أجمل ما يقال للحاج عند عودته من مكة بعد أداء المناسك.. عبارات ملهمة    الإفتاء: توضح شروط صحة الأضحية وحكمها    بتكلفة 4 ملايين جنيه.. محافظ الغربية يفتتح قسم العناية المركزة بمستشفى سامول بعد تطويره    مجلس جامعة القاهرة يثمن قرار إعادة مكتب التنسيق المركزي إلى مقره التاريخي    الوزير محمد عبد اللطيف يلتقي عددا من الطلاب المصريين بجامعة كامبريدج.. ويؤكد: نماذج مشرفة للدولة المصرية بالخارج    كلمات تهنئة معبرة للحجاج في يوم التروية ويوم عرفة    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    وزير الثقافة يتابع حالة الأديب صنع الله إبراهيم عقب تعافيه    قومية المنيا تعرض الإسكافي ملكا ضمن عروض الموسم المسرحي    بالصور- حريق مفاجئ بمدرسة في سوهاج يوقف الامتحانات ويستدعي إخلاء الطلاب    دموع معلول وأكرم واحتفال الدون وهدية القدوة.. لحظات مؤثرة في تتويج الأهلي بالدوري.. فيديو    إنريكي في باريس.. سر 15 ألف يورو غيرت وجه سان جيرمان    رسميًا.. بايرن ميونيخ يُعلن عن أولى صفقاته الصيفية استعدادًا لمونديال الأندية 2025    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة في شبرا.. صور    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الابتدائي 2025 الترم الثاني محافظة المنوفية    عرفات يتأهب لاستقبال الحجاج فى الموقف العظيم.. فيديو    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    الحكومة تعلن موعد إجازة عيد الأضحى (تعرف عليها)    بحضور سينمائيين من السودان.. عرض فيلم طنين بمركز الثقافة السينمائية    بين التحضير والتصوير.. 3 مسلسلات جديدة في طريقها للعرض    انتهاء رحلة ماسك في البيت الأبيض.. بدأت بفصل آلاف الموظفين وانتهت ب«خيبة أمل»    مجلس حكماء المسلمين يدين انتهاكات الاحتلال بالقدس: استفزاز لمشاعر ملياري مسلم وتحريض خطير على الكراهية    حماس: إسرائيل تُهود الأرض الفلسطينية ضمن مشروع ضم صريح    منافس الأهلي.. باتشوكا المكسيكي يعلن رحيل مدربه    مصنع حفاضات أطفال يسرق كهرباء ب 19 مليون جنيه في أكتوبر -تفاصيل    قرار مفاجئ من الأهلى تجاه معلول بعد دموعه خلال التتويج بالدوري    ياسر إبراهيم: بطولة الدوري جاءت فى توقيت مثالي    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    سعر الذهب ينخفض للمرة الثانية اليوم بمنتصف التعاملات    رئيس قطاع المتاحف: معرض "كنوز الفراعنة" سيشكل حدثا ثقافيا استثنائيا في روما    حملات لضبط متجري المخدرات والأسلحة والهاربين من تنفيذ الأحكام ب 3 مديريات أمن    حملات تفتيشية على محلات اللحوم والأسواق بمركز أخميم فى سوهاج    استشهاد وكيل المرور دهسًا في كمين العلمين.. والأمن يضبط السائق    رئيس جهاز حماية المستهلك: المقر الجديد بمثابة منصة حديثة لحماية الحقوق    نتنياهو: سنأخذ غالبية أراضي غزة من حماس    أردوغان: "قسد" تماطل في تنفيذ اتفاق الاندماج مع دمشق وعليها التوقف فورًا    الكرملين: أوكرانيا لم توافق بعد على عقد مفاوضات الاثنين المقبل    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    «أحد سأل عني» ل محمد عبده تتجاوز المليون مشاهدة خلال أيام من طرحها (فيديو)    إعلام إسرائيلى: نتنياهو وجه