«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأمّلات فلسفيّة في الحبّ الإنساني (1)
نشر في شموس يوم 29 - 08 - 2014


بقلم : الدّكتور سامي الشّيخ محمّد
قضيّةٌ تشغل بال معظمنا ، إنّها قضيّة الحب ، فما ماهيّةُ الحبّ ؟ وما الفلسفة الّتي يقوم عليها في حياتنا الإنسانيّة .
ثمّة أسئلة تطلُّ علينا ، حيال موضوع الحبّ ، بوصفه موضوعاً يهيمن على كياننا كلّه ، يتحكّم في سلوكنا ، يحدّدُ وجهة سيرنا وكيفيّة تعاملنا مع البشر والأشياء من حولنا ، فالحبّ يتّصل بسعادتنا الوجوديّة الدّائمة ، إذا ماستولى علينا يجعلنا خدماً ... عبيداً مطيعين لمن نحبّ بملء إرادتنا ، لا لشيء إلاّ لأنّهُ مفتاح سعادتنا الرّاهنة والمستقبليّة ، فهو يصنع المعجزات ، حتّى يمكنُ القول أنّه لا شيء محال تحقيقه في حضرة الحبّ .
فما هو هذا الحبُّ ، وما السرُّ الّذي ينطوي عليه لما له من فعل إعجازيٍّ في الحياة ؟
اُنظر : ما اقترن الحبّ بشيء إلاَّ وحصلت السّعادة به ، فكم هي تلك الأطعمة ، المساكن الأشربة ، الملابس ، الطّبيعة ، العواطف ،الأجساد ، الأنفس والعقول الأرواح ، العلاقات الإنسانية ، الأيديولوجيّات والعقائد الّتي يحلُّ الحبّ فيها ، تكون أسباباً لسعادتنا الدّنيويّة ، ومفاتيح حقيقيّة لحياتنا الموعودة ؟!.
أعتقد أنّنا بالحبّ نمارس قدراً أكبر من حريّة الرّأي والتّعبير الرّمزيّ والّلفظيّ والحسيّ حيال من نحبّ . أيضاً يتجاوز الحبّ حدود العلاقة بعالم المادّة والأشياء ، ليسمو ويتعالى على المحسوس شطر الّلامحسوس ، شطر الفنيّ والجماليّ والأخلاقيّ ، بعد كلّ ذلك أليس الحبّ بجوهرٍ سرمديّ قائم في حياتنا وفي العالم من حولنا ؟
الحب سر حياتنا وتجدّدنا الأمثل في الحياة ، بل أكثر من ذلك ، فإن شئت القول بأنّه سر الوجود بأسره فلن نجافي بذلك حقيقته الإعجازية ، لأنه عنوان للواحدية ، واحدية الروح وإن توزّعت على الأفراد والظواهر والأشياء ، أما عن صلته بالعبودية وبالحرية ، فنرى أنَّ عبودية الحب تنطوي في ذاتها على قدر مطلق من الحرية ، فهو يجعل المحبوب يستحوذ على كياننا كلّه لأنّه كما قلت يمنحنا الحرية والشعور بالرضا والسعادة ، ويحقق لنا الثقة بالذات والسيادة بآن معاً ، لأنّه السيّد الّذي يُسخر ذاته لأجلنا ويتفانى في العمل على إسعادنا ، لذا استحقّ منّا تعبيد أنفسنا الحرّ له وحده لا لسواه ، كونه الضّامن الأكيد لحريّتنا وكرامتنا الشخصيّة .
