واحد مصمت ونغلقه بالصلوات وبالماء المقدس لنمنع أرواحهن من تكدير القصر بجولاتهن الليلية المرعبة مرة أخري .. لكننا لم نكن نعلم أين دفنت الأخت .. " إليزابيث " خالة الصغير غادرت القصر وماتت بعيدا عنه ولم نحضر جنازتها ولم نعرف أين تم دفنها .. خُيل إلينا أن " تيموثي " لابد وأن يعرف فجئنا به .. استجوبناه بقسوة خاصة عندما أبدي تمنعا وامتناعا عن إجابة أسئلتنا المحددة له .. في النهاية صرخ الولد متهما إيانا بقتل خالته وأمه .. صفعته " دريدا " بقسوة وكادت تفتك به لولا أن حجزتها عنه ومنعتها من الفتك به .. لن أدعي القداسة ولا الطيبة أمامك فالله وحده يعلم كم كنت أكره هذا الولد ! كنت أكرهه مثلما كرهت أمه تماما .. ولد شرير قليل الأدب ولا يليق بتاتا بأن يحمل اسم " دوريا " العريق .. لكنه لا زال أخي ولا زلت أنا الوصية عليه .. وأي ضرر يحيق به أنا من سيسأل قانونا عنه ! لذلك طلبت من الوصيف حمل السيد الصغير إلي فراشه .. أجلت الموضوع لوقت آخر ليهدأ ويكون علي استعداد لأن يتكلم .. عامة لم نكن بحاجة إلي المرور بهذا كله فقد عرفت أخيرا كيف آتي برفات " إليزابيث " من يوركشاير حيث دفنها أحد عشاقها الكثيرين ! لكن الصغير خاف منا .. ظن أننا سنقتله ، مثلما قتلنا أمه وخالته كما يعتقد ، فهرب من القصر ليلا ! أختلس بندقية الأب وأمتطي " سكارليت " ، الجواد الذي خصصناه له ، وهرب باتجاه القرية الصغيرة خلف الضيعة .. هناك من ساعده علي الهرب وأنا واثقة من ذلك لكنني لا زلت حتى اللحظة أجهل من يكون هو هذا الشخص ! هذا أمر بديهي فلن يستطيع الولد أن يغادر فراشه ، ثم يتسلل أمام عيني الوصيف ويترك الغرفة ويأخذ البندقية من غرفة المعروضات العائلية ويفتح الإسطبل ويأخذ جواده .. كل ذلك دون أن يراه أحد أو يستوقفه أحد الخدم أو أهل القصر ! فليسامح الله هذا الشخص فهو يتحمل نصف وزر ما حدث تلك الليلة المشئومة ! أما نصف الوزر الآخر فعلي رأسي أنا يقع .. هل تعرف لماذا ؟! " هز " أنطوان " الذي استغرقته القصة تماما رأسه نفيا فورا فأجابت السيدة بنفسها علي سؤالها قائلة : " أنا مذنبة ليس لأنني قصدت إيذائه .. بل لأنني أخذت " والي " وذهبت في إثره ! لم يكن يجب أن آخذ " والي " تحديدا فهو مخلص لي حتى الموت .. إنه مستعد أن يموت من أجلي كما أن مستعد من أجلي أيضا أن يقتل ! لم أرضي أن أترك أحدا من الخدم أو الحرس يلحق به .. الفتي الصغير المسكين بحاجة إلي من يعامله برفق وبحنان ويعيده إلي القصر دون شد وجذب أو عنف .. اقترحت " ديميلزا " أن تذهب هي خلفه فرفضت بدون إبطاء .. لا ليس هي .. أبدا لن أسمح بذلك ! امتطيت " والي " إذن ودرجت في أعقابه .. كنت أعرف أنه لم يذهب بعيدا لذلك لم أستحث " والي " علي الجري بأقصى سرعته .. كنت علي ظهره بينما هو يمشي الهوينى بي وأنا أمسح الأراضي الشاسعة ، أراضينا الشاسعة ، بناظري بحثا عن الغلام الصغير .. حتى عثرت عليه أخيرا ! كان بالقرب من المستنقع واقفا يبكي وينتحب بينما " سكارليت " راقد إلي