بالاستعداد لضرب إيران رغم تحذيرات ترامب    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    ندب الدكتورة مروى ياسين مساعدًا لوزير الأوقاف لشئون الواعظات    كأس العالم للأندية.. إقالة مدرب باتشوكا المكسيكي قبل مواجهة الأهلي وديًا    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    بنسبة حوادث 0.06%.. قناة السويس تؤكد كفاءتها الملاحية في لقاء مع الاتحاد الدولي للتأمين البحري    تمكين المرأة اقتصاديًا.. شروط وإجراءات الحصول على قروض مشروعات صغيرة    الدوخة المفاجئة بعد الاستيقاظ.. ما أسبابها ومتي تكون خطيرة؟    الإحصاء: انخفاض نسبة المدخنين إلى 14.2% خلال 2023 - 2024    انطلاق المؤتمر العلمى السنوى لقصر العينى بحضور وزيرى الصحة والتعليم العالى    استشاري أمراض باطنة يقدم 4 نصائح هامة لمرضى متلازمة القولون العصبي (فيديو)    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    خالد الغندور: جاهزية ناصر منسي وبنتايج لمواجهة فاركو في ختام دوري نايل    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن 4 أشخاص    حبس شخص ادعي قيام ضابطى شرطة بمساومته للنصب على أشقائه بالموسكي    91.3 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة الأربعاء    نشرة التوك شو| ظهور متحور جديد لكورونا.. وتطبيع محتمل مع إسرائيل قد ينطلق من دمشق وبيروت    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في أعمال القاصة : فاطمة نزال – فلسطين-
نشر في شموس يوم 28 - 10 - 2014

p style=\"text-align: justify;\"كتب : أسامة عبدالشكور القوصي
p style=\"text-align: justify;\"من أرض الميعاد ، ومن قبلة المسلمين الأولى ، خرجت الكاتبة الفلسطينية ( فاطمة نزال) ، وتتميز الكاتبة فاطمة نزال في أدب القصة ، عنها في الشعر الذي تكتبه من آن لآخر ، وقد اختارت الكاتبة - فاطمة نزال – الشكل القصير والقصير جدًا من فن القص الأدبي الذي يحتاج لملكات ومواهب وقدرات واعية ومركزة في تناول الأفكار الأدبية محل الطرح الأدبي في أشكاله المختارة . p style=\"text-align: justify;\"
وكما نطلق على أدباء وشعراء سوريا والعراق ولبنان وفلسطين والأردن أدباء الشام ، فهم يمتازون بعطاء أدبي متميز ، كما يقول عنهم أستاذنا الكبير – عباس محمود العقاد – في معرض حديثه عنهم ، إذ ذكر في حديثه : أنهم أصحاب أقلام ذات جرأة ، وفكر يمتزج بالطبيعة ويقدس مفرداتها ويتمخض عن ابتكار فني فريد في وصوف الطبيعة وربطها بعناصر النفس الإنسانية فتخرج صورهم غير تقليدية ، كما يمتلكون ذائقة فنية رفيعة بجمال طبيعتهم وسحرها وغرائبها وتجددها ناهيك عن الأحداث الاجتماعية والسياسية المؤثرة تأثيرًا بليغًا في عطاءاتهم الأدبية ....أ.ه . بتصرف. p style=\"text-align: justify;\"
وعلى مر العصور كان لكتاب الشام والمشرق العربي لون خاص وخط مميز في الأداب العربية ، فأجادوا في مدارس الشعر المختلفة وابتكروا فيها وأسسوا مدارس لهم خاصة
تتفرد بالاهتمام العضوي في الأعمال الأدبية والتركيز على العمق في الحالات الإبداعية ، وشاعرية النصوص الأدبية التي يكتبونها ، وهم يعشقون الجمال ويعبرون عنه بصفاء نفس ونقاء خاطر وثراء فكر وتجدد رؤية واستلهام لدوافع الكتابة بمختلف أنواعها وأشكالها . p style=\"text-align: justify;\"
