السيسي: القوات المسلحة لها دور محوري في مسيرة التنمية الشاملة للدولة    سائق يعتدي على مسئول لجنة ضبط السرفيس بالقليوبية أثناء أداء عمله في كفر شكر    لسعة دبور في الجولان السوري المحتل تنهي حياة جندي إسرائيلي    بيراميدز يتقدم على الجيش الرواندي بهدف زيكو في الشوط الأول    هل يعود أشرف حكيمي لريال مدريد الصيف المقبل بتدخلات من مبابي؟    انطلاق برنامج "الاقتصاد 24" على شاشة القناة الأولى    أول صورة للوحة الأثرية المختفية من مقبرة خنتي كا بسقارة    6 نصائح لعلاج فطريات اللسان عند الكبار والصغار    بسعة 30 سريرا، نائب وزير الصحة يفتتح وحدة الرعاية المركزة بمستشفى صدر المنصورة    هالاند يقود جوارديولا لانتصاره رقم 250 في الدوري الإنجليزي على حساب برينتفورد    محافظة الجيزة ترفع «الفريزة» والفروشات بطريق المريوطية واللبيني فيصل بحي الهرم    نشاط فني مكثف.. علاء مرسي بين الكوميديا والدراما والسينما    وكيل صحة الأقصر.. يعلن بدء حملة التطعيم المدرسي للعام الدراسي 2024 / 2025    السكة الحديد تُسير الرحلة ال23 لإعادة الأشقاء السودانيين إلى وطنهم    الدوري الإنجليزي.. أستون فيلا يفوز على بيرنلي بهدفين لهدف    فابريس: نحترم الأهلي ولكننا نؤمن بحظوظنا في تحقيق المفاجأة    تامر حسني يطلق من كان يا مكان إهداء لمهرجان نقابة المهن التمثيلية لتكريم رموز المسرح المصري    دور المقاومة الشعبية في السويس ضمن احتفالات قصور الثقافة بذكرى النصر    برينتفورد بتشكيلة هجومية أمام مانشستر سيتي في الدوري الإنجليزي    حماس: تصعيد استيطاني غير مسبوق في الضفة لابتلاع مزيد من الأراضي الفلسطينية    بلومبرج: البنك الأهلي المصري الأول في السوق المصرية بمجال القروض المشتركة    وزير التموين: تكثيف الرقابة والتصدى الحاسم لحالات الغش التجارى    تأجيل محاكمة 71 متهما بخلية الهيكل الإدارى بالتجمع لجلسة 21 ديسمبر    سيارة مسرعة تنهي حياة طفل أثناء عبوره الطريق بصحبة والدته في العجوزة    طرح 11 وحدة صناعية جديدة بمجمع المطاهرة بمحافظة المنيا    احزان للبيع ..حافظ الشاعر يكتب عن : في يوم المعلم… منارة العلم تُطفئها الحاجة..!!    سعر الذهب اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025.. عيار 18 بدون مصنعية ب4483 جنيها    القاهرة الإخبارية: انتهاء عمليات الاقتراع في عموم المحافظات السورية    «فيروز الطفلة المعجزة».. مهرجان الإسكندرية يستعيد بريقها في ندوة مؤثرة    أفضل 5 أبراج تنجح في التدريس أولهم برج القوس فى يوم المعلم العالمى    روبيو: لا يمكن تجاهل تأثير الحرب في غزة على مكانة إسرائيل في العالم    هل يشارك كيليان مبابي مع منتخب فرنسا فى تصفيات كأس العالم رغم الإصابة؟    