اليوم.. الأوقاف تفتتح 17 مسجداً جديداً    توقعات مخيبة للأمال لشركة إنتل في البورصة الأمريكية    وزير المالية الإسرائيلي المتطرف يدعو الموساد لاغتيال قيادات حماس وإبادة قطاع غزة بالكامل    مسؤول أمريكي: واشنطن تستعد لإعلان عقود أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار لأوكرانيا    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    وزير الخارجية الصيني يلتقي بلينكن في العاصمة بكين    بداية موجة شتوية، درجات الحرارة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024 في مصر    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    إسرائيل تدرس اتفاقا محدودا بشأن المحتجزين مقابل عودة الفلسطينيين لشمال غزة    جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة للحرب على غزة    900 مليون جنيه|الداخلية تكشف أضخم عملية غسيل أموال في البلاد.. التفاصيل    طريقة تغيير الساعة في هواتف سامسونج مع بدء التوقيت الصيفي.. 5 خطوات مهمة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    شعبة أسماك بورسعيد: المقاطعة ظلمت البائع الغلبان.. وأصحاب المزارع يبيعون إنتاجهم لمحافظات أخرى    المستهدف أعضاء بريكس، فريق ترامب يدرس إجراءات ضد الدول التي تتخلى عن الدولار    «جريمة عابرة للحدود».. نص تحقيقات النيابة مع المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة    ماجد المصري عن مشاركته في احتفالية عيد تحرير سيناء: من أجمل لحظات عمري    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. توجيهات الصحة بتجنُّب زيادة استهلالك الكافيين    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    أحمد سليمان يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    رئيس لجنة الخطة بالبرلمان: الموازنة الجديدة لمصر تُدعم مسار التنمية ومؤشرات إيجابية لإدارة الدين    نجم الأهلي السابق يوجه رسالة دعم للفريق قبل مواجهة مازيمبي    ناقد رياضي: الزمالك فرط في الفوز على دريمز الغاني    طارق السيد: ملف بوطيب كارثة داخل الزمالك.. وواثق في قدرات اللاعبين أمام دريمز    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    عاجل.. رمضان صبحي يفجر مفاجأة عن عودته إلى منتخب مصر    انطلاق حفل افتتاح مهرجان الفيلم القصير في الإسكندرية    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    هاني حتحوت يكشف تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    عيار 21 يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل بالصاغة بعد آخر انخفاض    بالصور.. مصطفى عسل يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    مصدر نهر النيل.. أمطار أعلى من معدلاتها على بحيرة فيكتوريا    برج العذراء.. حظك اليوم الجمعة 26 أبريل 2024 : روتين جديد    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأمّلات فلسفيّة في الحبّ الإنساني (1)
نشر في شموس يوم 29 - 08 - 2014


بقلم : الدّكتور سامي الشّيخ محمّد
قضيّةٌ تشغل بال معظمنا ، إنّها قضيّة الحب ، فما ماهيّةُ الحبّ ؟ وما الفلسفة الّتي يقوم عليها في حياتنا الإنسانيّة .
ثمّة أسئلة تطلُّ علينا ، حيال موضوع الحبّ ، بوصفه موضوعاً يهيمن على كياننا كلّه ، يتحكّم في سلوكنا ، يحدّدُ وجهة سيرنا وكيفيّة تعاملنا مع البشر والأشياء من حولنا ، فالحبّ يتّصل بسعادتنا الوجوديّة الدّائمة ، إذا ماستولى علينا يجعلنا خدماً ... عبيداً مطيعين لمن نحبّ بملء إرادتنا ، لا لشيء إلاّ لأنّهُ مفتاح سعادتنا الرّاهنة والمستقبليّة ، فهو يصنع المعجزات ، حتّى يمكنُ القول أنّه لا شيء محال تحقيقه في حضرة الحبّ .
فما هو هذا الحبُّ ، وما السرُّ الّذي ينطوي عليه لما له من فعل إعجازيٍّ في الحياة ؟
اُنظر : ما اقترن الحبّ بشيء إلاَّ وحصلت السّعادة به ، فكم هي تلك الأطعمة ، المساكن الأشربة ، الملابس ، الطّبيعة ، العواطف ،الأجساد ، الأنفس والعقول الأرواح ، العلاقات الإنسانية ، الأيديولوجيّات والعقائد الّتي يحلُّ الحبّ فيها ، تكون أسباباً لسعادتنا الدّنيويّة ، ومفاتيح حقيقيّة لحياتنا الموعودة ؟!.