ومن بلاد الشام كان جبران الرائع وإيليا المبدع ومطران المفكر ودرويش السامق القامة الشعرية وغيرهم . p style=\"text-align: justify;\"
وبتعرض بلاد الشام لثقافات مختلفة ومتعددة ومتعاقبة بحكم فترات الاستعمار المتلاحقة على مختلف العصور ، تَشَكَّل الوجدان الأدبي والفكري وتنوع الإبداع وتلاحمت الأفكار وتعددت ، فكانت آداب الشام منهلاً عذبًا لكل الفنون الأدبية العربية التي اكتست في بعض نصوصها بالمسحة الغربية والعادات الأوروبية مع الاحتفاظ بالشكل والمضمون العربي عند الكثيرين من حذاق الآداب العربية منهم . p style=\"text-align: justify;\"
ومن هذه المقدمة التي طالت عن غير قصد وإن كانت ضرورية ، استقت فاطمة نزال ثقافتها ونمت موهبتها وتولدت ملكاتها الأدبية ، ومن ثم بدأ عطاؤها الأدبي في الاستواء والسطوع علي سطح الأدب الشامي والعربي الحديث . p style=\"text-align: justify;\"
والفلسطينية فاطمة نزال تمتلك حسًّا شعريًا عاليًا ، فهي تكتب القصة القصيرة بحس شاعر وبلاغة تصوير فائق التفاصيل ، ولديها ملكة سردية عالية التواتر والتركيز الفني ، ولذلك حين تعرض نصًّا من نصوصها تستحوذ على عقل وقلب القاريء الذي تأخذه قسرًا p style=\"text-align: justify;\"
وطواعية عبر عالمها القصصي و مفرداتها ذات الخيال الفني الذي يهيب بالمتلقي المتابعة وعدم البعد عما تكتب قيد أنملة حتي ينهي ما قرأ وربما عاد مرة ومرات . p style=\"text-align: justify;\"
وأزعم أن الكاتبة الفلسطينية الرائعة فاطمة نزال تكتب بشكل منهجي محكم ، فهي تلتقط الفكرة ، وتصبر عليها في حياتها العملية وتضعها نصب عينيها في تنقلاتها وسكناتها حتى تستجمع خيوطها كلها مكونة نسيجًا هلاميًا في مخيلتها ، فإذا تشابكت خيوط ذلك النسيج وتكونت لديها رؤيتها الأدبية في حالة من التوهج والرغبة ، بدأت في وضع الزركشات والرسوم والصور ، ثم استرخت لتنتفض لقلمها وقرطاسها لتبدأ مرحلة انسياب الكلمات في بطون العبارات مكونة حالة قصصية وإبداعية تجذب النفوس وترتقي بالحس الإنساني واللإمتاع الفني . p style=\"text-align: justify;\" p style=\"text-align: justify;\"*****
( أول الغيث )
تفقد كفاي روحك .. إنهما يرسمان لوحة عشق على جسدي يا إلهي ، .. كيف أتلمس دفأهما .. كيف ألاحق شبق عدوهما على مرابع صباي .. كيف بسعيهما بين صفاي ومرواي قد فجرا ينابيع حنيني إلى قلبه من شفتيك .. إلى انصهار وتبخر معك لنكون غيمة ؟
من أجمل ما في النص ، ذلك الاستلهام الفني لقصة اسماعيل عليه السلام وأمه ، بين الصفا والمروة ( بين صفاي ومرواي قد فجرا ينابيع حنيني ) تصوير بليغ في غاية التوفيق والرقة والإشارة ، وأبرز الجو النفسي والعاطفي بقوة دعمتها خاتمة موفقة جدًّا للأحاسيس بالتوحد في غيمة طبيعتها العطاء ....
فاطمة نزال الكاتبة لها في كتاباتها صوت خفيض هامس في نصوصها ، فهي لا تهوى الصخبولا الضجيج ، حتى في معرض حديثها عن الانتفاضة والهياج الشعبي في قصتها – نوادر علي – كانت هامسة متأنية في اختيار ألفاظها مخاطبة الوجدان العربي بهدوء واستنفار ملهم .
وطبيعة كتاباتها تعطي صبغة فنية عنها ، فهي هادئة ساكنة متعقلة تستوعب أفكارها جيدًا وتمحصها وتكسوها بفكرها ورؤيتها .
