p style=\"text-align: justify;\"حسن زايد: p style=\"text-align: justify;\"من اليسير أن يتشدق الإنسان بالمباديء ، وأن يُنَظِّر للأخلاق والقيم ، وأن يُقَيِّم الآخرين علي ضوء ما يتشدق به ، ويُنَظِّر له . هذا علي مستوي الأفراد . وهناك من الأمم والشعوب من يتقمص دور الأفراد في هذا الصدد ، فتُقِيم من نفسها وصياً علي الشعوب والأمم الأخري ، الأكثر ضعفاً ، أو الأكثر فقراً ، أو الأقل عدداً وعدة ، فترسم لها بذلك طريقها في الحياة ، وتحدد لها موقفها من الكون والوجود ، وما يتعين عليها الإلتزام به من قيم وأخلاق ومباديء p style=\"text-align: justify;\" ، وقد يمتد الأمر إلي فرض ذلك ، إما بقوة السلاح ، أو بفرض العقوبات ، أو الحصار الإقتصادي . والمحك الذي تقاس عليه مصداقية الشعوب والأمم هو الإلتزام بما تدعيه ولو علي نفسها ، فإن طبقت ذات المعايير التي تطبقها إزاء الغير علي نفسها ، أضحت نموذج يُحتذَي ، ومثل يُقتدَي ، أما إذا تملصت منها ، واختلقت الأعذار التي أفضت إلي انتهاكها فهي دعيَّة كاذبة ، تجابه بذات ما توجهه للشعوب والأمم الأخري من تهم وجرائم ، وتُوَاجه بذات العقوبات إن تيسر ذلك . p style=\"text-align: justify;\"وليس في ذلك دعوي لنبذ الأخلاق والقيم والمباديء ، أو إعطاء مشروعية لانتهاكها والتخلص منها ، وإنما صيانة لها ، والذود عن حياضها ، وذَبُّ الأدعياء عنها . وقد كان من نصيب دول العالم الثالث أن تُلصق بها كل نقيصة أخلاقية أو قيمية فيما يتعلق بالتعامل مع الإنسان ، وذلك من جانب العالم الغربي الذي احتل هذه الدول بدعوي الإستعمار زوراً وبهتاناً لاستنزاف ثرواتها ، واستعباد أهلها ، خدمة للحضارة الغربية ،التي أثرت علي حساب إفقار الشعوب الأخري ، وتقدمت علي حساب تخلفها عن الركب الحضاري ، وما تركتها وشأنها حتي ضمنت تبعيتها ، وإعادة إنتاج احتلالها بصور أخري تختلف عن الصورة البدائية الأولي . لا أقول ذلك لتبرئة دول العالم الثالث من تهم انتهاك حقوق الإنسان ، لأنها منتهكة بالفعل ، ولكن لأقول بأن العالم الغربي الأول في التصنيف الحضاري لم يبلغ الرشد بعد في التعامل مع حقوق الإنسان علي نحو ما يدعي ، p style=\"text-align: justify;\"ولولا حالة الرفاه الإقتصادي الذي تعيشه هذه الدول لانكشف موقفها من حقوق الإنسان علي نحو ما هو منكشف في الدول الفقيرة ، ليس معني ذلك أن العامل الإقتصادي هو الحاسم في المسألة ، وإنما هو وريقة التوت التي تغطي بها هذه الدول سوئتها الحضارية التي قامت علي امتصاص دماء الشعوب المستضعفة . ومن هنا لا معني مطلقاً لمواقف الدول الغربية التي تتخذها من دول العالم الثالث بسبب حقوق الإنسان ، p style=\"text-align: justify;\"وتصبح حقوق الإنسان هي الأداة التي تستخدمها هذه الدول لمزيد من الانتهاك لحقوق الإنسان فيها . وإنفاق الملايين من الدولارات علي أذنابها من أبناء هذه الدول ، ومكاتب حقوق الإنسان فيها ، لزعزعة استقرار هذه الدول وتأليب الشعوب علي أنظمتها ، بحق أحياناً ، وبغير حق في معظم الأحايين . ومن خلال تقاريرهم في هذا المجال يتم التدخل والنفاذ وفرض الضغوط لا لصالح حقوق الإنسان ، ولكن لأغراض أخري