أعتقد أنّنا بالحبّ نمارس قدراً أكبر من حريّة الرّأي والتّعبير الرّمزيّ والّلفظيّ والحسيّ حيال من نحبّ . أيضاً يتجاوز الحبّ حدود العلاقة بعالم المادّة والأشياء ، ليسمو ويتعالى على المحسوس شطر الّلامحسوس ، شطر الفنيّ والجماليّ والأخلاقيّ ، بعد كلّ ذلك أليس الحبّ بجوهرٍ سرمديّ قائم في حياتنا وفي العالم من حولنا ؟
الحب سر حياتنا وتجدّدنا الأمثل في الحياة ، بل أكثر من ذلك ، فإن شئت القول بأنّه سر الوجود بأسره فلن نجافي بذلك حقيقته الإعجازية ، لأنه عنوان للواحدية ، واحدية الروح وإن توزّعت على الأفراد والظواهر والأشياء ، أما عن صلته بالعبودية وبالحرية ، فنرى أنَّ عبودية الحب تنطوي في ذاتها على قدر مطلق من الحرية ، فهو يجعل المحبوب يستحوذ على كياننا كلّه لأنّه كما قلت يمنحنا الحرية والشعور بالرضا والسعادة ، ويحقق لنا الثقة بالذات والسيادة بآن معاً ، لأنّه السيّد الّذي يُسخر ذاته لأجلنا ويتفانى في العمل على إسعادنا ، لذا استحقّ منّا تعبيد أنفسنا الحرّ له وحده لا لسواه ، كونه الضّامن الأكيد لحريّتنا وكرامتنا الشخصيّة .
صحيح أنَّ الحب خبز الحياة وملحها ، فإن غاب عنا حصل الجوع واضطرب الذّوق ، وصحيح ايضاً أنَّ ماهية الحب واحدة ، فهي الوثاق الّذي يؤلّف الكثرة لتنعم به . وليُسمَحَ لي بهذه المقاربة الفلسفية : إذا كان فعل الحب يصنع المعجزات ، فيطوي المسافات القائمة بين الأحبّة فيقربهم إلى حد الوحدة الوجوديّة الروحية ، وإذا كانت الحياة لا تستقيم بغير الحب ، فيصبح صحيحاً قولنا ، بالحب وحده يحيا الإنسان ، سيما أنَّ جوهر الحب كلمة تنطوي على فعل ، هذه الكلمة الّتي هي بمثابة الخبز لحياتنا ، تتجاوز الخبز الّذي نعرفه ، إلى خبزٍ من نوعٍ آخر إنّهُ الخبزٌ المقدّس ، الّذي يحيا الإنسان به ويعتمر بالسعادة الّتي يهبُنا إيّاها .
ولكن الحب لا يستجيب لمنطق خارجي عن ذاته ، لأنَّ منطق الحب هو الحب ذاته كما تقول بعض الفلسفات وأوافقها الرّأي في ذلك ، وهو وجود يتجاوز حدود العقل البشري ، لأنّه وجود إعجازي ، كان القلب والشّعور والإحساس أقرب إليه من العقل ، الّذي يُضعف جذوة الحب المتقدة فينا ، والسّؤال : هل كلّ شيء مباح في حضرة الحب ؟ بمعنى هل ثمة قيود وأصفاد تحد من فاعلية الحب في حياتنا ؟ أم أنّه حرٌّ يتمتع بالحرية المطلقة ، فلا عوائق أو قيود أو محرمات تحول دون فعله الإعجازي في الحياة ؟ وهل ثمة فارق بين الحب وعاطقة الحب ، بمعنى هل بوسعنا الكلام عن الحب بمعزلٍ عن عاطفة الحب ؟ ثم هل للحب طبيعة أخلاقيّة محكوم بها ؟ أم أنَّ له طبيعة خاصّة به مستقلّة عن أي اعتبارات أخلاقية متعارف عليها ؟ .