وهذا الصوت الهامس لا ينفي وجود حركة في النصوص العامة والخاصة للكاتبة مما يؤكد حرفية وكيفية اختيار الكلمات المناسبة لمقام العرض الفني الأدبي. p style=\"text-align: justify;\" p style=\"text-align: justify;\"*****
( تراتيل غربة)
يتوه ظلي في طرقات المدينة متسكعًا وألاحقه علِّي أعثر على أناي ، كيف أغادرك عارية لا أرتدي إلا خطاي أيتها المزينة بأقراط غربتي ، خذيها وأعيديني إليك ... إلى ظلي وبعض من أناي .
في شكل أقصوصة شعرية تعزف الكاتبة هنا على وتر يعاني منه جميع إخواننا في فلسطين العزيزة من مرارة الغربة وأماني العودة والتحرر، وبين التوهة والتسكع ثمة ترابط زمني ونفسي يحمل إشارة لطبيعة المغترب عندما يأخذه الحنين إلى وطنه ، فماذا لو كانت العودة ذاتها قضية عمر وجيل ، بل أجيال متعاقبة ؟!
وتحمل أيضًا إشارة ذاتية رائعة وهي قضية البحث عن الذات في الغربة ، رغم كوننا كلنا عرب ، فالشعور بالغربة في بلد عربي آخر أمر شديد المرارة والمردود النفسي.
وفِّقت الكاتبة توفيقًا كبيرًا في سطور قلائل وكلمات مقتضبة بليغة تصوير الحالة بهدوء وبساطة ماتعة ورؤية واضحة .
-
وفي السياق ذاته لا يخل من عمل للفلسطينية - فاطمة نزال – من الإشارة من بعيد أو قريب إلى قضيتها الأم مهما تعددت الرؤى وتشعبت الأفكار وتجددت موضوعات قصصها
، فهي غارقة في قضية بلادها حتى أذنيها ، فهي الحبيبة والحبيب وهي الأم والوليد ، وهي العمر واللحظات المؤلمة والمفرحة أيضًا .
نخلص من ذلك إلى أننا أمام كاتبة شابة تحمل في صدرها قضية شعب وأمة هي حياتها ، وبأشكال إبداعية متنوعة ومركزة تتحدث عنها . p style=\"text-align: justify;\" p style=\"text-align: justify;\"*****
كابوس
ذات ليلة من ليالي الشتاء الباردة تحلقت مع ابنتها حول موقد عامر بالجمر ودفء البيت، أمالت برأس الصبية الكاعب فوق حجرها، وهمست وهي تداعب خصلات شعرها المنسدل كذيل مهرة : p style=\"text-align: justify;\"
إحذري يا ابنتي عضة نابه .. إني أراه يحوم حول حماكِ .. أخشى أن يأتِ ذات مساء تصبحين فيه وجبة دسمه فوق موائد الحي ... يلوكون لحمك، يتهامسون ويلمزون كلما مررتِ ... أخشى عليكِ، فأنت كالنسمة تتلوثين بأبخرة أنفاسهم النتنة . p style=\"text-align: justify;\"
ترقرقت دمعتين خلسة من مقلتي الصغيرة .. دست رأسها كقطة تتمسح في ذلك الحِجْر الدافيء ، وتكورت ترتجف. p style=\"text-align: justify;\"***** p style=\"text-align: justify;\"
( نوادر علي ) p style=\"text-align: justify;\"عندما كان يمر بالجوار مرتديا بنطالا واسعا مزموما بحبل حتى أعلى بطنه ، ومطويا من أسفله عدة طيات، تكشف عن ثلث ساقيه ، وحذائه الذي يتسع لقدم أخرى مع قدمه مشدودا برباط قنب ،حتى لا يفلت ويهرب موليا. تاركا قدمه حافية .
كانت تلكزني صديقتي وتقول :\" إجا\" عمك علي أرد عليها بحدة : بل خالك علي، ونتراشق الكلمات ، عمك علي ، خالك علي ، لا عمك ، لا خالك...