ارتفاع حصيلة ضحايا الانهيارات الأرضية والفيضانات في نيبال إلى 42 قتيلا    حكم الذكر دون تحريك الشفتين.. وهذا هو الفرق بين الذكر القلبي واللساني    مستشفى الغردقة العام تستقبل الراغبين فى الترشح لانتخابات النواب لإجراء الكشف الطبي    «بس ماترجعوش تزعلوا».. شوبير يعتذر ل عمرو زكي    إزالة 50 حالة تعدٍّ واسترداد 760 فدان أملاك دولة ضمن المرحلة الثالثة من الموجة ال27    رئيس الوزراء يترأس اجتماع اللجنة الرئيسية لتقنين أوضاع الكنائس والمباني الخدمية التابعة لها    رئيس جامعة المنيا يهنئ السيسي بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    تعليق مفاجئ من الجيش اللبناني بعد تسليم فضل شاكر لنفسه    سر إعلان أسرة عبد الحليم حافظ فرض رسوم على زيارة منزل الراحل    مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي يكرم فناني ومبدعي المدينة (صور)    وزارة الإسكان السعودي تحدد نقاط أولوية الدعم السكني 2025    موعد أول يوم في شهر رمضان 2026... ترقب واسع والرؤية الشرعية هي الفيصل    «اطلع على كراسات الطلاب وفتح حوارا عن البكالوريا».. وزير التعليم يفتتح منشآت تربوية جديدة في الإسكندرية (صور)    شهيد لقمة العيش.. وفاة شاب من كفر الشيخ إثر حادث سير بالكويت (صورة)    «صفر مساهمات وإيقاف قيد محتمل».. ماذا جنى الزمالك من صفقة عبدالحميد معالي؟    وزير الصحة: تم تدريب 21 ألف كادر طبي على مفاهيم سلامة المرضى    مرسوم جديد من «الشرع» في سوريا يلغي عطلة حرب 6 أكتوبر من الإجازات الرسمية    الأوقاف تعقد 673 مجلسا فقهيا حول أحكام التعدي اللفظي والبدني والتحرش    مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الشرقية    3 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب«السوق السوداء»    سوريا تنتخب أول برلمان بعد بشار الأسد في تصويت غير مباشر    عقد مؤتمر في القاهرة لعرض فرص الاستثمار الزراعي والتعدين بالولاية الشمالية في السودان    عودة إصدار مجلة القصر لكلية طب قصر العيني    السيسي يضع إكليل الزهور على قبري ناصر والسادات    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأحد 5-10-2025 في بني سويف    أذكار النوم اليومية: كيف تحمي المسلم وتمنحه السكينة النفسية والجسدية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأمّلات فلسفيّة في الحبّ الإنساني (1)
نشر في شموس يوم 29 - 08 - 2014


بقلم : الدّكتور سامي الشّيخ محمّد
قضيّةٌ تشغل بال معظمنا ، إنّها قضيّة الحب ، فما ماهيّةُ الحبّ ؟ وما الفلسفة الّتي يقوم عليها في حياتنا الإنسانيّة .
ثمّة أسئلة تطلُّ علينا ، حيال موضوع الحبّ ، بوصفه موضوعاً يهيمن على كياننا كلّه ، يتحكّم في سلوكنا ، يحدّدُ وجهة سيرنا وكيفيّة تعاملنا مع البشر والأشياء من حولنا ، فالحبّ يتّصل بسعادتنا الوجوديّة الدّائمة ، إذا ماستولى علينا يجعلنا خدماً ... عبيداً مطيعين لمن نحبّ بملء إرادتنا ، لا لشيء إلاّ لأنّهُ مفتاح سعادتنا الرّاهنة والمستقبليّة ، فهو يصنع المعجزات ، حتّى يمكنُ القول أنّه لا شيء محال تحقيقه في حضرة الحبّ .
فما هو هذا الحبُّ ، وما السرُّ الّذي ينطوي عليه لما له من فعل إعجازيٍّ في الحياة ؟
اُنظر : ما اقترن الحبّ بشيء إلاَّ وحصلت السّعادة به ، فكم هي تلك الأطعمة ، المساكن الأشربة ، الملابس ، الطّبيعة ، العواطف ،الأجساد ، الأنفس والعقول الأرواح ، العلاقات الإنسانية ، الأيديولوجيّات والعقائد الّتي يحلُّ الحبّ فيها ، تكون أسباباً لسعادتنا الدّنيويّة ، ومفاتيح حقيقيّة لحياتنا الموعودة ؟!.