بعد هذه الإفاضة في الحديث عن الحب بوصفه سرّاً بمعنى مّا وعاطفة بمعنى آخر ، أليس خليقاً أن يكون سرّاً مقدّساً ؟ أؤمن بأنَّ الحبّ سرٌّ مقدّس يتصدّرُ جملة أسرار حياتنا الخاصّة ، لذا نجد غالبية العاشقين يخفون في معظم الأحيان حبّهم الحقيقيّ عمّن يحيط بهم من أقران وأصدقاء ، فلا يُسرُّونَ به إلاَّ لأنفسهم ولأحبتهم فحسب ، ولأنّه سرٌّ اقتضى ألاَّ يكون مفضوحاً أمام الآخرين ، بمعنى أنَّ انكشافه للملأ يقلّل من رونقه وفاعليّته في أنفسنا ، أمّا انكشافه للمحبوب فيضفي عليه حلّة إضافيّة من الجمال والقداسة يزدان بها ، ولأنَّ الحب كما عرّفته سرٌّ مقدّسٌ فهو منطقة حرام ينبغي ألاَّ يطأ ساحتها إلاَّ المحبّ نفسه فحسب ، ولكونه سرّأً مقدّساً ينبغي ألاَّ يطّلع أحدٌ عدا المحبّ والمحبوب على تفاصيله وخفاياه ، ففي ذلك نيلٌ من الجمال ومسٌّ بالقداسة الّتي يتّسم بها ، فضلاً عن العواقب غير المحمودة الّتي تترتب على ذلك .
هذا السّرُّ يفتحُ أعيننا على حقيقة الحياة ، وما فيها من حسن وجمال ، ناهيك عن السّعادة الّتي يهبنا إيّاها ، فيصبح القول (بالحبِّ وحده يحيا الإنسان) ، قولاً مأثوراً يستحقُّ التّنويه به ، عبر العصور والأزمنة .
نعم الحبُّ سرٌّ عظيم الفاعليّة في حياتنا ، إذ ينطوي على قدرة هائلة تحملنا على الحيويّة والنّشاط والإبداع ، وإحراز التّقدّم والتفوّق في ميادين الحياة المختلفة .
وللحبّ صلات وثيقة بالكثير من المعاني القيميّة والأخلاقيّة : الوفاء ، الإخلاص ، الإيثار ، الصّفح ، التّسامح ، التّضحية ، العطاء ، التّقدير والاحترام ، والتّماهي ... الخ .
من ناحية اخرى بوسعنا توصيف الحبِّ بوصفه جوهراً له ملحقات وأعراض كثيرة ، من هذه الملحقات : العاطفة ، الغريزة ،الحسّ ، العقل ، الرّوح ، وهي أبرز الحقول الّتي يفعل الحبُّ فيها فعله ، حتى أمكن لنا الحديث عن الحبّ العاطفيّ ، الحبّ الغريزيّ ، الحبّ الحسيّ ، الحبّ العقليّ ، والحبّ الرّوحيّ ، هذه الملحقات هي بدورها جواهر منبثقة عن جوهر الحبّ ذاته ، ولها صورٌ وأعراضٌ مرتبطةٌ بها ، فأعراض الحب العاطفي وصوره كثيرة منها : الحب المتبادل للأبناء والآباء والأمهات والأجداد والأحفاد ، حب الأقران لبعضهم البعض ، حب الأقارب ، حبّ الأصدقاء ، والحبُّ المتبادل بين الأولاد والبنات ، والشّباب والفتيات ، والرّجال والنّساء .
أمّا أعراض الحبّ الحسّيّ وصوره فتلك المتّصلة بحواس الجسد ، البصر ، الّذوق ، الشّمّ ، السّمع ، الّلمس ، فالحبّ المتّصل بالبصر، يتجلّى في رؤية الأشياء الجميلة ، والحبّ المتّصل بحاسّة الذّوق ، يتّصل بالأطعمة المفضّلة ، كذلك الحبّ المتّصل بالشّمّ ، نحصلُ عليه من الرّوائح العطرة الّتي نشمّها ، أمّا الحبّ المتّصل بالسّمع يتمثّلُ في حبّ الاستماع للأصوات الجميلة المحيطة بنا ، كذلك حبّ الّلمس يتجسّدُ في لمسنا للأشياء الّتي تجلب لنا الشّعور بالمتعة والرّاحة .
كذلك أعراض الحبِّ الغرائزيّ وصوره متعدّدة منها : الحبّ المتعلّق بغرائز الجسد العضويّة والفيزيولوجيّة من قبيل ، الطّعام ، الماء ، الجنس ، من هنا يأتي حديثنا عن حبّ الطّعام ، حب الماء ، حبّ الجنس ، والحبُّ هنا يرتبط بالحاجة العضويّة الجسديّة لتلك الأشياء ، وبالّلذّة الّتي تحقّق للجسد الإشباع الماديّ والنّفسيّ من زاوية الكمّ والكيف .