جواره .. أصيب الجواد غير المدرب جيدا وتعثر وتحطمت عظام قدمه الصغيرة .. كان " تيموثي " في حالة شديدة الصعوبة وقد شعرت بالشفقة من أجله فورا ! لكن الغلام أساء الظن بي .. حسبني آتية خلفه لأقتله ! لكنني وبالله لم أكن أنوي شرا به أبدا .. لماذا أقتله هنا إن كنت أنوي أن أفعل ؟! ليس هنا سواي أنا وهو .. وأي شر يصيبه سأكون أنا المتهمة الوحيدة كما صرت فعلا بعد تلك الليلة وحتى الآن ! المتهمة الوحيدة .. والملومة الوحيدة .. وأنا رغم أنفي يجب أن أبقي صامتة .. لأن القاتل الحقيقي أعز علي من روحي .. واتهامي ظلما مدي الدهر لا يساوي شيئا أمام احتمال فقدانه إلي الأبد ! حاولت استرضاؤه وإعادته باللين معي .. أقسمت له أننا ، أنا وشقيقاتي ، ليس لنا يد في مقتل أمه وخالته ولا نية عندنا لإيذائه .. لكن الولد كان عصيا متجبرا رغم صغر سنه فرفع بندقيته وأطلق النار باتجاهي ! أخطأتني طلقته لكنها خدشت ذراعي فحسب وهي تمر بجواري تماما .. في تلك اللحظة فقدت السيطرة علي ما يجري هنا ! كنت قد هبطت من فوق صهوة جوادي ووقفت أحادث الفتي محاولة الاقتراب منه بقدر الإمكان .. لكن " والي " سمع طلقة الرصاص ورآني جريحة .. فجأة أطلق صهيلا مرتفعا وجري كالريح صوب الغلام ! كنت قد سقطت أرضا عندما فوجئت بإطلاق النار .. لم أستطع أن أمنعه في الوقت المناسب .. في أقل من لحظة كان " والي " فوق " تيموثي " .. ضربه بقائمته فسقط الولد وسط الأوحال علي ضفة المستنقع ! نهضت واقفة فورا وصرخت عليه بأعلى صوتي : " والي .. والي .. لا .. لا ! " لكن " والي " لم يعد يسمعني أو يسمع أحد .. لقد تخيل أنني في خطر ويتصرف بفطرته دون أن ينتظر رأيي أو يبالي به ! صرخت ثانية وأنا أري " والي " يطيح في الفتي ركلا وضربا بقوائمه .. جريت نحوه لأحاول منعه .. تعثرت وسقطت وعاقتني أطراف رداء نومي .. قمت فورا وهرعت علي قدر طاقتي محاولة إنقاذ الفتي من بين قوائم فرسي الغاضب .. لكن الولد كان في وسط المستنقع الآن ! فقد صوب البندقية ، التي ألتقطها من جواره وهو علي الأرض ، وأطلق علي الجواد .. غضب " والي " ودفعه برأسه العملاق فطار في الهواء وسقط فوق الأوحال المبتلة فابتلعته كما تبتلع الرمال المتحركة مسافرا سيء الحظ في الصحراء .. صرخت مستنجدة وكدت أنزلق داخل المستنقع بدوري محاولة إنقاذ الفتي لكن الأوان كان قد فات .. و" والي " يقف هناك ويغوص بقوائمه في الماء الآسن .. غاصت قوائم " والي " ثم بدأت أطرافه وجذعه يختفيان عن عيني ! يا ويلي .. سأفقد كلاهما .. يا ويلي .. يا إلهي ساعدني ! غرق " والي " في الأوحال أمام عيني : " لا لا " والي " .. والي " ! " صرخت وقد نسيت الغلام حينها .. أعترف أن حصاني أعز علي منه ولا أتحمل فقده مهما كان الثمن ! نعم صرخت من أجل " والي " كما لم أصرخ من أجل " تيموثي " .. ولكن منذا الذي يلومني علي أية حال ! لقد حاول هذا الشقي قتلي .. والآن يتسبب في موت حصاني العزيز ! دخلت وسط الأوحال وأنا أصرخ وأهذي من الفزع .. بالتدريج وجدت