أعتقد أنّنا بالحبّ نمارس قدراً أكبر من حريّة الرّأي والتّعبير الرّمزيّ والّلفظيّ والحسيّ حيال من نحبّ . أيضاً يتجاوز الحبّ حدود العلاقة بعالم المادّة والأشياء ، ليسمو ويتعالى على المحسوس شطر الّلامحسوس ، شطر الفنيّ والجماليّ والأخلاقيّ ، بعد كلّ ذلك أليس الحبّ بجوهرٍ سرمديّ قائم في حياتنا وفي العالم من حولنا ؟
الحب سر حياتنا وتجدّدنا الأمثل في الحياة ، بل أكثر من ذلك ، فإن شئت القول بأنّه سر الوجود بأسره فلن نجافي بذلك حقيقته الإعجازية ، لأنه عنوان للواحدية ، واحدية الروح وإن توزّعت على الأفراد والظواهر والأشياء ، أما عن صلته بالعبودية وبالحرية ، فنرى أنَّ عبودية الحب تنطوي في ذاتها على قدر مطلق من الحرية ، فهو يجعل المحبوب يستحوذ على كياننا كلّه لأنّه كما قلت يمنحنا الحرية والشعور بالرضا والسعادة ، ويحقق لنا الثقة بالذات والسيادة بآن معاً ، لأنّه السيّد الّذي يُسخر ذاته لأجلنا ويتفانى في العمل على إسعادنا ، لذا استحقّ منّا تعبيد أنفسنا الحرّ له وحده لا لسواه ، كونه الضّامن الأكيد لحريّتنا وكرامتنا الشخصيّة .
صحيح أنَّ الحب خبز الحياة وملحها ، فإن غاب عنا حصل الجوع واضطرب الذّوق ، وصحيح ايضاً أنَّ ماهية الحب واحدة ، فهي الوثاق الّذي يؤلّف الكثرة لتنعم به . وليُسمَحَ لي بهذه المقاربة الفلسفية : إذا كان فعل الحب يصنع المعجزات ، فيطوي المسافات القائمة بين الأحبّة فيقربهم إلى حد الوحدة الوجوديّة الروحية ، وإذا كانت الحياة لا تستقيم بغير الحب ، فيصبح صحيحاً قولنا ، بالحب وحده يحيا الإنسان ، سيما أنَّ جوهر الحب كلمة تنطوي على فعل ، هذه الكلمة الّتي هي بمثابة الخبز لحياتنا ، تتجاوز الخبز الّذي نعرفه ، إلى خبزٍ من نوعٍ آخر إنّهُ الخبزٌ المقدّس ، الّذي يحيا الإنسان به ويعتمر بالسعادة الّتي يهبُنا إيّاها .
ولكن الحب لا يستجيب لمنطق خارجي عن ذاته ، لأنَّ منطق الحب هو الحب ذاته كما تقول بعض الفلسفات وأوافقها الرّأي في ذلك ، وهو وجود يتجاوز حدود العقل البشري ، لأنّه وجود إعجازي ، كان القلب والشّعور والإحساس أقرب إليه من العقل ، الّذي يُضعف جذوة الحب المتقدة فينا ، والسّؤال : هل كلّ شيء مباح في حضرة الحب ؟ بمعنى هل ثمة قيود وأصفاد تحد من فاعلية الحب في حياتنا ؟ أم أنّه حرٌّ يتمتع بالحرية المطلقة ، فلا عوائق أو قيود أو محرمات تحول دون فعله الإعجازي في الحياة ؟ وهل ثمة فارق بين الحب وعاطقة الحب ، بمعنى هل بوسعنا الكلام عن الحب بمعزلٍ عن عاطفة الحب ؟ ثم هل للحب طبيعة أخلاقيّة محكوم بها ؟ أم أنَّ له طبيعة خاصّة به مستقلّة عن أي اعتبارات أخلاقية متعارف عليها ؟ .
بعد هذه الإفاضة في الحديث عن الحب بوصفه سرّاً بمعنى مّا وعاطفة بمعنى آخر ، أليس خليقاً أن يكون سرّاً مقدّساً ؟ أؤمن بأنَّ الحبّ سرٌّ مقدّس يتصدّرُ جملة أسرار حياتنا الخاصّة ، لذا نجد غالبية العاشقين يخفون في معظم الأحيان حبّهم الحقيقيّ عمّن يحيط بهم من أقران وأصدقاء ، فلا يُسرُّونَ به إلاَّ لأنفسهم ولأحبتهم فحسب ، ولأنّه سرٌّ اقتضى ألاَّ يكون مفضوحاً أمام الآخرين ، بمعنى أنَّ انكشافه للملأ يقلّل من رونقه وفاعليّته في أنفسنا ، أمّا انكشافه للمحبوب فيضفي عليه حلّة إضافيّة من الجمال والقداسة يزدان بها ، ولأنَّ الحب كما عرّفته سرٌّ مقدّسٌ فهو منطقة حرام ينبغي ألاَّ يطأ ساحتها إلاَّ المحبّ نفسه فحسب ، ولكونه سرّأً مقدّساً ينبغي ألاَّ يطّلع أحدٌ عدا المحبّ والمحبوب على تفاصيله وخفاياه ، ففي ذلك نيلٌ من الجمال ومسٌّ بالقداسة الّتي يتّسم بها ، فضلاً عن العواقب غير المحمودة الّتي تترتب على ذلك .