يركّز هذا النّوع من الحبُّ على تلبية تلك الاحتياجات ، وعلى الجانب الكيفيّ فيها (الّلذّة الّتي تصحبها عند تناول الجسد لها ) .
أيضاً الحبُّ العقليّ فأعراضه وصوره متنوّعة منها : حبّ التّعلّم والتّعليم ، القراءة ، الكتابة ،الاكتشاف ، الإبداع والاختراع ... الخ .
وأمّا الحبّ الرّوحي ، فميدانه حبّ التديّن والقداسة ، والله ، ويمكن للحبّ الرّوحي أن يشمل حبُّ الحبيب للمحبوب في أعلى مراتب الحبّ العاطفي والحسيّ والعقليّ والغرائزيّ . رغم تركيزه على الجانب الرّوحيّ منزّهاً عن علائق المادّة و الجسد . ويبقى الحبّ الرّوحيّ أسمى ملحقات الحبّ وجواهره ، لا سيّما حبّنا لله . هذا الحبّ يجلب لنا السّعادة والسّرور ، والحريّة الحقيقيّة الّتي لا تقوى عليها كلّ القوى الكونيّة في العالم .
أمّا عن صلة الحبّ بالحريّة فأوافق الرّأي المخصوص بذلك ، من زاوية أنَّ هذا السّرّ ، يُحرّرنا من الخجل أمام الحبيب ، ويمنحنا القدرة على القبول والرّفض ، على القول نعم أو لا ، وعليه ففعل الحبّ في جوهره فعلٌ تحرير ، يخلّصنا من القيود الّتي تحدُّ من فاعليّتنا ، ومن السّلبيّة غير المنتجة في حياتنا ، ولكن هل نحن أحرار في التّعبير عن فعل الحب ومزاولتنا له ، أم أنَّ ثمّة قيود وأصفاد تحدّ من فاعليّتنا الحرّة حياله ؟ أعتقد أنَّ حرّيتنا في تعاملنا مع الحبّ ينبغي ان تكون مطلقة إطلاقيّة الحبّ ذاته ، فنصبح أحراراً بالحب الّذي نحيا به . فلا عيب ولا نقص في أن نكون أحراراً في امتلاكنا للحب السّرّ والعاطفة .
ففي حضرة سيّدنا الحبّ لا قيمة للماديّات مهما عظم شانها ، لا خوف من أن تفسد هذا السّر الإعجازيّ العظيم ، فللحبّ قدرة هائلة تتجاوز العوائق الفيزيائيّة بين المحبّين أيّاً كان نوع تلك العوائق ، ففضاء الحريّة يتّسع فضاء الحبّ ذاته ، ويتماهى معه ، وبالتّالي فلا حريّة بلا حبّ ولا حبّ بلا حريّة . ونحن أحرار لأنّنا نحبّ .
من جهة أخرى يتّصف الحب باللاّنهائيّة ، وليس للموت سلطانٌ عليه ، كونه من طبيعة روحيّة مطلقة ، فلا سلطان عليه إلاَّ للسلطان الإلهي السّرمديّ . ولعل المثل الأسمى لممارسة فعل الحبّ والشّعور بعاطفة الحبّ المقدّس بين البشر هو ذاك الّذي يربط بين الأزواج المحبّين بعضهم ببعض ، حيث تتجلّى الحريّة الكاملة في التّعبير عن الحبّ وممارسته بين الزوج وزوجته ، بوصفهما حبيب ومحبوبة ، ، إذ يحدث التعرّي والانكشاف المطلق لكليهما على بعضهما ليس الانكشاف والتعرّي المقترن بالمعاشرة الزوجيّة والاتّحاد الجسدي فحسب ، بل والعاطفيّ والرّوحي كذلك ، فتصبح وتمسي العاطفة في اتّحاد متّقد مع العاطفة ، والجسد قي شوق لاينقطع للجسد والنّفس للنّفس والرّوح للرّوح ، في نوعٍ من التّماهي الرّوحيّ الّذي يستمدُّ قوّته وقدرته على التمتّع بالحبّ والإحساس بالسّعادة من فعل الحضور الإلهيّ في حياتنا ، الحبّ هنا حبٌّ كاملٌ يشمل الغريزة والّلذّة المرتبطة بها والعاطفة والعقل والنّفس والرّوح ، حبٌّ يجعل من الإثنين واحداً .