وعلي هذا ، بهلول مسكين، لكنه داهية يمثل الدروشة ويتقنها، وأذكر أن أمي كانت تقول لي عنه وأنا صغيرة أنه لا ينقصه شيء وإنما دلال أمه له افسد عقله ، وجلوسه بين النساء وهن غير مباليات بوجوده لبهللته، جعل منه نمسا يسمع كل أحاديثهن ، يتباسطن بالحديث معه ، ويضحكن . p style=\"text-align: justify;\"
يجلس على الأرض ضاما ركبتيه إلى صدره ومشبكا كفيه عاقدا بهما على ساقيه، وهو يتلفت يمنة ويسرة بحركة لا إرادية من رأسه شبه المتصحر ، الا من بعض شعيرات . يجلس على الأرض ضاما ركبتيه ، يشعرهن بأنه لا يعِ شيئا من أحاديثهن الخاصة جدا ، وهو بدهائه، مستودع الاسرار النسائية، وكل أخبار البلد التي يجمعها عن المقاهي المنتشرة على امتداد شارع البلدة الرئيسي ، إذ كان يستعين به أصحاب تلك المقاهي لجمع نفاياتها، مقابل أجر هو حسنة بنظرهم . p style=\"text-align: justify;\"
يملأ جيوب بنطاله الكبيرة سكاكرا ومسليات وبالونات، ويجلس على دكة بيت العائلة الكبير ، نجتمع صبية وبنات الحي ،نحيط به كحلقة ونتودد إليه أن يجود علينا ببعضها، لكنه يبتزنا فيأخذ باستعراض حركة رأسه يمنة ثم يحملق في الفراغ ثمر يحركه يسرة ، ليعاود تلك النظرة التي توحي ، وكأنه يستدعِ \" بسم الله الرحمن الرحيم \" أصدقاءه من العالم السفلي أو هكذا كنا نتوهم ، فيحيط نفسه بهالة من الغموض تخيفنا ، سرعان ما تنفرج شفتيه عن أسنان متآكلة ، يعلوها السواد فيزمها بخبث، وينظر بعينيه الصغيرتين الثاقبتين للحالة التي يخلقها في ذولتنا المنتظرة ، فيطلب منا أن نفتح أيدينا، \"ليكمش\"قبضة من بذر القرع من جيبه ، يمسك يدي فأفرح، يبدو محتوى القبضة يستحق هذا العناء ، وسرعان ما تتبدد أحلامي عندما أرٓ في باطن كفي بضع حبات، ليعيد الباقي الى جيبه ، ويعاود الكرّة مع الاخرين . p style=\"text-align: justify;\"
كبرنا ولم يكبر علي ، بقي على ذات الهيئة ولاأذكر أن مظهره تغير يوما. p style=\"text-align: justify;\"
في انتفاضة الحجارة كان له دور مهم ، إذ كنا نرسله أمامنا مستطلعا لنا الشارع لكونه لا يلفت نظر قوات المشاة التي تجوب البلدة مستعرضة قوتها، دابة الرعب في قلوب الأمهات على أولادهن المنتشرين بالطرقات يحملون \"المقاليع\" يرشقونهم بحجارة السجيل ، التي كانت تنهمر عليهم من كل حدب وصوب ، سرعان ما يتقهقرون يتخبطون مطلقين قنابل الغاز السام والرصاص المطاطي والحي . p style=\"text-align: justify;\"
وفي يوم شتوي ما زلت أذكر تفاصيل أحداثه ، استيقظت على مكبرات الصوت في الجوامع تدعو الى مسيرة احتجاجية ، انطلقنا فتية وفتيات إلى مكان التجمع عند الجامع الكبير ، لحق بنا رجال ونساءٌ ليس مشاركة بل خوفا كل على فلذة كبده سرعان ما تحمسوا عند سماع الهتافات المنددة بالاحتلال ، p style=\"text-align: justify;\"
يا شهيد ارتاح ارتاح ، واحنا بنكمل كفاح .
. باب الأقصى من حديد ما بفتحه إلا الشهيد ...