صحيح أنَّ الحب خبز الحياة وملحها ، فإن غاب عنا حصل الجوع واضطرب الذّوق ، وصحيح ايضاً أنَّ ماهية الحب واحدة ، فهي الوثاق الّذي يؤلّف الكثرة لتنعم به . وليُسمَحَ لي بهذه المقاربة الفلسفية : إذا كان فعل الحب يصنع المعجزات ، فيطوي المسافات القائمة بين الأحبّة فيقربهم إلى حد الوحدة الوجوديّة الروحية ، وإذا كانت الحياة لا تستقيم بغير الحب ، فيصبح صحيحاً قولنا ، بالحب وحده يحيا الإنسان ، سيما أنَّ جوهر الحب كلمة تنطوي على فعل ، هذه الكلمة الّتي هي بمثابة الخبز لحياتنا ، تتجاوز الخبز الّذي نعرفه ، إلى خبزٍ من نوعٍ آخر إنّهُ الخبزٌ المقدّس ، الّذي يحيا الإنسان به ويعتمر بالسعادة الّتي يهبُنا إيّاها .
ولكن الحب لا يستجيب لمنطق خارجي عن ذاته ، لأنَّ منطق الحب هو الحب ذاته كما تقول بعض الفلسفات وأوافقها الرّأي في ذلك ، وهو وجود يتجاوز حدود العقل البشري ، لأنّه وجود إعجازي ، كان القلب والشّعور والإحساس أقرب إليه من العقل ، الّذي يُضعف جذوة الحب المتقدة فينا ، والسّؤال : هل كلّ شيء مباح في حضرة الحب ؟ بمعنى هل ثمة قيود وأصفاد تحد من فاعلية الحب في حياتنا ؟ أم أنّه حرٌّ يتمتع بالحرية المطلقة ، فلا عوائق أو قيود أو محرمات تحول دون فعله الإعجازي في الحياة ؟ وهل ثمة فارق بين الحب وعاطقة الحب ، بمعنى هل بوسعنا الكلام عن الحب بمعزلٍ عن عاطفة الحب ؟ ثم هل للحب طبيعة أخلاقيّة محكوم بها ؟ أم أنَّ له طبيعة خاصّة به مستقلّة عن أي اعتبارات أخلاقية متعارف عليها ؟ .
بعد هذه الإفاضة في الحديث عن الحب بوصفه سرّاً بمعنى مّا وعاطفة بمعنى آخر ، أليس خليقاً أن يكون سرّاً مقدّساً ؟ أؤمن بأنَّ الحبّ سرٌّ مقدّس يتصدّرُ جملة أسرار حياتنا الخاصّة ، لذا نجد غالبية العاشقين يخفون في معظم الأحيان حبّهم الحقيقيّ عمّن يحيط بهم من أقران وأصدقاء ، فلا يُسرُّونَ به إلاَّ لأنفسهم ولأحبتهم فحسب ، ولأنّه سرٌّ اقتضى ألاَّ يكون مفضوحاً أمام الآخرين ، بمعنى أنَّ انكشافه للملأ يقلّل من رونقه وفاعليّته في أنفسنا ، أمّا انكشافه للمحبوب فيضفي عليه حلّة إضافيّة من الجمال والقداسة يزدان بها ، ولأنَّ الحب كما عرّفته سرٌّ مقدّسٌ فهو منطقة حرام ينبغي ألاَّ يطأ ساحتها إلاَّ المحبّ نفسه فحسب ، ولكونه سرّأً مقدّساً ينبغي ألاَّ يطّلع أحدٌ عدا المحبّ والمحبوب على تفاصيله وخفاياه ، ففي ذلك نيلٌ من الجمال ومسٌّ بالقداسة الّتي يتّسم بها ، فضلاً عن العواقب غير المحمودة الّتي تترتب على ذلك .
هذا السّرُّ يفتحُ أعيننا على حقيقة الحياة ، وما فيها من حسن وجمال ، ناهيك عن السّعادة الّتي يهبنا إيّاها ، فيصبح القول (بالحبِّ وحده يحيا الإنسان) ، قولاً مأثوراً يستحقُّ التّنويه به ، عبر العصور والأزمنة .
نعم الحبُّ سرٌّ عظيم الفاعليّة في حياتنا ، إذ ينطوي على قدرة هائلة تحملنا على الحيويّة والنّشاط والإبداع ، وإحراز التّقدّم والتفوّق في ميادين الحياة المختلفة .