هذا السّرُّ يفتحُ أعيننا على حقيقة الحياة ، وما فيها من حسن وجمال ، ناهيك عن السّعادة الّتي يهبنا إيّاها ، فيصبح القول (بالحبِّ وحده يحيا الإنسان) ، قولاً مأثوراً يستحقُّ التّنويه به ، عبر العصور والأزمنة .
نعم الحبُّ سرٌّ عظيم الفاعليّة في حياتنا ، إذ ينطوي على قدرة هائلة تحملنا على الحيويّة والنّشاط والإبداع ، وإحراز التّقدّم والتفوّق في ميادين الحياة المختلفة .
وللحبّ صلات وثيقة بالكثير من المعاني القيميّة والأخلاقيّة : الوفاء ، الإخلاص ، الإيثار ، الصّفح ، التّسامح ، التّضحية ، العطاء ، التّقدير والاحترام ، والتّماهي ... الخ .
من ناحية اخرى بوسعنا توصيف الحبِّ بوصفه جوهراً له ملحقات وأعراض كثيرة ، من هذه الملحقات : العاطفة ، الغريزة ،الحسّ ، العقل ، الرّوح ، وهي أبرز الحقول الّتي يفعل الحبُّ فيها فعله ، حتى أمكن لنا الحديث عن الحبّ العاطفيّ ، الحبّ الغريزيّ ، الحبّ الحسيّ ، الحبّ العقليّ ، والحبّ الرّوحيّ ، هذه الملحقات هي بدورها جواهر منبثقة عن جوهر الحبّ ذاته ، ولها صورٌ وأعراضٌ مرتبطةٌ بها ، فأعراض الحب العاطفي وصوره كثيرة منها : الحب المتبادل للأبناء والآباء والأمهات والأجداد والأحفاد ، حب الأقران لبعضهم البعض ، حب الأقارب ، حبّ الأصدقاء ، والحبُّ المتبادل بين الأولاد والبنات ، والشّباب والفتيات ، والرّجال والنّساء .
أمّا أعراض الحبّ الحسّيّ وصوره فتلك المتّصلة بحواس الجسد ، البصر ، الّذوق ، الشّمّ ، السّمع ، الّلمس ، فالحبّ المتّصل بالبصر، يتجلّى في رؤية الأشياء الجميلة ، والحبّ المتّصل بحاسّة الذّوق ، يتّصل بالأطعمة المفضّلة ، كذلك الحبّ المتّصل بالشّمّ ، نحصلُ عليه من الرّوائح العطرة الّتي نشمّها ، أمّا الحبّ المتّصل بالسّمع يتمثّلُ في حبّ الاستماع للأصوات الجميلة المحيطة بنا ، كذلك حبّ الّلمس يتجسّدُ في لمسنا للأشياء الّتي تجلب لنا الشّعور بالمتعة والرّاحة .
كذلك أعراض الحبِّ الغرائزيّ وصوره متعدّدة منها : الحبّ المتعلّق بغرائز الجسد العضويّة والفيزيولوجيّة من قبيل ، الطّعام ، الماء ، الجنس ، من هنا يأتي حديثنا عن حبّ الطّعام ، حب الماء ، حبّ الجنس ، والحبُّ هنا يرتبط بالحاجة العضويّة الجسديّة لتلك الأشياء ، وبالّلذّة الّتي تحقّق للجسد الإشباع الماديّ والنّفسيّ من زاوية الكمّ والكيف .
يركّز هذا النّوع من الحبُّ على تلبية تلك الاحتياجات ، وعلى الجانب الكيفيّ فيها (الّلذّة الّتي تصحبها عند تناول الجسد لها ) .
أيضاً الحبُّ العقليّ فأعراضه وصوره متنوّعة منها : حبّ التّعلّم والتّعليم ، القراءة ، الكتابة ،الاكتشاف ، الإبداع والاختراع ... الخ .