تخدم أهدافها . وعندما يمس الأمر نظام من الأنظمة الغربية فإنه ينحي حقوق الإنسان جانباً ، ويتصرف علي ضوء ما يخدم نظامه ولو كان هذا التصرف يحطم حقوق الإنسان . p style=\"text-align: justify;\"ولا أدل علي ذلك من قول ديفيد كاميرون تعليقاً علي مظاهرات لندن ، بأنه إذا قام ما يهدد الأمن القومي للبلاد ، فلا تسألني عن حقوق الإنسان ، ولتذهب حقوق الإنسان إلي الجحيم . فإذا حدث ما يهدد الأمن القومي لدول العالم الثالث ، وتحركت علي نحو ما ذهب إليه كاميرون ، قامت الدنيا ولم تقعد . إذن هناك ازدواجية فاضحة في المعايير تميل إلي صالح الأقوي . ولعل الأحداث الأخيرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية المتعلقة بقتل الشرطة لشاب أسود ، وما أعقب ذلك من اضطرابات عرقية ، وتعامل الشرطة معها ، تفضح الصنم الأمريكي أمام عابديه ، والمسبحين بحمده في المشرق العربي عمالة أو جهلاً ليل نهار . p style=\"text-align: justify;\"ثم جاء الحادث الثاني الذي أسفر عن قتل شاب أسود في ذات الولاية علي أيدي ذات رجال الشرطة ، ليحطم ذلك الصنم الأمريكي ، ويلقي بشظاياه في وجوه عابديه باعتباره النموذج والمثل في مجال حقوق الإنسان ، إنه مجتمع طفح عنصريته المقيتة فجأة فور وجوده علي المحك . فتعاملت الشرطة بالرصاص الحي في مواجهة شاب أسود أعزل ، وواجهت آخرأسود بالرصاص الحي لمجرد رفعه سلاح أبيض في مواجهة اثنين من رجالاتها ، ولتذهب بذلك حقوق الإنسان إلي الجحيم ، وتعاملت علي إثر ذلك مع المتظاهرين السلميين بخشونة وعنف لا يتسقان مع حقوق الإنسان . وعندما رغبت مصر في التعبير عن حقها في التعليق علي الأحداث الجارية في أمريكا ،أخذاً بمبدأ المعاملة بالمثل المعمول به بين الدول ، والتعبير عن متابعتها للإحتجاجات والمظاهرات المتصاعدة ، وأنها تؤيد تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة التي تطالب السلطات الأمريكية بضبط النفس واحترام حق التجمع والتعبير السلمي عن الرأي p style=\"text-align: justify;\". جاء رد الفعل الأمريكي المتعالي ليعبر عن مدي العنصرية التي تنطوي عليها نظرتهم إلي العالم ، إذ جاءت تصريحات السلطات المتهافتة لتقول بأن أمريكا تتعامل مع مشاكلها بنزاهة وشفافية ، وأن ما يحدث لديها لا يمكن مقارنته بما يجري في أي بلد أخري في العالم ، وأن ما تنعم به أمريكا من حرية تعبير لا يمكن أن تحظي به حرية التعبير في مصر . ولا أدري ما علاقة هذه التصريحات بما يجري علي الأرض من انتهاكات لحقوق الإنسان ، المفترض أنها تستفز أي إنسان من حيث كونه إنسان ، فتدفعه إلي مطالبة السلطات بضبط النفس واحترام حق التجمع والتعبير السلمي عن الرأي؟ . بغض النظر عما ترتكبه الدول الأخري ، لو كانت المسألة مسألة مبدأ p style=\"text-align: justify;\". ولا أدري ما موقف السادة ذوات الضمير الوارم علينا من تلك الإنتهاكات ؟ . وهل صدرت عنهم تقارير الشجب والإدانة ، وأعلنوا عن استياءهم وقلقهم من تلك الإنتهاكات ؟ . أم أنهم لو فعلوها لأغلق عليهم صنبور الحياة ؟ . نحن مع حقوق الإنسان ، ولكن لا نتاجر بها في سوق النخاسة الذي نصبته المجتمعات الغربية وعلي رأسها أمريكا .