وللحبّ صلات وثيقة بالكثير من المعاني القيميّة والأخلاقيّة : الوفاء ، الإخلاص ، الإيثار ، الصّفح ، التّسامح ، التّضحية ، العطاء ، التّقدير والاحترام ، والتّماهي ... الخ .
من ناحية اخرى بوسعنا توصيف الحبِّ بوصفه جوهراً له ملحقات وأعراض كثيرة ، من هذه الملحقات : العاطفة ، الغريزة ،الحسّ ، العقل ، الرّوح ، وهي أبرز الحقول الّتي يفعل الحبُّ فيها فعله ، حتى أمكن لنا الحديث عن الحبّ العاطفيّ ، الحبّ الغريزيّ ، الحبّ الحسيّ ، الحبّ العقليّ ، والحبّ الرّوحيّ ، هذه الملحقات هي بدورها جواهر منبثقة عن جوهر الحبّ ذاته ، ولها صورٌ وأعراضٌ مرتبطةٌ بها ، فأعراض الحب العاطفي وصوره كثيرة منها : الحب المتبادل للأبناء والآباء والأمهات والأجداد والأحفاد ، حب الأقران لبعضهم البعض ، حب الأقارب ، حبّ الأصدقاء ، والحبُّ المتبادل بين الأولاد والبنات ، والشّباب والفتيات ، والرّجال والنّساء .
أمّا أعراض الحبّ الحسّيّ وصوره فتلك المتّصلة بحواس الجسد ، البصر ، الّذوق ، الشّمّ ، السّمع ، الّلمس ، فالحبّ المتّصل بالبصر، يتجلّى في رؤية الأشياء الجميلة ، والحبّ المتّصل بحاسّة الذّوق ، يتّصل بالأطعمة المفضّلة ، كذلك الحبّ المتّصل بالشّمّ ، نحصلُ عليه من الرّوائح العطرة الّتي نشمّها ، أمّا الحبّ المتّصل بالسّمع يتمثّلُ في حبّ الاستماع للأصوات الجميلة المحيطة بنا ، كذلك حبّ الّلمس يتجسّدُ في لمسنا للأشياء الّتي تجلب لنا الشّعور بالمتعة والرّاحة .
كذلك أعراض الحبِّ الغرائزيّ وصوره متعدّدة منها : الحبّ المتعلّق بغرائز الجسد العضويّة والفيزيولوجيّة من قبيل ، الطّعام ، الماء ، الجنس ، من هنا يأتي حديثنا عن حبّ الطّعام ، حب الماء ، حبّ الجنس ، والحبُّ هنا يرتبط بالحاجة العضويّة الجسديّة لتلك الأشياء ، وبالّلذّة الّتي تحقّق للجسد الإشباع الماديّ والنّفسيّ من زاوية الكمّ والكيف .
يركّز هذا النّوع من الحبُّ على تلبية تلك الاحتياجات ، وعلى الجانب الكيفيّ فيها (الّلذّة الّتي تصحبها عند تناول الجسد لها ) .
أيضاً الحبُّ العقليّ فأعراضه وصوره متنوّعة منها : حبّ التّعلّم والتّعليم ، القراءة ، الكتابة ،الاكتشاف ، الإبداع والاختراع ... الخ .
وأمّا الحبّ الرّوحي ، فميدانه حبّ التديّن والقداسة ، والله ، ويمكن للحبّ الرّوحي أن يشمل حبُّ الحبيب للمحبوب في أعلى مراتب الحبّ العاطفي والحسيّ والعقليّ والغرائزيّ . رغم تركيزه على الجانب الرّوحيّ منزّهاً عن علائق المادّة و الجسد . ويبقى الحبّ الرّوحيّ أسمى ملحقات الحبّ وجواهره ، لا سيّما حبّنا لله . هذا الحبّ يجلب لنا السّعادة والسّرور ، والحريّة الحقيقيّة الّتي لا تقوى عليها كلّ القوى الكونيّة في العالم .