نفسي أغرق هناك .. لم يعد مرئيا لي منه سوي أعلي رأسه وهو يحمحم غاضبا .. صرخت عليه مرة أخري ثم فقدت الوعي ! وخلال لحظة لا أعرف ماذا أسميها رأيت ما لن يصدقني أحد أبدا إذا قصصته عليه .. احتفظت برؤاي لنفسي فيكفيني اتهامهم لي بالقتل والتسبب في موت الصغير .. فهل أتحمل اتهامهم لي بالجنون أيضا ! لقد رأيت " والي " يخرج من مياه المستنقع .. رأيت رأسه تبرز خارج الأوحال ثم بقية جسمه .. وقف هناك .. وقف كقنطور أسطوري علي الأوحال .. كانت الأوحال تحته لكنها لم تكن قادرة علي ابتلاعه ! أخذت الأوحال تتساقط من فوقه أمام عيني .. أمام عيني حدث هذا وأنا ملقاة هناك وسط المياه الراكدة العفنة التي أخذت أغرق فيها بالتدريج ! نصف ميتة كنت لكنني شعرت به يقترب مني .. يسير علي الماء وقوائمه تغوص غوصا هينا فيها بينما وزنه كان حري بجعله يغرق فيها خلال لحظة ! أغمضت عيني وشعرت بقوة تسحبني خارج المستنقع .. لم أكن أري شيئا لكنني كنت أعرف أنه هو ! لكنني لا أريد أن أراه .. بحق الله لا أريد أن أراه ثانية ! عندما جاءوا خلفنا .. كنت ملقاة علي الضفة مبللة حتى جلدي وغارقة في الأوحال .. هرعوا خلفنا " جوديفا " و" جرانفيل " وكبير الخدم وثلاثة من الحرس لكن كل شيء كان قد أنتهي ! إلي جواري كان يقف " والي " بلا نقطة ماء علي جلده .. ولا لطخة وحل واحدة علي جسده ! حملوني إلي القصر وفتشوا المستنقع .. لكنهم لم يجدوا الصغير هناك ! فتشوه مرة وأثنين وثلاثة .. لكن لا أثر ل" تيموثي " في أي بقعة في المستنقع ! وصرت أنا المتهمة الأولي .. المتهمة الوحيدة .. وحدي كنت معه هناك وهذا حق .. لكنهم نسوا أن " والي " كان هناك أيضا ! " والي " الذي غاص في المستنقع وخرج منه كعفريت أسطوري .. ما الذي رآه هذا الحيوان تحت الماء العفن الراكد القديم .. وكيف خرج من هناك ؟! ذلك سيبقي لغز حياتي إلي الأبد ! جاء دور " أنطوان " ليسأل بعد أن بدا له أن السيدة قد أنهت قصتها : " ولماذا لم تحكي كل ما حدث لأحد مثلما حكيت لي الآن ؟! " ابتسمت له متسامحة ثم أجابت بنبرة صادقة تماما : " لو رويت لهم حرفا لقتلوه .. " والي " ! كانوا سيضعون رقبته في طوق ويقطعوها .. هل تعلم لماذا لأنه قتل أخي ولأنه أيضا تحول لكائن شيطاني .. ألم تسأل نفسك كيف يغادر هذا الحيوان مربطه وراء باب الإسطبل المغلق ؟! " لا لم يسأل نفسه وحق له أن يتعجب لذلك ! حقا كيف فعلها " والي " في تلك الليلة حينما جاءه يستدعيه بصوته أمام باب غرفته ! لكن بقيت أسئلة أخري في جعبة الفتي : " ألهذا نبذتيه ووضعتيه في إسطبل منفرد ؟! " ابتسمت السيدة لجوادها الذي وضع رأسه بالقرب من صدرها في مشهد عاطفي نادر المثال .. قالت موضحة : " لم أتركه بمفرده ولم يكن ليهون علي أن أفعل به ذلك .. لقد أبقيت " إيمرت " ليرافقه وأنت تعلم ذلك جيدا ! " لكن الفتي لم يكن قد أنتهي بعد .. هناك مئات الأسئلة التي تحيره ! لكن السيدة بدا أنها قالت ما تود قوله وأنتهي الأمر بالنسبة لها .. استدارت لتغادر ونادت وصيفتها ! أهذا كل شيء ؟! انتهت الليلة هكذا ؟! جاءت الوصيفة حاملة الشال للسيدة وهرعت تضعه علي كتفي سيدتها .. استدارت السيدة لتنظر إلي " أنطوان " و" والي " الذي وقف هادئا ساكنا تماما للمرة الأولي .. شيء غريب يحدث هنا لكنه ليس أغرب من التصرف الذي أقدمت عليه وصية " دوريا " الصارمة ! ابتسمت ل" أنطوان " برقة ثم وضعت إصبعها علي شفتيها وهتفت وتعبير غريب علي وجهها : " أوششش ! " أتأمره بالسكوت إذن ؟! لعنة الله عليها فقد بلبلته أكثر مما أوضحت له شيئا وزادت حيرته أضعافا ! غادرت الإسطبل وبقي " أنطوان " بمفرده فيه ! ... في الصباح التالي وجدت السيدة " دوروثيا دوريا " ، أكبر بنات عائلة " دوريا " الأرستقراطية العريقة البالغة الثراء ، ميتة .. شخص الأطباء حالة وفاتها المفاجئة أنها بسبب نزيف داخلي مفاجئ ناجم عن حادث هجوم حصان هائج عليها ! لكنها كانت بخير حال الليلة الماضية ؟! تركت السيدة الغريبة الأطوار وصية غريبة مثلها خلفها توصي بمبلغ مالي كبير لسائس صغير عندها يدعي " أنطوان " وكذلك توصي له بجوداين من جياد الأسرة الفارهة .. أحدهما يدعي " إيمرت " والآخر يسمي " والي " ! تلقي الفتي الوصية الغريبة بدهشة وحيرة وخوف عظيم .. المرأة المجنونة ماذا فعلت به ؟! إنه لا زال لا يصدقها حتى الآن .. وحتى لو كانت صادقة فهي لم تروي له كل شيء ! فإذا كان شبح المرأة ذات الحجاب علي وجهها هو ل" لوتشيا " والدة " تيموثي " فلمن يرجع شبح الرجل ذو الأوسمة والذي أعلن له في الإسطبل خبر موت ابن " دوريا " ؟! وإذا كان هذا المبني الأزرق فعلا مقبرة حصينة لرفات الأختين فكيف لم يمنع روح " لوتشيا " من التجول كل ليلة ؟! وإذا كان " والي " هو قاتل الصغير فعلا .. فكيف يذهب إليه ليخرجه من المستنقع كل ليلة ؟! كيف يحدث هذا ؟! السؤال الأخير كان الأهم والأكثر خطورة : ما علاقة " إيمرت " بكل هذا ؟! ولما هو بالذات يتقبل " والي " وجوده بجواره ولا يهاجمه ويعضه أو يركله مثلما يفعل مع بقية الجياد في المزرعة الشاسعة المليئة بالخيول ؟! هل صدقته السيدة في حديثها أم كانت تكذب عليه .. ولماذا تراها تكذب عليه ؟! " ما أهميتك بالنسبة لي لكي أتجشم مئونة الكذب عليك ؟! لست إلا سائس خيول صغير وبوسعي طردك في أي لحظة دون أن يسألني أحد لما فعلت ذلك ! " حقا قالت وقد صدقت في ذلك ! لكن الفتي لم يقتنع بكل شيء ولم يكف عن الأسئلة .. كان في الإسطبل مرة يرعي حصانيه كما يفعل عادة لكن حانت منه نظرة إلي صفحة وجه " والي " من الجانب فرأي نظرة مخيفة في قعر عيني الحيوان الهادئتان .. إنه لم يري جوادا قاتلا من قبل ! أخافته نظرة الحصان الشريرة الغريبة .. فوجد نفسه يتساءل مثلما تساءلت السيدة من قبل : ( ما الذي رآه هذا الحيوان تحت الماء العفن الراكد القديم .. وكيف خرج من هناك ؟! ) سيبقي في خدمة الدوريات حتما ، فهذا هو شرط الوصية لكي يتولي رعاية " والي " ورفيقه ويتسلم المبلغ الذي خصصته له السيدة ، لكنه أبدا .. أبدا لن يستطيع أن يكف عن الأسئلة ! تمت