يا أم الشهيد زغردي كل الشباب اولادك،
يا اخت الأسير تمردي
الموت ولا المذلة
حيا الأم الصابرة
حي الله الأخت الثائرة
كانت هذه الهتافات كالإكسير، يصب في عروق كل من سمعها، فتلهب المشاعر حماسا وتجعل الكبير قبل الصغير مقبلا على الموت ،رلا يهاب الرصاص ولا البندقية المصوبة على صدره . p style=\"text-align: justify;\"
جابت المسيرة الحاشدة أحياء البلدة، وكانت متجهة إلى بيت أحد العملاء الذي اكتشف أمره مؤخرا ، توقفت هناك تدعوه للخروج ليسلم نفسه لعدالة محكمة الشعب ، لكنه تمترس في منزله مع عائلته رافضا الخروج ومطلقا الرصاص باتجاه المتظاهرين. p style=\"text-align: justify;\"
هاجت الجماهير وماجت إثر إصابة العديد من الفتية من جراء إطلاقه النار عشوائيا، وأخذت الجموع تضرم النار بإطارات السيارات أسفل المنزل المكون من طابقين ، ونحن نجمع الحجارة، ونضع الاإسعافات الأولية من الشاش والكربون والبصل لتفادي الغاز ، طائرات الإستطلاع \"الهوليكوبتر\" تجوب سماء البلدة تحلق على ارتفاع منخفض ، وقوات الجيش ترابط على مدخلها لا تتقدم ولا تتدخل، ويبدو أنهم اكتفوا بالمراقبة والمتابعة عن بعد ، فما حاجتهم لمن احترق كرته ووقعت ورقته ؟! هذا ما يريدونه تماما ،التخلص من هذه الجيف بعد انتشار رائحتها العفنة ، وإن لم يستطع الشعب القضاء عليه يتدخلون في الوقت المناسب لإنهاء حياته حتى تدفن أسراره معه. p style=\"text-align: justify;\"
تأزم الموقف أكثر عندما تزايدت أعداد المصابين ، ووصلت ثورة الجماهير ذروتها ، فانقضوا على المنزل بالبلطات يحاولون فتح ثغرة في جداره لاقتحامه ، وبعد محاولات عدة ، نجح الشبان بذلك فانقضوا عليه وهو مختبيء كالفأر في أحد الزوايا ، أشبعوه ضربا ، ولم يبقى مكاناً في جسده لم تطله أيديهم بما يحملون من سلاح أبيض ، ضاع دمه بينهم وكان التخلص منه جماعيا . p style=\"text-align: justify;\"
عند الغضب لا تقف بوجه مظلوم فأنك لاتعي رد فعله فما بالك بمن له ثأر عنده الآن ويصفيه؟! p style=\"text-align: justify;\"سحبوه على مدخل بيته يجرون جسده الذي بدأ اسوداً متفحماً ، أو هكذا رأيناه ، كل يبصق عليه ولا تدري كيف تشفي غليلك منه.
لأول مرة أنظر الى جسد بهذا القرف وهذا الاشمئزاز ، لم يحرك بي منظره أي إحساس بالشفقة عليه ، أخذ بعض العقلاء والشيوخ ينصحون الجماهير بالهدوء ودفن جيفته لكن غليان عروقهم لا يطفئه هذا النداء جروه جرا تتبعهم الجموع، اتجهوا الى عمود كهرباء قطرية تتوسط الساحة الرئيسية ، علقوه عليه مصلوبا متفحم الوجه مزرقا ومتدلي اللسان .
ترشقه النساء \" بالشباشب وتقول : \" موت ، الله لا يردك p style=\"text-align: justify;\"
كانت عملية إعدام ظاهرها بشع لكنها إرادة الشعب التي لا مساومة عليها ، فكم من دماء في رقبته ، وكم من معتقلين يقبعون في زنزانات الموت بسببه؟
على إثر هذه الحادثة اتجه العشرات من العملاء إلى الجامع الكبير معلنين توبتهم ومعترفين بارتباطهم بالاحتلال على يديه ، عن طريق إسقاطهم وتوريطهم وابتزازهم بطرق بشعة ، معظمهم من الفتية المغرر بهم ، فقد كان يستغل عمله بالتنجيم وسيطرته على عقول البسطاء من النساء والرجال ، لقد كان ضليعا بالعمالة منغمسا في اسنها من رأسه حتى اخمصه القذر . p style=\"text-align: justify;\"
كانت هذه الحادثة فارقة في تاريخ انتفاضة الحجارة وتناقلتها وكالات الأنباء العالمية على شاشاتها مباشرة، أول عملية إعدام لعميل بحكم الشعب وبيديه . p style=\"text-align: justify;\"
علي، شهد هذه الحادثة كما نحن ، وعند عودتنا إلى بيوتنا شعثا غبرا بعد يوم عصيب ، تجمعت النسوة عند دكة بيتنا الكبير. متجمهرات حول علي، وهو يقص لهن الحدث بحماس، وكيف كان طرفا مهما في عملية القضاء على رأس الحية المتواطيء. p style=\"text-align: justify;\"
علي، كما الكثيرين من البسطاء من الحي الذي شهد طفولتي ، شكل ذاكرتي الزاخرة بي ، متمثلة في وطن ما زال يسكنني ومرابع ما فتئت أحيا بكريتها .