وأمّا الحبّ الرّوحي ، فميدانه حبّ التديّن والقداسة ، والله ، ويمكن للحبّ الرّوحي أن يشمل حبُّ الحبيب للمحبوب في أعلى مراتب الحبّ العاطفي والحسيّ والعقليّ والغرائزيّ . رغم تركيزه على الجانب الرّوحيّ منزّهاً عن علائق المادّة و الجسد . ويبقى الحبّ الرّوحيّ أسمى ملحقات الحبّ وجواهره ، لا سيّما حبّنا لله . هذا الحبّ يجلب لنا السّعادة والسّرور ، والحريّة الحقيقيّة الّتي لا تقوى عليها كلّ القوى الكونيّة في العالم .
أمّا عن صلة الحبّ بالحريّة فأوافق الرّأي المخصوص بذلك ، من زاوية أنَّ هذا السّرّ ، يُحرّرنا من الخجل أمام الحبيب ، ويمنحنا القدرة على القبول والرّفض ، على القول نعم أو لا ، وعليه ففعل الحبّ في جوهره فعلٌ تحرير ، يخلّصنا من القيود الّتي تحدُّ من فاعليّتنا ، ومن السّلبيّة غير المنتجة في حياتنا ، ولكن هل نحن أحرار في التّعبير عن فعل الحب ومزاولتنا له ، أم أنَّ ثمّة قيود وأصفاد تحدّ من فاعليّتنا الحرّة حياله ؟ أعتقد أنَّ حرّيتنا في تعاملنا مع الحبّ ينبغي ان تكون مطلقة إطلاقيّة الحبّ ذاته ، فنصبح أحراراً بالحب الّذي نحيا به . فلا عيب ولا نقص في أن نكون أحراراً في امتلاكنا للحب السّرّ والعاطفة .
ففي حضرة سيّدنا الحبّ لا قيمة للماديّات مهما عظم شانها ، لا خوف من أن تفسد هذا السّر الإعجازيّ العظيم ، فللحبّ قدرة هائلة تتجاوز العوائق الفيزيائيّة بين المحبّين أيّاً كان نوع تلك العوائق ، ففضاء الحريّة يتّسع فضاء الحبّ ذاته ، ويتماهى معه ، وبالتّالي فلا حريّة بلا حبّ ولا حبّ بلا حريّة . ونحن أحرار لأنّنا نحبّ .
من جهة أخرى يتّصف الحب باللاّنهائيّة ، وليس للموت سلطانٌ عليه ، كونه من طبيعة روحيّة مطلقة ، فلا سلطان عليه إلاَّ للسلطان الإلهي السّرمديّ . ولعل المثل الأسمى لممارسة فعل الحبّ والشّعور بعاطفة الحبّ المقدّس بين البشر هو ذاك الّذي يربط بين الأزواج المحبّين بعضهم ببعض ، حيث تتجلّى الحريّة الكاملة في التّعبير عن الحبّ وممارسته بين الزوج وزوجته ، بوصفهما حبيب ومحبوبة ، ، إذ يحدث التعرّي والانكشاف المطلق لكليهما على بعضهما ليس الانكشاف والتعرّي المقترن بالمعاشرة الزوجيّة والاتّحاد الجسدي فحسب ، بل والعاطفيّ والرّوحي كذلك ، فتصبح وتمسي العاطفة في اتّحاد متّقد مع العاطفة ، والجسد قي شوق لاينقطع للجسد والنّفس للنّفس والرّوح للرّوح ، في نوعٍ من التّماهي الرّوحيّ الّذي يستمدُّ قوّته وقدرته على التمتّع بالحبّ والإحساس بالسّعادة من فعل الحضور الإلهيّ في حياتنا ، الحبّ هنا حبٌّ كاملٌ يشمل الغريزة والّلذّة المرتبطة بها والعاطفة والعقل والنّفس والرّوح ، حبٌّ يجعل من الإثنين واحداً .