أمّا عن صلة الحبّ بالحريّة فأوافق الرّأي المخصوص بذلك ، من زاوية أنَّ هذا السّرّ ، يُحرّرنا من الخجل أمام الحبيب ، ويمنحنا القدرة على القبول والرّفض ، على القول نعم أو لا ، وعليه ففعل الحبّ في جوهره فعلٌ تحرير ، يخلّصنا من القيود الّتي تحدُّ من فاعليّتنا ، ومن السّلبيّة غير المنتجة في حياتنا ، ولكن هل نحن أحرار في التّعبير عن فعل الحب ومزاولتنا له ، أم أنَّ ثمّة قيود وأصفاد تحدّ من فاعليّتنا الحرّة حياله ؟ أعتقد أنَّ حرّيتنا في تعاملنا مع الحبّ ينبغي ان تكون مطلقة إطلاقيّة الحبّ ذاته ، فنصبح أحراراً بالحب الّذي نحيا به . فلا عيب ولا نقص في أن نكون أحراراً في امتلاكنا للحب السّرّ والعاطفة .
ففي حضرة سيّدنا الحبّ لا قيمة للماديّات مهما عظم شانها ، لا خوف من أن تفسد هذا السّر الإعجازيّ العظيم ، فللحبّ قدرة هائلة تتجاوز العوائق الفيزيائيّة بين المحبّين أيّاً كان نوع تلك العوائق ، ففضاء الحريّة يتّسع فضاء الحبّ ذاته ، ويتماهى معه ، وبالتّالي فلا حريّة بلا حبّ ولا حبّ بلا حريّة . ونحن أحرار لأنّنا نحبّ .
من جهة أخرى يتّصف الحب باللاّنهائيّة ، وليس للموت سلطانٌ عليه ، كونه من طبيعة روحيّة مطلقة ، فلا سلطان عليه إلاَّ للسلطان الإلهي السّرمديّ . ولعل المثل الأسمى لممارسة فعل الحبّ والشّعور بعاطفة الحبّ المقدّس بين البشر هو ذاك الّذي يربط بين الأزواج المحبّين بعضهم ببعض ، حيث تتجلّى الحريّة الكاملة في التّعبير عن الحبّ وممارسته بين الزوج وزوجته ، بوصفهما حبيب ومحبوبة ، ، إذ يحدث التعرّي والانكشاف المطلق لكليهما على بعضهما ليس الانكشاف والتعرّي المقترن بالمعاشرة الزوجيّة والاتّحاد الجسدي فحسب ، بل والعاطفيّ والرّوحي كذلك ، فتصبح وتمسي العاطفة في اتّحاد متّقد مع العاطفة ، والجسد قي شوق لاينقطع للجسد والنّفس للنّفس والرّوح للرّوح ، في نوعٍ من التّماهي الرّوحيّ الّذي يستمدُّ قوّته وقدرته على التمتّع بالحبّ والإحساس بالسّعادة من فعل الحضور الإلهيّ في حياتنا ، الحبّ هنا حبٌّ كاملٌ يشمل الغريزة والّلذّة المرتبطة بها والعاطفة والعقل والنّفس والرّوح ، حبٌّ يجعل من الإثنين واحداً .
الأمر الّذي يتعذّر في حال حدوثه الانفصال بين الزّوج والزّوجة لعلّة الرّباط الرّوحيّ المقدّس المستمدّ من السّرّ المقدّس - (الحبّ) - بينهما ، ففي الزّواج المؤسّس على الحبّ يصبح الزّواج رمزاً للوحدة والكثرة ، والحبُّ لا يخبو في العلاقة الجسديّة بين الحبيبين ، بل يتصاعد باستمرار ، فتغدو الحبيبة تجسيداً لنساء الأرض أجمعين ، والحبيبُ تجسيداً للرّجال كافّة . هذا الحبُّ يحقّقُ الإشباع الجسديّ - المقترن بالغريزة والشّهوة والهوى - ، والعاطفي الرّوماتسيّ والرّوحيّ كذلك ، ما يجعل من السّعادة المستمدّة من الحب وعاطفة الحبّ أمراً في متناول أيدينا .