مات علي، عليه رحمه الله وعندما تفقدوا جيوبه ، كانت ما زالت عامرة بالسكاكر، وبذر القرع والبالونات ، بقي الصبية متحلقين حوله لا يطمعون بها ، بل حزنا على رحيله الذي ترك فراغا، فغاب عن تفاصيل يومهم الذي كان جزءا فاعلا فيه. p style=\"text-align: justify;\"
*****
قصة من القص القصير من مدرسة إدريس وحقي وغيرهم من الكبار الحواذق ، وفيها كونت الكاتبة شكلاً ملحميًا فائق الروعة والإبداع معًا ، فمن سرد ممتع جاذب للقاريء في تصوير مدعم بخيال خصب مركز على عناصر الفكرة والمضمون الأدبي والهدف الاعتباري للقصة ، وألفاظ استوعبت إشارات الكاتبة ودلالاتها الجمالية والفنية والغرضية ، وعبارات متلاحقة لا تترك للمتلقي فرصة الفكاك (السرحان) عنها حتى تفرغ من قراءتها ، وفي ذات الوقت تشعل في الوجدان الحماسة وتلهب في الوجدان الحماسة وتلهب أيضًا المشاعر في هدوء تتسم به كتاباتها المتعاقبة ، والهدوء في كتابات - فاطمة نزال - سمة صحية ، فهي صاحبة قضية ، فالحنجوريون كثيرًا ما يخسرون أو يفسدون قضاياهم ويميتونها ، أما المتسمون بالهدوء النفسي والذهني فهم أقدر الناس على كسب قضاياهم والوصول بها إلى الجميع وإلى ساحات العدل والنجاة .
وعلي- هذا الرمز الذي اختارته – فاطمة نزال – لموضوع قصتها يشبه الشعب الحر كله ، ويشبه منبه الساعة الذي يدق في أوقات حساسة ومهمة لإيقاظ الضمائر والغافلين ،وشكلت في شخوص القص توليفة مهمة ما بين الأطفال والشيوخ والشباب والنساء بمختلف الأعمار ، في دلالة قوية وإشارة واعية لمضمون وهدف النص . p style=\"text-align: justify;\"
***** p style=\"text-align: justify;\"
وفي المجمل :
نحن أمام كاتبة تمتلك أدوات فنية واعية ، وموهبة مصقولة بالقراءة والفهم لمقتضيات العمل الأدبي،وفكر يعتمد على الحُجِّيَّة وقوة الملاحظة ، والتقاط الأفكار وترتيب العناصر الفنية .
كما تمتلك حسًّا شاعريًا وتصويرًا يدعم الحالات المعنية في السياق العرضي الأدبي ،وتحرص على ألفاظ لغوية مركزة الحرف والصرف ، فصيحة لا غموض فيها ولا لبس ، فهي سليمة العبارة رائقة اللفظ مركزة الحرف ، تكتب بيقظة فنية عالية التركيز والوعي .
والحديث عن الكاتبة الفلسطينية – فاطمة نزال – فيه الكثير والكثير ، وذلك لحرصها على المدارس العربية العريقة في القصة العربية من حيث البناء والصياغة والأفكار والعناصر p style=\"text-align: justify;\"
*****
وبعد : فهذه مجرد قراءة قشرية لبعض نصوص الأديبة الفلسطينية العربية – فاطمة نزال – سائلاً الله لها التوفيق والمزيد من الألق والإبداع ،،،
عن سلسلسة ( ضي الحروف )
يكتبها ويجمع مادتها : أسامة عبدالشكور القوصي .........


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.