الأمر الّذي يتعذّر في حال حدوثه الانفصال بين الزّوج والزّوجة لعلّة الرّباط الرّوحيّ المقدّس المستمدّ من السّرّ المقدّس - (الحبّ) - بينهما ، ففي الزّواج المؤسّس على الحبّ يصبح الزّواج رمزاً للوحدة والكثرة ، والحبُّ لا يخبو في العلاقة الجسديّة بين الحبيبين ، بل يتصاعد باستمرار ، فتغدو الحبيبة تجسيداً لنساء الأرض أجمعين ، والحبيبُ تجسيداً للرّجال كافّة . هذا الحبُّ يحقّقُ الإشباع الجسديّ - المقترن بالغريزة والشّهوة والهوى - ، والعاطفي الرّوماتسيّ والرّوحيّ كذلك ، ما يجعل من السّعادة المستمدّة من الحب وعاطفة الحبّ أمراً في متناول أيدينا .
المسألة الأخرى صحيحٌ أنَّ للحبّ طبيعة تسمو على المادّة والأشياء ، طبيعة روحيّة مجرّدة تستمدُّ وجودها من سماء المثل العليا بل من مثال المثل جميعاً وهو الله ، لكنَّ جلال الحبِّ يتجلّى في تعيّنه المستمرّ في حياتنا ، عبر تداوله بين البشر الخليقين به ، فممارسة الحبّ - من وجهة نظري – تثري الحب ولا تنقصه ولكن أيُّ ممارسة ؟ إنّها الممارسة الخلاّقة للحبّ ذاته والمحافظة عليه ، والذّود عنه من كلّ أذى يتربّص به .
اسمح لنفسي بالقول ، أنَّ ممارسة فعل الحبّ والاعتمار الدّائم بعاطفة الحبِّ ، أمرٌ ضروريٌّ في تعميق حضور سرّ الحبّ المقدّس في حياتنا ، وإن كنت أرى أنَّ ممارسة فعل الحبّ المقترن بالعلاقة الجسديّة بين الحبيبين ، ينبغي ألاَّ يبرح ساحة القداسة المشفوعة بعاطفة التّقدير والاعتزاز والاحترام للحبيب ، ذلك أنَّ لذّة الحب أدوم من لذّة الجسد وأسمى ، مع أنَّ لذّة الجسد ضروريّة ونافعة إن تماهت مع لذّة الحبّ ، ففي ذلك اتّحادٌ جوهريٌّ للجسدي بالرّوحي ، فطوبى لمن تماهت لذّة الجسد لديه بلذّة الرّوح .
نعم أعتقد أنَّ الحبّ بين الجنسين (الرّجل والمرأة ) المثال الأسمى للحب ومردّه إلى واحديّة الأصل الإنساني ، الأصل الّذي يردّ المرأة إلى رجلها والرّجل إلى امرأته ، لأنّهما في الأصل شخصٌ واحد ، جسدٌ واحد نفسٌ واحدة ، دمٌ واحد ، عقلٌ واحد ، وروحٌ واحدة . ففعل الحبّ وعاطفة الحبّ في جوهريهما نزوع لتحقيق الوحدة الوجوديّة للأصل الإنساني ، بهذا المعنى يكون الرّجل امرأة والمرأة رجلاً ، الذّكر أنثى والأنثى ذكر ، ممّا يضفي على الحبّ وعاطفة الحبّ مشروعيّة من النّاحية الوجوديّة الطّبيعيّة ، وفي هذا النّوع من الحبّ يُصبح كلّ شيء مباحاً .
وبالتّالي ليس أجمل من تحوّل الحبّ إلى عادة ، ولكن ليس أي عادة وهذا هو المعنى الّذي أوافق الرّأي عليه ، فالعادة نقيض للتجدّد والولادة الجديدة الّتي تكمن في صميم الحبّ ذاته ، أمّا إذا تحوّل الحبُّ إلى عادة عبر ممارسته الفعليّة في الحياة ، فعلى كيفيّة هذه العادة والفلسفة الّتي تنطلق منها ، يمكن للحب الاحتفاظ بمكانته الرّفيعة ومنزلته المهيبة في حياتنا اليوميّة ، على اعتبار أنَّ مزاولة فعل الحبّ تنتهي بالمحبّ إلى الإدمان على فعله دون كلل أو ملل . إنّه الطّعام الّذي لا نملّه والشّراب الّذي نستزيده دون انقطاع ، إنّه الحبل السّريُّ الّذي يصلنا بالحياة الهانئة .
يكفينا أن ننظر ماذا فعل سرّ الحبّ المقدّس فينا ، أليس هذا التفلسف المثمر من بركات هذا الحبّ ؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.