المسألة الأخرى صحيحٌ أنَّ للحبّ طبيعة تسمو على المادّة والأشياء ، طبيعة روحيّة مجرّدة تستمدُّ وجودها من سماء المثل العليا بل من مثال المثل جميعاً وهو الله ، لكنَّ جلال الحبِّ يتجلّى في تعيّنه المستمرّ في حياتنا ، عبر تداوله بين البشر الخليقين به ، فممارسة الحبّ - من وجهة نظري – تثري الحب ولا تنقصه ولكن أيُّ ممارسة ؟ إنّها الممارسة الخلاّقة للحبّ ذاته والمحافظة عليه ، والذّود عنه من كلّ أذى يتربّص به .
اسمح لنفسي بالقول ، أنَّ ممارسة فعل الحبّ والاعتمار الدّائم بعاطفة الحبِّ ، أمرٌ ضروريٌّ في تعميق حضور سرّ الحبّ المقدّس في حياتنا ، وإن كنت أرى أنَّ ممارسة فعل الحبّ المقترن بالعلاقة الجسديّة بين الحبيبين ، ينبغي ألاَّ يبرح ساحة القداسة المشفوعة بعاطفة التّقدير والاعتزاز والاحترام للحبيب ، ذلك أنَّ لذّة الحب أدوم من لذّة الجسد وأسمى ، مع أنَّ لذّة الجسد ضروريّة ونافعة إن تماهت مع لذّة الحبّ ، ففي ذلك اتّحادٌ جوهريٌّ للجسدي بالرّوحي ، فطوبى لمن تماهت لذّة الجسد لديه بلذّة الرّوح .
نعم أعتقد أنَّ الحبّ بين الجنسين (الرّجل والمرأة ) المثال الأسمى للحب ومردّه إلى واحديّة الأصل الإنساني ، الأصل الّذي يردّ المرأة إلى رجلها والرّجل إلى امرأته ، لأنّهما في الأصل شخصٌ واحد ، جسدٌ واحد نفسٌ واحدة ، دمٌ واحد ، عقلٌ واحد ، وروحٌ واحدة . ففعل الحبّ وعاطفة الحبّ في جوهريهما نزوع لتحقيق الوحدة الوجوديّة للأصل الإنساني ، بهذا المعنى يكون الرّجل امرأة والمرأة رجلاً ، الذّكر أنثى والأنثى ذكر ، ممّا يضفي على الحبّ وعاطفة الحبّ مشروعيّة من النّاحية الوجوديّة الطّبيعيّة ، وفي هذا النّوع من الحبّ يُصبح كلّ شيء مباحاً .
وبالتّالي ليس أجمل من تحوّل الحبّ إلى عادة ، ولكن ليس أي عادة وهذا هو المعنى الّذي أوافق الرّأي عليه ، فالعادة نقيض للتجدّد والولادة الجديدة الّتي تكمن في صميم الحبّ ذاته ، أمّا إذا تحوّل الحبُّ إلى عادة عبر ممارسته الفعليّة في الحياة ، فعلى كيفيّة هذه العادة والفلسفة الّتي تنطلق منها ، يمكن للحب الاحتفاظ بمكانته الرّفيعة ومنزلته المهيبة في حياتنا اليوميّة ، على اعتبار أنَّ مزاولة فعل الحبّ تنتهي بالمحبّ إلى الإدمان على فعله دون كلل أو ملل . إنّه الطّعام الّذي لا نملّه والشّراب الّذي نستزيده دون انقطاع ، إنّه الحبل السّريُّ الّذي يصلنا بالحياة الهانئة .
يكفينا أن ننظر ماذا فعل سرّ الحبّ المقدّس فينا ، أليس هذا التفلسف المثمر من بركات هذا الحبّ ؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.