الأمر الّذي يتعذّر في حال حدوثه الانفصال بين الزّوج والزّوجة لعلّة الرّباط الرّوحيّ المقدّس المستمدّ من السّرّ المقدّس - (الحبّ) - بينهما ، ففي الزّواج المؤسّس على الحبّ يصبح الزّواج رمزاً للوحدة والكثرة ، والحبُّ لا يخبو في العلاقة الجسديّة بين الحبيبين ، بل يتصاعد باستمرار ، فتغدو الحبيبة تجسيداً لنساء الأرض أجمعين ، والحبيبُ تجسيداً للرّجال كافّة . هذا الحبُّ يحقّقُ الإشباع الجسديّ - المقترن بالغريزة والشّهوة والهوى - ، والعاطفي الرّوماتسيّ والرّوحيّ كذلك ، ما يجعل من السّعادة المستمدّة من الحب وعاطفة الحبّ أمراً في متناول أيدينا .
المسألة الأخرى صحيحٌ أنَّ للحبّ طبيعة تسمو على المادّة والأشياء ، طبيعة روحيّة مجرّدة تستمدُّ وجودها من سماء المثل العليا بل من مثال المثل جميعاً وهو الله ، لكنَّ جلال الحبِّ يتجلّى في تعيّنه المستمرّ في حياتنا ، عبر تداوله بين البشر الخليقين به ، فممارسة الحبّ - من وجهة نظري – تثري الحب ولا تنقصه ولكن أيُّ ممارسة ؟ إنّها الممارسة الخلاّقة للحبّ ذاته والمحافظة عليه ، والذّود عنه من كلّ أذى يتربّص به .
اسمح لنفسي بالقول ، أنَّ ممارسة فعل الحبّ والاعتمار الدّائم بعاطفة الحبِّ ، أمرٌ ضروريٌّ في تعميق حضور سرّ الحبّ المقدّس في حياتنا ، وإن كنت أرى أنَّ ممارسة فعل الحبّ المقترن بالعلاقة الجسديّة بين الحبيبين ، ينبغي ألاَّ يبرح ساحة القداسة المشفوعة بعاطفة التّقدير والاعتزاز والاحترام للحبيب ، ذلك أنَّ لذّة الحب أدوم من لذّة الجسد وأسمى ، مع أنَّ لذّة الجسد ضروريّة ونافعة إن تماهت مع لذّة الحبّ ، ففي ذلك اتّحادٌ جوهريٌّ للجسدي بالرّوحي ، فطوبى لمن تماهت لذّة الجسد لديه بلذّة الرّوح .
نعم أعتقد أنَّ الحبّ بين الجنسين (الرّجل والمرأة ) المثال الأسمى للحب ومردّه إلى واحديّة الأصل الإنساني ، الأصل الّذي يردّ المرأة إلى رجلها والرّجل إلى امرأته ، لأنّهما في الأصل شخصٌ واحد ، جسدٌ واحد نفسٌ واحدة ، دمٌ واحد ، عقلٌ واحد ، وروحٌ واحدة . ففعل الحبّ وعاطفة الحبّ في جوهريهما نزوع لتحقيق الوحدة الوجوديّة للأصل الإنساني ، بهذا المعنى يكون الرّجل امرأة والمرأة رجلاً ، الذّكر أنثى والأنثى ذكر ، ممّا يضفي على الحبّ وعاطفة الحبّ مشروعيّة من النّاحية الوجوديّة الطّبيعيّة ، وفي هذا النّوع من الحبّ يُصبح كلّ شيء مباحاً .
وبالتّالي ليس أجمل من تحوّل الحبّ إلى عادة ، ولكن ليس أي عادة وهذا هو المعنى الّذي أوافق الرّأي عليه ، فالعادة نقيض للتجدّد والولادة الجديدة الّتي تكمن في صميم الحبّ ذاته ، أمّا إذا تحوّل الحبُّ إلى عادة عبر ممارسته الفعليّة في الحياة ، فعلى كيفيّة هذه العادة والفلسفة الّتي تنطلق منها ، يمكن للحب الاحتفاظ بمكانته الرّفيعة ومنزلته المهيبة في حياتنا اليوميّة ، على اعتبار أنَّ مزاولة فعل الحبّ تنتهي بالمحبّ إلى الإدمان على فعله دون كلل أو ملل . إنّه الطّعام الّذي لا نملّه والشّراب الّذي نستزيده دون انقطاع ، إنّه الحبل السّريُّ الّذي يصلنا بالحياة الهانئة .
يكفينا أن ننظر ماذا فعل سرّ الحبّ المقدّس فينا ، أليس هذا التفلسف المثمر من بركات هذا الحبّ ؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.